خروجه فقعدوا وجاد في حديثه نحو المرة الأولى .
فقال : الزموا هذا الدين ولا تفرقوا واتقوا الله واعلموا أن عيسى بن مريم كان عبد الله انعم الله عليه ثم ذكروني فقالوا : يا فلان كيف وجدت هذا الغلام ؟ فاثنى علي وقال : خيرا .
فحمدوا الله فاذا خبز كثير وماء فأخذوا وجعل الرجل يأخذ بقدر ما يكتفي به ففعلت وتفرقوا في تلك الجبال ورجع إلى كهفه ورجعت معه .
فلبث ماشاء الله يخرج في كل يوم احد ويخرجون معه ويوصيهم بما كان يوصيهم به فخرج في أحد فلما اجتمعوا حمد الله ووعظهم وقال مثل ماكان يقول لهم ثم قال لهم آخر ذلك : يا هؤلاء إني قد كبرت سني ورق عظمي واقترب أجلي وأنه لا عهد لي بهذا البيت منذ كذا وكذا ولا بد لي من إتيانه فاستوصوا بهذا الغلام خيرا واني رأيته لا بأس به قال : فجزع القوم فما رأيت مثل جزعهم وقالوا : يا أبا فلان أنت كبير وأنت وحدك ولا نأمن أن يصيبك الشيء ولسنا أحوج ما كنا إليك .
قال : لا تراجعوني لا بد لي من إتيانه ولكن استوصوا بهذا الغلام خيرا وافعلوا وافعلوا .
قال : قلت : ما أنا بمفارقك .
قال : ياسلمان قد رأيت حالي وماكنت عليه وليس هذا لك إنما أمشي أصوم النهار وأقوم الليل ولا أستطيع أن أحمل معي زادا ولاغيره ولا تقدر على هذا .
قال : قلت : ما أنا بمفارقك .
قال : أنت أعلم قالوا : يا أبا فلان إنا نخاف عليك وعلى هذا الغلام .
قال : هو أعلم قد أعلمته الحالة وقد رأى ماكان قبل هذا .
قلت : لا أفارقك .
فبكوا وودعوه وقال لهم : اتقوا الله وكونوا على ما أوصيتكم به فان أعش فلعلي أرجع اليكم وان أمت فان الله حي لا يموت فسلم عليهم وخرج وخرجت معه وقال لي : احمل معك من هذا الخبز شيئا تأكله .
فخرج وخرجت معه يمشي واتبعه يذكر الله ولا يلتفت ولا يقف على شيء حتى اذ امسى قال : يا سلمان صل أنت ونم وكل واشرب ثم قام هو يصلي إلى أن انتهى إلى بيت المقدس وكان لا يرفع طرفه إلى السماء حتى انتهينا إلى بيت المقدس واذا على الباب مقعد قال : ياعبد الله قد ترى حالي فتصدق علي بشيء فلم يلتفت إليه ودخل المسجد ودخلت معه فجعل يتتبع أمكنة من المسجد يصلي فيها ثم قال : ياسلمان إني لم أنم منذ كذا وكذا ولم أجد طعم نوم فان انت جعلت لي أن توقظني اذا بلغ الظل مكان كذا وكذا نمت فاني أحب أن أنام في هذا المسجد