الوسطية الفكرية وأهميتها في العصر الحاضر
الوسطية الفكرية وأهميتها في العصر الحاضر
الأستاذ الدكتور جعفر عبدالسلام
الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية
يعتبر تيار الوسطية بشكل عام من التيارات القديمة في البعد السياسي، وربما كان الفرنسيون هم من أوائل من استخدم المصطلح من الطريقة التي كان يجلس بها الأعضاء في الجمعية الوطنية الفرنسية، فقد كان الشباب يجلسون علي اليسار، وتميزوا بالراديكالية، وبالرغبة الجارفة في التغيير، علي عكس من كانوا يجلسون في الجانب الأيمن من الشيوخ المحافظين الذين يرغبون في تثبيت الوضع القائم ويكرهون التغيير. ومن الواضح أن الوسط هو الفريق الذي كان يجلس بين الفريقين الأيمن والأيسر، وهم يتوسطون في فكرهم أيضًا بين الطرفين، فلا هم يرغبون في تغيير هيكلي رئيسي للأوضاع، ولا هم يحبون الثبات الدائم علي ما توجد عليه الأوضاع في مجتمعاتهم، ونظرًا لأنهم في الدائرة المتوسطة من التفكير، ومن الأسلوب اللين في التغيير، مع الاحتفاظ بالقديم، فقد نشأ علي هذا الاتجاه الكثير من الأحزاب والاتجاهات والتيارات الفكرية في مختلف أنحاء العالم.
ورغم أن المجتمعات الإسلامية لم تعرف أحزابًا تتبني تيارات وسطية أو غير وسطية في المجال السياسي، إلا إنها -ومنذ وقت طويل- عرفت مثل هذه الاتجاهات والتيارات سواء في المجال الفكري أم المجال الفقهي. وكانت هناك هذه المدارس والاتجاهات التي تتبني الوسطية في التعامل مع المشكلات، وترفض التطرف إلي اليمين أو إلي الشمال، وكان من الدعائم التي قامت عليها هذه الاتجاهات: القرآن الكريم، والسنة النبوية، حيث يذكر سبحانه وتعالي واصفًا المسلمين والأمة الإسلامية: {وكّذّلٌكّ جّعّلًنّاكٍمً أٍمَّةْ وسّطْا لٌَتّكٍونٍوا شٍهّدّّاءّّ عّلّي النَّاسٌ ويكٍونّ الرَّسٍولٍ عّلّيكٍمً شّهٌيدْا}[البقرة:143].
وفي الوقت الحاضر تشهد أوطاننا تيارات متطرفة في أقصي اليمين من تغيير المجتمع ومن محاولات الإصلاح التي تجري بشكل عام، وتيارات أخري يسارية تريد التغيير بقوة وتعارض ليس الثبات والجمود فحسب، وإنما تريد أن تنطلق بالمجتمعات الإسلامية إلى التغريب وإلى انتهاج منهج واضح نحو التغيير الشامل لفكرنا وفقهنا وحياتنا.
وسنتناول في هذه الورقة الأساس الفكري لتيار الوسطية في الإصلاح قديمًا وحديثًا، ونرى الإستراتيجية التي يتبناها في الإصلاح في حياتنا المعاصرة.
وعلي هدى ذلك سنقسم هذه الدراسة إلي قسمين. نتناول في القسم الأول منها التطور التاريخي للفكر الوسطي في إصلاح المجتمع، ونتناول في القسم الثاني استراتيجية الإصلاح وفقًا للفكر الوسطي للمجتمعات الإسلامية الحديثة، حسبما تبنته وثيقة الإصلاح والنهضة للوسطية المستنيرة وحسبما تبنتها منظمة المؤتمر الإسلامي.
القسم الأول: التطور التاريخي للفكر الوسطي في المجتمعات الإسلامية
المصادر الدينية للفكر الوسطي
القرآن الكريم
يقول الله -سبحانه وتعالي: {وكّذّلٌكّ جّعّلًنّاكٍمً أٍمَّةْ وسّطْا لٌَتّكٍونٍوا شٍهّدّّاءّّ عّلّي النَّاسٌ ويكٍونّ الرَّسٍولٍ عّلّيكٍمً شّهٌيدْا}[البقرة:143]. وتفسر كلمة وسط بأنها العدول والخيار من الناس. والأصل في الوسط أنه اسم المكان الذي تستوي إليه المساحة من الجوانب، فلو تصورنا طريقًا أو موقعًا فإن الوسط هي النقطة التي تبعد بين طرفي المكان أو الخيط. وقد استبعد للخصال المحمودة لوقوع هذه الخصال دائمًا بين طرفي إفراط وتفريط كالجود بين الإسراف والبخل. وقِيل للخيار وسط؛ لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل والإعوار، كما أن الأوساط محمية محوطة، منه قول الطائي:
كانت هي الوسط المحمي فاكتفت بها الحوادث حتى أصبحت طرفا
وفي كلام العرب الوسط: الخيار والأجواد كما يقول قريش أوسط العرب نسبًا ودارًا، أي خيرها. ووُصِف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بأنه كان وسطًا في قومه أي أشرفهم نسبًا. ومنه الصلاة الوسطي والتي هي أفضل الصلوات وهي العصر. والآية تقول {وكّذّلٌكّ جّعّلًنّاكٍمً أٍمَّةْ وسّطْا} أي: أن الله -سبحانه وتعالي- هو الذي جعل الأمة الإسلامية أمة الوسط بمعني خصها بأكمل الشرائع وأقدم المناهج وأوضح المذاهب.([1])
وقد ورد في سورة القلم تعبير عن الإخوة الذين أقسموا ليصرمن حديقتهم في الصباح الباكر قبل أن يراهم الفقراء، حتى لا يأخذوا منهم شيئًا، أن أوسطهم كان ينهاهم عن هذا، لذلك كان خيرهم وأعدلهم.
وقال زهير:
هم وسط يرضى الإمام بحكمهم إذا نزلت أحدى الليالي، وقد ورد في تفسير القرطبي أن وسط الوادي هو خير موضع فيه وأكثره كلأً وماء، ولما كان الوسط مجانبًا للغلو والتقصير، كان محمودًا أي أن الأمة الإسلامية لم تغل غلو النصارى في أنبيائهم ولا قصروا تقصير اليهود في أنبيائهم.([2])
وتمشيا مع هذه الطبيعة السمحة التي فطر الله أمة الإسلام عليها، يقول سبحانه وتعالي في سورة آل عمران: {كٍنتٍمً خّيرّ أٍمَّةُ أٍخًرٌجّتً لٌلنَّاسٌ تّأًمٍرٍونّ بٌالًمّعًرٍوفٌ وتّنًهّوًنّ عّنٌ المٍنكّرٌ وتٍؤًمٌنٍونّ بٌاللَّهٌ}[آل عمران:110].
كما أن الله -سبحانه وتعالي- قد أعطي لهذه الأمة ما يمكنها من أن تكون أمة وسط لا تغلو في الدين، ولم يرهقها أي عبادة أو تكليف. يقول سبحانه وتعالي: {الذٌينّ يتَّبٌعٍونّ الرَّسٍولّ النَّبٌي الأٍمٌَي الذٌي يجٌدٍونّهٍ مّكًتٍوبْا عٌندّهٍمً فٌي التَّوًرّاةٌ والإنجٌيلٌ يأًمٍرٍهٍم بٌالًمّعًرٍوفٌ وينًهّاهٍمً عّنٌ المٍنكّرٌ ويحٌلٍَ لّهٍمٍ الطَّيبّاتٌ ويحّرٌَمٍ عّلّيهٌمٍ الخّبّائٌثّ ويضّعٍ عّنًهٍمً إصًرّهٍمً والأّغًلالّ الَّتٌي كّانّتً عّلّيهٌمً}[الأعراف:157]، كما يدل علي أن الملل السابقة كانت عليها بعض الأحكام القاسية، وجاء الإسلام ليرفع عنهم الحرج ويعفيهم من التكاليف التي كانت ترهقهم، وهذا يؤثر على سلوكهم وعلى فكرهم، فيجعلهم بعيدين عن التشدد ليلينوا العريكة.
السنة النبوية
نجد العديد من الأحاديث التي تحض على الوسطية، وعلى البعد عن التطرف. يقول (صلى الله عليه وسلم): ((خير الأمور أوسطها)). كما يقول صلوات الله وسلامه عليه: ((يسِّروا ولا تُعَسِّروا)). ويقول (صلى الله عليه وسلم) لعبد الله بن عمر بن العاص: ((إن لبدنك عليك حقًا ولعينك عليك حقًا ولأهلك عليك حقًا ولزوجك عليك حقًا، فاعط كل ذي حق حقه)). كما لم يرتض إطالة معاذ بن جبل الصلاة بالناس، وقال له: ((أفتان أنت يا معاذ؟))، ونجد أنه (صلى الله عليه وسلم) قد رفض تشدد نفر من أصحابه بأن يمتنعوا عن الزواج، وأن يصوموا الدهر ولا يفطرون، ويقومون الليل كله ولا ينامون، وقال لهم إنه يتزوج النساء ويقوم وينام ويصوم ويفطر.
ومن النظر إلي آيات الكتاب وإلي سنة وسيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وسيرته، استنبط العلماء وقرروا قواعد ومعاني كلية تلخص معني التكليف والقائم على التوسط والاعتدال في كل شيء.
نقرأ للشاطبى قوله: "إن الشريعة جارية في التكليف لمقتضاها على الطريق الوسط العدل الآخذ من الطرفين بقسط.. فإذا نظرت إلي كلية شرعية فتأملها تجدها حاملة على التوسط والاعتدال، ورأيت التوسط فيها لائحًا ومسلك الاعتدال واضحًا، وهو الأصل الذي يرجع إليه والمعقل الذي يلجأ إليه"، وللعز بن عبد السلام: "وعلى الجملة فالأولي بالمرء ألا يأتي من أقواله وأعماله إلا بما فيه جلب مصلحة أو درء مفسدة مع الاعتقاد المتوسط بين الغلو والتقصير"، ولابن القيم أثناء ذكره للأمور المنافية لتعظيم حدود الله وشرعه حيث جعل منها "الترخص الذي يجفوا بصاحبه عن كمال الامتثال والغلو الذي يتجاوز بصاحبه حدود الأمر والنهي، فالأول تفريط والثاني إفراط. فما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلي تفريط وإضاعة وإما إلي غلو وإفراط. ودين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، وكما أن الجافي عن الأمر مضيع للدين، فإن الغالي فيه مضيع له كذلك، هذا بتقصيره عن الحد وهذا يتجاوزه للحد".
والمتتبع لتاريخ الفكر الإسلامي يري أن المسلمين قد عاشوا دائمًا على هذه الوسطية، ولم يكن بينهم متطرفون يقطعون السبيل أو يمارسون القتل لمجرد الخلاف في الرأي، كان الخلاف في الرأي موجودًا، ولكنه كان يحل بوسائل سهلة: الإقناع والاقتناع. فالرسول (صلى الله عليه وسلم) يقبل تغيير موقع اختاره للقتال بناء على مشورة أحد الصحابة، ويقطع دابر فتنة نشأت بين قبيلتي الأنصار: الأوس والخزرج بالتواجد فورًا بين المختلفين وتذكيرهم بنعمة الإسلام عليهم "إذ كانوا أعداء فألف بين قلوبهم فأصبحوا بنعمته إخوانًا". ويذكرهم بنعمة التآلف والمحبة بينهم، ونبذ الخلاف، إذ يقول سبحانه وتعالي: {وأّلَّفّ بّيًنّ قٍلٍوبٌهٌمً لّوً أّنفّقًتّ مّا فٌي الأّرًضٌ جّمٌيعْا مَّا أّلَّفًتّ بّيًنّ قٍلٍوبٌهٌمً ولّكٌنَّ اللَّهّ أّلَّفّ بّيًنّهٍمً إنَّهٍ عّزٌيزِ حّكٌيمِ}[الأنفال:63].
ولكن مما يدعو للأسف أن الفكر المتطرف بدأ بولاية عثمان بن عفان، وقيام بعض الثائرين عليه بقتله، وقد حذرهم من أن قتله سيشعل نار لن تنطفئ جذوتها إلي آخر الدهر، وقد كان بعد أن قتل عثمان، قتل على بن أبي طالب الذي تولي الخلافة بعده، ونشأت الفتنة الكبرى إبان خلافته ونشأت طائفتين كان لهما تأثير كبير على مجريات التاريخ الإسلامي بشكل عام، والفكر الوسطي بشكل خاص.
لقد أقر المسلمون من أهل السنة والجماعة بصحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلى، وهذا هو مجمل الفكر الوسطي في شأن الخلافة ونظام الحكم، فما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، ولكن فريقًا من المسلمين لم يعترفوا بصحة ولاية أبي بكر وعمر وعثمان، ورأوا أن الخلافة في بني هاشم، وأن النبي (صلى الله عليه وسلم) كاد أن يوصي بالخلافة لعلى، لكن مؤامرة بين السيدة عائشة ووالدها أبي بكر وعمر حالت دون الكتابة في أواخر أيام الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ومن ثم اغتصبت الخلافة من آل البيت، وتكونت طائفة الشيعة على هذا الأساس، وأحدثت الكثير من الأفكار المتطرفة البعيدة عن الوسطية في الفكر الإسلامي وفي الفقه أيضًا، خاصة فقه السياسة الشرعية. وفي نفس الفترة حدث أن قامت طائفة الخوارج التي خرجت على فكر الإمام على، وقام أحد أفراد الطائفة بقتله، وأحسب أن هذه الفتنة لم تنته حتى الآن، وأحسب أن فكر الخوارج والذي يتجلي في تكفير الأئمة بما فيهم الإمام على والمسلمين هو الذي يقود جماعات منا حتى الآن إلي الخروج على الحكام وعلى المسلمين، واتهامهم بالكفر، ولقد عانت مجتمعاتنا كلها من هذا الفكر.
وأيا كانت صحة هذا الفكر أو خطأه، فإنه منافٍ للفكر الإسلامي الذي يقتنع به أهل السنة والجماعة، وحبذا لو استطاعت منظمة المؤتمر الإسلامي عن طريق مجلس للحكماء أن تقرب بين الفرق الإسلامية.
إن وصايا الرسول (صلى الله عليه وسلم) دائمًا لقومه أن يعتدلوا ويتوسطوا في العبادة وفي العمل بشكل عام، وكان دائمًا يقول دائمًا لأصحابه الذين يرسلهم للدعوة: ((بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا)). وبالتالي فإن الوسطية هي الطريق السوي الذي يجب على المسلمين إتباعه. ولقد وجدنا جذوره في القرآن والسنة، وفي عمل السلف الصالح، ويجب أن نستعيد تطبيقه في العمل، في الفكر، في الفقه الإسلامي كذلك، وهذا الطريق هو السبيل الوحيد الذي يجب أن تجتمع عليه الأمة لإصلاح البيت الإسلامي من الداخل، وكفانا دماءًا وخرابًا وخلافات أودت بالأخضر واليابس في بلادنا، وساعدت على التدخلات الأجنبية التي استغلت الفرقة ولعبت فيها ولعبت بنا. لقد كان التطرف والبعد عن الوسطية هو الثغرة التي نفذ منها الأعداء إلينا، وهي سبب ما نحن فيه من تشرذم وشتات.
القسم الثاني: وثيقة الإصلاح والنهضة للوسطية المستنيرة وفقًا لمفهوم منظمة المؤتمر الإسلامي
تبذل الدول الإسلامية جهودًا كبيرة في وضع لمفهوم الوسطية المستنيرة التي نادي بها الإسلام، وكيف يمكن تحقيقها من خلال منظمة المؤتمر الإسلامي
وقد أصدرت القمة الإسلامية للمنظمة -والتي عقدت في ماليزيا في الدورة (45-10-15) عام 2004م- قرارًا بناء على اقتراح الرئيس برويز مشرف رئيس باكستان، بتشكيل لجنة من شخصيات إسلامية بارزة لإعداد استراتيجية وخطة عمل؛ لتمكين الأمة الإسلامية من مواجهة التحديات التي تواجهها في القرن الحادي والعشرين، في إطار ما اطلعت عليه القمة والوسطية المستنيرة، وعمل توصيات لإعادة هيكلة المنظمة، وهو ما تم إعلانه مؤخرًا في مؤتمر مكة الاستثنائي، الذي عقد في أواخر عام 2005م، بناء على دعوة من خادم الحرمين الشريفين -رحمه الله- في مدينة جدة.
وسأتناول في هذه الأوراق التشخيص الذي وضعته الوثيقة للأزمة التي تمر بها الأمة الإسلامية في الوقت الحاضر، والوسائل التي رأت الوثيقة حلها عن طريقها، انطلاقًا من فكر الوسطية، الذي هو الموجه الحقيقي للفكر الإسلامي.
التحديات التي تواجه العالم الإسلامي وطبيعتها:
تناولت ندوة باكستان التحديات التي تواجه العالم الإسلامي في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية والأيديولوجية والإعلامية، ثم تلك المتصلة بإعادة هيكلة المنظمة، وهو ما كان واضحًا أمام القمة في جدة في عام 2005م، وذلك على النحو الآتي:
أولاً: التحديات السياسية
خرجت ورقة الندوة توضح نوعين من التحديات:
الأول: هو تحدي الهيمنة الغربية على العالم بعد انتصار الغرب في مرحلة الحرب الباردة، وترتب على ذلك أن أجندة المجتمع الدولي وقواعد السلوك الدولي قد حددها الغرب، بينما تم تهميش الأمة الإسلامية في هذه الأجندة.
إن الانقسام الحالي في العالم الإسلامي واختلاف مصالحه السياسية والاقتصادية والأمنية تمثل عقبات شديدة في توحد هذا العالم وتماسكه في مواجهة هذا التحدي.
أما الثاني: فيتمثل في تخلف الدعم المالي والسياسي للدول أعضاء منظمة المؤتمر الإسلامي لتحقيق أغراض الدول ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
ثانيا: التحدي الأمني
والذي يتمثل في الأزمات الأمنية الخطيرة الموجودة في الباكستان وفي فلسطين وأفغانستان والعراق، فلا شك أن فشل النظام الدولي في حل هذه الأزمات قد شجع المتطرفين في أنحاء العالم الإسلامي على الظهور؛ بسبب الإحساس بالقهر واليأس والإحباط في أوساط العالم الإسلامي.
ثالثًا: التحديات الاقتصادية
والتي تتمثل في أن العالم الإسلامي لم يستطع الآن أن يطور موارده الاقتصادية لمصلحة الغالبية الكبيرة من شعوبه، بل إن القوي الدولية كثيرًا ما استخدمت هذه الموارد في غير صالح هذه الشعوب. كذلك من هذه التحديات أن الأمة فشلت في إقامة أي نوع من التعاون الاقتصادي بينها، مما أدي إلي انتشار الفقر بشكل واسع بين أرجاء العالم الإسلامي. وأشار البيان كذلك إلي فشل الأمة الإسلامية في مواجهة العولمة بأي قدر من التكتل الاقتصادي.
رابعًا: التحديات الفكرية (الأيديولوجية)
فقد فشل العالم الإسلامي في التغلب على تحدي (صراع الأفكار) ولم يستطع تقديم أي خيار يغطي جوانب الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في العالم الحديث، ويجب أن يقدم أهل الفكر وقادة الرأي في العالم الإسلامي رؤاهم فيما يخص التحديات الأيديولوجية والفكرية التي تنبثق في عصر العولمة.
خامسًا: التحديات العلمية والتكنولوجية
فتواجه الأمة الإسلامية تحديا كبيرًا نتيجة لتخلفها في المجال العلمي والتكنولوجي أمام التقدم الغربي في هذين المجالين، ويرجع هذا التأخير أساسًا إلي تدني مستوي توافر الموارد التعليمية بشكل عام والموارد التكنولوجية والعلمية بشكل خاص.
سادسًا: التحديات الإعلامية
لا نستطيع أن ننكر أن الإعلام الغربي قد شوّه صورة الإسلام والمسلمين، وتواجه الأمة الإسلامية ومنظمة المؤتمر الإسلامي تحديا كبيرًا لتصحيح صورة الإسلام وقيمه أمام العالم.
وبالنسبة إلي لهيئة الإدارة في المنظمة، فإن الخلل في الإدارة مسئول عن عدم القدرة على تنفيذ الأهداف السياسية لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
وفي ظل هذه التحديات التي تواجهها المنظمة والأمة الإسلامية بأكملها، أصبح من الضروري القيام برد فعل جماعي يتضمن الآتي:
* بالنسبة للتحديات السياسية والأمنية
* تقوية الترابط والتضامن بين الأمة الإسلامية.
* اتخاذ تدابير واستراتيجيات عامة في التعامل مع أهم الموضوعات التي تتعلق بالأمن وتواجه الأمة الإسلامية، مثل قضية فلسطين وكشمير.
* إنشاء مجموعة وزارية للمجموعات الثلاثية لقمة منظمة المؤتمر الإسلامي، والمؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية والأمانة عند الحاجة للتعامل مع أية موضوعات ضرورية وخطيرة تتعلق بالأمور السياسية والأمنية التي تواجه الأمة الإسلامية.
* القيام بالإصلاحات الداخلية في الدول الإسلامية؛ لتشجيع وتدعيم الحكومات الممثلة بالتوافق مع المبادئ الإسلامية.
* تجنب استخدام سياسة المواجهة أو الاستسلام في التعامل مع الغرب، بل يجب التركيز على سياسة التحديث والتعاون في تبادل المنافع، من خلال الحوار، كما قدمه الرئيس الباكستاني برويز مشرف (الوسطية المستنيرة)، واقتراح الرئيس الإيراني محمد خاتمي في الحوار بين الحضارات، ويجب على الدول الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي أن تقوم بالإصلاحات الداخلية لتتجنب التطرف وترفض الإرهاب والإسراع في التطوير الاقتصادي والاجتماعي.
* حث الغرب على مساعدة الدول الإسلامية في حل النزاعات الواضحة على أساس من العدالة والمساهمة في التطوير الاقتصادي والاجتماعي داخل الأمة.
* تأكيد أن صراع الشعوب الإسلامية هو من أجل إقرار الحق في تقرير المصير، ومقاومة الاحتلال الأجنبي، والتخلص من السيطرة الأجنبية، لا يعد إرهابًا، ويجب أن تؤكد الأمم المتحدة ووسائل الإعلام المختلفة أن الكفاح لتحرير الأراضي وتقرير المصير لا يعد إرهابًا.
* بالنسبة للتحديات الاقتصادية:
* تشجيع العمل الدؤوب لدول الأعضاء بالنسبة لأنشطة COMCEC.
* تبني مقترحات لتعزيز وتبني التعاون الاقتصادي والتجاري بين أعضاء منظمة الكوميس على المستوي الإقليمي ومستوي المنظمة.
* اتخاذ موقف مشترك للشئون الاقتصادية الدولية ذات الأهمية تبعًا للشكل الاقتصادي الدولي.
* توسيع دائرة التدعيم المتزايد لأنشطة البنك الإسلامي للتنمية في أنشطته المتطورة لتشجيع الاستثمار في الدول المسلمة.
* يجب أن تمنح الأولوية إلي البرامج التي تستهدف تخفيف حدة الفقر، والتطوير الاقتصادي الاجتماعي، وتعزيز تجارة الدول الإسلامية البينية لتعزيز النمو الاقتصادي وتقليل الديون لدول منظمة المؤتمر الإسلامي.
* تقوية الاتحاد الإسلامي والأخوة بين المجتمعات المسلمة، من خلال تفعيل منظمة الزكاة، وتنفيذ المشاريع الاجتماعية.
* بالنسبة للتحديات الأيديولوجية (الفكرية):
* إنشاء حقل فكري للاستجابة بشكل فعال للتغيرات الإيديولوجية والفكرية للقرن الحادي والعشرين.
* تنشيط منظمات الاجتهاد لتمهيد الطريق أمام النهضة الإسلامية.
* تعديل وتجديد المناهج الدينية في المدارس.
* توظيف المرأة في البلاد الإسلامية طبقًا للقيم والمبادئ الإسلامية.
* تشجيع واحترام حماية حقوق الإنسان في الدول الأعضاء.
* بالنسبة للتحديات العلمية والتكنولوجية:
* زيادة الوعي لأهمية العلم والتكنولوجيا في تطوير الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي.
* تشجيع برامج منظمة الكومستيك للتعهد ببرامج حيوية من التعاون بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي في المجالات العلمية والتكنولوجية.
* إقامة نظام إلزامي للتمويل من الدول الأعضاء لتمويل برامج الكومستيك.
* إنشاء مراكز امتياز في مجال العلوم والتكنولوجيا.
* زيادة ما ينفق على التعليم في ميزانيات الدول الأعضاء، وزيادة نسب ما ينفق من الدخل القومي على البحوث العلمية.
* بالنسبة للتحديات الثقافية والإعلامية:
* تشجيع تمويل برامج المنظمة والإيسيسكو لتعزيز الثقافة الإسلامية، ومقاومة الدعاية المعادية للإسلام والمسلمين عن طريق الإعلام الغربي.
* إعداد أقلام ثقافية عن إنجازات الدول الإسلامية في المجال السياسي والاجتماعي والاقتصادي لمواجهة الإرهاب.
* تأليف الكتب والدراسات؛ لبيان موقف الإسلام من حقوق الإنسان، وتماثلها لوثائق حقوق الإنسان الدولية.
* تعزيز اتصال الشعوب من خلال برامج التبادل الطلابي والفاعليات الثقافية والرياضية.
* إنشاء قناة فضائية إسلامية ذات تغطية عالمية.
* يجب على الدول الأعضاء الانتفاع من الوسائط الإعلامية الكهرومغناطيسية لتعزيز القيم الإسلامية والتوعية بضرورة تجنب الخلافات بين الدول الإسلامية.
* بالنسبة للتحديات التي تواجه الإدارة التنظيمية:
* الاعتماد المالي المتزايد للأمانة العامة للمنظمة بتمويل من الدول الأعضاء، حيث يجب على الدول الأعضاء أن يقوموا بدفع إسهاماتهم كاملة بشكل منتظم وفي وقت واحد.
* يجب أن تتضمن أمانة سر المنظمة أقسام مساعدة تُخصص لشئون الفكر الإسلامي والتنمية الاقتصادية والتجارية والتعليم العالي بالتركيز على العلوم والتكنولوجيا والرعاية الصحية وتنمية المرأة.
خاتمـة
يبدو واضحًا من عرض رؤية المنظمة بالنسبة للتحديات أو سبل المعالجة أنها أقل من المطلوب الآن، وهي بالجملة تسير في إطار المعالجات الحكومية المتفق عليها حتى الآن بين أقطار العالم الإسلامي.
وقد طالبنا في ورقة مقدمة منا بتعديل النظام الأساسي لمنظمة المؤتمر الإسلامي والأحكام التنظيمية فيه، ولكن الجهة المنظمة للندوة وهي جهة تمثل حكومة باكستان لم تضمن أي اقتراح للتعديل الأساسي في البيان.
إن أهداف المنظمة لا تجعل هدف وحدة العالم الإسلامي حتى الآن هدفًا رئيسيا، وإنما تتحدث عن الصيغ العامة للتكامل والتضامن الإسلامي، كما وضعنا أمام اللجنة مسبقًا مبادئ يجب أن يتضمنها الميثاق لدفع العمل الإسلامي الوحدوي إلي الأمام، ولكن كانت إجابة الأمن العام للمنظمة بأن المطلوب هو وضع مبادئ عامة على ضوء الواقع السائد الآن، وليس أفكارًا من هذا النوع الذي نقدمه للتغيير الجوهري، وعلي ذلك لم يتناول بيان الندوة ولا توصياتها الأفكار التي شرحناها لتحقيق تقدم فعلي في ساحة العمل بالمنظمة، وكذلك في الشارع الإسلامي والغربي.
ويبدو أننا لا بد أن ننتظر حقبة أخري من الزمن لتنفيذ فكر جريء وفعال يرضي ربنا وأوطاننا وأمتنا.
والله ولي التوفيق،،