تثوير وتحرير العقيدة من أجل الوحدة
تثوير وتحرير العقيدة من أجل الوحدة
بقلم سيرين الخضراوي
أبدأ كلمتي بقولةٍ خاطب بها المفكر حسن حنفي المفكرَ محمد عابد الجابري:
"لقد آن الأوانُ لجيلنا أن يتجاوزَ أُحاديةَ الطرفِ والتكفيرِ والتخوينِ المتبادَلين، ففي الفكرِ والوطنِ مُتّسعٌ للجميعِ. وإنَّ أشدَّ ما أضرَّنا هو حديثُ الفرقةِ الناجيةِ المتشكَّكُ في ضعفهِ عن ابن حزم والمتيقَّنُ من ضعفهِ عندي"
مقدّمة
إنّ الشعوبَ المسلمةَ لا تثورُ بأوامرَ مفكّرٍ أو فيلسوفٍ ولا تُقدِّمُ أرواحَها مقابِل تحقيقِ فكرةٍ أو تطبيقِ نظريةٍ سياسيةٍ أو اقتصاديةٍ وفي الآن نفسهِ نجدُ الأغلبيةَ تتنافسُ على تقديمِ أرواحِها رجاءَ النجاةِ في الآخِرةِ. فبفتاوى فقهاءِ البلاطاتِ توجّهَ الشبابُ من جميعِ أنحاءِ العالَم إلي سوريا والعراقِ لمحاربةِ الروافضِ تحت عنوان الجهاد غير عابئين بما تحدثهُ عملياتُهم الانتحاريةُ من قتلِ أبرياء لا ناقةَ لهم ولا جملَ في تلك الحربِ بالوكالةِ.
إنّ المدونةَ الإسلاميةَ طيلةَ أربعَةَ عشَرَ قرناً تحصِر النجاةَ في بعض الإيمانياتِ. فالمذاهب الأربعةُ السائدَةُ في العالم الإسلاميِّ تميِّزُ بين المؤمنِ وغيرِهِ بالإيمان بالله والرسل والملائكة والكتب الرساليةِ واليوم الآخر والقضاء والقدر، وتختلف عنها عقيدة موالي أهل بيت الرسالة (ع) بالتوحيد والعدل والنبوّةِ والإمامةِ والمَعادِ. فالمسلم سواءً كان من هذهِ الطائفةِ أو تلكَ يطمئنّ قلبهُ لمَورُوثهِ العقائديّ مع إقامة عبادات الصلاة والصوم والزكاة والحجّ. هكذا يشعر المسلم برضاء الله عنه بعد الإيمان بأصولِ دينهِ والعمل بفروعهِ وفقا لما هو مدوّنٌ في كتب الفقه مع فتاوى الفقهاء المعاصرة عندما تطرأ ظروف مغايرة لظروف التي كانت في عهد السلفِ.
وبقيت الخلافاتُ المذهبيّةُ بين المسلمين طيلةَ قرونٍ حول العقيدةِ وما يترتَّبُ عنها من فروعٍ إلي أن قدِم الاستعمارُ الغربيُّ بأساطيلهِ وهو يحتلّ بلاد الإسلام ويقسمها إلى أوطان صغيرة فنهب ثرواتها وانتهك سيادتها.
وتوسعت دائرةُ الخلافِ الإسلاميّ من خلافاتٍ مقتصَرةٍ على المذاهب إلى خلافاتٍ جديدةٍ تمثّلت في ظهورِ تيّارين كبيرين لا يزالان يتصارعان إلى الآن:
التيار الأول: يفسّر تخلّفَ المسلمينَ بربط الدين بالدولةِ وتقدُّمَ الغربِ بفصل الدين عن الدولة. ويُسمّى هذا بالتيّار العَلمانيّ.
والتيار الثاني: يفسّرُ تخلّفَ المسلمين بابتعادهم عن الشريعة وعنِ الاقتداءِ بالسلفِ الذين كانوا يحكمون العالم. ويفسّر ما حصل من سيطرةٍ استعماريةٍ بالعقوبةِ الإلهية. ويُسمّى هذا بالتيّار السلفيّ.
ووسط هذين التيارين المتناحرين وبعد سقوط الخلافة الإسلامية ظهر تيّار ثالثٌ يدعو إلى الوحدة بين المذاهب الإسلامية بين التيار السلفيّ والعلمانيّ ويقدم فهمًا للعقيدة الإسلامية محاولا إذابة الخلافات والتجاوز إلى العمل عل تحقيق أهدافٍ مشتركةٍ كتحرير الأوطان، وفي مقدمتها فلسطين، والعدلة الاجتماعية ومقاومة الجهل والسلطات العميلة للغرب والفتاوى المفرّقة.
وتركيزنا هنا سيكون حول العقيدة وكيف قامت الحكومات المستبدّة بتخدير الشعوب باستعمال العقيدة وإلهائها في الخلافات المذهبية عبر بثّ الفتن الطائفية ونطرح مشاريع مؤمنة بأن العقيدة عند تحريرها من التخدير تصبح لها القدرة على تحريك الشعوب وهي القوة العظيمة القادرة على تحرير الأوطان والتقدم ومحاربة الجهل.
نبرز مجهودات التيّارِ الثالثِ وسنخصّصُ بحثنا بمن جدّدَ في فهم العقيدة تجديدا تأصيليا غير تلفيقيّ. انطلاقا من أمثلة حسن حنفي، ومحمد باقر الصدر، وعلي شريعتي.
إنّ الوحدة الفكرية الإسلامية التي يعرضها كلّ من علي شريعتي ومحمد باقر الصدر وحسن حنفي لا تتمثّل في تعويض المذاهب الموروثة بمذهب رسميّ واحد وإنّما تتمثّل في أن الشعوب المسلمة بمختلف مذاهبها يمكنها التعاون على التقدم على مقاومة الاستعمار تجاوز الخلافات التي تستعملها الأنظمة المستبدة في صرف نظر الشعوب عن القضايا الحقيقية و تغرقهم في خلافات طائفية. يقول على شريعتي: "إنّ الوحدة بين المذاهب والأفكار غير ممكنة وغير منطقية، لأنها أشبه بموت الفكر العلميّ والاختلاف في الآراء، وأما الوحدة السياسية والاجتماعية فهي ممكنة ومنطقية بل هي تعهّد ومسؤولية لأن الاختلافات الاجتماعية تسبب الضعف وتفريق الأمة ونشر الكراهية داخل الأمة". ويقول باقر الصدر: "إنّ المراد من مؤدّى الوحدة الإسلاميّة هو التقارب بين أتباع المذاهب الإسلاميّة، واتحادهم في مواجهة أعداء الإسلام، مع الحفاظ على كيان واستقلالية كلّ طائفة"[1]. ويقول حسن حنفي عن الوحدة : "ليست وحدة الأمة بالضرورة وحدة سياسية مركزية، كما كان الحال سابقا في الدول الأموية والعباسية وحتى العثمانية. فقد كانت الخلافة اسمية، والأمصار مستقلة عنها تقريبا.. بل هي وحدة الأخوّةِ والتعاطفِ المشتركِ، أي الوحدةُ الوجدانيةُ أو وحدةُ نسقِ القيَمِ والمبادئِ والتصوُّرِ المشترَكِ للعالَمِ".
سنقوم بعرض أهم ما قدّمه المفكرون في محاولة لتجديد فهمنا للعقيدة الإسلامية لتصبح محرّكًا لتقدّمنا وتحرّرنا ومحاولةً للتخلّصِ من العقيدةِ التخديرية التي هي صنيعةُ أنظمةٍ فاسدةٍ مستبدّةٍ من الداخل بالتعاون مع عدوٍّ خارجيٍّ.
على شريعتي يكشف عن الصراع المذهبي بأنّه صناعة سياسية ويعرض تثوير العقيدة شرطا من شروط الوحدة والتقدم. إنّه من بين القليلين الذين لم تصبهم صدمةُ الغرب المتقدّم المستكبِرِ فلم يديروا ظهورهم لأمتّهم المستضعفة الفقيرة ولم يصبحوا مقلدين للغرب تقليد ببّغاء يدافع عن أفكارهم وإنما كانوا مؤمنين بأنّ الدين في حاجةٍ إلى ثورةٍ تخرجهُ من وضعيتهِ المخدَّرة لينطلقَ ويقودَ الحياةَ.
وظّفت أنظمةُ الحكمِ المستبدةِ العقيدةَ الإسلاميةَ من أجل ضمانِ بقائِها فجعلت من العقيدةِ أداةً للفتنِ. وهي الأنظمةُ أطلَقَ عليها علي شريعتي تسميات "التشيّع الصفوي" و"التسنّن الأموي". ونُضيف إليها أخرى: "الإسلام الأمريكي" و"التشيّع البريطاني" اللذان هما في الظاهر عدوّان لبعضهما البعض ولكنهما في واقع الأمر هما توأمان في خدمة الكيان الصهيوني ويحاربان المسلمين بالوكالة عنه.
قام علي شريعتي بقراءةٍ تاريخيةٍ لأصولِ الفتنِ في الأمّةِ الإسلاميةِ عن طريق توظيفِ علمِ الاجتماعِ لفهمِ أسبابِ تجميدِ العقيدةِ فحاول تحويلها من ثورةٍ اجتماعيةٍ إلى أداةٍ لتخديرِ الناسِ وفسّرَ تلكَ الظاهرةَ بما أطلَقَ عليها "نظرية الحركة والنظام" وهذي نظرية تنسحب على جميع الديانات والإيديولوجيات والأفكار. فكلما وصلت فكرةٌ ثوريةٌ إلى السلطة إلا وتحولت إلى نظام يقمع الأفكار الثورية والتجديدية حملا في داخله مبادئ لطالما ناضل ضدها وهذا ما حصل عبر عصور طويلة وذكر على ذلك كثيرا من أمثلة. فالتشيع الصفوي عندما وصل للحكم تحوّل إلى تشيع فلكلوري يحارب جميع المبادئ التي في الأصل جاء من أجلها. ونفس الشيء حصل مع السنّة المحمدية التي انحُرِف بها عن مسارها الأصلي الذي كان كلّه قيمًا نبيلة وأخلاقية لتُصبح نظامًا أمويا ثم عباسيا ثم عثمانيا ظالما مستبدا وقاهرا. فقد كانت هناك قطيعة كاملة بين الأنظمة والشعوب فكانت الشعوب تحمل تدينا صادقا بريئا ساذجا وكانت الأنظمة تحمل سلاح الفتن من أجل الهاء العوام عن الحقائق التاريخية بدل الحرصِ على فهم عميق للدين الذي هو في أصله ثورةٌ على الظلم والفقر والاستبداد في الوقت الذي انطلق فيه الغرب نحو تحقيق نهضته .
أثبت على شريعتي أنّ كلّا من التشيّع العلويّ والسنّة المحمدية هما نفس الروح والجوهر غير أنّ كلّا من التشيع الصفويّ والتشيع الأموي هما نظامان مستبدّان يستمدون شرعيتهما من تواصل الفتن الطائفية فكانت مهمتهما طيلة التاريخ هي إشعال الفتن بين المسلمين. وبذلك فإنّ تثوير العقيدةِ هو الحلّ من أجل تجاوزٍ المذهبيّة وتقديم نهضةٍ مشتركةٍ ضدّ الأنظمةِ العميلةِ وضدّ الاستعمارِ.
عمِل على شريعتي على تحرير العقيدة من فقهاء البلاط وحاول جعلها حركة تحريرية تدعو إلى اللوحدة والتقدم وتحرير الأوطان وترسيخ العدل والعدالة الاجتماعية. ومن أهم المبادئ التي توصّل إليها في تثوير العقيدة هي نظرية العودة إلى الذات.
فإن كانت الجدلية التاريخية لهيجل والمادية التاريخية لماركس تنفيان دور الفرد في التغيير فإن على شريعتي قدّم طرحا جديدا وهو الدور المهمّ للفرد في تغيير التاريخ عبر ما أطلق عليه "بناء الذات الثورية".
إنّ مهمّة المفكر الواعي عند على شريعتي لا تكمن في أن يجمع من حوله أنصارًا يقلّدونه بل إن المفكر الحقيقي هو القادر على نشرِ فكرةٍ لدى الناس ألا وهي أ الإنسان قادرٌ على صناعةِ ذاتهِ وعلى تجاوز القيود الطبقيّة والجغرافيا والبيولوجيا.
إنّ أوّل خطوةٍ يجب أن يخطوها الفردُ من أجلِ بناء الذاتِ هي أن يحميَ نفسَه من الوقوع في الاغتراب والمقصود بالاغتراب هنا هو التقليد.
اعتبر شريعتي أنّنا في حاجة إلى العبادة والعمل والنضال الاجتماعي من أجل تغير الواقع.
العبادة
يقول علي شريعتي:" إن الصلاة في الإسلام، خاصة في بداية قيامه، كانت تجذب الإنسان كل عدّة ساعات، مرة في اليوم، من مستنقع الحياة الفردية والاقتصادية - التي كانت كلها سعيا لسدّ احتياجاته الفردية - وتوقفه في مواجهة الله" .[2]
اعتبر شريعتي أن العبادة هي القادرة على حماية الفرد من الرأسمالية المرعبة التي مسخت جميع القيم الإنسانية يقول شريعتي: "العبادة جهاد في تحطيم القوالب الاجتماعية الضيّقة وصقل الوجود الحقيقي، وبعث الأحوال الوجودية الحقيقية، واستخراج الكنوز الخفيّة للوعي، والوصول إلى حالةٍ أكثرَ تقدّميةً من تلك التي وصل إليها عظماء العارفين في موروثنا وهي حالةُ وعي القلبِ وكشف الالتزام أعمق، وأشد إخلاص ورقيا، أكثر صدقا من كل ما يفهمه الغربيون اليوم من هذه الكلمة "[3]
العمل:
في الإسلام العمل يعني "الفكري، الديني، الاقتصادي، بدون فصل بينهم، والعمل الصالح مهما كان مجاله هو عبادة. وان كان العمل المادي هو محاولة تسخير الانسان للطبيعة فإن العمل الاجتماعي هو محاولة الفرد تغيير مجتمعه".
دعا شريعتي إلى التوفيق بين العمل والفكر. إنّ المفكرين الذين يكتبون عن النضال ولا يعرفون معناه يسقطون في ما أطلق عليه علي شريعتي بالغربة اللفظية عن الذات.
يقول شريعتي: " الكتاب والعمل كلاهما يؤثر في بنية الإنسان. فالكتاب يجعل العمل مصحوبا بالوعي الفكريّ والقدرةِ على تحليل التجارب التي قام بها أناس آخرون، وعبقريات أخرى، والاستفادة منها. وأمّا العمل فيثبِّت الفكر على أرضية الواقع ويصحح مساره.
إن التخصّصات الاجتماعية والطبقية حسب علي شريعتي غير موجودة في الإسلام في عهد الرسول (ص) ولم تكن هناك طبقة من السياسيين وطبقة من رجال الدين وطبقة مزارعين يقول شريعتي: " ولم تكن الرؤية الإسلامية تتنافي مع كون الإنسان معلما، وفي نفس الوقت عنصرا سياسيا فعالا يتقدم إلى حدّ القيادة وفي نفس الوقت زاهدا نموذجيا، وحين يحتاج الأمر محاربا بطلا أو أن يكون خليفة للمسلمين وفي نفس الوقت أجيرا عند اليهود"[4].
ويذكر مثلا للهجرة النبوية حيث هاجر مع النبي أثرياء قريش واضطروا إلى الاشتغال بأعمال بدنية من أجل لقمة العيش.
يختم شريعتي في حديثه عن العمل قائلا: "العمل معجزة عظمى، يهب المفكر موهبة التخلص من كل القيم الأرستقراطية وأنواع الضعف البرجوازي، وعادات الطبقة المرفهة المريضة، تلك الطبقة الطفيلية، ويمزجه بالطبقة المحرومة. ومن هذا الطريق يحوّل الإنسان من إنسان شبيه بالطفيليات إلى إنسان شبيه بالأنبياء. "[5]
النضال الاجتماعي:
المشكلة التي نعاني منها هي اهتمام المفكرين بقضايا كلامية ويغرقون في نضالات فلسفية لفظية دون وعي بأنّ هذا السلاح استعمله الغرب لإلهائنا عن قضايانا من أجل إنجاز عملية استعمار بلادنا.
المشكلة الثانية كامنة في أنّ أغلب المفكرين التقدّمين يطرحون شعارات بيئة أخرى وعصر آخر مختلف عن متطلبات زماننا، كما أن أزمة المفكر التقدمي كامنةٌ في مرض الألفاظ المفرغة التي يطرحها في مكتبة ومن حوله الكتب وهو في تعالٍ على العامّة.
يقول شريعتي: إن النضال السياسي هو الذي يعلّم المفكر العمل الإيديولوجيّ ويهبه الفاعلية. ونفس هذا النضال هو الذي يهب المفكر موهبة، غالبا ما هو محروم منها، وهي تعلم اللغة التي بها يتفاهم ويحدث الجماهير، وهي اللغة التي تعدّ أداة القيام برسالة المفكر في مجتمعه. والحرمان من امتلاك ناصية هذه اللغة، وهو الذي أصاب مفكرينا بالعقم".
يعتبر شريعتي أنّ المناضل أكثر تأثيرا من العالم المعتكف على الكتب ولا يعرف سوى المؤتمرات فأبو ذر الذي يعتبر عامّيا مقابل سلمان الفارسي ترك تأثيرا في تاريخ لم يتركه سلمان.
إنّ عدوّنا هو الضعف واليأس ولن نتمكّن من التغلّب عليه سوى عندما تكون لنا القدرة على المقاومة بالإيمان والأمل، الذي لا يتمّ بدوره إلاّ عن طريق الأدب الثوري والتقدّمي وفن المعارضة وثقافة الهجوم والمعارضة. فالروح حسب علي شريعتي في حاجة إلى الثقافة والإيمان معا.
على شريعتي يعتبر أن بناء الذات الثورية في حاجة إلى المقاومات الثلاث التي أسلفنا ذكرها العبادة والعمل والنضال الاجتماعي.
يرى على شريعتي أنّ الحرب المذهبية الدائرة داخل دار الإسلام هي في الواقع حرب بين التشييع الصفوي والتسنن الأموي، ونتيجتها هي إبعاد المسلمين عن الصراع بين الإسلام والاستعمار والصهيونة وتحويل ذلك الصراع إلى المسلمين فيما بينهم.
لقد فضح على شريعتي الأكاذيب التي نشرها بلاط السلطان الصفوي لنشر الفتن وطالب من شرفاء السنّة أن يكشفوا الأكاذيب التي ينشرها رجال دين التسنّن الأموي.
يعتبر على شريعتي أنّ الإسلام الصفوي يروّج إلى أنّ أرض فلسطين قضيةٌ تخصّ أهل السنة في حين علماء التشيّع العلويّ يدعون إلى تحرير فلسطين.
تثوير العقيدة الإسلامية عند باقر الصدر
ان الوحدة التي يطرحها محمد باقر الصدر لا تكمن في إثبات مذهب يفرض نفسه على الجميع وإلغاء المذاهب الأخرى بل يدعو إلى التعايش السلمي بين الجميع وتوحيد جميع الجهود ضد المستعمر الغربي الذي شتت أوطاننا ونهب ثروتنا. طرح الصدر نظريات اقتصادية وفلسفية ومعرفية ترد على الرأسمالية والشيوعية والاشتراكية وتحاول طرح نظرية متكاملة فلسفيا واقتصاديا وسياسيا ومجتمعيا كحل للمجتمعات المسلمة دون تفريق في المذاهب ولم يطرح مذهبه كحلّ وإنّما طرح الإسلام كحلّ.
إن كتابات باقر الصدر(فلسفتنا)، (اقتصادنا)، (البنك اللاربوي في الإسلام)، و(الأسس المنطقية للاستقراء) اعتمد فيها مراجع المذاهب الإسلامية دون الاقتصار على أحدها.
وتصدى الصدر لجميع محاولة الفتن والتشرذم والتقسيم وكان له مشروع تثويري للعقيدة كما هو الشأن عند على شريعتي.
إن كان تثوير العقيدة عند على شريعتي مرتكز على ما أطلق عليه على شريعتي بناء الذات الثورية فإن محمد باقر الصدر طرح مشروع تثوير العقيدة عبر ما أُطلِق عليه "المدلول الاجتماعية لأصول الدين".
قام الصدر بقراءة اجتماعية للأصول العقائدية عبر ما أطلق عليه المدلول الاجتماعي لأصول الدين وقدم مشروعا متكاملا نجح في تثوير العقيدة الإسلامية، فالعقيدة الإسلامية بقية طيلة قرون محنطة ومنفصلة عن الواقع محصورة في القضايا الكلامية والميتافيزيقا ولكن مع كتابيه "المدرسة القرآنية " و" الإسلام يقود الحياة" كان الصدر مؤمنا بأن للعقيدة قدرة على تثوير المجتمع ومساهمة في تحقيق العدالة الاجتماعية مقاومة الظلم والجهل والفقر وتحرير الأوطان وثروات وتحقيق الوحدة. يقول عبد الجبار الرفاعي: "أراد الصدر أن يتحوّل الإيمان من طاقة كامنةٍ إلى طاقةٍ متحرّرةٍ تحرك الإنسان المسلم وتنتشله من حالة التخلف والضياع ، وتسوقه نحو المقاومة والتحدي، وتعيد إليه الثقة وهويته وأرضه و تراثه" [6]
ساهم الصدر في إعادة بناء العقيدة وفق مقتضيات العصر وفرق بين:
1- الايمان بالله عند الطغاة والايمان بالله عندالانبياء
إنّ العقيدة الإسلامية تطرح الإيمان بالله كتحرير من عبودية الإنسان. فإيمان الإنسان بوجود إله يجعله يرفض أن يكون عبدا لإنسان أخر "وبهذا يوضع حدّ نهائيّ لكل ألوان التحكّم وأشكال الاستغلال وسيطرة الإنسان على الإنسان"[7]
يفرّق باقر الصدر بين الحقّ الإلهي الذي يستعمله الطغاة وبين الأنبياء الذين ساروا على تحرير الإنسان من عبودية الإنسان. يقول الصدر: " كان الإسلام يكافح من اجله الأنبياء ثورة اجتماعية على الظلم والطغيان وعلى ألوان الاستغلال والظلم الاجتماعي".
2- الفرق بين الثورات الاجتماعية والجهاد
إن الجهاد ينقسم الي نوعين من الجهاد، الجهاد الأصغر وهو ما يعادل الثورة الاجتماعية. والجهاد الأكبر هو تحرير الانسان من الداخل. هدف الجهاد الأكبر هو عدم استبدال مستبد بمستبد آخر.
وعند التطرّق إلى الجهاد الأكبر يخرج الغنيّ من طبقته وينظمّ إلى الفقير لمواجهة الظلم والطغيان، وهنا يكمن الفرق بين أن يناضل الإنسان من أجل مصالحه الشخصية وبين أن يناضل من أجل مصلحة الآخرين. وأحيانا يثور على طبقة ينتمي إليها ويقف إلى جانب طبقة عدوة له. فالذات التي يجب التحرّر منها هي التي تدفع بالإنسان إلى الجنوح إلى مصالحه الشخصية على حساب المصلحة العامّة.
فالتوحيد الذي هو أول أصل من أصول الدين وحده كفيل بتحرير الذات من غريزة الأنانية وجعل الإنسان يدافع عن الحقّ وإن اختلف مع مصالحه.
وأما العدل ثاني أصول الدين فهو صفة من صفات الله التي يطالب كلّ مسلم أن يحاول مجاهدة نفسه ليكون عادلا ويحاول أن يكون طريقه إلى الله عن طريق السعي إلى أن يتّصف بصفات الله في القدرة والعلم والعدل. إنها طريق لا متناهية. وبهذا وضع باقر الصدر فهما لصفات الله مخالفا لما فهمه فلاسفة الإغريق قديما.
وأمّاالمعاد فهو الأصل القادر على تحويل الإنسان من كائن مادّي يتنافس على جمع المال على حساب الفقراء إلى إنسان يتنافس على تقديم العمل الصالح فهو الذي يبقى في النهاية والمال يزول.
وأمّا النبوة والإمامة فهما الحاملتان لوصية الثورة ومحاولة رفع الأمة إلى مستوى النضج الثوري.
هكذا كانت مشاريع كل من باقر الصدر وعلي شريعتي تدعو إلى الوحدة من خلال تثوير العقيدة التي جُمّدت عن طريق رجال دين البلاط واستعملت الفتنة من أجل صرف الشعوب عن قضاياها الحقيقية وطرحا عقيدة تثويرية تقدّمية تدعو إلى تحرير الإنسان والأرض.
مشروع من العقيدة إلى الثورة لحسن حنفي
يقول حسن حنفي: “وهي وحدة التضامن الاجتماعي والشعور بالأمة، وحدة المبادئ والغايات، المقاصد والأهداف. لتحقيق الإسلام كنظام مثالي للعالم. وبلغة المحدثين هي وحدة الثقافة والحضارة ونسق القيم. وحدة الجوار الجغرافي والتاريخ المشترك قبل أن تصبح وحدة المصالح في الحرية والاستقلال والتنمية والتعاون ضد الاستعمار والصهيونية وكل أشكال الهيمنة"
لم يشتغل حسن حنفي على الوحدة بين المذاهب فحسب وإنما دعا إلى الوحدة بين العلماني والإسلامي. ويتعبير آخر دعا الي علمنة الإسلام أو أسلمة العلمانية في إطار يذيب الخلافات بين التراث والتجديد، بين القديم والحديث، بين العقل والنقل، بين العلم والدين، واعتبر أنّ هذه الخلافات يستغلها الاستعمار من أجل صرفنا عن القضايا الحقيقية.
كان مشروع حسن حنفي "من العقيدة إلى الثورة" عبارة عن قراءة اجتماعية للعقائد الأصولية. فقد فهم أن للعقيدة قوّةً عظيمةً لتحريك الشعوب نحو تحرير أوطانها وتحقيق العدل. و قد أهدى هذا المشروع إلى علماء أصول الدين تحملا لمسؤوليتنا التاريخية على حدّ تعبيره. فهو يعتقد أن دور أصول الدين أساسي في التأثير على سلوك الجماهير المسلمة. وقد جاء مشروعه "من العقيدة إلى الثورة" بعد مشروعه "التراث والتجديد" إيمانا منه بإمكانية حلّ أزمات العصر وفك رموزه في التراث وإمكانية إعادة بناء التراث لإعطاء العصر دفعة جديدة نحو التقدّم.
عندما نبدأ بقراءة مقدّمة الكتاب نفهم أنها في ذاتها ثورة على مقدمات كتاب أصول الدين فهو قد انطلق في المقدمة بنقد مقدمات أصول الدين وقدّم قراءة ميتالغوية شارحا الاسباب التاريخية والسياسية وحتى النفسية لمقدمات أصول الدين التقليدية والتي هي انعكاس للمشائخ السلاطين بخطابهم الواحد اتجاه الله والسلطان ومشايخ الصوفية الذين كرسوا الخمول والتواكل على الله في قضاء الحاجات.
إن هذه المقدمات الأصولية تعبّر عن العجز وتعزّزه فلا نكاد نفرق بين مدح الفقيه لسلطان الديني من مدحه لسلطان السياسي.
إنّ تغيير وضعنا الحالي حسب حسن حنفي لا يكون إلا عن طريق إدراكنا أنّ التغيير لن يكون بالاقتصار على مدح الله. إنّ الاقتصار على الدعاء وحده هو من أسباب ما نحن عليه اليوم. إنّ تغيير وضعنا الحالي لا يتم إلا بادراك الفرد أنّ التغيير لن يكون بفعل خارجي عن طريق الدعاء والتزلّف إنما عبر تمرير الوعي الفردي عند المثقف إلى وعي جماهيري.
إنّ المطلوب من الإنسان المسلم هو تأكيد ذاته وإحساسه بالمسؤولية وتحقيقه للرسالة ووعيه بالجماهير وإدراكه لحركة التاريخ. وليس مطلب العصر هو تبرئة "عقدة القبة السماوية" الحافظة للعالم من كل سوء تشبيه أو تجسيم أو شرك بل معرفة المسؤول عمّا وصل إليه حالنا من احتلال وتخلّف وقهر وطغيان وفقر وبؤس وضنك وحرمان وتشرذم وتعثر وذل وهوان "[8]
يرى حسن حنفي أنّه يجب علينا تحمّل مسؤوليتنا على ما وصل إليه حالنا اليوم لا أن نبرّر فالعقيدة الجبرية في قضية القضاء والقدر هي من أهم الأسباب لما نعانيه اليوم".
ينتقد حنفي خلط علماء أصول الدين بين مدح السلطان الديني ومدح السلطاني السياسي وجعل السلطان السياسي بمرتبة الله فكلاهما يتم الكلام عنه بلغة الجبروت والعظمة حتى أنه ليصعب الفصل بين السلطانين سلطان الأرض وسلطان السماء . فكل منهما واهب عادل عالم قادر. فالنفاق تجاه سلطان الأرض هو نفسه النفاق الذي يمارس اتجاه سلطان السماء.
ومن المفترض أن تكون مهمّة علماء أصول الدين النقد والتصحيح والمعارضة وليس التقرّب والتزلّف . فالمطلوب من علماء أصول الدين هو الوقوف إلى جانب الشعوب لا إلى جانب السلاطين.
إن العلاقة بين رجل الدين والسلطة حسب حنفي هي على النحو التالي : رجل الدين يخاف السلطان فيمدحه والسلطان يخاف رجل الدين فيوظفه وبهذا يكسب السلطان شرعية دينية و يقرب هذا الرجل الدين قلوب الناس من السلطان.
ولئن اعتنى رجال أصول الدين قديما بالبحث عن التجسد والتجسيم والتشبيه فان ذلك العصر كانت فيه الأراضي غير محتلّة من طرف الغير. وأما الآن والأراضي مغتصبة والثروات منهوبة ولهذا يتعيّن إعادة بناء مشروع أصول الدين بما تقتضيه متطلبات العصر.
يقول حنفي : "إن كان هدف القدماء كتابة كتب في الفرق بين الفرق فإن هدفنا اليوم هو الجمع بين الفرق. وإن كان هدف القدماء هو بيان مقالات الإسلامين واختلاف المصلين فانّ هدفنا اليوم هو مقال المسلمين واتفاق المصلين.
إن مهمة أصول الدين اليوم حسب حسن حنفي هي تثوير الناس لتحرير فلسطين وجميع الأراضي المحتلة وتحقيق وحدة الأمّة والدفاع عن الفقراء وترسيخ العدالة الاجتماعية محاربة الجهل وترسيخ العلم وتأميم الثروات. وقدم هذا المشروع في 5 مجلدات تحت عنوان من العقيدة إلى الثورة وقد استغرق في كتابته عشر سنوات.
وجهة نظري حول ظهور علم أصول الدين وكيف أستعمل من أجل التفرقة
ما يحصل اليوم في المشرق من حروب طائفية غيرت في الخريطة السياسية بظهور ظاهرة داعش وهي نتاج لتراكمات تاريخية لعدم الإجابة على السؤال وبالتحديد يوم وفاة النبي محمد صلى الله عليه و سلام عن قضية الحكم والسياسية هل هي أصل من أصول الدين أم مسائلة فرعية؟
وهدفنا اليوم ليس نخيّر فرقة عن أخرى بل هدفنا دراسة وتحليل المواقف السياسية في تلك الفترة على أساس أنها نموذج لمواقف سياسية في كل عصر ولنفهم من خلالها تاريخية التكفير. فالمذهبية فهي ليست ظاهرة جديدة بل هي نتاج لخلافات سياسية أو فهم سياسي مغاير للآخرين. هذا الموضوع الذي يطرح عدة أسئلة من أهمّها لماذا اختُلف في قضيّة الحكم والسياسية في كونها قضية أصولية أ فرعية؟
علم أصول الدين هو في الأصل علم سياسي[9] نشأ في مرحلة تاريخية اشتدت فيها الاختلافات السياسية من مرحلة ما يسمى بالخلافة الراشدة التي تطوّرت نحو الفتنة الفتنة الكبرى حيث شهدت الأمّة خلالها تمزقا بدا من سقيفة بني ساعدة الي حروب الردّة مرورا بمقتل عثمان واغتيال علي (ع) واشتدّت مع وصول معاوية إلى الحكم. الفتنة الكبرى التي قادت أهل السنة لتبرير مواقف سياسية بنسبة القداسة والعصمة للصحابة حين أعلنوا الخلفاء الاربعة خلفاء راشدين وجعلوا من الصحابة قسما من العقيدة أولئك الصحابة الذين نجد أثارهم في كتب الأحاديث في أبواب فضائل الصحابة رغم تحريم أغلبيتهم رواية الأحاديث وجمعها لفترة طويلة.
ومن هنا ظهرت العقيدة المرتكزة على الاقتداء بالسلف الصالح أي الاقتداء بالصحابة لينتقل فيها الدين من مصدر لتشريع ليصبح ايديولوجيا سياسية.
إنّ تغيّب الصحابة عن دفن صاحب الشريعة ليحضروا اجتماعا سياسيا
لهو نموذج واضح للفصل بين الديني والسياسي ليجد الخلف فيما بعد صعوبة في تبرير هذه المواقف وخاصة تضارب ماهو شائع من أحاديث مع ما هو صحيح منها. نجد في صحيح مسلم " تركت فيكم الثقلين ما أن تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي " [10] هذا حديث صحيح نجده في أصح الكتب عند السلف وتقع في إشكالية عسيرة في فهم هل السنة وجب أخذها من اجتهادات صحابة الرسول مع أنّ هذا الحديث الصحيح يفوض الشرعية لأهل البيت ويضعهم في مرتبة فوق غيرهم. لهذا نجد اليوم من المسلمين من يعتبر أن سقيفة بني ساعدة هي تمرد على سنة رسول الله وعلى وصيته في خطبة الوداع وفي وصيّته المشهورة بغدير خم حيث خطب "من كنت مولاه فعلي مولاه . اللهم والي من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله" [11]
كانت آخر خطبة لرسول وحضر فيها عشرات الآلاف من المسلمين وهنا السؤال يطرح نفسه لماذا لم يأخذ علي حقّه رغم شهادة عشرات الآلالف على الحادثة . ومن هنا ظهرت قداسية ال البيت ومكانتهم ومن ذلك اليوم هذا والصراع الطائفي لم يخمد الي يومنا هذا.
وهنا انقسم المسلمين الي شقين شق يدافع عن شرعية السلف الصالح الصحابة وشقّ يدافع عن شرعية آل البيت.
اعتُبر الشقّ المدافع عن الصحابة أنّ سقيفة بني ساعدة شرعية ومسالة الإمامة فرعية وليست أصلا من أصول الدين وأن اتّباع وصية النبي او مخالفتها لا تخرج المسلم من إسلامه في حين منتقدي اجتماع سقيفة بني ساعدة أحد المبايعين تحت الشجرة هو مخالف للقران ويبقى الجدل قائما.
وأمّا الشقّ الثاني المدافع عن آل البيت "اي خطبة الوداع"5 وحديث الثقلين فقد اعتبروا أن الإمامة أصلا من أصول الدين وأن من خالف وصيّة النبي وأحاديثه الصحيحة فهوا مخالف للرسول و بالتالي خارج من رحمة الله.
اختلفت العقائد وتفرّقت المذاهب والفرق لاختلافات السياسية بالأساس لتصبح كلّ فرقة تعبّر عن موقفها السياسيّ ولتجد شرعيةً لوجودها فتكفّر الفرقة الأخرى التي خرجت عنها وهكذا انقسمت العقائد إلى فرق عديدة منها من يدافع عن السلطة ويكفّر معارضيها ليتحوّل الصراع من صراع سياسيّ إلى صراع عقائدي من حيث مرتكب الكبيرة كافر أو مؤمن عاصيا التي ظهرت مع مقتل عثمان و هل قاتل عثمان هو كافر أو مؤمن وخاصة انه من الذين بايعوا تحت الشجرة و لتطرح قضية عصمة الصحابة المبايعين تحت شجرة وتظهر اشكالية المنافقين الذين بايعوا تحت الشجرة وارتدوا فيما بعد وعلى رأسهم عبد الله بن سلول
إن إقصاء الحكم والدولة من أصول الدين وإدراجهما في قضايا الفروع يعود لأسباب سياسية. وكان المسلمون القدماء يطلقون لفظ الإمامة على ما يسمى اليوم بالحكم و الدولة إن إدراج الإمامة في مسائل فرعية يعود إلى مصالح سياسية للحزب الحاكم وهو حزب سياسي يدافع عن الصحابة ونجد اليوم أثار هذا الحزب في كتب الحديث في أبواب فضائل الصحابة حيث يدرج أسماء الصحابة الذين وصلوا إلى السلطة. ولو بقي أبو جهل حيا ليوم الفتح لكان طليقا ولكان اسمه مندرج ضمن فضائل الصحابة. إن ذلك الحزب السياسي الحاكم في ذلك الوقت قد فصل بين الدين والدولة عن طريق اعتبار الإمامة ضمن الفروع وهذا لغرض تكفير بقية الأحزاب الأخرى ومحاربتهم بتعلة أنهم فرق زيغ وبدع استنادا إلى الحديث الموضوع حديث الفرقة الناجية والمقصود منه الهاء العوام عن الخوض في قضايا الشأن العام. وهكذا ينفرد الحكام بالسلطة وأي محاولة لفصل الدين عن السياسة هو نتاج عن شعور الحاكم القائم باللاشرعية.وهذا ما يدفع بالعوام إلى الابتعاد عن السياسية فالحاكم اللاشرعي يدرك جيدا أن المحرك الأساسي للشعوب المسلمة هو العقيدة وبذلك فإن إبعاد الإمامة عن الأصول يضمن إبعاد الناس عن السياسية. فالمسلم الذي لا يهتمّ بالشان العامذ لا يتعصّب إلى القيام بثورة وهكذا لم يكتفِ الحزب الحاكم بإدراج الإمامة في الفروع بل حرّموا الثورة والخروج عن الحاكم. وهكذا أوهمت الشعوب المسلمة أن موضوع الحكم والثورة لا يساوي مواضيع المعاد والرجعة وعذاب القبر والصراط والميزان فقد عُلّمت الجماهير أنّ صلاح الدين لا يقترن بصلاح الدنيا .
إن اعتبار الإمامة فرعا من فروع الدين وليس أصلا من أصوله تنجرّ عنه فصل العقيدة عن النظام السياسي ويكون الدين دون سياسة والعقيدة بدون شريعة والإيمان بدون عمل والنقل بدون عقل وأمّا اعتبار الحكم والدولة من أصول الدين ينجرّ عنه تحوّل الدين اإلى سياسة والعقيدة إلى شريعة والإيمان إلى عمل والنقل إلى عقل
في المقابل اختارت المعارضة السياسية أن تكون الثورة والحكم أصلا من أصول الدين وكذّبوا تحريم الخروج على الحكام استنادا إلى عديد النصوص والأحاديث ونذكر منها قال (ص): "قاتلوا الفئة الباغية"
ونلاحظ اليوم تجلّي هذه الثنائية بين أحزاب اليوم تعتبر أنه لا وجوب لفصل الدين عن الدولة وأنّ شعار الإسلام يُستغَل من أجل تجميع الجماهير هو استغلال للدين في حين أن أحزابا أخرى تصرّ على أنّه لا فصل بين الدين والسياسة في الإسلام وهذا الاختلاف الوهمي بين العلماني والإسلامي سأتحدث عنه في مقال لاحق.
خاتمة:
ويبقى النموذج الأكبر في تثوير العقيدة هو الإمام الخميني رحمه الله فقد استطاع تحويل النظريات العلمية إلى ثورة ومن ثمة إلى دولة إسلامية أصبحت تقاوم من اجل الوحدة و قضيتها الام هي فلسطين ، امتنا في حاجة إلى بناء ذاته الثورية كما قال على شريعتي و إلى تبنى أصول الدين كما طرحها محمد باقر الصدر وإلى فهم تلعب السياسيين طيلة التاريخ بعلماء أصول الدين كما بين حسن حنفى.
المراجع :
1- حسن حنفي من العقيدة إلى الثورة ، مكتبة مدبولى ،
2- عبد الجبار الرفاعي ، الدين و الظمأ الأنطولوجي ، دار التنوير ومركز دراسات فلسفة الدين بغداد الطبعة
3- على شريعتي ، بناء الذات الثورية ، ترجمة د.ابراهيم دسوقي شتا ، دار الأمير للعلوم و الثقافة بيروت لبنان الطبعة الثانية 2008
4- على شريعتي ، التشيع الصفوى و التشيع العلوى ، ترجمة حيدر مجيد ، دار الأمير للعلوم و الثقافة بيروت لبنان الطبعة الثانية 2008
5- محمد باقر الصدر. الإسلام يقود الحياة وزارة الارشاد الإسلامي بمساعدة اللجنة التحضيرية لمؤتمر العالمي لائمة الجمعة و الجماعة الطبعة الثانية
6- محمد باقر الصدر. المرسل و الرسول و الرسالة دار المعارف للمطبوعات بيروت لبنان 1992
[1] انظر: الشهيد الصدر، رسالتنا: 55 ـ 61، مكتبة النجاح، طهران؛ مباحث الأصول 1: 151؛ الشهيد الصدر، أهل البيت: تنوّع أدوار ووحدة هدف (المجموعة الكاملة لمؤلَّفات السيّد الصدر) 11: 70، دار التعارف للمطبوعات، بيروت.
[2] على شريعتي ، بناء الذات الثورية ، ترجمة د.ابراهيم دسوقي شتا ، دار الأمير للعلوم و الثقافة بيروت لبنان الطبعة الثانية 2008ص 34
[3]على شريعتي ، بناء الذات الثورية ، ترجمة د.ابراهيم دسوقي شتا ، دار الأمير للعلوم و الثقافة بيروت لبنان الطبعة الثانية ص 50
[4]على شريعتي ، بناء الذات الثورية ، ترجمة د.ابراهيم دسوقي شتا ، دار الأمير للعلوم و الثقافة بيروت لبنان الطبعة الثانية ص 73
[5]على شريعتي ، بناء الذات الثورية ، ترجمة د.ابراهيم دسوقي شتا ، دار الأمير للعلوم و الثقافة بيروت لبنان الطبعة الثانية ص74
4 عبد الجبار الرفاعي ، الدين و الظمأ الأنطولوجي ، دار التنوير ومركز دراسات فلسفة الدين بغداد الطبعة 2016 ص 124
[7] الإسلام يقود الحياة ، محمد باقر الصدر وزارة الارشاد الإسلامي بمساعدة اللجنة التحضيرية لمؤتمر العالمي لائمة الجمعة و الجماعة الطبعة الثانية ص 9
[8] حسن حنفي من العقيدة إلى الثورة ، مكتبة مدبولى ، الجزء الأول صفحة 11
[9] حسن حنفي من العقيدة إلى الثورة ، مكتبة مدبولى ،المجلد الخامس صفحة 50