الأول وإنتفاء خطره في الثاني بخلاف اختيار العدد في المهائر فإن الميل المحظور متوقع فيه لتحقق المحل والخطر وإلى هذا ذهب بعض المحققين وجوز بعضهم كون الإشارة إلى ثلاثة أمور : التقليل من الأزواج وإختيار الواحدة والتسري أي هذه الأمور الثلاثة أدنى من جميع ما عداها والأول أظهر .
وقد حكى عن الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه فسر أن لا تعولوا بأن لا تكثر عيالكم وقد ذكر الشهاب أنه خطأه وحشاه فيه كثير من المتقدمين لأنه إنما يقال لمن كثرت عياله : أعال يعيل إعالة ولم يقولوا عال يعول .
وأجيب بأن الإمام الشافعيلك في هذا التفسير سبيل الكناية فقد جعل رضي الله تعالى عنه الفعل في الآية عال الرجل عياله يعولهم كقولك : مانهم يمونهم إذا أنفق عليهم ومن كثرت عياله لزمه أن يعولهم فأستعمل الإنفاق وأراد لازم معناه وهو كثر العيال وأعترض بأن عال بمعنى مان وأنفق لا دلالة له على كثرة المؤنة حتى يكنى به عن كثرة العيال وأجيب بأن الراغب ذكر أن أصل معنى العول الثقل يقال : عاله أي تحمل ثقل مؤنته والثقل إنما يكون في كثير الإنافق لا في قليله فيراد من لا تعولوا كثرة الإنفاق بقرينة المقام والسياق لأنه ليس المراد نفي المؤنة والعيال من أصله إذ من تزوج واحدة كان عائلا وعليه مؤنة فالكلام كالصريح فيه وإستعمال أصل الفعل في الزيادة فيه غير عزيز فلا غبار وذكر في الكشف أنه لا حاجة إلى أصل الجواب عن الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه فإن الكسائي نقل عن فصحاء العرب عال يعول إذا كثر عياله وممن نقله الأصمعي والأزهري وهذا التفسير نقله إبن أبي حاتم عن زيد بن أسلم وهو من أجلة التابعين وقراءة طاوسأن لا تعيلوامؤيدة له فلا وجه لتشنيع من شنع على الإمام جاهلا باللغات والآثار وقد نقل الدوري إمام القراء أنها لغة حمير وأنشد .
وإن الموت يأخذ كل حي بلا شك وإن أمشى وعالا أي وإن كثرت ماشيته وعياله وأما ما قيل : إن عال بمعنى كثرت عياله يائي وبمعنى جار واوى فليست التخطئة في إستعمال عال في كثرة العيال بل في عدم الفرق بين المادتين فرد أيضا بما أقتضاه كلام البعض من أن عال له معان : مال وجار وأفتقر وكثرت عياله ومان وأنفق وأعجز يقال : عالني الأمر أي أعجزني ومضارعه يعيل ويعول فهو من ذوات الواو والياء على إختلاف المعاني تم المراد بالعيال على هذا التفسير يحتمل أن يكون الأزواج كماأشرنا إليه وعدم كثرة الأزواج في إختيار الواحدة وكذا في التقليل إن قلنا إنه داخل في المشار إليه ظاهر وأما عدم كثرتهن في التسري فبإعتبار أن ذلك صادق على عدمهن بالكلية .
ويحتمل أن يكون الأولاد وعدم كثرتهم في إختيار الواحدة وكذا في التقليل ظاهر أيضا وأما عدم كثرتهم في التسري فبإعتبار أنه مظنة قلة الأولاد إذ العادة على أن لا تقيد المرء بمضاجعة السراري ولا يأبى العزل عنهن بخلاف المهائر فإن العادة عل ىتقيد المرء بمضاجعتهن وإباء العزل عنهن وإن كان العزل عنهن كالعزل عن السراري جائزا شرعا بإذن وبغير إذن في المشهور من مذهب الشافعي وفي بعض شروح الكشاف ما يدل على أن في ذلك خلافا عند الشافعية فمنعه بعضهم كما هو مذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وأخرج إبن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة أنه فسر أن لا تعولوا بأن لا تفتقروا وقد قدمنا أن عال يجيء بمعنى أفتقر ومن روده كذلك قوله : فما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل إلا أن الفعل في البيت يائي لا واوى كما في الآية والأمر فيه سهل كما عرفت وعلى سائر التفاسير الجملة مستأنفة