إشعارا بأن القعود كان عنه ولكن ترك التصريح به هناك رعاية لهم فى الجملة وقدم القاعدون على المجاهدين ولم يؤخر عنهم ليتصل التصريح بتفضيلهم بهم وقيل : للايذان من أول الأمر بأن القصور الذي ينبىء عنه عدم الاستواء من جهة القاعدين لامن جهة مقابليهم فان مفهوم عدم الاستواء بين الشيئين المتفاوتين زيادة ونقصانا وإن جاز اعتباره بحسب زيادة الزائد لكن المتبادر اعتباره بحسب قصور القاصر وعيه قوله تعالى : هل يستوى الاعمى والبصير أم هل تستوى الظلمات والنور الى غير ذلك وأما قوله تعالى : هل يستوى الذين يعلمون والذين لايعلمون فلعل تقديم الفاضل فيه لأن صلته ملكة لصلة الموصول .
وأنت تعلم أنه لاتزاحم فى النكات وأنه قد يكون فى شىء واحد جهة تقديم وجهة تأخير فتعتبر هذه تارة وتلك أخرى وإنما قدم سبحانه وتعالى هنا ذكر الأموال على الأنفس وعكس فى قوله عز شأنه : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم لأن انفس أشرف من المال فقدم مشترى النفس تنبيها على أن الرغبة فيها أشد وأخر البائع تنبيها على أن المماسكة فيها أشد فلا يرضى ببذلها إلا فى فائدة وعلى ذلك النمط جاء أيضا قوله تعالى : فضل الله المجاهدين فى سبيله بأموالهم وأنفسهم على القاعدين من المؤمنين غير أولى الضرر درجة لايقادر قدرها ولايبلغ كنهها وهذا تصريح بم أفهمه نفى المساواة فانه يستلزم التفضيل الى أنه لم يكتف بما فهم اعتناءا به وليتمكن أشد تمكن ولكون الجملة مبنية وموضحة لما تقدم لم تعطف عليه وجوز أن تكون جواب سؤال ينساق اليه المقال كأنه قيل : كيف وقع ذلك التفضيل فقيل : فضل الله الخ واللام كما أشرنا اليه فى الجمعين للعهد ولايأباه كون مدخولها وصفا كما قيل إذ كثيرا ماترد أل فيه للتعريف كما صرح به النحاة ودرجة منصوب على المصدر لتضمنها التفضيل لأنها المنزلة والمرتبة وهى تكون فى الترقى والفضل فوقعت موقع المصدر كأنه قيل : فضلهم تفضيلة وذلك مثل قولهم : ضربته سوطا أى ضربة وقيل : على الحال أى ذوى درجة وقيل : على التمييز وقيل : على تقدير حذف الجار أى بدرجة وقيل : هو واقع موقع الظرف أى فى درجة ومنزلة وقوله تعالى : وكلا مفعول أول لما يعقبه قدم عليه لافادة القصر تأكيدا للوعد وتنويه عوض عن المضاف اليه أى كل واحد من الفريقين المجاهدين والقاعدين وعد الله المثوبة الحسنى وهى الجنة كما قال قتادة وغيره لاأحدهما فقط وقرأ الحسن وكل بالرفع على الابتداء فالمفعول الأول وهو العائد فى جملة الخبر محذوف أى وعده وكأن التزام النصب فى المتواترة لأن قبله جملة فعلية وبذلك خالف مافى الحديد و الحسنى على القراءتين هو المفعول الثانى والجملة اعتراض جىء به تداركا لما عسى يوهمه تفضيل أحد الفريقين على الآخر من حرمان المفضول وقوله سبحانه : وفضل الله المجاهدين على القاعدين عطف على ماقبله وأغنت أل عن ذكر ماترك على سبيل التدرج من القيود وإنما لم يعتبر التدرج فى ترك ماذكر مع القاعدين أولا بأن يترك من المؤمنين فقط ويذكر غير أولى الضرر فى الآية الأولى ويتركهما معا فى الآية الثانية بل تركهما دفعة واحدة عند أول قصد التدريج قيل : لأن قيد غير أولى الضرر كان بعد السؤال كما يشير اليه سبب النزول .
وفى بعض أخباره أن ابن أم مكتوم لما نزلت الآية جعل يقول : أى رب أين عذرى أى رب أين عذرى فنزل ذلك فانسدت باب الحاجة اليه وقنع السائل بذكره مرة فأسقط مع مامعه الساقط لذلك القصد دفعة ولا كذلك