الحديد فلما فرغ منه وأحكم انطلق عامدا إلى جماعة الإنس والجن فبينما هو يسير إذ رفع إلى أمة صالحة يهدون بالحق وبه يعدلون فوجد أمة مقسطة يقتسمون بالسوية ويحكمون بالعدل ويتأسون ويتراحمون .
حالهم واحدة وكلمتهم واحدة وأخلاقهم مشتبهة وطريقتهم مستقيمة وقلوبهم مؤتلفة وسيرتهم مستوية وقبورهم بأبواب بيوتهم وليس على بيوتهم أبواب وليس عليهم أمراء وليس بينهم قضاة وليس فيهم أغنياء ولا ملوك ولا أشراف ولا يتفاوتون ولا يتفاضلون ولا يتنازعون ولا يستبون ولا يقتتلون ولا يقحطون ولا يحردون ولا تصيبهم الآفات التي تصيب الناس وهم أطول الناس أعمارا وليس فيهم مسكين ولا فقير ولا فظ ولا غليظ .
فلما رأى ذلك ذو القرنين من أمرهم أعجب منهم وقال لهم : أخبروني أيها القوم خبركم فإني قد أحصيت الأرض كلها .
برها وبحرها وشرقها وغربها ونورها وظلمتها .
فلم أجد فيها أحدا مثلكم .
! فأخبروني خبركم .
قالوا : نعم سلنا عما تريد .
قال : أخبروني ما بال قبوركم على أبواب بيوتكم ؟ قال : عمدا فعلنا ذلك لئلا ننسى الموت ولا يخرج ذكره من قلوبنا .
قال : فما بال بيوتكم ليس عليها أبواب ؟ قالوا : ليس فينا متهم وليس فينا إلا أمين مؤتمن .
قال : فما بالكم ليس عليكم أمراء ؟ قالوا : ليس فينا مظالم .
قال : فما بالكم ليس بينكم حكام ؟ قالوا : لا نختصم .
قال : فما بالكم ليس فيكم أغنياء ؟ قال : لا نتكاثر .
قال : فما بالكم ليس فيكم أشراف ؟ قالوا : لا نتنافس .
قال : فما بالكم لا تتفاوتون ولا تتفاضلون ؟ قالوا : من قبل أنا متواصلون متراحمون .
قال : فما بالكم لا تتنازعون ولا تختلفون ؟ قالوا : من قبل ألفة قلوبنا وصلاح ذات بيننا .
قال : فما بالكم لا تقتتلون ولا تستبون ؟ قالوا : من قبل أنا غلبنا طبائعنا بالعزم وسسنا أنفسنا بالحلم .
قال : فما بال كلمتكم واحدة وطريقتكم مستقيمة ؟ قالوا : من قبل أنا لا نتكاذب ولا نتخادع فلا يغتاب بعضنا بعضا .
قال : فأخبروني من أيي ؟ تشابهت قلوبكم واعتدلت سيرتكم ؟ قالوا : صحت صدورنا فنزع الله بذلك الغل والحسد من قلوبنا .
قال : فما بالكم ليس فيكم مسكين ولا فقير ؟ قالوا : من قبل أنا نقسم بالسوية .
قال : فما بالكم ليس فيكم فظ ولا غليظ ؟ قالوا : من قبل الذل والتواضع .
قال : فما بالكم جعلتم أطول الناس أعمارا ؟ قالوا : من قبل أنا نتعاطى الحق ونحكم بالعدل .
قال : فما بالكم لا تقحطون ؟ قالوا : لا نغفل عن الاستغفار