وقع وهو أنهم قد أوتوا نصيبا من الملك حيث كانت لهم أموال وبساتين وقصور مشيدة كالملوك ويعقبه منهم البخل بأقل قليل وفائدة إذا زيادة الإنكار والتوبيخ حيث يجعلون ثبوت النصيب الذي هو سبب الإعطاء سببا للمنع والفرق بين الوجهين أن الإنكار في الأول متوجه إلى الجملة الأولى وهو بمعنى إنكار الوقوع وفي الثاني متوجه لمجموع الأمرين وهو بمعنى إنكار الواقع وإذا في الوجهين ملغاة ويجوز إعمالها لأنه قد شرط في إعمالها الصدارة فإذا نظر إلى كونها في صدر جملتها أعملت وإن نظر إلى العطف وكونها تابعة لغيرها أهملت ولذلك قرأ ابن عباس وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم فإذا لا يؤتوا الناس بالنصب على الإعمال .
أم يحسدون الناس انتقال عن توبيخهم بالبخل إلى توبيخهم بالحسد الذي هو أقبح الرذائل المهلكة من اتصف بها دنيا وأخرى وذكره بعده من باب الترقي و أم منقطعة والهمزة المقدرة بعدها لإنكار الواقع والمراد من الناس سيدهم بل سيد الخليقة على الإطلاق محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وإلى هذا ذهب عكرمة ومجاهد والضحاك وأبو مالك وعطية وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : قال أهل الكتاب : زعم محمد أنه أوتي ما أوتي في تواضع وله تسعة نسوة وليس همه إلا النكاح فأي ملك أفضل من هذا فأنزل الله تعالى هذه الآية .
وذهب قتادة والحسن وابن جريج إلى أن المراد بهم العرب وعن أبي جعفر وأبي عبدالله أنهم النبي وآله عليه وعيهم أفضل الصلاة وأكمل السلام وقيل : المراد بهم جميع الناس الذين إليهم النبي صلى الله عليه وسلّم من الأسود والأحمر أي بل أيحسدونهم على ماءاتهم الله من فضله يعني النبوة وإباحة تسع نسوة أو بعثة النبي A منهم ونزول القرآن بلسانهم أو جمعهم كمالات تقصر عنها الأماني أو تهيئة سبب رشادهم ببعثة النبي A إليهم والحسد على هذا مجاز لأن اليهود لما نازعوه في نبوته صلى الله تعالى عليه وسلم التي هي إرشاد لجميع الناس فكأنما حسدوهم جمع فقد ءاتينا تعليل للإنكار والاستقباح وإجراء الكلام على سنن الكبرياء بطريق الإلتفات لإظهار كمال العناية بالأمر والفاء كما قيل : فصيحة أي أن يحسدوا الناس على ما أوتوا فقد أخطأوا إذ ليس الإيتاء ببدع منا لأنا قد آتينا من قبل هذا ءال إبراهيم الكتب أي جنسه والمراد به التوراة والإنجيل أو هما والزبور والحكمة أي النبوة أو إتقان العلم والعمل أو الأسرار المودعة في الكتاب أقوال وءاتيناهم مع ذلك ملكا عظيما .
54 .
- لا يقادر قدره وجوز أن يكون المعنى أنهم لا ينتفعون بهذا الحسد فإنا قد آتينا هؤلاء ما آتينا مع كثرة الحساد الجبابرة من نمرود وفرعون وغيرهما فلم ينتفع الحاسد ولم يتضرر المحسود وأن يراد أن حسدهم هذا في غاية القبح والبطلان فإنا قد آتينا من قبل أسلاف هذا النبي المحسود A وأبناء عمه ما آتيناهم فكيف يستبعدون نبوته E ويحسدونه على إيتائها وتكرير الإيتاء لما يقتضيه مقام التفصيل مع الإشعار بما بين الملك وما قبله من المغايرة والمرد من الإيتاء إما الإيتاء بالذات وإما ما هو أعم منه ومن الإيتاء بالواسطة وعلى الأول فالمراد من آل إبراهيم أنبياء ذريته ومن الضمير الراجع إليهم من آتيناهم بعضهم فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الملك في آل إبراهيم ملك يوسف وداود وسليمان عليهم السلام وخصه السدي بما أحل لداود وسليمان من النساء فقد كان للأول تسع وتسعون امرأة ولولده