المنهج التكفيري خطره وطرق معالجته داعش والنصرة "نموذجاً"
المنهج التكفيري خطره وطرق معالجته داعش والنصرة "نموذجاً"
كلمة الشيخ حسن بغدادي
عضو المجلس المركزي في حزب الله
م. ملف إحياء تراث علماء الشيعة
﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾
ما برز في السنوات الأخيرة وخصوصاً في سوريا والعراق من تقاتل دموي وهتكٍ للأعراض ودمارٍ كبير، لم يكن مجرّد حالة إنفعالية سبّبها الإنقسام الداخلي السوري أو العراقي على السلطة، إنما هو جزء من المشروع الأمريكي الذي بدأت طلائعه في أيلول 2001م بعد أحداث (نيويورك)، والمشكلة كانت دائماً في الأدوات التي تستخدمها أمريكا أو بريطانيا أو أية جهة إستخبارية لها مشروعها في المنطقة. فعلى طول التاريخ كانت السلطة الحاكمة أو الأجانب ومن ورائهم أيادي يهودية يعملون على زرع الفتن ودسّ الأكاذيب والإنشقاق للنيل من الإسلام ومن ثروات المسلمين.
المنهج التكفيري الذي هو صنيعة الأجانب واليهود، لم يكن صنيعة داعش والنصرة أو القاعدة، وإنما هذه الأسماء والعناوين هي نتيجة ذلك الفكر المنحرف الذي صنعته المخابرات البريطانية على يد زعيم (الوهابية) محمد بن عبد الوهاب، ويومها أرادوا من خلال هذا المنهج الجديد النّيل من جميع المسلمين دون تمييز، وإن كان العائق الأساسي والذي يُشكل الخطر الجدّي على مصالحهم هم أتباع أهل البيت (ع)، بما يحملون من عقيدة صلبة وصحيحة لا يُمكن أن تنهار أو تنحرف أو تُضلّل من قبل أحد يدّعي العلم، فالمعيار عندهم واضح (القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة)، وما عدا ذلك فلا يمكن الإلتزام به ولا حتى التفكير به.
عمل هذا المنهج التكفيري طوال عشرات من السنين على بث الكراهية والأحقاد والمغالطات والشبهات، وكان يُموّل من أهم مصدر من ثروة المسلمين التي كان من المفترض أن تكون عوناً للفقراء والمحتاجين ولمشاريع العدل والإصلاح، وإذا بها تُصرف على بث الكراهية والحقد وعلى أعداء الله والإنسانية وعلى الكفار ومشاريعهم.
هذه المدرسة هي صنيعة الإستعمار والمخابرات العالمية بما تُمثّل لها من مصالح كبرى في مناطق المسلمين الغنية بالثروات الطبيعية.
كان المنهج التكفيري ومايزال مادةً خصبة يُمكن استخدامها عند اللزوم وهي جاهزة (كالحيوان) تسوقها في أي اتجاه وحتى لو دعوتها لمقاتلة نفسها، وهذا ما حدث في سوريا عندما قاتلوا بعضهم البعض بعمليات انتحارية وقُتل الآلاف على أيدي بعضهم البعض.
هذه الذهنية وهذه المدرسة، نرى اليوم الأمريكيين يُهدّدون بها دول المنطقة وحتى الأوروبية منها التي تريد أن تخرج عن الطاعة، وليس غريباً على هذه الدول أن تصاب بهذه النكسة فقديماً قيل (طابخ السمّ آكله) والحديث الشريف قال: "من أعان ظالماً أبتلي به".
إذاً، هذا الخطر الداهم والموجود بيننا والعصا الغليظة التي تستخدمها أمريكا وعموم الغرب ضدنا، كيف نواجهه وما هي الأساليب التي يجب أن نعتمدها؟
في البداية، هناك ملاحظتان ينبغي الإلتفات إليهما:
الأولى: أنّه لامجال للنقاش الفكري مع أصحاب المنهج التكفيري، فهم ليس لديهم فكراً ولا عقيدة ولا موضوعا، فهم يرفضون حتى المُسلّمات، ولا يمكن أن ينسحبوا على بقية المذاهب الإسلامية كي نلتقي معهم ونحاورهم. إنّ انطلاقة المذاهب الإسلامية ومسلّماتها لا نقاش فيها، نعم هناك اختلاف في بعض التفاصيل التي يمكن الإلتقاء والحوار حولها. لذا يجب أن يكون واضحاً عند المذاهب الإسلامية جميعاً أنّ هذا المنهج التكفيري لا ينتمي إلى أحد من هذه المذاهب، فهو خرج على إجماع الأمة وعلى المُسلّمات، وأصبح ألعوبةً في أيدي أعداء الدين.
الثانية: أن نميّز كمسلمين وكمذاهب إسلامية بين مرحلة ما يقوله هؤلاء وينسبونه للإسلام، وبين مرحلة نفوذهم الذي يُشكّل خطراً على الجميع كما يحدث اليوم في سوريا والعراق.
لذا يجب التفكير الجدي في طرق التصدّي والمعالجة، ومنها:
الأولى: أن يلتفت الجميع إلى هذا الخطر الجدّي وعدم السقوط أمام الشعارات الكاذبة والمزيّفة والبحث في سلوكهم لا في أقوالهم، عندها سيُكتشف عمق الهوة بين الشعارات والسلوك. فعلى سبيل المثال: زعيم الوهّابية محمد بن عبد الوهّاب يدّعي الإنتماء للمذهب الحنبلي، والإمام أحمد بن حنبل يُصنّف كتاباً في زيارة الحسين (ع)، ونجد زعيم الوهابية يُدمّر المقام الشريف ويقتل خلال ساعات أكثر من أربعة آلاف زائر بين رجل وإمرأة وطفل، وينهب ما يزيد على أربعة آلاف حمل بعير من المقام والأمكنة المجاورة. وأمّا ما حدث مع أهل السنة أنفسهم في العراق وسوريا من قتل وسبي وهتك للأعراض وتدمير للممتلكات قد فاق التصور، لذلك المطلوب هو التمييز جيداً وعدم السقوط في فخّ الشعارات الكاذبة.
الثانية: وهي موجّهة إلى بعض (الشيعة) بأن يلتفتوا إلى وجوب الإمتناع عن سبّ وشتم أو توجيه أي توهين إلى أحد الصحابة ومنهم زوجة النبي (ص)، فهذا مضافاً لحرمته كما ذهب إليه علماء الشيعة، هو أيضاً يخدم أعداء الإسلام وخصوصاً المنهج التكفيري الذي يُريد أن يستغلّ الكلام للإستفادة والإستثمار كي يخلط الأوراق ويزرع الفتنة بيننا وبين إخواننا من أهل السنة في الوقت الذي يعمل هو فيه ضد الجميع ومن دون تمييز. وعليه، من يذهب من الشيعة إلى هذا المنحى فهو يخدم المشروع التكفيري وإن كان تحت عناوين مختلفة.
الثالثة: العمل على منع هؤلاء من الإمكانيات - وخصوصاً السلاح - وحرمانهم من البيئة الحاضنة، ولعل الذي حمانا منهم في لبنان هو حرمانهم من البيئة الحاضنة ومن امتلاكهم لمساحات يمكن أن ينطلقوا منها رغم وجود بعض المسؤولين في الدولة وبعض المعمّمين الذين لا شكّ بانتمائهم إلى جبهة داعش والنصرة. وعلى هؤلاء والدول التي ترعاهم أن يُدركوا أنهم لن يكونوا بمنأى عن شرّهم وعن الإنقضاض عليهم ولو بعد حين، لذا يجب على الجميع أن يبذلوا جهوداً جبارة في سبيل اقتلاعهم من أرض المسلمين من العراق وسوريا وعودة الأجانب منهم إلى بلادهم ومحاكمتهم محاكمة عادلة، وإعادة بناء الدولة التي تُشكّل الضمانة الحقيقية لأمن الجميع.
الرابعة: العودة إلى تفعيل الإجتهاد عند المذاهب الإسلامية التي تخلّت عنه، فبدونه سوف ينمو المنهج التكفيري وهو أقدر على جذب الشباب والشابات إلى ساحة عمله من خلال استخدام شعارات برّاقة كالدفاع عن أهل السنة والجماعة، وإقامة دولة الخلافة، وقتال الكفار، مضافاً للسلوك الذي يستهوي هؤلاء الشباب والشابات من استخدام القوة المفرطة وتوفير مناخات ما تحبه النفس الشيطانية.. والأخطر من هذا هو اعتماد زمرة ممّن أطلقوا على أنفسهم علماء دين - وهم جهلة ومخابرات وقتلة - يُفتون لهم بالقتل والسّبي وهتك الأعراض وجهاد النكاح إلخ...
الخامسة: أن نعمل جميعاً على تسليط الضوء على فضح هؤلاء وكشف زيفهم وحجم ضررهم وما ارتكبوه من جرائم وخصوصاً بحق المسلمين والمسلمات من أهل السنة. وهنا أتوجه بالخصوص إلى علماء المذاهب الإسلامية من غير الشيعة بأنّ مسؤوليةً كبرى سوف تُسألون عنها يوم القيامة، ولكلامكم تأثيرٌ كبير وهي مسؤولية شرعية. ونلاحظ في هذا المجال سماحة الأخ الشيخ ماهر حمود (إمام مسجد القدس) كيف كان لكلامه الأثر الإيجابي في وجه الضالّ أحمد الأسير في صيدا.
السادسة: إعادة رسم خارطة تفاهم مع أهلنا من (النصارى) على قاعدة "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ"، وعلينا أن ندرك أنّ النصارى مستهدفون من الصهيونية كالمسلمين، وليس لنا أو لهم إلا التماسك والمحبة فالمصير واحد والخطر عليهم من هؤلاء التكفيريين أكبر من الخطر على المسلمين.
السابعة: علينا كعلماء دين ومفكرين أن نُبقي على القضية الفلسطينية المركزية حاضرة في خطابنا وفي عقولنا وأن لا تغيب عن منطقنا، فعلى العدو الإسرائيلي أن يشعر دائماً بالقلق وأنه مهما فعل من دعم المسلَّحين ظناً منه أنّ هذا يُشغلنا عنه، فهو واهم وعليه أن ينتظر لحظة الإلتحام معه لنذيقه حرّ السعير، ولننزل به أبشع الخسائر.
فلا يتوهّم العدو الإسرائيلي أنه بمنأى عن النيران التي أجّجها في المنطقة، فالمقاومة في فلسطين ولبنان والجولان ومحور المقاومة بشكل عام يرصدون بدقة حركته ويرسلون الرسائل تجاهه، وعليه أن يستفيد من العبر ومن حرب تموز 2006م، وما خبِرته المقاومة الإسلامية خلال أربع سنوات من مواجهة الإرهابيين في المناطف المختلفة، تكفيها لأن تُنسي العدو مرارة هزيمة تموزة 2006م.
في الختام:
لا بُدّ من توجيه الشكر الخاص لأمين عام مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية في إيران سماحة آية الله الشيخ محسن الآراكي وللاخوة المساعدين على القيام بالدعوة إلى هذا المؤتمر، والمنطقة تمرّ بمرحلة إستثنائية تجاوزت الإختلاف بالرأي إلى القتل والذبح والهتك والسبي وتفتيت وحدة المسلمين التي تُشكّل الضمانة لقوتهم وبقائهم واستمرارهم في مواجهة الكفر العالمي والحاقدين على إسلامنا الطامعين بأرضنا وثرواتنا.