من بعد ماجاءتهم البينات أى المعجزات التى أظهرها لفرعون من العصا واليد البيضاء وفلق البحر وغيرها أو الحجج الواضجة الدالة على ألوهيته تعالى ووحدته لاالتوراة لأنها إنما نزلت عليهم بعد الاتخاذ فعفونا عن ذلك الاتخاذ حين تابوا وفى هذا على ماقيل : استدعاء لهم التوراة كأنه قيل : إن أولئك الذين أجرموا تابوا فعفونا عنهم فتوبوا أنتم أيضا حتى نعفو عنكم .
واتينا موسى سلطانا مبينا .
153 .
- أى تسلطا ظاهرا عليهم حين أمرهم أن يقتلوا أنفسهم توبة عن اتخاذهم وهذا على ماقيل : وإن كان قبل العفو فان الأمر بالقتل كان قبل التوبة لأن قبول القتل كان توبة لهم لكن الواو لاتقتضي الترتيب واستظهر أن لايجعل التسلط ذلك التسلط بل تسلطا بعد العفو حيث انقادوا له ولم يتمكنوا بعد ذلك من مخالفته ورفعنا فوقهم الطور وهو ماروى عن قتادة جبل كانوا فى أصله فرفعه الله تعالى فجعله فوقهم كأنه ظلة وكان كمسكرهم قدر فرسخ فى فرسخ وليس هو على مافى البحر الجبل المعروف بطور سيناء والظرف متعلق برفعنا وجوز أن يكون حالا من الطور أى رفعنا الطور كائنا فوقهم بميثاقهم أى بسبب ميثاقهم ليعطوه على ماروى أنهم امتنعوا عن قبول شريعة التوراة فرفع عليهم فقبلوها أو ليخافوا فلا ينقضوا الميثاق على ماروى أنهم هموا بنقضه فرفع عليهم الجبل فخافوا وأقلعوا عن النقيض قيل : وهو الأنسب بقوله تعالى بعد : وأخذنا منهم ميثاقا غليظا وزعم الحبائى أن المراد بنقض ميثاقهم الذى أخذ عليهم بأن يعلموا بما فى التوراة فنقضوه بعبادة العجل وفيه إن التوراة إنما نزلت بعد عبادتهم العجل كما مر آنفا فلايتأتى هذا وقال أبو مسلم : إنما رفع الله تعالى الجبل فوقهم إظلالا لهم من الشمس جزاءا لعدهم وكرامة لهم ولايخفى أن هذا خرق لاجماع المفسرين وليس له مستند أصلا .
وقلنا لهم على لسان يوشع عليه السلام بعد مضى زمان التيه ادخلوا الباب قال قتادة فيما رواه ابن المنذر وغيره عنه : كنا نتحدث أنه باب من أبواب بيت المقدس وقيل : هو ايلياء وقيل : أريحاء وقيل : هو اسم قرية أو قلناهم على لسان موسى عليه السلام والطور مظل عليهم ادخلوا الباب المذكور إذا خرجتم من التيه أو باب القبة التى كانوا يصلون اليها لأنهم لم يخرجوا من التيه فى حياته عليه السلام والظاهر عدم القيد سجدا متطامنين وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ركعا وقيل : ساجدين على جباهكم شكرا لله تعالى وقلناهم على لسان داود عليه السلام لاتعدوا أى لاتتجاوزوا ماأبيح لكم أولا لاتظلموا باصطياد الحيتان فى السبت ويحتمل كما قال القاضى بيض الله تعالى غرة أحواله أن يراد على لسان موسى عليه السلام حين ظلل الجبل عليهم فانه شرع السبت لكن كان الاعتداء فيه والمسخ فى زمن داود عليه السلام وقرأ ورش عن نافع لاتعدوا بفتح العين وتشديد الدال وروى عن قالون تارة سكون العين سكونا محضا وتارة إخفاء فتحة العين فأما الأول فأصلها تعتدوا لقوله تعالى : اعتدوا منكم فى السبت فانه يدل على أنه من الاعتداء وهو افتعال من العدوان فأريد إدغام تائه فى الدال فنقلت حركتها إلى العين وقلبت دالا وأدغمت وأما السكون المحض فشىء لايراه النحويون لأنه جمع بين ساكنين على غير حدهما وأما الإخفاء والاختلاس فهو أخف من ذلك لما أنه قريب من الاتيان بحركة ما وقرأ الاعمش تعتدوا