دور المرجعيات في مواجهة التطرّف

دور المرجعيات في مواجهة التطرّف

دور المرجعيات في مواجهة التطرّف

 

                                                                                أ.د. أسعد السحمراني

أستاذ العقائد والأديان في جامعة الإمام الأوزاعي

مسؤول الشؤون الدينيّة في المؤتمر الشعبي اللبناني

 

وقفة مع المشكلة:

لقد ظهرت في السنوات الأخيرة مشكلة باتت مصدر أرق وقلق لقطاعات واسعة من الشعوب والأمم، ومن البلدان التي تعاني الوطن العربيّ بكلّ أقطاره ومكوّناته ومعه دولٌ أخرى إسلاميّة ومن العالم.

وإنّ من يقوم بعمليّة تمحيصٍ ومتابعة يصل إلى تشخيص عوامل بروز ظاهرة الغلوّ والتطرّف التي نتج منها حركات تكفيريّة، وممارسات إرهابيّة ذهب ويذهب ضحيّتها كلّ يومٍ أعدادٌ كبيرةٌ من الناس، وقد انتشرت المجموعات الإرهابيّة والتكفيريّة رغم محدوديّة المنتمين إليها بسبب ما تتلقّاه من دعمٍ ماديّ وسياسيّ من جهات دوليّة وإقليميّة، وبسبب عوامل أخرى ليس محلّ التفصيل فيها في هذه الورقة، لأنّ هذه الورقة مخصّصة للحديث عن دور المرجعيّات الدينية والسياسية والاقتصادية والإعلامية والتربوية في صناعة سفينة النجاة التي يستطيع الحكماء والراشدون أن يقودوها حاملةً عناصر المشروع الإنقاذيّ لأمّتنا العربيّة وعالمنا الإسلاميّ والبشريّة جمعاء. فما هي أبرز مهمّات هذه المرجعيّات انطلاقاً من اختصاصاتها واهتماماتها وإمكاناتها؟.

إنّ مهمّات المرجعيّات تتكوّن من الخطوات الآتية:

 

1- المرجعيّات الدينيّة:

إنّ معالجة ظواهر الغلوّ، ونماذج السلوك الإرهابي، وأطروحات الجماعات التكفيريّة تقع بالدرجة الأولى على عاتق المرجعيّات الدينيّة مع تنوّع مواقعها وانتماءاتها.

فهذه المرجعيّات مطالبةٌ أن تنشر قاعدةً تقول بالإيمان بلا تعصّب. وهذه القاعدة هي الأصل لأنّ المؤمن الحقّ لا يمنّ على الناس إيمانه، يُضاف إلى ذلك مهمّة تصحيح وترشيد المفاهيم وفقه الدين، ووقف حالات المواقف والآراء الصادرة عن حالات من الجهالة وعدم الدراية، وعدم امتلاك الفهم السليم.

وكي تقوم المرجعيّات بهذه المهمّات لا بدّ من حصرها وهي على الصعيد الإسلاميّ تتمحور بشكلٍ أساسيّ في إطار الأزهر الشريف الذي يشكّل منذ مئات السنين منارةً للدعوة على أساس من الوسطية والاعتدال والفقه الرشيد والمواقف الحكيمة، هذا بالإضافة إلى اعتماد الانفتاح بين كلّ المذاهب الإسلاميّة والمرجعيّات، وفتح أبواب الدراسة والاستفادة من العلم والخبرة لكلّ من يرتاد قاعات التدريس والعلم، كما أنّ على الأزهر الشريف رفع لواء التواصل وفق أسسٍ إسلاميّة سليمة مع غير المسلمين، من المسيحيين أو من أيّة معتقداتٍ وأفكار.

هذا الدور المرجعيّ للأزهر الشريف، يتكامل معه دور النجف الأشرف على مستوى الفقه الجعفريّ، ومعهما سائر المرجعيّات من المذاهب كلّها وبشكلٍ خاصّ المذاهب المعتمدة وفق ما قرّر مجمع الفقه الإسلامي الدوليّ في إطار منظّمة التعاون الإسلامي.

والمواقف الإيجابيّة التي تعالج حالات التكفير والغلوّ وسائر المواقف البعيدة عن جوهر الإسلام المتمثّل في الرحمة والسماحة، محتاجةٌ أن تمدّ يدها لسائر المرجعيّات من غير المسلمين، وبشكلٍ خاصّ المرجعيات المسيحيّة، بمختلف كنائسها، كي تقوم جبهةٌ إسلاميّة-مسيحيّة كما أكّدت الآية الكريمة:﴿ولتجدنّ أقربهم مودّة للذين آمنوا الذين قالوا إنّا نصارى﴾، وهذا التلاقي ليس موجّهاً ضدّ الآخرين من غير المسلمين والمسيحيين، وإنّما هو تلاقٍ على الرحمة والعدل والخير وسائر القيم تحقيقاً لكرامة الإنسان، كلّ إنسان لأنّ الأصل في هذا قوله تعالى:﴿ولقد كرّمنا بني آدم﴾.

إنّ المرجعيّات الدينيّة بمختلف مواقعها محتاجةٌ إلى خطط وآليات منها ما يلي:

أ- تأسيس الخطاب الدينيّ على مركزيّاتٍ متّجهةٍ إلى تحقيق الرحمة وكرامة الإنسان ونشر الخير والقيم، وكلّ ذلك باعتدالٍ وتوازنٍ بلا إفراط أو تفريط، وهذا الخطاب محتاجٌ لفقهٍ رشيدٍ لا انسياق معه إلى الوافد الأجنبيّ المسموم، ولا جمود فيه عند بعض الموروثات الميّتة.

ب- التعاون بين المرجعيّات، وفي مقدّمها الأزهر والنجف من أجل عقد مجموعات من المؤتمرات والندوات وحلقات الدرس والنقاش، من أجل إنضاج المفاهيم ودراسة المواقف بعناية، وتحقيق القاعدة القرآنية: ﴿لتعارفوا﴾.

ج- إذا كان الأزهر الشريف قد أصدر فتوىً في ستينات القرن العشرين بتوقيع الإمام الأكبر الأسبق المرحوم محمود شلتوت وفيها جواز أن يتعبّد المسلم بأيّ مذهبٍ أراد وأضاف المذهب الجعفريّ، فإنّ الأمر يحتاج اليوم إلى تجديد هذه الفتوى على أن تلاقيها فتوىً أو أكثر من مرجعيّاتٍ من المذهب الجعفريّ ومن المذهب الزيديّ وغيرهما، كي يكون ذلك على شكل وثائق تولّد الثقة وتمنع من حالات التعصّب.

د- واجب المرجعيّات أن تنفتح من خلالها معاهد العلوم الدينيّة الإسلاميّة على بعضها وكذلك الكليّات والجامعات من خلال تبادل الأساتذة والمقررات الدراسيّة والزيارات المتبادلة للطلاب. وعلى الصعيد الإسلاميّ المسيحيّ يحتاج الأمر إلى تفعيل الصلات بين كليات الشريعة وكليّات اللاهوت، لكي يعرف الناس بعضهم ولكيّ تتضح صورة الآخر بشكلٍ تتعطّل معه حالات التشويش والأفكار القائمة على التعصّبات الرديئة.

هـ- واجب المرجعيّات أن تؤمّن الظروف لملتقيات شبابيّة ومنتديات ومخيّمات يتفاعل فيها الناس من كلّ المشارب والاتجاهات، لأنّ المعرفة أساسٌ في العلاقات الإيجابيّة، وأمّا الجهل بالآخرين فإنّه الداء العضال الذي يؤسّس للإرهاب وللفكر التكفيريّ.

و- إنّ مواجهة التطرّف تستلزم تنقية صفوف العاملين في الدعوة وفي العمل الدينيّ عامّة من العناصر التي لا تملك الأهليّة، ومن تلك التي تتاجر بالشعارات وتتستّر بالدين من أجل مقاصد غير سامية ومن أجل غايات وضيعة، والتنقية كذلك يجب أن تكون من كلّ من يدعو إلى عصبيّة تفكّك عرى التواصل والوحدة، أيًّا كان نوع هذه العصبيّات.

ز- إنّ أداء هذه المهمّات التي تمّ ذكرها، تساعد على إيجاد فضاء ثقافيّ صحيّ يكون فيه نسيج العلاقات بشكلٍ سليم وفي مثل هذا الفضاء لا يمكن أن تحيا عناصر شاذّة المفاهيم، وتكفيريّة الطرح، وإرهابيّة السلوك.

 

2- المرجعيّات السياسيّة: 

إنّ جزءاً كبيراً من المشكلة سبّبته مسألة الاستغلال السياسيّ للشعارات الدينيّة، حيث أسرف عددٌ من المتصدّرين للعمليّة السياسيّة سواءً على شكل شخصيّاتٍ فرديّة، أو من خلال تأسيس أحزاب ومؤسّسات جماعيّة، في استخدام مفردات ومصطلحات زعموا أنّهم بها يخدمون الدين، فخلطوا بين رسالة الدين التي هي رسالةٌ جامعة تقبل التنوّع في الفقه والفهم والفكر، وبين العمل السياسي في أيّ مجالٍ من المجالات وهو حراكٌ تتنوّع فيه مفاهيم الناس ونظريّاتهم وأطروحاتهم من أجل الإصلاح أو الثورة، وحيثما تنازع الناس أو تنافسوا تبقى لهم مرجعيّة الدين يلتقون في رحابها، وتحت سقف بيوت الله تعالى يتعبّدون معاً ويتقرّبون إلى الخالق سبحانه معاً.

لكن عندما يتنازعون باسم الطائفة أو المذهب، أو عندما يشكّلون أطراً حركيّةً أو يقيمون أنشطةً وفعاليّاتٍ يلبسونها عباءة الطائفة أو المذهب فإنّهم بذلك يوصلون الحراك إلى حالات من العصبيّات التي تتوالد منها انقسامات ونزعات فئويّة تعود بالويل على المجتمع كلّه.

فالعمل السياسيّ أساسه الوطنيّة والمواطنة، وحقوق الناس يجب أن تترتّب على هذا الأساس، وفي أرجاء الانتماء الوطنيّ والقوميّ تلتقي كلّ الاتجاهات، ويعيش كلّ أصحاب المعتقدات، وبذلك يكون الواجب على المرجعيّات السياسيّة المخلصة أن تقلع عن استخدام الشعارات الطائفيّة أو المذهبيّة في مقابل شعاراتٍ أخرى طائفيّة أو مذهبيّة، فالخطأ لا يُعالج بالخطأ، والعصبيّة لا تعالج بعصبيّة أخرى، بل العلاج الصحيح أن تعالج المرجعيّات السياسيّة سواءً منفردةً أو عندما تنتظم في جبهات وملتقيات متنوّعة، الأمور بالطرح الوطنيّ الجامع، وفي أمّتنا العربيّة نطالب المرجعيّات كلّها بأن تخرج من كهوف الطائفيّة والمذهبيّة البغيضة إلى اللقاء في رحاب الإيمان الحقّ الذي لا مكان فيه للتعصّب، وعلى أساس الانتماء الوطنيّ الذي يرسّخ الوحدة الوطنيّة، وعلى أساس الهويّة العربيّة الحضاريّة الجامعة.

هذه دعوةٌ موجّهةٌ لكلّ الغيارى والمخلصين كي ننقذ أمّتنا من النزعات الانقساميّة ومن الحراك البغيض الذي أدّى ويؤدّي إلى الاقتتال متستّراً بالمذهبيّة والطائفيّة.

 

3- المرجعيّات الاقتصاديّة:

 يتحمّل من يتحكّمون بالاقتصاد والرساميل مسؤوليّاتٍ كبرى بشأن تمدّد ظاهرة الإرهاب، وانحياز بعض الشباب إليها، وكي لا يكون الكلام في إطار الحيثيّات بل في إطار المعالجة كما هو عنوان الورقة فإنّ الشأن الاقتصاديّ يحتاج إلى ثلاثة أنواع من العلاج:

أ- واجب أصحاب الأموال والمؤسّسات الاقتصاديّة والاستثمارات أن يوجّهوا قسماً من توظيفاتهم الماليّة إلى الساحة الوطنيّة والعربيّة، كي تؤمّن هذه الاستثمارات دورةً اقتصاديّة سليمة وفرص عملٍ للشباب، فذلك يحصّنهم من الفراغ القاتل والبطالة التي هي أمّ الرذائل والمفاسد، كما أنّ العيش الكريم من خلال العمل والكسب المشروع يتيح فرصاً لحياةٍ مستقرّة، وبذلك تتضاءل حظوظ الاستقطاب للمجموعات الإرهابيّة والمتطرّفة. وواجب هؤلاء الأثرياء أن يتذكّروا بأنّ الفقر بابٌ للشرور وأنواع الفساد ولهذا ورد في الدعاء عن النبيّ عليه الصلاة والسلام: } اللهمّ إنّا نعوذ بك من الكفر والفقر{.

بـ- إنّ الحكومات والمؤسّسات الرسميّة المعنيّة مطالبةٌ بوضع الخطط من أجل توفير أسباب العيش الكريم لكلّ مواطن، والأساس في ذلك أن تتوافر لكلّ إنسانٍ الحقوق الأصليّة المجمع عليها في نصوص القانون الدولي الإنساني، والتي هي: حقوق السكن والتعليم والطبابة والعمل. كما أنّ الحاجة ضروريّة للتخطيط من أجل أن تتوافق مخرجات المعاهد والجامعات ومؤسّسات التدريب مع مدخلات سوق العمل، ولا يصحّ أن تبقى الأمور فوضى وبشكلٍ عشوائيّ ممّا يسبّب أزماتٍ معيشيّة تكون من خلالها تربة خصبة للتطرّف والإرهاب.

ج- إنّ قوى الاستعمار الغربيّ التي سلبت ثروات أمّتنا العربيّة ودول العالم الثالث وبنت عمرانها وتقنيّاتها من عرق ولقمة عيش هذه الشعوب مطالبةٌ إن أرادت استقراراً عالميًّا، ومعالجةً سليمة للتطرّف أن تردّ بعض ما سلبته بشكلٍ مباشر أو على شكل تقنيّاتٍ وخبرات تُسهم في النهضة العربيّة ونهضة العالم الثالث، فهذا يشكّل بعض العدالة الاجتماعيّة الدوليّة ويكون سبيلاً لمواجهة الإرهاب من جهة، ولإقامة علاقاتٍ على أساس الثقة بين الأطراف والأمم.

 

4- المرجعيّة التربويّة:

إنّ المؤسّسات التعليميّة في مختلف مستوياتها تغشاها حالةٌ غير صحيّة لجهة اعتنائها بالتعليم وإهمال الجانب التربويّ الذي يُسهم في تكوين شخصيّة الأجيال وصقل وتهذيب المفاهيم وأنواع السلوك.

كما أنّ المؤسّسات التعليميّة لم تولِ اهتماماً كافياً للتعليم الدينيّ ومن يراجع الأمر يجد أنّ عدداً من الدول قد ألغت التعليم الديني في مناهجها ومقرّراتها كحالة لبنان، أو أنّها تقدّم مادّة التعليم الديني بأثوابٍ تقليديّة لا تستميل الجيل ولا تُشبع فضوله، ناهيك عن القصور الكائن في إعداد المعلّم الذي يعطي هذه الموادّ.

كما أنّ بعض مضامين مقرّرات مادّة التعليم الدينيّ تذهب باتّجاه الإفراط والغلوّ، والاتهامات الموجّهة ضدّ الطوائف أو المذاهب، ممّا يُسهم في تعزيز العصبيّات التي تهدّد وحدة المجتمع واستقراره.

وهناك في المقرّرات التعليميّة ما يثير ردّات فعلٍ عند قطاعاتٍ من المتعلّمين فتكون له انعكاساتٌ ليست في الصالح العام.

وكذلك توجد مشكلةٌ في رحاب المؤسّسات التعليميّة وبشكلٍ خاصّ في التعليم العالي حيث لم توظَّف الرسائل والأطاريح الجامعيّة كبنك معلومات ومصدر تخطيطي للميادين المتعلّقة في مجال اختصاصها.

وهناك مشكلةٌ أخرى في لبنان، تتمثّل في تورّم ظاهرة التعليم غير الحكوميّ الذي يُسهم في تنشئةٍ قد لا تكون وحدويّة ووطنيّة، ومن هذا التعليم ما هو تابعٌ لمؤسّسات غير وطنيّة في كثير من البلدان وهذا أمرٌ غير سليم وينتهك سيادة الدول، لأنّ هذه المدارس الأجنبيّة المرجعيّة تُدرّس مناهجها وتاريخ دولها وتُلزم الطالب أن يتقدّم إلى الشهادات وفق نظامها.

ونختم مع كليّات الشريعة واللاهوت التي تحتاج على الصعيد الإسلاميّ أو المسيحيّ إلى إعادة نظر في مقرّراتها، كي لا تعتمد ما فيه إفراط وفئويّة لا تقبلها سماحة الدين، كما أنّ بعضها لم يواكب ما حصل من تقدّمٍ، ولعلّ المفيد هنا في موضوع هذه المعاهد والكليّات أن تعتمد تعليماً راسخاً في الأصل ومواكباً للعصر.

 

5- المرجعيّة الإعلاميّة:

لقد قيل قديماً: الإعلام نصف المعركة. والحقيقة في أيّامنا هذه أنّ الإعلام يشكّل أكثر من ثلاثة أرباع المعركة. فإنّ الإعلام بأنواعه هو من يصنع الرأي العام ويوجّهه، وهو من يؤدّي إلى الخمول والسكون أو أنّه يؤجّج الثورات ويحفز الهمم باتّجاه الأهداف السامية النبيلة. وللإعلام دورٌ كبير في نشر القيم وترسيخها في شخصيّة الناشئة لتحقيق الأخلاق الفاضلة، وقد يوظّف الإعلام لنشر المفاسد والأخلاق الرديئة وإشاعة الرذائل.

كما أنّ الإعلام ينشر المعارف والعلوم ويمارس نقل الخبرات، وأساليب التدريب على استخدام التقنيّات المعاصرة، ومن خلال برامجه يمكن أن يُسهم في العمليّة التعليميّة وفي خلق الفضاء الثقافيّ الملائم لقيم الأمّة.

ويدخل في الإعلام إضافة إلى الإعلام السياسيّ والإعلام الاقتصاديّ والإعلام التربويّ والفنون كافّة، ما بات يُعرف باسم الإعلام الدينيّ، وهذا النوع الأخير يحتاج إلى مواثيق شرف وإلى قواعد وآداب تمنع من ظهور ما هو إباحيّ أو هابط من الفنون، وما فيه نيلٌ من معتقدات الآخرين وشعائرهم، كما يفعل الإعلام الأمريكيّ والأوروبيّ حين يمارس الإساءة مرّة بعد أخرى للمسلمين ممّا يدفع إلى أزمات في العلاقات كان الناس بغنى عنها.

والمطلوب في مواثيق الشرف الإعلاميّة في إطار مواجهة التطرّف والإرهاب، أن تتوقّف وسائل الإعلام عن نشر كلّ فكرٍ زائغ الخطى، وأن تتوقّف عن استقبال كلّ شخصٍ قد أُشبعت مفاهيمه بالجهالات والضلالات والمواقف التي تنبع من أمراضٍ نفسيّة وعقليّة شذّت بأصحابها عن مناهج الوسطيّة والاعتدال.

والدعوة موجّهة للمرجعيّات الدينيّة والقانونية والفكريّة كي تكون على صلةٍ وتواصلٍ مع الإعلام، إدارةً وبرامج، من أجل وضع حدٍّ لهذه الفوضى التي أسهمت وتُسهم في الكثير من أشكال الجرائم والاستخدام غير المشروع لوسائل الإعلام في التحريض السلبيّ وفي التكفير والنيل من الشعائر والرموز الدينيّة. ونخلص في هذا الباب إلى الدعوة للجميع من مستخدمي الإعلام بكلّ أشكاله، من المحادثة بين شخصين إلى ما هو مرئيٌّ أو مسموع أو مقروء، كي يتصرّف الجميع بمسؤوليّةٍ وبالتزامٍ قيميّ وأخلاقيّ يصون كرامة الإنسان وحريّاته وحقوقه في العدالة السياسيّة والاجتماعيّة لأنّ نقيض ذلك يهدّد بغرق سفينة المجتمع التي لن ينجو من خطرها أحد.

 

خاتمة:

إنّ دور المرجعيات المذكورة يجب أن يتكامل في حركةٍ شاملة ينشط فيها الجميع بكلّ مسؤوليّة وجدّيّة، وأن يكون بينهم تنسيق في كلّ الخطوات والفعاليّات من أجل النجاح في هذه العمليّة التي هي ردّ التحدّيات التي أنتجتها حركات الإرهاب والتطرّف.

وإنّنا إذ حدّدنا هذه المرجعيّات، فإنّ ذلك لا يعني أنّه لا توجد مسؤوليّات موكلةٌ إلى مؤسّسات أخرى لها دورٌ في المواجهة والمعالجة ويأتي في هذا الباب دور الأسرة، الحضن التأسيسيّ لكلّ فرد، ودور المؤسّسات الأهليّة، كلٌّ حسب اختصاصها واهتمامها، وعندما تعجز أساليب المعالجة بواسطة الثقافة ونشر المعرفة والإعداد والتربية، يأتي دور المؤسّسات الأمنيّة والقضائيّة كي تعالج حالات الانحراف والمعاندة في الممارسات الشاذّة.