الدنيا وهى راغمة ومن كانت نيته الدنيا فرق الله تعالى عليه ضيعته وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ماكتب له وجوز أن يقدر الجزاء من جنس الخسران فيقال : من كان يريد ثواب الدنيا فقط فقد حسر وهلك فعند الله تعالى ثواب الدنيا والآخرة له إن أراده وفى صحيح مسلم عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال : سمعت النبى صلى الله عليه و سلم يقول : أول اناس يقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد فاتى به فعرفه نعمه فعرفها قال : فما عملت فيها قال : قاتلت فيك حتى استشهدت قال : كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال : جرىء فقد قيل : ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى فى النار ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال : فما عملت فيها قال : تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال : كذبت ولكنك تعلمت ليقال : عالم وقرأت ليقال : هو قارىء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى فى النار ورجل وسع الله تعالى عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال : فما عملت فيها قال : ماتركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها قال : كذبت ولكنك فعلت ليقال : هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى فى النار وقيل : إنه الجزاء إلا أنه مؤل بما يجعله مرتبا على الشرط لأن مآ له أنه ملوم موبخ لتركه الأهم الأعلى الجامع لما أراده مع زيادة لكن من يشترط العائد فى الجزاء يقدره كما أشرنا اليه وقيل : المراد أنه تعالى عنده ثواب الدارين فيعطى كلا مايريده كقوله تعالى من كان يريد حرث الآخرة نزد له فى حرثه الآية وكان الله سميعا بصيرا .
134 .
- تذييل لمعنى التوبيخ أى كيف يرائى المرائى وأن الله تعالى سميع بما يهجس فى خاطره وما تأمر به دواعيه بصير بأحوله كلها ظاهرها وباطنها فيجازيه على ذلك وقد يقال : ذيل بذلك لأن إرادة الثواب إما بالدعاء وإما بالسعى والأول مسموع والثانى مبصر وقيل : السمع والبصر عبارتان عن اطلاعه تعالى على غرض المريد للدنيا أو الآخرة وهو عبارة عن الجزاء ولايخفى أنه كان لايخلوا عن حسن إلا أنه يوهم إرجاع صفة السمع والبصر إلى العلم وهو خلاف المقرر فى الكلام ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط أى مواظبين على العدل فى جميع الأمور مجتهدين فى ذلك كل الاجتهاد لايصرفكم عنه صارف .
وعن الراغب أنه سبحانه نبه بلفظ القوامين على أن مراعاة العدالة مرة أو مرتين لاتكفى بل يجب أن تكون على الدوام فالأمور الدينية لااعتبار بها ملم تكن مستمرة دائمة ومن عدل مرة أو مرتين لايكون فى الحقيقة عادلا أى لاينبغى أن يطلق فيه ذلك شهداء بالحق لله بأن تقيموا شهاداتكم لوجه الله تعالى لالغرض دنيوى وانتصاب شهداء عالى أنه خبر ثان لكونوا ولايخفى مافى تقديم الخبر الأول من الحسن .
وجز أن يكون على أنه حال من الضمير المستكن فيه وأيد بما روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال فى معنى الآية : أى كونوا قوالين باحق فى الشهادة على من كانت ولمن كانت من قريب وبعيد وقيل : إنه صفة قوامين وقيل : إنه حبر كونوا وقوامين حال ولو على أنفسكم أى ولو كانت الشهادة على أنفسكم وفسرت الشهادة ببيان الحق مجازا فتشمل الاقرار المراد هنا والشهادة بالمعنى الحقيقى المراد فيما بعد فلا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز وقيل : الكلام خارج مخرج المبالغة وليس المقصود حقيقته فلا حاجة إلى القول بعموم المجاز ليشمل الاقرار حيث أن شهادة المرء على نفسه لم تعهد والجار على ماأشير اليه