وأخرج ابن جرير من طريق أبي عثمان النهدي عن ابن مسعود وابن عباس قالا : لما كثر بنو آدم وعصوا دعت الملائكة عليهم والأرض والجبال : ربنا لا تمهلهم .
فأوحى الله إلى الملائكة : أني أزلت الشهوة والشيطان من قلوبكم ولو تركتكم لفعلتم أيضا .
قال : فحدثوا أنفسهم أن لو ابتلوا لعصموا فأوحى اله إليهم : أن اختاروا ملكين من أفضلكم .
فاختاروا هاروت وماروت فأهبطا إلى الأرض وأنزلت الزهرة إليهما في صورة امرأة من أهل فارس يمونها بيدخت .
قال : فواقعاها بالخطيئة فكانت الملائكة يستغفرون للذين آمنوا فلما وقعا بالخطيئة استغفروا لمن في الأرض فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله في هذه الآية .
كانا ملكين من الملائكة فأهبطا ليحكما بين الناس وذلك أن الملائكة سخروا من حكام بني آدم فحاكمت إليهما امرأة فخافا لها ثم ذهبا يصعدان فحيل بينهما وبين ذلك وخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا .
وأخرج سعيد بن منصور عن خصيف قال : كنت مع مجاهد فمر بنا رجل من قريش فقال له مجاهد : حدثنا ما سمعت من أبيك ؟ قال : حدثني أبي : أن الملائكة حين جعلوا ينظرون إلى أعمال بني آدم وما يركبون من المعاصي الخبيثة وليس يستر الناس من الملائكة شيء فجعل بعضهم يقول لبعض : انظروا إلى بني آدم كيف يعملون كذا وكذا ما أجرأهم على الله يعيبونهم بذلك ! فقال الله لهم : لقد سمعت الذي تقولون في بني آدم فاختاروا منكم ملكين أهبطهما إلى الأرض وأجعل فيهما شهوة بني آدم فاختاروا هاروت وماروت فقالوا : يا رب ليس فينا مثلهما .
فأهبطا إلى الأرض وجعلت فيهما شهوة بني آدم ومثلت لهما الزهرة في صورة امرأة فلما نظرا إليها لم يتمالكا أن تناولا ما الله أعلم به وأخذت الشهوة بأسماعهما وأبصارهما فلما أرادا أن يطيرا إلى السماء لم يستطيعا فأتاهما ملك فقال : إنكما قد فعلتما ما فعلتما فاختاراعذاب الدنيا أو عذاب الآخرة .
فقال أحدهما للآخر : ماذا ترى ؟ ! قال : أرى أن أعذب في الدنيا ثم أعذب أحب إلي من أن أعذب ساعة واحدة في الآخرة فهما معلقان منكسان في السلاسل وجعلا فتنة