رأيتك تبتغي عنتي وتسعى مع الساعي علي بغير دخل وقيل : أصل العنت انكسار العظم بعد الجبر فاستعير لكل مشقة وضرر يعتري الإنسان بعد صلاح حاله ولا ضرر أعظم من مواقعة المآثم بارتكاب أفحش القبائح ويفهم من كلام كثير من اللغويين أنه حقيقة في الإثم وكذا في الجهد والمشقة ومنه أكمة عنوت أي صعبة المرتقى وفسره الزجاج هنا بالهلاك والذي عليه الأكثرون ما تقدم وهو مأثول أيضا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقيل : المراد به الحد لأنه إذا هو بها يخشى أن يواقعها فيحد ورجح القول الأول بكثرة الذاهبين إليه مع ما فيه من الإشارة إلى أن اللائق بحال المؤمن الخوف من الزنا المفضي إلى العذاب وفي هذا إيهام بأن المحذور عنده الحد لا ما يوجبه وأيا ما كان فهو شرط آخر لجواز تزوج الأماء عند الشافعي عليه الرحمة ومذهب الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه أنه ليس بشرط وإنما هو إرشاد للأصلح وأن تصبروا أي وصبركم عن نكاح الإماء متعففين .
خير لكم من نكاحهن وإن رخص لكم فيه لأن حق الموالي فيهن أقوى فلا يخلصن للأزواج خلوص الحرائر إذ هم يقدرون على استخدامهن سفرا وحضرا وعلى بيعهن للحاضر والبادي وفي ذلك مشقة عظيمة على الأزواج لا سيما إذا ولد لهم منهن أولاد ولأنهن ممتهنات مبتذلات خراجات ولاجات وذلك ذل ومهانة سارية للناكح ولا يكاد يتحمل ذلك غيور ولأن في نكاحهن تعريض الولد للرق .
وقد أخرج عبدالرزاق وغيره عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال : إذا نكح العبد الحرة فقد أعتق نصفه وإذا نكح الحر الأمة فقد أرق نصفه وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : ما تزحف ناكح الأمة عن الزنا إلا قليلا وعن أبي هريرة وابن جبير مثله .
وأخرج بن أبي شيبة عن عامر قال : نكاح الأمة كالميتة والدم ولحم الخنزير لا يحل إلا للمضطر وفي مسند الديلمي والفردوس عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : الحرائر صلاح البيت والإماء هلاك البيت وقال الشاعر : ومن لم تكن في بيته قهرمانة فذلك بيت لا أبا لك ضائع وقال الآخر : إذا لم يكن في منزل المرء حرة تدبره ضاعت مصالح داره والله غفور أي مبالغ في المغفرة فيغفر لمن لم يصبر عن نكاحهن وإنما عبر بذلك تنفيرا عنه حتى كأنه ذنب رحيم .
25 .
- أي مبالغ في الرحمة فلذلك رخص لكم ما رخص .
وهذا من باب الإشارة الإجمالية في بعض الآيات السابقة أنه سبحانه أشار بقوله عز من قائل : و ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم إلى النهي عن التصرف في السفليات التي هي الأمهات التي قد تصرف فيها الآباء العلوية إلا ما قد سلف من التدبير الإلهي في ازدواج الأرواح لضرورة الكمالات فإن الركون إلى العالم السفلي يوجب مقت الحق سبحانه وأشار سبحانه بتحريم المحصنات من النساء أي الأمور التي تميل إليها النفوس إلى تحريم طلب السالك مقاما ناله غيره وليس له قابلية لنيله ومن هنا قوبل الكلام بالصعق لما سأله الرؤية وقال شاعر الحقيقة المحمدية : ولست مريدا أرجعن بلن ترى ولست بطور كي يحركني الصدع