والوجه الأول في تضعيف الأمر الأول منهما يرد عليه أن قول الإمام فيه : إن القرآن لما دل على عدم الحصر إلخ ممنوع كيف وقد تقدم ما يفهم منه دلالته على الحصر ! وبتقدير عدم دلالته على الحصر لا يدل على عدم الحصر بل غاية الأمر أنه يحتمل الأمرين الحصر وعدمه فيكون حينئذ مجملا وبيان المجمل بخبر الواحد جائز كما بين في الأصول وما ذكر في الوجه الثاني من وجهي التضعيفبأنه صلى الله تعالى عليه وسلم لعله إنما أمر بإمساك أربع ومفارقة البواقي لأن الجمع غير جائز إما بسبب النسب أو بسبب الرضاعمما لا يكاد يقبل مع تنكير أربعا وثبوت أختر منهن أربعا كما في بعض الروايات الصحيحة في حديث غيلان وكذا في الحديث الذي أخرجه إبن أبي شيبة والنحاس عن قيس بن الحرث الأسدي أنه قال : أسلمت وكان تحتي ثمان نسوة فأخبرت النبي فقال : أختر منهن أربعا وخل سائرهن ففعلت فإن ذلك يدل دلالة لا مرية فيها ان المقصود إبقاء أي أربع لا أربع معينات فالإحتمال الذي ذكره الإمام قاعد لا قائم ولو أعتبر مثلهقادحا في الدليل لم يبق دليل على وجه الأرض نعم الحديث مشكل على ما ذهب إليه الإمام الأعظم على ما نقل إبن هبيرة فيمن أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة من أنه إن كان العقد وقع عليهن في حالة واحدة فهو باطل وإن كان في عقود صح النكاح في الأربع الأوائل فإنه حينئذ لا إختيار وخالفه في ذلك الأئمة الثلاثة وهو بحث آخر لسنا بصدده .
وأقوى الأمرين المعتمد عليهما في الحصر الإجماع فإنه قد وقع وأنقضى عصر المجمعين قبل ظهور المخالف ولا يشترط في الإجماع إتفاق كل الأمة من لدن بعثته E إلى قيام الساعة كما يوهمه كلام الإمام الغزالي وإلا لا يوجد إجماع أصلا وبهذا يستغنى عما ذكره الإمام الرازيوهو أحد مذاهب في المسألة من أن مخالف هذا الإجماع من أهل البدعة فلا إعتبار بمخالفته فالحق الذي لا محيص عنه أنه يحرم الزيادة على الأربعوبه قال الإماميةورووا عن الصادق رضي الله تعالى عنه لا يحل لماء الرجل أن يجري في أكثر من أربعة أرحام وشاع عنهم خلاف ذلك ولعله قول شاذ عندهم .
ثم إن مشروعية نكاح الأربع خاصة بالأحرار والعبيد غير داخلين في هذا الخطاب لأنه إنما يتناول إنسانا متى طابت له أمرأة قدر على نكاحها والعبد ليس كذلك لأنه لا يجوز نكاحه إلا بإذن مولاه لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم : أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر ولان في تنفيذ نكاحه تعيبا له إذ النكاح عيب فيه فلا يملكه بدون إذن المولى وأيضا قوله تعالى بعد : فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم لا يمكن أن يدخل فيه العبيد لعدم الملك فحيث لم يدخلوا في هذا الخطاب لم يدخلوا في الخطاب الأول لأن هذه الخطابات وردت متتالية على نسق واحد فبعيد أن يدخل في الخطاب السابق مالا يدخل في اللاحق وكذا لا يمكن دخولهم في قوله تعالى : فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا لأن العبد لا يأكل فيكون لسيده وخالف في ذلك الإمام مالك فأدخل العبيد في الخطاب وجوز لهم أن ينكحوا أربعا كالأحرار ولا يتوقف نكاحهم على الإذن لأنهم يملكون الطلاق فيملكون النكاح ومن الفقهاء من إدعى أن ظاهر الآية يتناولهم إلا أنه خصص هذا العموم بالقياس لأن الرق له تأثير في نقصان حقوق النكاح كالطلاق والعدة ولما كان العدد من حقوق النكاح وجب أن يجعل للعبد نصف ما للحر فيه أيضا وأختلفوا في الأمر بالنكاح فقيل للإباحة ولا يغلو طاب إذا كان بمعنى خل لأنه يصير المعنى أبيح لكم ماأبيح هنا لأن مناط الفائدة القيد وهو العدد المذكور وقيل : للوجوب أي وجوب الإقتصار على هذا العدد لا وجوب أصل