الوحدة الاسلامية في أجواء الفتن الطائفية
الوحدة الاسلامية في أجواء الفتن الطائفية
د محسن الموسوي
جامعة كربلاء
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وعلى آله الطبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين الوحدة الاسلامية هدف رسالي مقدس سعى لتحقيقه كل الانبياء والمرسلين بوحي من الله تعالى حيث قال في محكم كتابه الكريم : ((واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا ....( آل عمران 103) ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ( آل عمران 104 ) ان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاعبدون )) (ألانبياء....92) وفي سورة النحل آية 52 قال تعالى أيضا" (( ان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فأتقون )), ولكن قوى الشر والطغيان كانت ولا زالت تقف بكل امكاناتها وطاقاتها الشيطانية لمنع تحقيق ذلك الهدف السامي . وهذا جزء من الاختبار الالهي للأمة في هذه الحياة((أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين)) (آل عمران ...141) .
ولعل السبب الرئيسي لافتراق الامة وعدم توحدها وفي كل مراحلها التأريخية هو الانحراف عن مبادى الرسالة الاسلامية ودليلنا على ذلك واضح جدا وهو وحدة أنبياء الله تعالى( سلام الله عليهم أجمعين ) والذين تجاوز عددهم المائة وعشرون ألف نبي. لأن الانسان المؤمن برسالة ربه المطيع لأوامره ونواهيه لا يفكر الأ بألألفة والتعايش مع الناس على اختلاف مذاهبهم ومبادئهم. فنرى علي بن ابي طالب عليه السلام وهو الحاكم الاسلامي يستغرب عند مشاهدته انسان يستعطي في شوارع الكوفة فيسأل من حوله لم لا تعطوه حقه من بيت المال فيقال له انه نصراني . فينكر عليهم ذلك ويعطيه حقه.
وكذلك نجد أئمة أهل البيت عليهم السلام قد بذلوا كل جهد ممكن ( وبالرغم من أقصاءهم عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها) لأادارة شؤون الأمة ورعاية حقوقها وتصحيح الانحرافات التي حدثت للأمة بعد وفاة الرسول (ص). وقد عملوا بكل اخلاص على ايجاد ( قواعد داعية في الأمة لأيجاد عواطف تجاه الرسالة عندما لم تسمح لهم الفرصة في ممارسة حكم الامة وتوجيهها بشكل مباشر) ([1]) . وكان هدفهم تخليص الامة من شوائب الجاهلية وعاداتها التي لم يتخلص منها كل الذين تعاقبوا على حكم الامة بعد وفاة الرسول الأعظم ( ص) قبل وبعد فترة حكم الامام علي ( عليه السلام).
فكان كل هم أهل بيت النبوة ( عليهم السلام ) وفي كل الفترات التي عاشوا فيها بناء مجتمع اسلامي صالح طبقا" لما أراده الله تعالى وما أوصى به الرسول ألأكرم ( ص ) يعيش فيه الأنسان مع غيره من الناس بكرامة وعز وأحترام بغض النظر عن لونه أو عرقة أو جنسه لا فرق بين عربي وأعجمي ولا أبيض وأسود ( أن أكرمكم عند الله أتقاكم ). ومبادئ الاسلام هذه يمكن أن تجمع كل شعوب الأرض طبقا" للموازين التي جاء بها ألأسلام تدعو الى انشاء مجتمع عالمي يضم كل أناس المعمورة.
أن هذا الهدف الكبير كان ممكنا" جدا" لو توفرت القيادة الأسلامية المعصومة التي أرادها الله تعالى ووصى بها الرسول الكريم ( ص) قبل رحيله الى الملكوت الأعلى لأن هذا الهدف كان بحاجة الى عقلية رسالية نزيهة 100% ومعصومة لا تشوبها أية شائبة من أدران الجاهلية المقيتة. وللأسف لم يتسن لأهل البيت (ع) ممارسة دورهم الرسالي ولكن الله تعالى وعد المؤمنين به وبرسوله والأئمة الأطهار بأن يستخلفنهم في ألأرض بقيادة الأمام المهدي المنتظر ( عج) الذي أدخره الله تعالى ليحقق العدل في الارض بعد ما ملئت ظلما" وجورا".
وهكذا فان المتتبع للحوادث التأريخية يرى بوضوح أن هناك نموا" متصاعدا" للوعي الأسلامي في صفوف أبناء الأمة الأسلامية وقد توج هذا النمو المتعالي بأنتصار الثورة ألسلامية في أيران بقيادة ألأمام الخميني ( طاب ثراه ) وبرعاية وتوجيه ألأمام الخامنئي ( دام ظله) تألق نجم هذه الدولة المباركة - وبرغم كل محاولات الأستكبار العالمي الذي يقوده الشيطان ألأمريكي الأكبر وعملاءه في المنطقة من المنافقين في الخليج والذين انكشفت ألاعيبهم وعلاقاتهم المشبوهة مع الكيان الأسرائيلي- نعم شقت دولة ألاسلام المباركة طريقها لتنافس معظم دول الأستكبار وفي شتى المجالات العسكرية والصناعية والسياسية والعلمية .
وقد علم ألأستكبار العلمي وعملاءه في المنطقة بأن ألاسلام قادر على بناء مجتمع اسلامي نموذجي يحكمه الأسلام فحرك عملاءه من بعض المسلمين الجهلة لأثارة الفتن والصراعات الطائفية والعرقية محاولة منه لأشغال المنطقة الأسلامية كلها بالمشاكل السياسية وألأقتصادية تمهيدا" لتقسيمها وأخضاعها للهيمنة ألأمريكية والتغلغل الصهيوني . وفعلا" نجح لحد ما في هذا المشروع في اشاعة الفوضى ( الخلاقة) وبتدخل مباشر من بعض دول الخليج وعلى رأسها السعودية وقطر والأمارات بدعم الخوارج الجدد صنيعة (المحافظين الجدد) في بعض دول المنطقة كسوريا والعراق ومصر واليمن وليبيا – الا أن جهودهم باءت بالأنحسار والحمد لله فالجيش السوري يتقدم بسرعة في تطهير معظم المناطق التي سيطر عليها الوهابيون التكفيريون والجيش العراقي حرر محافظتين كاملتين كانتا محتلتين من فبل داعش ويحاصر الان مركز محافظة الانباروها هوالجيش واللجان الشعبية في اليمن قد جرعا المرتزقة والعملاء من الوهابيين صنوف العذاب وهو صامد ومصمم وبكل شجاعة على الانتقام للجرائم التي ارتكبها آل سعود بحق الشعب اليمني.
وقد فشل الأستكبار العالمي أيضا" في تغيير آراء الأغلبية الساحقة من ابناء الامة الاسلامية خصوصا الطبقة الواعية من الشباب بأن يظنوا أن الدواعش ومن لف لفهم يقيمون الأسلام . وذلك كان هدفهم باعطاء صورة مشوشة ومظلمة عن الأسلام وها هي قنوات التواصل الأجتماعي خير شاهد وذلك للسلوك المنحرف عن كل القيم الانسانية والدينية الذي مارسه الخوارج الجدد ( ممثلي المحافظين الجدد). فتلك الممارسات والاعمال التي تقوم بها عصابات الارهاب التكفيري الممثلة بعصابات داعش ومن معها والتي لا هدف لها سوى نشر الفوضى والرعب والخراب والتي وصل شرها الى بعض الدول التي ساعدت ومولت تلك العصابات .وعلم القاصي والاني بأن عصابات ألرهاب تمولها ويمده بالسلاح الوهابية في السعودية وقطر والأمارات.
لقد صار جليا" ان ادعاء هذه العصابات بتمثليها الاسلام يضحك الثكلى ومدعاة للأستهزاء وأن تلك الممارسات تدلل دلالة واضحة على تواطئ تلك العصابات المنحرفة مع أعداء الأسلام ضمن مخطط شيطاني رهيب يجب على ابناء الأمة الوقوف بوجهه وافشاله وبكل الوسائل الممكنة.
ولدى الأمة امكانات وطاقات هائلة يمكن تسخيرها للقضاء على عصابات التكفير نشير الى بعضها باخنصار :
1- دور علماء الأمة: يمكن لعلماء ألأئمة ومثقفيها وكوادرها المتعلمة باقامة المؤتمرات والندوات العلمية والثقافية و تنظيم حملات توضيح لأفكار تلك العصابات ونشر مبادئ الاسلام الحنيف في الرحمة والشفقة والتعايش مع كل الناس بغض النظر عن مذاهبهم ومعتقداتهم وقومياتهم واجناسهم وفق المبدء الأسلامي المعروف (( كلكم لآدم وآدم من تراب , والناس سواسية كأسنان المشط , وليس لعربي على أعجمي أو لأبيض على أسود فضل الأ بالتقوى )). هذا اضافة الى المسؤولية الشرعية في التصدي بالقوة والسلاح لكل طاغية أو أرهابي لردعه والتخلص من شره. ونتمنى على كل فرد في ألأمة خصوصا" الفئات المذكورة أعلاه القيام بما يمليه عليه الواجب الوطني والديني والانساني لمحاربة التيار التكفيري وابعاد شره عن الأمة.
2- وسائل ألاعلام : ألأستفادة من الوسائل الأعلامية المتوفرة لأنجاز المهام المطلوبة في فترة الصراع القائم بين بين التيار الأرهابي الذي يقوده الخوارج الجدد ومن معهم من الوهابيين وبين الأمة الأسلامية بكل مذاهبها وفصائلها المختلفة وينبغي لوسائل ألاعلام توضيح حقبقة هذا الصراع الذي تجلى وبكل وضوح لكل متتبع أنه صراع محتدم بين الجاهلية الجديدة والشعوب الاسلامية. وهو نفس الصراع الذي كان يقوده آل ابي لهب وآل أبي سفيان ضد الأسلام المحمدي الذي جاء رحمة للعالمين والذي تجدد بعد دخول الطلقاء في الاسلام بين معاوية بن أبي سفيان وبين علي بن أبي طالب فهؤلاء القوم ابناء اولئك القوم يقدمون اسلاما" مشوه صممه لهم المستكبرون ( المحافظون الجدد) بعيد كل البعد عن الأسلام المحمدي غايتهم الحقيقية تدميرالمجتمع الاسلامي وارادو أن يطفئوا نور الله بأفواههم وأعمالهم البربرية اللاانسانية ويأبى الله ( سبحانه وتعالى) الأ أن يتم نوره ولو كره المشركون.
وفعلا" أنعم الله تعالى على أمة محمد (ص) بانتصار الجمهورية الأسلامية المباركة التي أمدها الله بكل وسائل القوة والمنعة من تفوق عسكري واقتصادي وعلمي ومنحها القيادة الحكيمة المسددة ممثلة بالأمام الخميني ( طاب ثراه) ومن بعده سماحة القائد المفدى سماحة السيد الخامنئي ( دام ظله) فوقفت كالطود العظيم بوجه كل مشاريع الاستكبار العالمي والاعيبه الخبيثة وصنائعه من داعش وغيرها .
فوسائل الأعلام الحرة بكل صنوفها قادرة على ابراز الوجه الحقيقي للارهاب ومكائده وكشف الخطط الماكرة للاستكبار لاجهاضها بكل الوسائل والامكانات المتوفرة لدى الامة.
3- المنهاج التربوي :ان وحدة الامة الاسلامية قد تعرضت الى مؤامرات كثيرة في مختلف العصور والازمان وآخرها مؤامرة الفتن الطائفية التي يتزعمها داعش ومن لف لفها التي تمتد بجذورها الى أمد طويل مستهدفة قيم الامة ومبادئها السامية التي جاء بها الرسول الاكرم ( ص) ومثلها أفضل تمثيل أهل بيته الطاهرين ومن تبعهم من الصالحين والشهداء والصديقين. وعلى الأمة التي تحمل من أجل بناءها والدفاع عن كرامتها ووجودها ما تحمل من الأذى واستشهد من أجلها أحد عش أماما" معصوما" من آل بيته ( عليهم السلام ) أن تتحمل مسؤوليتها للحفاظ على تلك المبادئ والقيم وتتخذ من آل الرسول (ص) نبراسا وأسوة في التضحية والفداء لدرء كل خطر يهدد وجود الأمة وأن تبذل كل غال ونفيس لبناء أجيال رسالية مؤمنة بألأسلام الحق وتفضح كل أساليب المنافقين والمستكبرين التي يتشدق بها الخوارج الجدد وذلك باقرار منهاج تربوي مكثف في المدارس والجامعات والحوزات العلمية والمعاهد الثقافية -. قادر على بناء أجيال رسالية لا تهزها عواصف الفتن الهوجاء والتأكيد على القضايا المصيرية التي تجمع الأمة كقضية فلسطين لتكون مادة اساسية لتوجيه الناشئة وقوى الشباب نحوها لأن قضية فلسطين يمكن أن توحد الأمة الأسلامية على اختلاف مذاهبها وهناك مبدء أساسي ومهم في توحيد ألأمة أشار اليه ألأمام الخميني ( قدس سره) في عدة مناسبات يجب ألخذ به واتباعه في توجيه كل أفراد الأمة خصوصا" الشباب وهو من الدروس التربوية المهمة جدا" لبناء المجتمع على أساس ألأخوة وهوالأبتعاد عن المنافع الشخصية التي طالما تكون المحور الاساسي لتحرك الانسان في حياته . ولنتمعن في كلام الامام الخميني ( رحمة الله عليه) حين يقول:
(( ....فاذا ما تمت صيانة الأخوة الأيمانية في مختلف أنحاء البلاد وأضحى كل فرد لا يهتم بأموره الشخصية ويعمل الجميع معا"من أجل ألأهداف المشتركة, فلن يجرء أحد على التعرض لهذا البلد )) وكثيرا ما كان الامام يؤكد على الضرورة العقلية والشرعية للوحدة الاسلامية والتضامن بين المسلمين جميعا" حتى اعتبر سماحته أن الوحدة ( أحيانا" ) واجبا" الاهيا". وفي هذا الصدد يجب أن تتعرف ألأمة الاسلامية على الخطوات العملية التي اشار اليها الأمام الراحل لتكريس مفهوم الوحدة بين المسلمين عموما" ومنها:
أحياء صلاة الجمعة واطلاق الشعار القرآني بالبراءة من الكفار والمشركين في موسم الحج والأعلان عن اليوم العالمي للقدس ووجوب الصلاة جماعة خلف أمام الجماعة في المسجد الحرام والمسجد النبوي وغيرها.
4- المناسبات والشعائر الدينية :
ترك لنا أهل البيت (عليهم السلام) ارثا"ضخما" من السنن الحسنة والسلوك الرسالي الفذ ينير لنا طريق الحياة ويرشدنا الى الخير في الآخرة وحياتهم عليهم السلام كانت مدرسة لبناء المجتمع الصالح وفيها العبر
الكثيرة لمن يعتبر في التعامل مع المحن والمشاكل لأنهم صلوات الله عليهم أجمعين هم القرآن الناطق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه وبامكان ألأمة الحية الواعية أن تترجم حياتهم الى برامج عمل للتعاطي مع كل المشاكل والمعضلات التي تعرضوا لها طوال كل العصور والازمان. ففي حياتهم منعطفات مهمة يمكن للامة توظيفها لبناء المجتمع الرسالي الذي يهدف لبناءه خاتم الانبياء والمرسلين محمد ( ص ).
فتلك تجربة علي بن أبي طالب (‘ع ) مع القاسطين والناكثين وألأموييين والخوارج وتلك رسالة ولديه الأامامين الهمامين الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ( عليهما السلام ) للأمة ومن بعده أولاد الحسين عليهم السلام كلها كانت مفاصل مهمة جدا"مليئة بالمواقف والعبريمكن اقتفاؤها . وفي ظل الأنفتاح الأعلامي وظهور الوسائل المختلفة للتواصل الأجتماعي تبرز حقيقة الأستفادة من مناسبات أستشهاد وولادات أهل بيت العصمة عليهم السلام لبناء جيل رسالي قوي قادر على تخطي الصعاب والمشاكل التي يضعها الأستكبار العالمي وصنائعه من أيتام الطغمة الأموية الوهابيين والدواعش .
فهذه مناسبات ذكرى استشهاد الأمام الحسين ( عليه السلام) في أيام عاشوراء وزيارة الأاربعين خير شاهد على جمع كل أبناء ألأمة بمختلف طوائفهم ومذاهبهم وأعراقهم على أحياء ذكرى الأمام الحسين (ع) في مسيرة حسينية اسلامية رائعة تؤكد على تحقيق وحدة الأمة الاسلامية رغم دعوات أهل الفتن الطائفية ومن يحركها من المستكبرين.
وفي الختام نرجو من الله تعالى أن يكلل جهود القائمين على أقامة هذا المؤتمر المبارك بالنجاح والتوفيق بما يخدم وحدة الامة الاسلامية وينقذها من براثن الجاهلية الجديدة . ونأمل أن يتوصل المؤتمر الى قرارات حاسمة يمكن تطبيقها في هذه المرحلة من مراحل تطور الأمة الأسلامية الحساسة جدا" التي يمكن أن نطلق عليها مرحلة (( أنتظار الأمام ألمهدي عجل الله ظهوره وجعلنا من المستشهدين تحت لواءه )) .
ولعل من أولى القرارات المهمة في نظرنا ( القاصر) تشكيل لجنة متابعة لقرارات المؤتمر مؤلفة من العلماء الأفاضل يرسمون لهم خطة عمل بأهداف محددة يمكن تحقيقها وعرضها في المؤتمر القادم ان شاء الله.
[1]- الأمام الشهيد محمد باقر الصدر ( قدس سره): أئمة أهل البيت ودورهم في تحصين الرسالة ألأسلامية ص 115 .