الفتنة الطائفية أسبابها - الموقف منها
الفتنة الطائفية أسبابها – الموقف منها
علي رمضان الأوسي
المقدمة:
لأهمية هذا الموضوع (الطائفية) وخطره نحاول ان نتناوله في مسألتين:
1-كيف نشأت الطائفية ومن أين استمدت جذورها ومن يرعاها.
2-الموقف من هذا الخطر الداهم القديم الجديد لكنه بلبوس جديد نزع عنه جزءاً من التاريخ وتم طرحه حديثاً من خلال تصارع المصالح وتنافس الاقوياء.
فأين هذه الأمم والشعوب التي استهدفت وغزيت في عقر دارها فقد تسقط بلدان وتنحسر زعامات وتتشيد على انقاض هذا الخطر الطائفي بلدان أخرى وتبرز زعامات جديدة تنتقم للتاريخ أو تثأر لمصالح آنية كل ذلك على حساب الانسانية بعرضها العريض.
وأؤكد على أهمية هذا الموضوع وخطره فهو بحاجة الى فرص أخرى لا سيما اننا خلال أيام قريبة من عقد المؤتمر علمنا بمحاوره.
ان المؤتمر 28 للوحدة الاسلامية في طهران أوجد هذه الفرصة العلمية والأخوية للمزيد من اللقاءات والطرح المباشر لهذه الموضوعات الخطيرة اليوم.
ما المقصود بالطائفية:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ، وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ، وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)([1]).
تحدثت الايات المباركة عن الاعتصام بحبل الله جميعا ووجوب تذكر النعمة الالهية في ألفة القلوب وحثت على ان نكون أمة واحدة ثم جاءت الاية الاخيرة تنهى عن الاختلاف والفرقة والتشرذم لا سيما بعد حضور البينات والدلائل فيكشف ذلك عن اصرار وتعمّد في اتخاذ مواقف الفرقة والاختلاف. فكيف تتفرقون بعد كل ذلك التقارب فأولئك الذين تآلفت قلوبهم بفعل الرسالات السماوية عادوا شيعا وجماعات متفرقة بسبب اختلافهم. ولاينطلق ذلك التفرق الا من خلال المجاميع التي تتشكل في محور فكري او عقائدي وغيرهما وقد ينتظم ذلك من خلال رؤية مشتركة تجمعهم فيتحركون وتنبعث فيهم روح المشاركة والنصرة لبعضهم مهما كانت النتائج وهذه حاضنة اولية لتنامي التشكل المجموعي الذي سرعان ما تنبثق من خلاله مواقف مشتركة في ظل حماس واصرار عليها. هذه مادة وارضية لبناء التجمعات التي تتقاطع مصالحها ولا تنسجم فيؤدي بها الى روح طائفية بمعنى الانتماء لتلك الجماعة ولايرى اتباعها الا التجمع الذي ينتمون اليه فيمرض الاتباع تحت شعار: انصر اخاك ظالما او مظلوما. ومن هنا يلغى الاخر ويقصى تحت مبررات مجعولة.
والطائفية مرض خطير وسلاح فتاك لا يلتقي والتقريب من قريب أو بعيد، والطائفية تتسبب في ايجاد أجواء الاحتقان وتقطع سبل الوصال وتزيد من نسب الكراهية بين الناس، فهي أشد من الأمراض الفئوية فتكاً للبوسها الدين وإضفاء الشرعية على متعاطيها فهي تلغي الآخر ولا قيمة لديها للفكر أو الاعتقاد أو الشعائر حين لا يتذوقها الطائفي من خلال مناخه الفكري أو الاعتقادي وليس بمقدور هذا الأتجاه أنْ يكسب أدلة أو مبررات يدافع فيها عن اللون الطائفي فهي مرفوضة شرعاً وغير مقبولة عرفاً ولا عقلاً وتصطدم مع أبسط قواعد التنمية الفكرية والاجتماعية والسياسية والحضارية، فالمجتمعات التي أبتليت بالطائفية لا زالت تعاني الفقر والحرمان والجهل والتخلف فآثار التحرك الطائفي يتجاوز الفرد والمؤسسة إلى العمق الاجتماعي ويضرب بآلامه وأخطاره أعمدة الاستقرار الاجتماعي.
والتطرف الفكري يتسبب في إحداث مشكلة أمنية، وهو أحد أهم مهددات الأمن العام والسلم الاجتماعي، ولابد من البحث عن الدوافع الحقيقية وراء ثقافة العنف المجتمعي الذي يؤكد الروح الدموية لتوجهات أصحابه الفكرية ولابد من التوجه لمعالجة هذا الانحدار الفكري لدى البعض الذين يريدون تسييده في المجتمع لتتحول ثقافة المجتمع الى عنف ومواجهات ولا سبيل غير ذلك([2]).
ولكن الطائفية الذميمة تختلف عن الطوائف كوجودات انسانية حين تحترم الآخر ولا تقصيه وتدرك مساحات تحركها ونشاطها وتأثيرها فهي نوع من التعددية الصحيحة التي تخدم حركة التنوع البشري.
أسباب وراء الفتنة الطائفية:
نحاول ان نشير هنا الى أهم الأسباب تاركين التفاصيل الى مناسبات أخرى:
1-اذا كانت الطائفية سلاحاً مدمراً للشعوب فالاستكبار العالمي لا يتردد لحظة في استخدامه ويتفنن في إثارته وللشعوب تجارب مرّة مع القوى الاحتلالية التي طالما استخدمت (سياسة فرق تسد) وهي صورة مقيتة لتدمير الشعوب، وقد هدّد (مارتن انديك) السفير الامريكي باثارة الفتنة الطائفية بين المسلمين، ولهذا الموضوع مصداقية على الارض العراقية اليوم بشكل واضح حيث ملأوا العراق بعد سنة 2003م، طائفية مقيتة استهدفت تقسيمه وتقطيعه أشلاء. وان الامريكان يعملون باتجاه تثبيت الحالة الطائفية وتعميقها، وهم يعتقدون ان فرض السيطرة الامريكية على العراق من خلال اللعبة الطائفية أيسر وأقوى من آية آلية أخرى[3].
هناك مؤشرات كثيرة تكشف عن سعي من يستفيد من إثارة الطائفية في المجتمع الاسلامي، صحيح انه توجد خلافات فقهية ونظرات عقائدية متباينة بين المسلمين في أمور كثيرة لكنها لا تخرجهم عن كونهم مسلمين حنفاء لله سبحانه، والمشكلة ان هناك من يثير هذه الشحناء الطائفية بين المسلمين بنبش التاريخ وتقديس ما لا ينبغي تقديسه من الافكار والتصورات المتباينة مع الآخر، وهنا استفاد الاقوياء باشعال الحرب الطائفية ودق الأسفين البغيض بين المسلمين أنفسهم فراح يصف احتجاجات ومطالبات ما بالشيعية على اقلية سنية كما في البحرين وراح من جهة أخرى يعمق من وصفه الطائفي للاحتجاجات والمطالبات في سوريا فوصفها بالطائفية السنية على الاقلية العلوية، وكلا الأمرين يستفيد منه الغرب المتربص بالنتائج ويخسر فيه المسلمون هذه المواجهات مهما كانت نتائجها في هذا الطرف أو ذاك[4].
2-الجهل والتحجر: على طول تاريخ المسلمين هناك فئات في المجتمع الاسلامي لم تقدم التفسير الصحيح للنص القرآني او النبوي، وقد أورث ذلك دماراً كبيراً في فهم الاشياء وقضى على العقل المسلم المعتدل، وراحت أمم كاملة ضحايا هذا الفهم الخاطيء، ولعل الحروب الثلاثة المفروضة على خلافة الخليفة الرابع الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهي (الجمل وصفين والنهروان) من أبرز مصاديق هذا الفهم الخاطيء للنص[5] حيث رفع فيها شعار: (ان الحكم الا لله وليس لك يا علي)[6]، وكذلك فكرة الخروج على الخليفة المنتخب. فهذه الافهام عرّضت الأمة الى خسائر بشرية كبيرة وأحدثوا بذلك فتناً وأشعلوا حرائق كبيرة في المجتمع وأيقظوا فتناً أحرقت الحرث والنسل.
فالجهل في الأمة والتحجر في قراءة النص كانا أعظم حاضنين لإثارة الفتنة الطائفية في المجتمع حتى تمزق النسيج الاجتماعي وأُدخلت الأمة في دوامة العنف والفتن الطائفية بعد ان أسس لذلك النهج الأموي الذي عبث بمسلّمات المسلمين وثوابتهم.
3-الإعلام: ولهذه الماكنة الخطيرة دور مؤثر في صناعة الرأي العام وفي التضليل او التوجيه وقد أسهمت كثير من الفضائيات والصحافة والمنابر ومؤسسات اعلامية في صناعة المواقف وتوجهها، فطالما حرّفت وزيّفت وثائق وأفلاماً وأخباراً صرفوا عليها الكثير، وتحضرني قصة ذلك الضحية للتضليل الاعلامي الذي كان في صفين شاهراً سيفه ويصيح دعوني أقتل علياً ويقصد أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى استوقفه أحد الصحابة المشاركين في معسكر أمير المؤمنين (عليه السلام) وسأله: لماذا تريد ذلك؟ قال الضحية الاعلامية: سمعت انه لا يصلي.
اصغوا رجاء الى هذا الموقف الغريب الذي يضلل الثوابت ويشوّه الواضحات فعلي (عليه السلام) ورسول الله (صلى الله عليه وآله) هما أبوا هذه الأمة، والذي يقول من خلال يقينه الشديد: (لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً)[7] وهذا البائس ضحية التضليل الاعلامي لم يدرك من هو خليفة المسلمين المنتخب وأمير المؤمنين ابن عم رسول الله (ص) الذي طالما نزل فيه قرآن يعضده ويمتدحه ويذكّر بفضله.
واليوم يلعب الاعلام المضلل دوراً خطيراً في دفع ضحاياه الى تلك المحارق الطائفية الضالة المضلة، وأمامنا مشاهد طائفية مقززة يعيث فيها التكفيريون في العراق وسوريا ولبنان وباكستان وغيرها.
في علاج المشكل الطائفي:
بما أن الطائفية تضرب بجذورها التاريخية في تراث هذه الأمة فلابد ان يراعى فهم هذا التراث بوعي متقدم يتجاوز اساليب التسطيح وفوضى الخطابات والفتاوى يقول أمير المؤمنين علي (ع): (ان الفتن اذا أقبلتْ شبّهت واذا أدبرت نبّهتْ)([8]). ومن هنا يمكن تحديد موضوعة الوعي الجماهيري:
1-إشاعة مفاهيم الوحدة الاسلامية لا سيما المخزون القرآني الذي يتناول الوحدة والاعتصام والأمة الواحدة ونبذ الفرقة والشتات، فقد نصّ القرآن الكريم والى جانبه السنة المشرفة على تلك المفاهيم، وهنا دعوة لطرح هذه المضامين التوحيدية من خلال إشاعة ومراعاة التفسير السليم للنص القرآني لا سيما الآيات الناصّة على الوحدة ونبذ التفرق وهي كثيرة في القرآن الكريم:
(إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ )([9])
(وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) ([10])
(وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )([11])
(وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)([12])
وهناك نصوص قرآنية أخرى اضافة الى السنة المشرفة.
وحدة الموقف:
بعد ان اتضح ان الطائفية سلاح استكباري لتهديم مجتمعاتنا وهذا الخطر يتعاظم حين يلاقي أرضية مناسبة وليس أنسب لنمو الطائفية من مجتمع طوائف وفرق وتجمعات، فالطائفية تهدف تمزيق النسيج الاجتماعي للمجتمع الضحية فحين يجدون مجتمعاً غير متناسق وأمة متفرقة يكون حينها خطر الطائفية أشد واكثر دماراً.
وللاستكبار مجسّات معقدة وكثيرة يكشف بها مستوى الوعي الحضاري في المجتمعات الضحية المستهدفة، وهنا يتوجب على دعاة التغيير وعلماء الأمة وزعمائها المخلصين ان يرتفعوا بوعي الأمة ووضعها في مستوى حضارات العالم، اما الانشغال بالحركة الافقية واحصاء الجزئيات على الآخر فأنما يدخل ذلك في حسابات المستهلك بعيداً عن أي انتاج فالوعي الحضاري والنظر أقصى القوم والتركيز على المستقبل وعدم الانشغال بالجزئيات يسهم ذلك كله في بناء جدار مانع لصد مؤامرات التقسيم والطائفية التي تهدف الى تفتيت المجتمعات وجعلها تابعة للقوى الكبرى الاستكبارية.
تجنب الضعف وعدم التواني:
قال الله سبحانه: (فاذا فرغت فانصب)([13]) ، اي اتعب نفسك وأشغلها في عمل آخر من غير تراخ وهذا نداء قرآني مباشر لرسول الله (ص) والمسلمين وهم يواجهون أعنف التحديات حتى لا تصيبهم حالة من الاسترخاء بنشوة النصر لذا جاءت آية النصر والفتح بالتسبيح والاستغفار ليتجنبوا حالة الاسترخاء والاستغراق في نشوة النصر والفتح (اذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبّح بحمد ربك واستغفره انه كان تواباً)([14]).
وتتجلى هذه القيمة الحضارية في ضرورة التأهب والاستعداد لا سيما في مناخ التحديات، وهل ثمة تحد كبير كالطائفية التي تأكل أحشاءنا وتهدد مستقبلنا وتدمر واقعنا وأبناءنا؟!
دور العلماء في توجيه التعامل مع الفتن:
صحيح ما روي عن أمير المؤمنين علي (ع): (كن في الفتنة كابن اللبون لا ضرع فيحلب ولا ظهر فيركب)([15]).
فالامام (عليه السلام) لا يعفي الأمة والعلماء من اتخاذ دورهما في مواجهة الفتن ولكنه يحذّر من أخطار ويدعو الى التنبه الى لتلك الاخطار. فلعلّ هناك من يريد ان يواجه الفتنة بفتنة أخرى فيزيد الأمة بلاء على محنتها، فالتوجيه مطلوب وتحديد بوصلة التحرك ورسم الأولويات. أمر مهم جداً فالله سبحانه ينظر الى تمحيص النفوس بالبلاء وكيف يخرج الفرد والأمة من هذه المحن فأمّا ان يكونوا كاذبين أو صادقين (ألم. أحسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين)([16]).
التصدي للمحتل:
( فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا)[17].
لم نشهد احتلالاً واحداً عمل على رفاه وسعادة المنطقة التي يحتلها بل يحوّلها الى بقرة حلوب واتباع لهيمنته ولم يحاول تفجير طاقاتهم وقدراتهم بل يكمم أفواههم ويعبث كما يحلو له، ويمارس كل الاساليب التي تجعله متسلطاً على رقابهم ولعل الطائفية احد أسلحته الفتاكة حتى لا تتشكل مواقف موحدة تحدّ من طغيانه وجبروته. وهذا ما رأيناه في المحتل الصهيوني لأرض فلسطين والاحتلالات الامريكية لدول المنطقة لا سيما العراق الذي غرق في بحر الطائفية التي جلبها له المحتل بعد سنة 2003م ولا زال العراق يعاني من تداعياتها.
فالتصدي للمحتل يعني إخراجه ومن ثم تبني المواقف المشتركة من خلال ان يبادر الجميع لمسؤولياته ويشعر بالمواطنة ويلتزم بالواجبات كغيره ويتمتع في الوقت نفسه بالحقوق نفسها.
التطرّف:
وهذا التطرف يظهر عادة في التشكلات القومية والدينية والمناطقية والعرقية ولا يسلم حتى الفرد منه أحياناً حين يلتزم ثقافة التطرف منهجاً في التعامل مع الآخر ويرى الأشياء من حوله بمنظار ضيّق. وقد يكون التطرف سبباً في اشعال الطائفية وقد يكون التطرف نتيجة من نتائج هذه الطائفية المقيتة، فالتطرف لا يسمح بالحوار والتقارب ويلغي الآخر فيتحول الى مرض مزمن يغلق أبواب المعرفة ويعمي القلوب التي في الصدور. ولا يمكننا ان نقبل بالمتطرفين أينما كانوا فالتطرف ينفي الوسطية ولا يكون المتطرف شاهداً أبداً قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)([18]).
خطبة الرسول (ص) في حرمة الدماء والاموال:
(وقف رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمنى حين قضى مناسكها في حجة الوداع فقال: أيها الناس اسمعوا ما أقول لكم واعقلوه عني فإني لا أدري لعليّ لا ألقاكم في هذا الموقف بعد عامنا هذا ثم قال: أي يوم أعظم حرمة؟ فقالوا : هذا اليوم ، فقال : فأي شهر أعظم حرمة ؟ فقالوا : هذا الشهر ، قال : فأي بلد أعظم حرمة ؟ قالوا : هذا البلد ، قال : فان دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه فيسألكم عن أعمالكم ، ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم ، قال : اللهم اشهد ألا من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها فانه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه ، ولا تظلموا أنفسكم ولا ترجعوا بعدي كفارا)[19] .
فالرسول (ص) يحدد حرمة دماء المسلمين وأموالهم ويحذرهم ان لا يرجعوا بعده كفاراً. وهذه مخاوف حقيقية كانت لدى رسول الله (ص) عن أمته التي تعرضت للفتن وتمزقت صفوفها وتحول الحكم ملكاً عضوضاً يتوارثه الصبيان ومن ليس لديه حريجة في الدين كما حصل في الحكمين الاموي والعباسي وغيرهما. ولا زلنا نشهد هذه الانهيارات التي أضرت بوحدة الأمة أيّما ضرر.
الدعوة الى الحوار وفهم الآخر:
ماذا يمنع من الحوار والاصغاء للآخر؟ وماذا يمنع من التعايش والتعاون؟ وحتى الانسانية بشكل عام يخاطبها القرآن الكريم ويعيدها الى النفس الواحدة قال الله سبحانه: (يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة)([20]).
وينظر القرآن الكريم الى توزعها شعوباً وقبائل تنوعاً في التعارف، ثم تقرر الآية المباركة أنه لا قيمة لهذا الانسان إلا بالتقوى قال الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)([21])، وهكذا يبقي القرآن الكريم هذه الأبواب مفتحة للحوار الانساني ولا يحق لأحد ان يغلقها بعد ان فتحها الله سبحانه لخلقه ليتعاونوا ويتعارفوا فتذوب الحواجز التي تصطنعها الانانيات والمصالح الضيقة.
ويتأكد الأمر اكثر بين اتباع الديانات التوحيدية السماوية وبين المسلمين أنفسهم بشكل خاص حين وصفهم القرآن الكريم بقوله سبحانه: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ)([22]).
حتى عمّق في المؤمنين رباط الاخوة بقوله تعالى: (انماالمؤمنون أخوة)([23]) فهل بعد ذلك كله داع للتشرذم والفرقة والاختلاف؟
العمل المشترك:
فالحوار طريق التفاهم يبلسم الجراح ويذلل العقبات ويلطّف الأجواء ويقضي على الحواجز والاوهام التي تنسجها الانانيات، والتباعد والظنون الظالمة.
وقد كان ائمة اهل البيت (ع) يعيشون في الوسط الاجتماعي الواسع ويدعون المؤمنين للتعايش وتفهّم الآخر والتعاون.
عن الامام الصادق (ع) قال: (عليكم بالورع والاجتهاد واشهدوا الجنائز وعودوا المرضى وأحضروا مع قومكم مساجدهم وأحبوا الناس ما تحبون لأنفسكم، اما يستحي الرجل منكم ان يعرف جاره حقه ولا يعرف حق جاره)([24]).
فهذا طريق التفاعل والتعامل المشترك الذي يدعو اليه الاسلام من شأنه ان يحقق فرصاً مشتركة بين كل المسلمين، وقد شهدت بلدان العالم الاسلامي علاقات تجارية واقتصادية وثقافية واجتماعية مشتركة بين كل المسلمين قبل ان يدهمهم المحتل فيفسد هذا النسيج ويعكر صفو حياتهم.
النتيجة:
الطائفية فتنة عمياء من الفتن النائمة تستيقظ في الوضع الاستثنائي في مناخ كالفقر والاحتلال والجهل وبمقتضيات خارجية يحشد لها من يحصد من خلالها الهيمنة واستحلاب الثروات وينشط فيها الأنانيون من أصحاب المصالح الضيقة لا تهمهم ضخامة المآسي والويلات والحروب التي تشن بفعل الطائفية فتمزق الوحدة الوطنية والدينية وتهدم النسيج الاجتماعي المتناسق.
وهذه التداعيات تستنفر كل الطاقات الخيرة وفي رأسها علماء الأمة ومفكروها وزعماؤها وطلبتها ومؤسساتها العلمية والثقافية والاجتماعية للتصدي معاً لقبر هذه الفتنة والتخلص من تداعياتها لنعيش أجواء قضية بعيدة عن التناقضات الطائفية المقيتة.
فهرست الآيات
السورة |
الآية |
الصفحة |
1- البقرة 2- آل عمران 3- آل عمران 4- النساء 5- الانفال 6- الانبياء 7- المؤمنون 8- العنكبوت 9- الحجرات 10- الحجرات 11- الفتح 12- الشرح 13- النصر
|
143 102-105 105 1 46 92 52 1-2 13 10 29 7 1-3 |
9 2 6 10 6 6 6 8 10 10 10 7 7 |
فهرست المصادر:
1-القرآن الكريم
2- الامام علي (ع)-نهج البلاغة
3-ابن أبي الحديد- شرح نهج البلاغة
4-ابن شعبه الحراني-تحف العقول
5-الحر العاملي- وسائل الشيعة
6-سعد التفتازاني- شرح المقاصد
7-علي الأوسي-بحث منشور في رسالة التقريب العدد 91
8-علي الأوسي-بحث الامام الحسن الكلمة الطيبة
9-محسن الامين العاملي-في رحاب أهل البيت (ع)
10-مريم آيت احمد-بحث أرسلته الى المؤتمر الدولي الخامس للتقريب-لندن اكتوبر 2011م
11-محمد باقر المجلسي-بحار الانوار
12-محمد مهدي الاصفي-التحديات المعاصرة ومشروع المواجهة الاسلامية