قضية فلسطين والتعاليم القرآنية
قضية فلسطين والتعاليم القرآنية
د. السيّد محمود نبويان
الخلاصة
إنّ بیت المقدس هي القبلة الأولى للمسلمين ومنتهي الإسراء بالنبي الأكرم ونقطة شروع مراجعه. ومن هذه الجهة فالدفاع عن فلسطين ليس مسألة تكتيكية وليس مسألة سياسية بحتة، بل الدفاع هنا مسألة اعتقادية.
تعدّ فلسطين القضية المركزية والأولى في العالم الإسلامي، ولا يخفي أنّ دنيا الكفر والظلم قد جاءت وكرّست جهودها لحرب الإسلام والمسلمين مع كامل عدّتها وقدرتها وعلی كافّة المستويات السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. وإنّ مستكبري العالم بصدد محو وإفناء الإسلام والمسلمين عن طريق إشاعة الحروب ومختلف أنواع الضغوط علی فلسطين الحرّة وعلی غيرها من البلاد الإسلامية.
للأسف هناك الكثير من رؤساء البلدان الإسلامية یضعون مصالحهم الدنیویة نصب اعینهم و یریدون المصالحة مع اعداء المسلمين أي إسرائيل وأمريكا، بخلاف ارادة شعوبهم و الشعوب الإسلامية.
في حین أن حل مشكل القضية الفلسطينية یمكن في تمسك الشعوب الإسلامية بتعالیم القرآن. یقدم القرآن الكريم حلولا عدة منها: رفض ولاية الكفار- أي أمريكا وإسرائیل-، واتخاذهم عدوا باعتبارهم أعداء للإسلام، التحلي بالصبر والمقاومة في قتال إسرائيل، عدم الخوف من مكر العدو وتصرفاته العدائیة والثقة بالنصر الإلهي، عدم مهادنة العدو، الدفاع عن الشعب الفلسطیني المظلوم وحفظ الوحدة بین المسلمين في العالم.
التمسك بهذه التعاليم من شأنه أن یثمر انتصار المسلمين و تحریر فلسطين. ان شاء الله.
الكلمات الأساسية: التعاليم، الولاية، المقاومة، عدم المهادنة و الوحدة.
استهلال
تعدّ فلسطين القضية المركزية والأولی في العالم الإسلامي، ولا يخفي أنّ دنيا الكفر والظلم قد جاءت وكرّست جهودها لحرب الإسلام والمسلمين مع كامل عدّتها وقدرتها وعلی كافّة المستويات السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. وإنّ مستكبري العالم بصدد محو وإفناء الإسلام والمسلمين عن طريق إشاعة الحروب ومختلف أنواع الضغوط علی فلسطين الحرّة وعلی غيرها من البلاد الإسلامية.
إنّ فلسطين هي القبلة الأولى للمسلمين ومنتهي الإسراء بالنبي الأكرم | ونقطة شروع معراجعه: {سبحان الذي أسری بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصی الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنّه هو السميع البصير} . ومن هذه الجهة فالدفاع عن فلسطين ليس مسألة تكتيكية وليس مسألة سياسية بحتة، بل الدفاع هنا مسألة اعتقادية.
وممّا يدعو للأسف أنّ وضع العالم الإسلامي في الدفاع عن كيانه الاعتقادي وضع يرثی له، حيث استطاع الاستكبار العالمي ـ وعلی رأسه أمريكا وإسرائيل ـ أن يحظی ببعض التوفيق في أهدافه، خصوصاً مع وجود من هم في سدة الحكم في بعض البلاد الإسلامية ممّن هم أذناب وأدوات يستخدمها الغرب للحصول علی المنافع المرجوّة لهم، فهؤلاء الحكام ممّن يعبد الهوی ولا غرض لديهم إلّا صرف تأمين منافعهم الشخصية وإرضاء أهوائهم، ولا يقدّمون قدماً ولا يضعون أُخرى إلّا في مسير تحقيق أهداف أسياد الكفر والطغيان، فهم يريدون علناً ـ وعلی خلاف السابق ـ أن يقيموا علاقات دبلوماسية ورسمية مع إسرائيل التي غصبت أرض المسلمين وقتلت أبناء فلسطين وشتّتهم شَذَر مَذَر.
وفي خضم هذه المشاكل والصعوبات نری أنّ طريق نجاة المسلمين هو التوجّه نحو التعاليم القرآنية والعمل بها وتطبيقها وقطع الأمل من حكام البلدان الإسلامية، بمعني أنّ المسلمين يستطيعون الانتصار علی الكفّار والمشركين ـ وعلی رأسهم أمريكا المتسلّطة وإسرائيل الوحشية ـ في حال أن رجعوا إلى كتابهم الكريم وعملوا بتعاليمه السامية، فإنّ العمل بالتعاليم القرآنية هو طريق نجاة فلسطين من مخالب الظلمة.
ومن هنا نحن نذكر الآن بعضاً من أهمّ التعاليم القرآنية المنجية، والتي هي مورد حاجة ماسّة للعالم الإسلامي هذه الفترة:
أوّلاً: عدم قبول ولاية الكفار:
لقد أكد القرآن الكريم كثيراً علی النهي عن قبول ولاية الكفّار من قبل المسلمين.
وكمثال علی ذلك نشير إلى بعض آيات الذكر الحكيم في هذا المجال:
ـ قوله تعالى: Pودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتّخذوا منهم أولياءO.
ـ قوله سبحانه: Pلا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيءO.
ـ قوله عزّوجل: Pيا أيّها الذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء تلقون إليهم بالمودّة وقد كفروا بما جاءكم من الحقّ يخرجون الرسول وإيّاكم أن تؤمنوا بالله ربّكم إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرّون إليهم بالمودّة وأنا أعلم ما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضلّ سواء السبيلO .
ـ قوله تبارك وتعالى: Pيا أيّها الذين آمنوا لا تتّخذوا الذين اتّخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفّار أولياء واتّقوا الله إن كنتم مؤمنينO.
وهنا نقاط للبحث:
أ) معنى الولاية:
تأتي الولاية بمعنى المالكية في تدبير الأمور. وللتمثيل علی ذلك: فولي امرئ ما هو الشخص الذي يملك تدبير أموره وأمواله، ومع أنّ المرء مالك لأمواله، غير أنّ تدبير تلك الأموال إنّما هو بيد وليّه.
فهذا هو المعنى الأوّلي والأصلي لكلمة (الولاية)، كما تأتي هذه الكلمة وتستعمل بمعنى الحبّ والقيادة والنصرة كذلك .
نجد في الآيات سالفة الذكر أنّه سبحانه منع من الارتباط الولائي مع الكفّار، فالارتباط والعلاقة مع الكفرة من بعضي الدواعي
هو ذنب من كبائر الذنوب وفسق واضح وأمر قد یؤدى إلى للكفر، ومن يقيم هكذا علاقة ورابطة ولائية مع الكفّار يكون مشمولاً بالغضب الإلهي، حاله كحالهم بالضبط.
والسرّ الكامن وراء منع قبول الولاية مع الكفار ـ والذين يحبّون أن يكفر المؤمنون ويضحوا نظراءهم ـ التأثير السيّئ لهذه الولاية علی المؤمنين وبروز أرضية الانحراف لديهم عن المعارف الدينية. وفي واقع الأمر ظهور الولاية مع الكفّار هو فقد الإيمان والارتباط مع الله تعالى .
وبعبارة أُخرى: إذا أعبرنا الكفّار أولياء لنا فسف نمتزج روحياً معهم شئنا أم أبينا، وهذا يستلزم التبعية لهم والتأثّر بأخلاقهم وسائر شؤونهم الحياتية. وعندما يوالي فرد مؤمن كفّاراً فإنّ إيمانه وآثار ذلك الإيمان جفاءً وتفسد شيئاً فشيئاً وذاتاً وتصبح هباءً منثوراً . وأيضاً طبق الآيات القرآن الكريم وجود المودّة للكافرين أمر ممنوع.
وعليه، فقبول ولاية الكفّار مورد نهي الباري جلّ وعلا، سواء كانت الولاية بمعنى المحبّة أو النصرة أو القيادة. وعلی هذا الأساس، فطبقاً للتعاليم القرآنية مدّ يد الصداقة نحو أمريكا وإسرائيل هو تعاون معهم، وقبول قيادتهم أمر ممنوع بتاتاً.
ب) كلّ امرئ يتّجه نحو ولاية الكفّار فيصبح منهم:
من وجهة نظر الكتاب العزيز قبول ولاية الكفّار أمر مذموم للغاية وباعث علی تبديل المؤمن إلى كافر.
قال جلّ ثناؤه: Pيا أيّها الذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم إنّ الله لا يهدي القوم الظالمينO.
ج) صفة المنافقين هي قبول ولاية الكفّار وكسب العزّة منهم:
من وجهة نظر القرآن الكريم فإنّ من بين المسلمين هم المنافقون فقط الذين يتّجهون نحو إقامة العلاقة مع الكفّار ويقبلون بولايتهم.
قال تقدّست أسماؤه: Pبشّر المنافقين بأنّ لهم عذاباً إليماً الذين يتّخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزّة فإنّ العزّة لله جميعاًO.
وقال تعالت آلاؤه: Pإنّ المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالی يراؤن الناس ولا يذكرون الله إلّا قليلاً * مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضل الله فلن تجد له سبيلا * إنّ المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراًO.
د) مرضى القلوب يتّجهون نحو ولاية الكفّار ويخوّفون الناس من الأعداء:
يسمّي القرآن الكريم من يريد إقامة العلاقة مع الكفّار ويقبل ولايتهم بـ «مريض القلب».
قال عزّوجل: Pفترى الذين قلوبهم مرضى يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا علی ما أسرّوا في أنفسهم نادمينO.
هـ) تهديد المؤمنين في صورة قبول ولاية الكفّار:
بسبب نفرة الباري تعالى من قبول المؤمنين لولاية الكافرين وبسبب الأضرار العديدة لها علی المسلمين، لذا يهدّد سبحانه المسلمين من قبول هذه الولاية.
قال سبحانه: Pيا أيّها الذين آمنوا لا تتّخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناO .
وقال تبارك وتعالى: Pتری كثيراً منهم يتولّون الذين كفروا لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتّخذوهم أولياء ولكنّ كثيراً منهم فاسقونO .
و) قبول ولاية الكفّار والاعتماد عليهم بناء للبيت علی خيوط العنكبوت:
يقول الحق سبحانه في مورد خلو قبول ولاية الكفّار من الفائدة ما نصّه: Pمثل الذين اتّخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخّذت بيتاً وإنّ أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمونO .
ويقول جلّ وعلا: Pقل من ربّ السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كلّ شيء وهو الواحد القهّارO .
فعليه، أيّ علاقة ورابطة مع أمريكا وإسرائيل هي ممنوعة من وجهة نظر القرآن الكريم، وستكون موجبة لخسران المسلمين وفشلهم.
ز) علّة النهي عن قبول ولاية الكفّار:
يبيّن الكتاب العزيز علّة النهي عن قبول ولاية الكفّار باستدلالات متنوّعة:
(منها): أنّ عداوة الكفّار مع أصل الإسلام وجرثومته، وأنّهم يسعون لإبادته.
قال تعالى: P... ولا يزالون يقاتلونكم حتی يردّوكم عن دينكم إن استطاعواO.
وقال سبحانه: Pولن ترضی عنك اليهود ولا النصاری حتی تتّبع ملتهم قل إنّ هدی الله هو الهدی ولئن اتّبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من وليّ ولا نصيرO.
وقال عزّوجل: Pوما نقموا منهم إلّا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميدO.
و(منها): أنّ الكفّار لن يفوا أبداً للمسلمين بما تعاهدوا عليه وبصداقتهم.
يقول الباري تعالى: Pكيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلّا ولا ذمّة يرضونكم بأفواههم وتأبی قلوبهم وأكثرهم فاسقون... لا يرقبون في مؤمن إلّا ولا ذمّة وأولئك هم المعتدونO.
بناءً علی ذلك فليس من الصحيح أن يستند المؤمنون علی صداقة الكفّار؛ لأنّه لا اعتماد علی صداقتهم ولا علی عهودهم وما قطعوه علی أنفسهم، فإنّهم متی ما غلبوا المسلمين سوف ينقضون عهودهم التي قطعوها مع المسلمين ويجعلون صداقتهم الظاهرية تحت أرجلهم.
وطبقاً لآيات الذكر الحكيم فإنّ إظهار المودّة والتعامل مع أمريكا وإسرائيل وقبول قيادتهم وإقامة العلاقات الصميمية معهم، كلّ ذلك سينتهي بالضرر علی المسلمين. وإنّ طريق نجاة الإسلام وفلسطين هو النضال والكفاح ضدّ إسرائيل.
قال الإمام الخميني ـ وبعبارة جميلة جذّابة ـ : «علاقاتنا مع أمريكا علاقات مظلوم مع ظالم، علاقات مغير عليه مع مغير!» .
لقد لفت الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) نظر الشعوب الإسلامية إلى أنّ طريق الاستقلال والحرّية في العيش الكريم إنّما يكون بقطع العلاقة مع أمريكا والتي هي مصدر كلّ الهموم والمشاكل التي نعاني منها.
يقول: «أيّتها الشعوب المسلمة الشريفة... لأجل أن تعيشوا بحرّية واقعية وتصلوا إلى استقلال تامّ، عليكم بقطع العلاقة مع قوی الاستكبار العالمي، وبالخصوص أمريكا. لقد بيّنت مراراً وتكراراً أنّ العلاقة مع أمثال أمريكا هي علاقة الشعوب المظلومة والمقهورة مع ظالمها وقاهرها» .
ثانياً: العداوة مع إسرائيل وأمريكا:
قال الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه): «أمريكا هي الشيطان الأكبر» .
كما قال: «أمريكا العدو الأوّل للمسلمين ولمستضعفي العالم» .
كلّنا يعلم أنّ إسرائيل الغاصبة تأسّست عن طريق الاستكبارية العالمية، وبالخصوص دولة أمريكا، وأنّها تعمل جناياتها المترامية الأطراف بدعم وافر من تلكم القوی.
وعلی هذا الأساس يبيّن القرآن الكريم (مخاطباً المسلمين) أنّ الكفّار هم أعداؤكم الواضحون، ولأنّهم كالشياطين فهم أعداؤكم، وأنتم مكلّفون بعدائهم.
قال تعالى: Pإنّ الكافرين كانوا لكم عدوّاً مبيناًO.
وقال سبحانه: Pيا أيّها الذين آمنوا لا تتّخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودّوا ما عنتّم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بيّنا لكم الآيات إن كنتم تعقلونO.
وقال عزّوجلّ: Pإنّ الشيطان لكم عدوّ فاتّخذوه عدوّاًO.
ثالثاً: الصبر والمقاومة في النضال والكفاح مع إسرائيل:
من وجهة نظر القرآن الكريم الطريق الوحيد للانكسار علی الأعداء هو الصبر والمقاومة.
قال تعالت أسماؤه: Pإن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيّئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتّقوا لا يضرّكم كيدهم شيئاً إنّ الله بما يعملون محيطO.
وقال تقدّست آلاؤه: Pبلی إن تصبروا وتتّقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمينO.
رابعاً: عدم الخوف من مكر وعداوة الكفّار، والاعتماد علی النصرة الإلهية:
إنّ محلّ اعتماد واستناد المسلمين هو الباري جلّ وعلا، وهو الموجود الذي كلّ موجودات العالم معلولة له، وكلّها مفتقرة ومحتاجة إليه، وهو القادر علی كلّ شيء.
من هنا فليس من الصحيح أن يدخل المسلمون علی أنفسهم الرعب والرهبة من مجابهة أعداء لإسلام ورؤوس الكفر (مثل أمريكا وإسرائيل).
قال تعالى: Pالذين قال لهم الناس إنّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتّبعوا رضوان الله والله ذوفضل عظيمO.
وقال سبحانه: Pإنّ الله يدافع عن الذين آمنوا إنّ الله لا يحب كلّ خوّان كفور * أذن للذين يقاتلون بأنّهم ظلموا وإنّ الله علی نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلّا أن يقولوا ربّنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرنّ الله من ينصره إنّ الله لقوي عزيزO.
خامساً: إعمال الغلظة في مقابل العدوّ:
طبقاً لآيات القرآن الكريم يجب إعمال الغلظة في التعامل مع الكفّار، فلا يصحّ إبراز الرقّة والتسامح والهوادة في مقابل أمريكا وإسرائيل الغاصبة.
قال عزّ ذكره: Pيا أيّها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفّار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أنّ الله مع المتّقينO.
وقال تعالت أسماؤه: Pفلا تطع المكذّبين ودّوا لو تدهن فيدهنونO.
سادساً: وظيفة مسلمي العالم هي الدفاع عن شعب فلسطين المظلوم:
إنّ وظيفة أيّ مسلم في الكفاح والجهاد للدفاع عن مستضعفي العالم، وبالخصوص الدفاع عن المسلمين المظلومين الفلسطينيين ضدّ الصهاينة الغاصبين.
قال عزّوجلّ: Pوما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربّنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليّاً واجعل لنا من لدنك نصيراًO.
سابعاً: السعي إلى الوحدة بين المسلمين:
من اللوازم المهمّة لانتصار المسلمين علی الكفّار هي الوحدة فيما بينهم. إنّ للشعوب المسلمة قابليات كثيرة أوهبها الله تعالى لها، وفي صورة اتّحادها سيكون انتصارها علی الكفّار سهلاً وبسيطاً.
من هنا نجد أنّ دأب أعداء الإسلام هو السعي لإيجاد التفرقة بين المسلمين وشقّ صفوفهم، ومع الأسف كانوا موفّقين في ذلك.
يدعو القرآن الكريم ـ وفي كثير من آياته الشريفة ـ المسلمين إلى الوحدة ورأب الصدع.
من جملة ذلك قوله سبحانه: Pواعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم علی شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلّكم تهتدونO.
في الآية سالفة الذكر المقصود من حبل الله القرآن ونبي الإسلام | وأوامره. هذا أولاً.
وثانياً: إنّ التكليف بالإطاعة والعمل بالكتاب والسنّة هو تكليف جماعي واجتماعي لا فردي وشخصي.
وثالثاً: إنّ علّة الأمر بالوحدة والنهي عن الفرقة هي بروز العداوة وحكومتها بين المؤمنين فيما لو لم تكن هناك وحدة بينهم .
في المقابل نجد أنّ عدم الوحدة وإيجاد التفرقة بين المسلمين ـ وذلك من وجهة نظر القرآن الكريم ـ موجبان لبروز نتائج صعبة ومرّة للغاية.
نشير فيما يلي إلى بعض منها:
1. هدّد القرآن الكريم الأمّة الإسلامية وأكد علی أنّها لو لم تتّحد في الإيمان بالله تعالى والتعاليم والقيم الإسلامية فسوف يصبّ عليها أنواع مختلفة من العذاب الإلهي. وإحدی صور هذا العذاب الصعب تحقّق التفرقة بين أبناء الأمّة الإسلامية وابتلاء بعضهم ببعض ووقوع النزاعات الدموية والحربية فيما بينهم، ونحن نشهد هذه الأيّام هكذا وضعية مع بروز التيّارات التكفيرية والمتطرّفة في العالم الإسلامي إلى حيّز الوجود، أمثال داعش وأخواتها.
قال تعالى: Pقل هو القادر علی أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض أنظر كيف نصرّف الآيات لعلّهم يفقهونO.
في تفسير الآية آنفة الذكر يوجد اتّفاق نظر بين المفسرين من الفريقين بأنّ التفرقة بين أبناء الأمّة الإسلامية ووقوع الحرب والنزاع الدموي بينهم إنّما هو عذاب إلهي نازل من قبله تعالى علی المجتمع الإسلامي.
نقل عن ابن عباس E: أنّه لمّا نزل جبريل A بهذه الآية شقّ ذلك علی الرسول o وقال: «ما بقاء أمّتي إن عوملوا بذلك»؟ فقال له جبريل: «إنّما أنا عبد مثلك، فادع ربّك لأمّتك»، فسأل ربّه أن لا يفعل بهم ذلك، فقال جبريل: «إنّ الله قد أمّنهم من خصلتين: أن لا يبعث عليهم عذاباً من فوقهم كما بعثه علی قوم نوح ولوط، ولا من تحت أرجلهم كما خسف بقارون، ولم يجرهم من أن يلبسهم شيعاً بالأهواء المختلفة، ويذيق بعضهم بأس بعض بالسيف» .
2. إنّ التفرقة في الدين والأمّة الإسلامية مستلزمة لإعراض النبي o عن المفرّقين. وبعبارة أُخرى: إنّ من يسعی لبذر بذور التفرقة بين المسلمين ليس له أدنى ارتباط بالإسلام ولا بالنبي الأكرم o، ولن يكون النبي o معه أبداً، وتكليفه سيكون مع الله المتعال.
قال سبحانه: Pإنّ الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنّما أمرهم إلى الله ينبّئهم بما كانوا يفعلونO.
3. صفة المشركين والكفّار هي إيجاد التفرقة بين أبناء الأمّة الإسلامية.
يؤكد القرآن الكريم علی أنّ الدين الإسلامي منطبق تماماً مع الفطرة الإنسانية، وفي مثل هذا الدين لا مكان للتفرقة والتشتّت.
ومن هذا المنطلق يدعو القرآن المسلمين أن لا يكونوا كالمشركين الذين أوجدوا الفرقة وتشعّبوا إلى عدّة فرق ومجامعي.
قال سبحانه و تعالى: Pفأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون * منيبين إليه واتّقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين * من الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً كلّ حزب بما لديم فرحونO.
ومع الالتفات إلى أنّ الشرك بالله من الوجهة القرآنية يعدّ من الذنوب وليس معه مغفرة: Pإنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاءO، فإنّه سبحانه في هذه الآيات بعد ما يشير إلى أنّ دين الإسلام هو دين الفطرة، ويطالب الناس بالتوبة والتقوی وإقامة الصلاة ـ وذلك باعتبار أنّ الصلاة هي أهمّ الأعمال وهي عمود الدين ـ يشير كذلك إلى أنّ الشرك في المقابل هو أسوأ الذنوب وأكبر الموبقات، ويأمر المؤمنين أن لا يكونوا كالمشركين.
وفي بيان توصيف أخصّ صفة المشركين في دين الله يبيّن سبحانه أنّهم أوجدوا بأفعالهم اللامسؤولة التفرقة في الدين، ممّا ولّد فرقاً وتيّارات مختلفة وعديدة، بحيث تتّجه كل فرقة من هذه الفرق نحو الأخذ بآرائها الخاصّة التي تعتبرها حقّاً دون الفرق الأخرى .
النتائج
توجد بعض النتائج المترتّبة علی هذا البحث، أسردها فيما يلي:
1. قضية فلسطين والدفاع عنها قضية اعتقادية، لا مسألة تكتيكية ولا مسألة سياسية بحتة.
2. وظيفة جميع المسلمين نجاة فلسطين من نهير الاحتلال أمريكا والإسرائيل.
3. طريق نجاة شعب فلسطين المظلوم هو التوجّه والعمل بالتعاليم القرآنية.
4. يجب أن يمتنع مسلموا العالم عن أيّ نوع قبول لولاية الكفّار عليهم، كالصداقة والتعاون والقيادة من قبل أولئك الكفّار (أمريكا وإسرائيل).
5. إنّ الكفّار ـ وعلی رأسهم أمريكا و إسرائيل الغاصبة ـ يسعون لمحو الإسلام البسيطة.
6. لا يوجد أدنى وفاء للكفّار في عهودهم ومواثيقهم مع المسلمين. ومن هنا فلا يصحّ الاعتماد عليهم بأيّ وجه.
7. يجب علی مسلمي العالم إظهار العداء مع أمريكا وإسرائيل؛ لكفرهما وشيطنتهما وكونهما عدوّين للإسلام والمسلمين.
8. المفروض التحلّي بالصبر والاستقامة والمقاومة في طريق الكفاح ضدّ الكفار، حتی الوصول للنصر.
9. لا مكان للخوف والرهبة من عداوة ومكر الكفّار؛ وذلك باعتبار أنّ النصر الإلهي سيشمل ويعمّ بنوب المسلمين فيما لو أخلصوا ونصروا دين الله.
10. وجوب النضال لنجاة الشعب الفلسطيني المظلوم.
11. إنّ الوحدة بين المسلمين في أكبر عامل لانتصارهم في وجه أعدائهم، وإنّ المتفرقة بين أبناء الإسلام هي صفة المشركين وموجبة للخروج من الإسلام ولحلول الغضب والعذاب الإلهي ولوقوع الحرب والفتن الدموية بين المسلمين أنفسهم.
خاتمة
نأمّل ـ وذلك بالاتكال علی الله سبحانه وتعالى وبالاعتقاد علی الوحدة المنشودة ـ أن نشهد يوماً ما انتصار المسلمين علی أمريكا ومحو إسرائيل الغاصبة والمجرمة من صفحة الوجود، وطبعاً هذا اليوم ليس بالبعيد إن شاء الله تعالى: {أليس الصبح بقريب} .
السيّد محمود نبويان / قمّ المقدسة
6/ محرّم الحرام / 1440 هـ . ق
26/6/1397 هـ . ش
المنابع
1- قرآن كریم
2- الطباطبائی،: سید محمّد حسین، (1417ق)، المیزان في تفسیر القرآن، دفتر انتشارات اسلامى جامعهى مدرسين حوزه علميه قم، قم.
3- طباطبائی، سید محمد حسین، (1374)، ترجمه تفسير الميزان، ترجمه سید محمّد باقر موسوی همدانی، دفتر انتشارات اسلامی جامعه مدرسین حوزه علمیه قم، قم، چاپ پنجم.
4- جوادي آملی، عبدالله، (1378)، تسنیم، مركز نشر اسراء، قم.
5- زمخشري، محمود، (1407ق)، : الكشاف عن حقائق غوامض تنزیل وعیون الاقاویل في وجوه التأويل، دار الكتاب العربي، بیروت.
6- فخررازی، محمدبن عمر، (1420ق)، التفسیر الكبیر (مفاتیح الغیب)، دار احیاء التراث العربي، بیروت.
7- الموسوي الخمیني، سید روح الله، (1379)، صحیفه امام، موسسه تنظیم و نشر آثار امام الخمیني ره، تهران.