والحاصل كما قال الشهاب : إنه مكلف بها في كل حال وزوال عقله بفعله لا يمنع تكليفه ولذا وقع طلاقه ونحوه ولو لم يكن مأمورا بها لم تلزمه الإعادة إذا استغرق السكر وقتها وقد نص عليه الجصاص في الأحكام وفصله انتهى وزعم بعضهم أن النهي عن الصلاة نفسها لكن المراد بها الصلاة جماعة مع النبي صلى الله عليه وسلّم تعظيما له E وتوقيرا ولا يخفى أنه مما لا يدل عليه نقل ولا عقل ويأباه الظاهر وسبب النزول وقد روي أنهم كانوا بعد ما أنزلت الآية لا يشربون الخمر في أوقات الصلاة فإذا صلوا العشاء شربوها فلا يصبحون إلا وقد ذهب عنهم السكر وعلموا ما يقولون وقرئ سكارى بفتح السين جمع سكران كندمان وندامى .
قرأ الأعمش سكرى بضم السين على أنه صفة كحبلى وقع صفة لجماعة أي وأنتم جماعة سكرى والنخعي سكرى بالفتح وهو إما صفة مفردة صفة جماعة كما في الضم وإما جمع تكسير عند سيبويه واسم جمع عند غيره لأنه ليس من أبنية الجمع ورجح الأول ولا جنبا عطف على قوله تعالى : وأنتم سكارى فإنه في حيز النصب كأنه قيل : لا تقربوا الصلاة سكارى ولا جنبا قاله غير واحد وقال الشهاب نقلا عن البحر : إن هذا حكم الإعراب وأما المعنى ففرق بين قولنا جاء القوم سكارى وجاءوا وهم سكارى إذا معنى الأول جاءوا كذلك والثاني جاءوا وهو كذلك باستئناف الإثبات ذكره عبالقاهر ويعني بالاستئناف أنه مقرر في نفسه مع قطع النظر عن ذي الحال وهو مع مقارنته له يشعر بتقرره في نفسه ويجوز تقدمه واستمراره ولذا قال السبكي في الأشباه : لو قال : لله تعالى علي أن أعتكف صائما لا بد له من صوم يكون لأجل ذلك النذر من غير سبب آخر فلا يجزئه الإعتكاف بصوم رمضان ولو قال : وأنا صائم أجزأه ولعل وجه الفرق أن الحال إذا كانت جملة دلت على المقارنة وأما اتصافه بمضمونها فقد يكون وقد لا يكون نحو جاء زيد وقد طلعت الشمس والحال المفردة صفة معنى فإذا قال : لله علي أن أعتكف وأنا صائم نذر مقارنته للصوم ولم ينذر صوما فيصح في رمضان ولو قال : صائما نذر صومه فلا يصح فيه وهذه المسألة نقلها الأسنوي في التمهيد ولم يبين وجهها ولم نر لأئمتنا فيها كلاما انتهى كلامه .
ولم يبين C تعالى السر في مخالفة هذين الحالين على وجه يتضح به ما ذكره في المسألة وبين العلامة الطيبي فائدتها غير أنه لم يتعرض لهذا الفرق فقال : فائدتها والعلم عند الله تعالى الإشعار بأن قربان الصلاة مع السكر مناف لحال المسلمين ومن يناجي الحضرة الصمدانية دل عليه الخطاب بأنتم ولهذا قرنه بقوله سبحانه : حتى تعلموا إلخ والمجنبون لا يعدمون إحضار القلب ومن ثم رخص لهم بالإعذار فتأمل جدا والجنب من أصابته الجنابة يستوي فيه على اللغة الفصيحة المذكر والمؤنث والواحد والتثنية والجمع لجريانه مجرى المصدر وإن لم يكنه كما قاله بعض المحققين ومن العرب من يثنيه ويجمعه فيقول جنبان وأجناب وجنوب واشتقاقه كما قال أبو البقاء : من المجانبة وهي المباعدة إلا عابري أي مجتازي سبيل أي طريق والمراد إلا مسافرين وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال محله النصب على أنه حال من ضمير لا تقربوا باعتبار تقييده بالحال الثانية دون الأولى والعامل فيه معنى النهي أي لا تقربوا الصلاة جنبا في حال من الأحوال إلا حال كونكم مسافرين على معنى أنه في حالة السفر ينتهي حكم النهي لكن لا بطريق شمول النفي لجميع صورها بل بطريق نفي الشمول في الجملة من غير دلالة