الحضارة الإسلامية مظهر قوة الأمة - حذار من الحرب الناعمة
الحضارة الإسلامية
مظهر قوة الأمة - حذار من الحرب الناعمة
الدكتور عبدالأمير سليمان
استاذ في جامعة آزاد الاسلامية - واحد جنوب
مقدمة:
تمتاز الثقافة الإسلامية بحيويتها وقدرتها على الثبات والبقاء كما تمتاز بأنها لا يمكن لها أن تموت كلياً حتى وأن غابت عن الممارسة في المجتمع لأنها:
1 - حضارة ترتكز على جانبين المادي والروحي.
2- حضارة تعتمد على الواقع الإنساني وتتماشى مع الفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها ولا تبديل لهذه الفطرة.
3- حضارة ترتكز على أسس الهية وضع الوحي المقدس خطوطها الأصيلة وصاغتها النبوة الطاهرة وحمتها وصانتها الأمامة المعصومة منذ أورثها الرسول الأعظم (ص) إلى وصولها الأمام المهدي(عج).
4- حضارة بعيدة عن الخرافة والأساطير. بل تعتمد العلم والمعرفة الحقة. ولا غرو في ذلك فأول ما نزلت (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق: 1 - 5).
5- حضارة قابلة للتطور ومماشاة العصور على مدى تطورها العلمي والتقدمي وحاجة الانسان وتدرجه في المعرفة .
6- أن هذه الحضارة قائمة على ركني التوحيد والعدل اللذان هما نجاح البشرية وهي رسالة جميع الانبياء لعمارة الأرض.
هذه الحضارة هي التي أوجدت الحقايق العلمية وما يحتاجه البشر في سبيل تقدمه وأعماره للأرض، فلم تكن خيالية وكان لها مصاديق مختلفة يقودها المعصومون.. وهي ارث بدأ بآدم واستورثه خاتم الأنبياء محمد(ص) ليورثه حبيبه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم يورث من بعده الأئمة الأطهار.
لقد عاشت هذه الحضارة رغم ما واجهت من عراقيل وموانع وأنحرافات شعلة تضي الحياة.. وصورة مشرقة للأنسان الواعي البعيد عن الخرافة والصنم والظلم والشرك.. أنها حضارة الوحي والنبوة.
في هذا البحث اكدت على حيوية هذه الحضارة وهي الميزة التي ميزت الحضارة الإسلامية أولاً وهي السر في توهج الحضارة الإسلامية في أي وقت، وليس كالحضارات التي وجدت وماتت كما شخصت العوامل الجديدة التي ابتدعها الاستكبار العالمي وعلى رأسهم الصهيونية العالمية وامبراطورية الشر الأمريكية ومن وراءهم في ايجاد القوة الناعمة المتمثلة بالمسائل المختلفة في غزو الحضارة الإسلامية ونهشها وتضعيفها واخراجها من أيدي أهلها وإبدالهم حضارة غريبة وغربية لا تمت بصلة إلى الواقع ولا إلى الأسس الثابتة أو ما نسميها بالثوابت. وقد قدمت بحثاً عن مجمل الحضارة. ثم الحرب الناعمة الموجهة والمقصودة لهدم الحضارة الإسلامية بالذات أذ أن الحضارات الأخرى لا تحتاج إلى ما تحتاجه الثقافة والحضارة الإسلامية لقوة الأسس التي تستند عليها والأركان المتجذرة في وجدان الامة وضميرها ولعل ما حدث في العراق أخيراً في عام 2016م من صدور الفتوى التأريخية للمرجعية الإسلامية في النجف الأشرف ضد الغزو الوهابي المتمثل بداعش ومن ورائها أمريكا واسرائيل وتركيا والسعودية حيث كانت الفتوى وجوباً كفائياً وليس عينياً فأنطلقت الجموع والسيول البشرية رغم عمل الأمريكان على يد عميلهم التأريخي صدام حسين وحزب البعث في اخراج الأمة من محتواها وغسل دماغها لكنها لم يكن لذلك أثر وتأسس الحشد الشعبي المبارك والذي قضى على داعش كاملاً ولم تستطع أمريكا من اسعافه.
إن خلاصة ما أريد أن أصل اليه هو أخذ هذه القوى الناعمة بعين الأعتبار وتهيئة المقاومة المناسبة لذلك.
المبحث الأول :
حيوية الحضارة الإسلامية مظهر قوة الأمة وتطورها
معنى الحضارة - وموت الحضارات
ماذا قالوا في الحضارة وحوارها وتصادمها
خصائص الحضارة الإسلامية
إن الحضارة تعني الثقافة زائداً المدنية.. والتي تشخصها المعادلة المعروفة لدى علماء الحضارة وقد عرفت تعاريف متعددة منها ما قيل أنها: تشكيل بيئة معينة لها قوانين وتشريعات تضعها الدولة أو المنطقة التي يعيش فيها مجموعة من الناس. والحضارة تحمل رائحة الثقافة التي يتباناها أولئك الناس وهي تختلف من زمان إلى زمان آخر وأيضاً باختلاف الاشخاص الذين يعاصرون ذلك الزمن. حيث تبقى هذه الحضارة (محفورة) في وجدان التأريخ إلى أن يأتي اليوم الذي تموت فيه هذه الحضارة نتيجة لتبدل الناس الذين ساهموا في بنائها أو نتيجة تبدل أخلاقهم حيث أن الأخلاق عامل مهم في وجود أو بقاء هذه الحضارة أو تلك ، ولو فتشنا عن أنهيار هذه الثقافة أو تلك لرأينا أن العامل الأساس لموت الحضارة هو التدهور الأخلاقي. وهي سُنة قائمة لا نقاش فيها منذ الحضارات القديمة.
كما عرفت الحضارة على أنها «نظام اجتماعي يعين الأنسان على الزيادة من انتاجه».
وقد وضع المعنيون بدراسة الحضارة وخبراؤها عناصر خاصة تستند عليها الحضارة وحدودها بما يلي:
1 - الجانب الاقتصادي وموارده.
2- جانب النظمة السياسية.
3- التقاليد الخلقية (وهذه تؤشر إلى الثقافة).
4- متابعة الفنون والعلوم.. وطبيعة الحال هذه النقطة تشمل جوانب الثقافة بشكل عام ويدخل ضمنها اللغة والأدب بأصنافه (الشعر والنثر والمسرح والرواية والقصة وغيرها).
كما يضاف لها:
5- الجانب التكنولوجي والعلمي.. وهو جزءها المادي المتمثل بالابتكارات التكنولوجية والجوانب العلمية والتشكيلية من الرسم والفن والمسرح وغير ذلك بمعنى ان الحضارة تتشكل من جزئين مادي ومعنوي.
ولو قارنا بين الحضارات ومسيرتها على مر التأريخ لوقفنا عند الحضارة الاسلامية وشخوصها الواضح، والذي تعتبر من أرقى الحضارات التي وجدت على مر التأريخ البشري فقد بقيت محفورة إلى يومنا هذا وتمتلأ بها المتاحف والمكتبات وما خلفت من آثار لا تزال شاخصة إلى اليوم.. وهذه الحضارة لا تنتهي معالمها إلا بأنتهاء البشرية من على سطح هذا الكوكب ويمكننا أن نضع بعض النقاط كدليل مؤشر على حيوتها وحقيقتها.
1 - إن الحضارة الإسلامية تشمل ما جاء به الاسلام من قيم ومبادئ عظيمة من قبل 1400 سنة وما وجدنا من تشريعات حقوقية وسياسية واقتصادية واجتماعية لا يمكن انكارها لما يتوافق مع الحاجة البشرية الصائبة.
2- الاطار الذي يؤطر الحضارة الاسلامية هو أطار سام يشكل النظرية الاخلاقية الإنسانية التي تعطي الحضارة الاسلامية زينتها وميزتها الخاصة.
3- انفتاح الحضارة الاسلامية على الحضارات الأخرى بحيوتها وعدم انغلاقها على أساس أن الحضارة هي جهد انساني يمكن ان نجده في أي مكان يخضع للعقل البشري ولكن يختلف بشكل ومضمون ورائحة هذه الحضارة باختلاف العوامل التي تجده وتشارك في صناعة الحضارة.
4- إن ما قدمته الدول الراعية لهذه الحضارة وعلاوة على تحقق الكثير من الانجازات فأنها صرح عظيم من القيم الإنسانية العظيمة مثل أسلوب التعامل مع الناس.
5- حيوية الحضارة الاسلامية بأعتمادها الجانب الروحي المهم في أي حضارة، وهو ما أفتقدته الحضارة الرومانية واليونانية وغيرها من الحضارات المادية الصرفة.
مظاهر الحضارة الاسلامية
فضلاً عن أن الاسلام جاء لُيُعَبِّد الأنسان إلى ربه فأنه أسس حضارة لا يمكن أيجاد حضارة مثلها، حيث أسست للبشرية حضارة تلتأم مع الفطرة الأنسانية وهذه الحضارة كانت شاملة.
1 - الجانب الاقتصادي.
2- الجانب السياسي.
3- الجانب العلمي.
4- الجانب الاجتماعي.
5- التشريعات الأخرى كالتشريع القضائي والعسكري ما يلحق به من حقوق الأسرى، أو الفداء.. الخ، وكذا المعماري والأبداعي.
وكلمة الحضارة.. كما نعلم أنها تدل على التحضر أي عكس البداوة والمقصود بها حياة الرقي والاستقرار.. كما أن الحضارة اصطلاحاً نظام اجتماعي مُتبع وهو الذي يعين الأنسان على زيادة الناتج الثقافي وتعتمد على أربعة عناصر:
1 - الموارد الاقتصادية.
2- النظم السياسية.
3- متابعة العلوم والفنون.
4- التقاليد الخلقية.
ومن هنا يفهم أن الحضارة لا تتعايش مع الحروب. بل في مجال الأمان والاستقرار. وكذلك بالتفكر والبحث. أي لا تقوم الا بالابحاث والاختراعات وأهمها التكنولوجيا والمعمارية.. وبالتالي فيمكن أن نقول أن العلم والفن بأشكاله حجراً للحضارة.
وقد قسمت الحضارات إلى أقسام كثيرة كما يردها صامويل هتنغتون بأن حضارات العالم تقع في تسع حضارات. الحضارة الغربية.. وتتميز بثقافتها المسيحية والحضارات الامريكية اللاتينية، اليابانية، الصينية، الهندية، الأفريقية، البوذية والاسلامية ولها مجموعة لغات هي العربية والفارسية والتركية والماليزية.. كذلك الحضارة الافريقية والبوذية.
والحضارة الاسلامية تأسست على يد الرسول الأعظم(ص) بعد أن هُدمت الأسس والبنى الأخلاقية ما قبلها من العادات القبلية.. ثم قامت الحضارة الاسلامية ولحلاوتها وعفويتها فقد أجتازت الأمم وقد وصلت تخوم الصين كما وصلت أوربا واليونان.. لكنها حينما سقطت الأخلاق فقد سقطت الحضارة هذه.
لقد قدمت الحضارة الاسلام «ومحورها الاسلام» للمجتمع البشري من قيم ومبادئ وقواعد ترفع من شأنه وتعطيه قابلية التقدم في الجانب المادي.
كما تقوم الحضارة الاسلامية على صلاح الفرد وصلاح المجتمع البشري وتربيته على تعريفه المسؤولية الانسانية ونشر معارفه وهذا الاصلاح يشمل الروح والجوهر. والحركة في المجتمع. والقيام على مركز التعاون بالبر والتقوى. لاستثمار الأرض.
كما أن الحضارة الاسلامية وإن كانت حضارة مستقلة نظراً لأعتمادها العقيدة الاسلامية ومبدأ التوحيد إلا أنها تحفز على الأفادة من جهود السابقين من اليونان والرومان.. ولكن بالشكل المناسب والمؤدي إلى التجديد وكان من آثار الحضارة الاسلامية المدارس الإسلامية الكبرى التي لاتزال شاخصة وعامرة وهي:
1 - مدرسة الأمام الصادق (ع) في المدينة المنورة.
2- جامعة بيت الحكمة في بغداد عام 830م.
3- جامعة القرويين سنة 829م في قاس.
4- جامعة الأزهر عام 970 م في القاهرة والتي أخذ منها ملك صقلية روجر الثاني عام 1090م. أي أخذ من العرب ثم تلتها جامعة بادوفا بأيطاليا 1222م تدرس الكتب العربية.
5- مدرسة الزيتونة في تونس في عهد الأدارسة.
6- مدرسة النجف الأشرف في العراق.
لقد أفردت في الحضارة الاسلامية مجالاً خاصاً للترجمة حيث بزرت العلوم والفنون في الحضارة الاسلامية نتيجة البحوث والأفادة من الترجمة، وقد أزدهرت علوم الطب والرياضيات والزراعة والكيمياء والميكانيكا والزخرفة والتصوير والملاحة وصناعة السفن وعلم الحيل (الحيل النافعة كآلة الرصد الفلكي وقد نهضت الحضارة الاسلامية منذ بزوغ الدعوة الاسلامية واستقرارها في المدينة المنورة ثم الكوفة.. ووصلت أوجها في أيام الحكم العباسي حيث كانت أوربا تعيش في ظلام الجهل والهمجية والبربرية والرق والعبودية. وعلى الرغم من قرب الحضارة الاسلامية في شمال أفريقيا حيث ظهر علماء كالعالم الأندلسي أبو بكر بن طفيل (1106م - 500هـ) الذي كان من أقطاب الحكمة.
تطور الحضارة أيام الظهور الاسلامي:
لقد كان للعلماء المسلمين اليد الطولى في تطور العلوم وعلى رأسها الرياضيات المعقدة ومنها الجبر والهندسة والحساب والمقابلة وأقسام العدد والعددان المتحابان وخواص الأعداد والكسور والضرب والقسمة والمساحة للأشكال الهندسية والجذور والأحصا. فحسبك العالم الرياضي الخوارزمي (محمد بن موسى) المتوفى بعد سنة 232 الذي يعود له الفضل الأساس في علوم الحساب الحديثة وبأعتراف الغرب بأجمعه. وكلمة Algorithm تعني الخوارزمي وهو من مبدعي علم الجبر الحديث Algebra كما في كتابه «الجبر والمقابلة».
وقد اكد العلماء الغربيون وأعترفوا أنه الأساس لكل العلوم الحاضرة، فلايكاد يخلو علم من العلوم المعقدة الحديثة إلا وفيه جبر الخوارزمي وأبداعه في نظام الأرقام والأعداد وعلم الحساب والمتواليات العددية والهندسية والتآليفة والمعادلات الجبرية والجذور واللوغرتمات والفلك والمثلثات والأرقام الهندسية والطريقة البيانية لإيجاد الجذور وله أكثر من 27 مؤلفاً في مختلف العلوم أشهرها (الجبر والمقابلة الذي نقله إلى اللاتينية روبرت أوفشتر من كتاب (بغداد مدينة السلام) ومن علماء المسلمين في الرياضيات من أهل بغداد الكندي المتوفى في بغداد 288 وأبراهيم بن احمد الشيباني المتوفى عام 298 والفضل بن محمد بن عبدالحميد ابو يرزه الحاسب المتوفي 298 وعلى بن أحمد العمراني الموصلي البغدادي المتوفى عام 344هـ وأبن أعلم الشريف البغدادي المتوفى عام 475هـ وعبدالقادر البغدادي المتوفى عام 429هـ وأبن صلاح البغدادي المتوفى عام 548هـ وجعفر القطاع المدعو بالسديد البغدادي المتوفى عام 602هـ.
وظهير الدين علي بن محمد الكازروني المتوفي عام 697هـ وابن خوام البغدادي المتوفى عام 724هـ.
وعالمة الرياضيات العربية أمة الواحد ستيتة.
المحاملي البغدادية المتوفاة عام 377هـ.
المبحث الثاني:
اثر القوة الناعمة بحربها الناعمة على هدم الحضارات
أحب أن أبدا بحديث الامام الخامنئي (حفظه الله) حينما يقول: «نحن نستطيع الوصول إلى القمم العلمية ونصبح مرجعاً علمياً في العالم.. ولقد قال الشعب الايراني ذلك حين قال: نحن قادرون...».
وكما أسلفنا أن كل الحضارات مهما بلغت فأنها معرضة إلى الذبول والموت، ومنها ما تنتهي كلياً ومنها ما تجمد وتبقى فيها الحياة لكنها عاجزة عن النهوض لأنها بالأصل حضارة حية قائمة على قاعدة الفطرة الإنسانية كالحضارة الإسلامية التي نشأت نشوءً طبيعياً في حيوية ذاتية... ولكنها الآن تعيش الخفوت والأنحسار من الساحة.. ورغم أنها تحاول النهوض والوقوف على قدميها إلا أن أعداءها يسددون لها الضربات تلو الضربات. وهنا لابد أن نسلط الضوء على أحد هذه الأسلحة لقتل الحضارة الاسلامية وغيرها مما لا يتماشى معها.
فقد عمد الأخطبوط الأنكلوأمريكي الصهيوني إلى التفكير في قتل وهدم الحضارة الاسلامية بالخصوص لحيويتها وجهوزيتها لتوعية أصحابها.
أولاً/ طريق الجامعات.
ثانيا/ طريقة التدخل الفكري والثقافي . وتشمل:
1 - إبتداع دين جديد وطرح عنصر التكفير للآخر.
2- تشويه حضارة الآخرين بتشويه عقيدته.
3- أشعال الحروب بأنواعها على الآخرين.
ـ تغليب الفكر الغربي على غيره..؟
ـ افشاء ثقافة الأستهلاك بأيجاد عادات استهلاكية مترسخة عند الناس خارج حدود المطلوب أستجابه لمجتمع المؤسسات التجارية.
ــ التأكيد على وسائل التواصل الاجتماعي لتفكيك الأسرة والمجتمع وضرب القيم الاجتماعية والعرقية التي تعتبر من اعمدة الحضارة السائدة.
ــ ايجاد انواع من الموضة وطرح قيم مجتمعية حسب مقاصهم ونبذ القيم الاجتماعية المتوارثة.
ــ الدخول من خلال السينما والمسرحية بشكل جذاب ولكنه سماً زعاف يصعب على من دخله الخروج منه.
ــ انتاج أفلام كارتون تخدم أهدافهم الشيطانية وقصص غريبة يدسون السم في العسل فيها.
ــ تشويه الفن والموسيقى بأحدث التقليعات وبشكل يجذب الشباب الفارغ أصلاً.
ــ العمل على مهاجمة ثقافة الحجاب واعتبارها قرينة في الصعبة.
ــ استغلال الألعاب الألكترونية في غسل أدمغة الشباب وسيجهم بأي صورة حتى يستسلموا ويكونوا عبيداً.
ــ أفشاء ظاهرة الأدمان والأعتياد والمتاجرة فيها .
ــ نشر ثقافة الألحاد وخلق النموذج الغربي مما يصيب الشاب بالموت البطئ.
ــ اثارة روح النزعة العشائرية والعصبيات والأثنيات .
ــ تخريب أقدس المسائل وهي العبادة وتنصيب المرأة التي كلها عورة بمنصب أمام الجماعة تؤم الرجال.
ــ ومسائل كثيرة سنثبتها في بحثنا حول المسألة والآن نستعرض القوة الناعمة في الجامعات الغربية ودور هذه الجامعات في بلادنا الاسلامية وسنعطي مثالاً لهذه الحالة بالجامعة الأمريكية في بيروت فهذه الجامعة تأسست عام 1866م بأسم الكلية السورية البروتستانتية أيام الاستكبار العثماني الذي لم يفكر آنذاك بأي مركز تعليمي عال. حيث بعد 12 سنة أي في عام 1878م اسست سلطة آل عثمان معهداً عال في الاستانة وهي اول كلية في السلطنة وحتى نكون على بينة من أمرنا فإن أعداء الدين والمتربصين بنا الدوائر كان لهم عشية إنهيار الحكم العثماني اكثر من 5000 مؤسسة تعليمية منها 878 مؤسسة تعليمية فرنسية في أرجاء السلطنة العثمانية و178 مؤسسة تعليمية انكليزية (بريطانية) وأخرى إيطالية ومجرية وروسية وغيرها. وكلها تؤسس لثقافاتها الغربية التي تريدها أن تسود على الثقافة الشعبية الاسلامية في مختلف البلاد([1]) .
فالجامعة الأمريكية التي تحولت من كلية بروتستانتية إلى أسم الجامعة الأمريكية عام 1920 خرجت إلى الآن ما يزيد على من 72500 (أثنتين وسبعين الف وخسمائة) طالب وطالبة هدفها الرئيس الذي ظاهره العلم هو تمكين النفوذ الأمريكي في المنطقة وتلميع صورة أمريكا في المنطقة أقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وحضارياً وكل شيء.. فالجامعة الأمريكية تجاوزت مهامها العلمية إلى أهداف استعمارية شريرة فمثلاً يقول «كولن باول» وزير خارجية امريكا الأسبق. «إن طلبة الجامعة الأمريكية سينتهي بهم الأمر ليكونوا خزاناً رائعاً للنوايا الحسنة تجاه أمريكا».
أما «جوزيف ناي» المحلل الستراتيجي الأمريكي المعروف يضع الجامعات في موقع متقدم على محاور الصراع الناجم الذي يشهده العالم في الوقت الحاضر.
نعم إن هذه الجامعة التي خرجت هذا العدد كان من مختلف البلاد حيث وفدوا من حوالي 100 دولة ودرسوا في 120 تخصص جامعي وأن لهذا الجيش الكبير من الخريجيين له دور فاعل في الحرب الناعمة.. وحتى تستمر هذه اللعبة فإن الإدارة الأمريكية وطبق الاحصاءات توظف مالا يقل عن 50% من هذه الطاقات في مختلف ميادين وحقول المشروع الأمريكي... ثقافياً واقتصادياً وسياسياً وحتى أمنياً فقد بدأ بالكلية البروتستانتية لنشر القيم البروتستانتية وأظهرت الصفة والدور الأكاديمي لكن تخفى اجندات خفية وخطيرة للغاية يقول «بيترا اندرسن» أول رئيس للجامعة الأمريكية، «نعمل لصناعة سفير متمكن لأمريكا...» أي تحويل كل طالب إلى سفير لخدمة الدولة التي انتدبته... من التبشير ونشر القيم البروتستانتية إلى نشر قيم العلمانية والقيم الأمريكية.
وحتى لا يكون كلامنا جزافاً. فقد قال أحد رؤوساء الجامعة في حفل تكريمي له بعد أنتهاء مأموريته ويفتخر بها كأنجاز له قال: عندما جئت إلى هذه البلاد كانت الفتاة تمنع من دخول الجامعة أصبحت تدخل الجامعة وعندما دخلت الجامعة كان يمنع عليها لعب التنس بتنورة قصيرة أو أن تمارس السباحة في احواض السباحة المخصصة ويمنع عليها الأختلاط بالشباب وتمنع من المشاركة في الأعمال الفنية على المسرح سوية إنني أفتخر الآن وأنا أغادر أن استطعت أن اقنع الفناة أن تخلع حجابها. وتمارس التنس وتختلط وتسبح فقد تحولت إلى بيئة أخرى» الهدف الرئيس هو تحويل الطالب بل والإنسان من طالب أو مهني إلى أن يكون خادماً.
إن القوة الناعمة والتي هي حرب ناعمة تستعمل ضد اسس وأعمدة الحضارة بتخريب وهدم ثقافتها. لأنها «الدول الغربية لا تهتم إلاّ بنفسها التي بنتها على جماجم الحروب وحضارات الدنيا الأخرى، بل ولا تؤمن بالتبادل التجاري. ففي احدى المرات قامت طالبة محجبة في الجامعة الأمريكية لتسأل أستاذها عن مسألة علمية صرفة طرحها الاستاذ نفسه فقال لها: «عندما تنزعين هذا الحجاب من رأسك سوف تسمعين وتفهمين ما أقوله» فهو ربما يشير إلى أن الحجاب يغطي الأذن فيحجب عنها الصوت أولا قصد الأستاذ أن الحجاب يمنعها من فهم ما يقول. وهذا لطبيعة الحال خطاب تحقير وليس خطاب ثقافي.. وقد بررت الجامعة لذلك أذ أن الجامعات لها أبعاد أخرى([2]) .
إنّ أغلب رؤوساء الجامعة الأمريكية اذا لم يكن كلهم عبارة عن أعضاء في CIA» وكالة الاستخبارات الأمريكية.
إن الجامعة الأمريكية في بيروت وأمثالها في دول أخرى لها برامج مختلفة في سبيل تربية الطلاب على مذاقها وتخطيطها وأجندتها وأهدافها فهي تصرف على هذه الشركات مبالغ طائلة . فمثلاً الجامعة تصرف مبلغ أكثر من نصف مليون دولار سنوياً دعماً للنوادي الصيفية وهي نواد يخالفون فيها كل الأعراف وبكامل الحرية وأعطاء المشاركين حرياتهم بممارسة كل ما يتوقون اليه حتى فيما يخص الحرية الجنسية والعمل الحزبي وعدم رعاية اي من القيم.
ان من النشاطات المخفية هي العلاقة بين الجامعة والمخابرات الأمريكية.. فقد أتهم «بيروز» مؤسس مكتب الخدمات الاستراتيجية اتهم عام 1948 ارتباطه في المخابرات الأمريكية (CIA) وكانوا يجندون الكثير في العمل في المخابرات الأمريكية وأعمال التجسس . فقد سجن «جون ووتري بوي» في مصر بتهمة التجسس عام 1997. ونفسه كان يضع شعارات حزب الله اللبناني لجذب الكوادر الشيعية ومن ثم الأفادة منهم في أعمال تجسسية وكذلك «ستفين روز» الذي كان عضواً CIA والذي اغتيل في لبنان.. والآخر «ووتر بري» الذي اعتقل في مصر في زمان الرئيس جمال عبدالناصر أصبح رئيساً للجامعة الأمريكية بين عامي (1995 - 2008) . كما أن هناك الكثير من الأستاذة هم الآخرون قاموا بأعمال مخابراتية ـ وقد وكلّ إلى «شارل واليك» الدفاع من مصالح أمريكا قبل استاذيته في الجامعة الأمريكية في لبنان.
والملاحظ أن الجامعة تطلب من كل المنتسبين «الأستاذة والطلاب والعاملين». الأدلاء عن أحوالهم كاملة لدراستها ومعرفة القوى التي يمكن تسخيرها وهي أمور لا يمكن التغافل عنها. ولديها نشاطات أخرى يمكنها أن تستغلها لتحقيق مآربها مثل برامج دعم الطلاب التي منها أقراض الطلاب والذي ثبتت في الأتفاق بنوداً منها منع الطالب من الأتصال بمصادر الأرهاب أو يتعاون معه. وقد فسخوا عقد أحدى الطالبات بحجة أنها تعمل في مؤسسات صاحب هذه المؤسسات يؤيد المؤسسات الأرهابية. وهناك نشاط خاص بعيد عن الجانب العلمي يعمل إلى تحقيق هذه الأهداف كدعوة أحدهم لتجنيده في المخابرات لكتابة تقارير عن حزب الله، ومن ذلك كثير لا يسع استقصائها.
وحتى في المناهج فيلاحظ من ذلك العمل على تفكيك المنظومة القيمية لدى الانسان وبث المنهج التشكيكي في كافة الثوابت والمقدسات وتقوية حالة «الأنا» Eehcoo) لدى الطالب بعد التخرج فضلاً عن التأكيد على فصل الدين عن السياسة والدولة.. كما أن الجامعة الأمريكية لا تنتقد اسرائيل بل تعمل على تذليل الموانع في هذا الطريق واعتبار اسرائيل دولة ديمقراطية ومتقدمة في المنطقة ولا مانع من اقامة نشاطات ثقافية وقبولها. ([3]) وللعلم فإن الجامعة الأمريكية حينما أعلن عنها عام 1920 وتحولت من كلية البروتستانتية إلى جامعة أجتمع كل من وزير الخارجية الأمريكية آنذاك ووزير التعليم العالي ورئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA.
وهذا الأسلوب يعمم إلى غيره من المؤسسات الثقافية والعلمية كالمدارس والمعاهد ومراكز البحث التي هي عبارة عن أجندات ظاهرها البحث العلمي. وباطنها أهداف أخرى.
ثانيا/ هناك طريق التدخل الفكري والثقافي
حيث تلعب بمقدارات الأمة عن طريق ما نصبتهم رؤوساء وتحافظ عليهم من أجل العمل على تشويه الحضارة الأسلامية وحضارة الأخرين في بلاد أخرى.. وقد سخرت الولايات المتحدة لذلك وسائل مختلفة منها المؤسسات البحثية Think Tanks وتأمين المصادر المالية من مصادر مختلفة واستعمال هذه المراكز في المشاركة بصنع القرار، ولابد من القول أن هذه المراكز البحثية هي البديل الواضح لأعمال المستشرقين وأعمال الأستشراق الذي بدأ في القرن الثامن عشر والتاسع عشر والقرن الماضي. وقد تأسست مؤسسات تدين هذه المراكز البحثية في الجامعات كرسي للدراسات الشرقية. وكذلك تأسيس معهد دراسات كرنكي الذي أسسه ويلكارلي صاحب كتاب «دع القلق وأبدأ الحياة» ثم تبعته معاهد أخرى مثل معهد بروكسن 1914 ومعهد هوفر عام 1919م ودرنك عام 1948. هذه المراكز أصبحت الهندسة المعمارية ومراز قوى لهندسة السياسات الداخلية والخارجية.. وقد عملت جامعة بنسلفانيا دراسات للمؤسسات البحثية التي بلغت وقتها 6826 مركزاً بالعالم. 1828 مركزاً حصة أمريكا أي ما يعادل 29% من عدد المراكز بالعالم.
وهذه المؤسسات تعلن عن نفسها أنها غير حكومية NGO وليس مؤسسات لصنع القرار وكذلك مؤسسات غير ربحية أو ما يسمى NON. Prefit organization لكنها مؤسسات للتأثير بالمصالح بكل صراحة: وهي تعمل لصنع رأي عام وليس اكتشاف رأي عام نعم ربما هناك مراكز تعمل للتنمية البشرية وغير مرتبطة بأجندات أو للترويج إلى هدف أو أفكار أخرى. وهناك من يقول ان هذه المراكز هي امتداد للأستشراق كما أن «بول بريمر» الحاكم الامريكي بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 بعد الحملة التي قامت بها امريكا بالتوافق مع صدام حسين لتدير العراق بصورة مباشرة نعم بريمر كتب في مذكراته: أنه وجد على منضدته تقريراً عن مؤسسة رانت قد أوصت وزارة الخارجية الأمريكية ووزارة الدفاع الامريكية للأخذ بهذا التقرير واعتماده لأنه يتحدث بالتفصيل عن الواقع العراقي واشكالياته ومشكلاته وعن كيفية التعامل مع كل هذه بما يعود بالنفع على المحتل.. هناك المجلس الأطلسي (ايتلنتك كونسل) وهو مجلس يميني جداً وقريب من السياسات اليهودية الاسرائيلية. حتى مؤسسة رفيق الحريري التي أسست لدراسات الشرق الأوسط كان تمويله من الشيخ بهاء الدين الحريري أخ رفيق الحريري وكانت ترأسه أمرأة اسمها ميشيل وان. ولم يسمح لها نقد دول الخليج الفارسي وقد فصلت حينما انتقدت الوضع في مصر لكن لا مانع من انتقاد الجمهورية الاسلامية الإيرانية.. وعلى الرغم من ان تمويله عربي لكنه يؤدي خدمات لدويلة اسرائيل والكثير من المعاهد والمراكز المشهورة في العالم وبعضها يؤسس في الغرب ويضع له فروع في العالم مثل مركز «بروكن» في امريكا الذي يعتبر من أهم المراكز وله فرع في الدوحة.. ومع الاسف ان المراكز التي أسست في منطقة الشرق الأوسط من قبل دولها فهي مع الاسف لم يكن اكثرها الا مراكز علاقات وليس مراكز بحوث علمية يوجد في الدول العربية حوالي 258 مركزاً عربياً من مجموع 413 مركزاً في الشرق الأوسط. وتركيا وايران. حيث تتصدر ايران هذه الدول حيث فيها 59 مركزاً وتعتبر في المرتبة الأولى بعدها اسرائيل فيها 58 مركزاً ثم مصر وفيها 35 مركزاً أهمها مركز الأهرام للدراسات الستراتيجية وهو حكومي أسسه الصحفي الكبير المشهور محمد حسنين هيكل وهذه المراكز حكومية منها مركز الدراسات الأردني التابع للجامعة الاردنية ومركز دراسات الأمن القومي في جامعة تل ابيب حسب تقرير بنسلفانيا ومركز المستقبل في الأمارات المتحدة والمركز الاقليمي للدراسات الستراتيجية في القاهرة.
ثالثاً/ أزمة الثقافة في العالم
وهنا تأتي النافذة الأخرى التي يعمل لها الغرب للأمة الاسلامية فقد صممت الأمة الاسلامية التي تسمى بأمة أقرأ إلى أمة لا تقرأ سواء القراءة الورقية أم الالكترونية وحولت الأمة هذه إلى أمة الاستهلاك الثقافي لمتابعة ما يجري في العالم. ففي أحصائية لمؤسسة الفكر في القاهرة أن كتاب واحد يصدر لكل (2000) مواطن عربي بينما يصدر كتاب لكل (500) مواطن انكليزي وان منظمة الثقافة والعلوم في الوطن العربي تقول ان عدد الأميين في المنطقة العربية عام 1913 بلغ حوالي 2/97 مليون من أصل 340 مليون نسمة أي نسبة 9/27% من مجموع السكان العرب. فيها نسبة النساء الأميات العربيات اللاتي تتراوح أعمارها بين 15 - 45) عاماً تبلغ 60% وحسب التقرير الذي اكتشف أن اكثر من 6 ملايين طفل في العالم العربي من هم في سن الدراساة غير منخرطين في التعليم وان 20% من الاطفال الذين يلتحقون بالتعليم الأساسي يتخلفون عنه خلال المرحلة الدراسية الأولى وتبلغ النسبة 30% في بعض الدول العربية. لماذا العمق الكبير في الأزمة الثقافية في رمتها في العالم العربي والدول الاسلامية. وأن هذه الأزمة ليس فيها انفراج بل العكس بسبب الطواغيت والحكام التسلطين والحرب الاستكبارية للسيطرة على الانسان المسلم وابعاده عن واقعه.
ان كمية الانتاج الثقافي نسبتها القليلة لا تتناسب وكمية الاستهلاك الخارجي، أي هناك عجز في الميزان الثقافي ومن حقنا التساؤل:
ــ اين المشكلة هل في المنهج المتبع والاسلوب الموجود؟؟
ــ هل المشكلة هي في الأساس في الأمية الثقافية التي نراها مستشرية وتكون عاملاً واضحاً في الأزمة.
ــ ما هو التعامل مع الآمية الثقافية؟
ــ هل النظام العربي الحاكم هو السبب الرئيس في وجود الأزمة الثقافية؟؟
ــ لماذا قرار أي دولة خاضع لعوامل خارجية ولم يكن قراراً مستقلاً مدروساً ينبع من الحاجة اليه؟
هنا يمكن معرفة مدى التأثير الخارجي والأيادي الدخيلة والقوة الناعمة التي تلعب بهذه الورقة الحساسة والتي لها بالغ الأثر في بناء الحضارة الاسلامية أولاً والأثر البالغ أيضاً على بناتها من الشباب في نمط التفكير والأبداع.
إن سياسة التلقين التي نشاهدها في وطننا الاسلامي على طوله وعرضه تهدد بالهدم والانهيار ويقتضي الحال وضع الأسس الكفيلة لمحاربة القوى الناعمة التي تجري في محيطنا الثقافي والعلمي والاجتماعي. والرجوع إلى البنية الأخلاقية التي حققت لنا بناءً صلباً وتقدماً كبيراً.
* * *
الأمر الآخر، أن التدخل الفكري والثقافي تعدى إلى أبعد من مسائل الثقافة العامة بل أخذ يتمادى ويثير ما يشوه العقيدة والدين من أجل أضعافه. بأبتداع دين جديد يعتمد التكفير اساساً له من خلال التراث الاسلامي، وتشويه العقيدة يعني هدم الحضارة وعرقلة بنائها من جديد.. وهذه الحرب الناعمة بهذه الأساليب القذرة تصنع الحروب المتنوعة وتعمل على أشغال أبناء الأمة فيما بينها من دون رادع بعد أن حذرت الأمة بمالديها من ماديات وتحريف أفكار المسلم بأن الحياة الحقيقية هي الجانب المادي للمسلم والتكنولوجيا المتطورة على حساب القيم.. والعمل على تغليب الفكر الغربي على غيره. وهو الذي لم يكن في الأمس له وجود. كما ان السكوت هو الأمر المهم الذي يجرأ الآخرين على التمادي وكما يقول المتنبي (رحمه الله).
من يهن يسهل الهوان عليه مالجرح بميت ايلام
وهذا ما نشاهده في دعوات التطبيع بين العدو الصهيوني والثقافة الاستسلامية وفرض الأمر الواقع.
المبحث الثالث:
الحرب الناعمة في الهجوم الثقافي والتدخل العقائدي
كما يعلم الجميع ان الثقافة هي مجموعة العادات والتقاليد والسنن والعقائد واللغة والآداب والفنون التي يعيشها شعب معين، وهي الجانب المعنوي من الحضارة. ولذا فإن كل أمة لها ثقافتها الخاصة بها.. فنرى عادت الأمم وفلكلورهم والموسيقى الخاصة بهم وحتى اللحن المقروء. والثقافة هي العامل الأول الذي يرسم سلوك الأفراد. فسلوك المرأة المحجبة ناتج من ثقافتها اذا كانت ملتزمة اينما حلت وكانت. بل الثقافة أيضا ترسم الاعراف السائدة والتعاملات بل وحتى طريقة الغذاء وانواعه. والضيافة ومشتقاتها. ويمكن أن تتلاقح هذه الثقافات ولكن تبقى الثوابت لا يمكن تغييرها([4]).
وهنا لابد أن نبين شيئاً مهما في بناء الحضارة هذه التي تكون الثقافة الجانب المعنوي فيها.
فالثقافة هي الموجه الحقيق للأنسان والمشخص لهويته الشخصية. بل وكما قلنا الجانب المعنوي للحضارة حيث تشكل مع المدنية (الجانب المادي) للحضارة يشكلان الحضارة الكاملة.
والحضارات تتميز كل واحدة عن الأخرى بما تفترق به من الدين والعقيدة الذي يؤسس للحضارة وشكلها وثوابتها وتأثيرها فالعقيدة لها الأثر البالغ في بناء الحضارة على اختلاف أنواعها وتباينها من مجتمع لآخر.
فربما نجد ما هو محرم لدى ثقافة أو بشكل أوسع حضارة نجده محلل لدى ثقافة أخرى، وتاريخ الحضارات يشخص ذلك بكل سهولة.
والمسألة واضحة لأن الحضارات تنشأ على انقاض حضارات سابقة. وكل حضارة تأخذ من الحضارة الأخرى.. وبالخصوص الحضارة الإسلامية التي رفعت شعار «زكاة العلم نشره» وهو ما لم نجده في الحضارات الأخرى علانية. أما المدنية الغربية فلم تكن كذلك بل بالعكس احتكر الغرب ما توصل اليه ولم يعطه لغيره الا بما يفيد منه هو. فتقدم في العلوم والفنون. هذا من جهة والجهة الأهم من ذلك أن الغرب الذي بنى حضارته على علوم المسلمين وثقافتهم وتقدمهم أصبح:
أولاً: يتعالى ويعيش بروح الاستعلاء والغطرسة وهي الذهنية التي عشعشت في عقول الغرب.
ثانيا: إن حضارته التي بناها تعتمد أعتماداً كلياً على مالدى المسلمين بل والشرق كله من امكانات مختلفة فصارت لديه أطماع قوية وغزو متتالي وظلم وتعالي صارخ. وأخذ يستولي على ثروات الأمة الإسلامية بالقوة والتعالي وسيطر على مقومات حضارته التي تتخلص به :
1 - الطاقة من النفط والغاز والفحم.
2- المواد الأولية التي على ظاهر الأرض كالقطن والكتان وأمثال والتي تحت الأرض كالمعادن.
3- الرساميل التي سحبها ومنها ما صدرها. حيث أن رؤوس الأموال الإسلامية تستثمر لدى الغرب.
4- العقول المميزة التي جذبها بطرق مختلفة لتنظر وتبرمج للغرب. حيث العلماء المسلمون هم الاكثرية التي تدير المصانع والمختبرات.
ثالثاً/ السيطرة المطلقة على مفاصل الحياة السياسية والعسكرية والتستر وراء الديمقراطية وحقوق الانسان وقد فصلت المقاسات للحكومات المسلطة على رقاب المسلمين اينما كانوا وخلقوا للمسلمين انظمة وحكاماً متوحشين لا يفهمون الا مصالحهم وكرسي الحكم وأوجدوا المشاكل العديدة كالحدود بين الدول والتعصب المذهبي والوهابية والقادانية وغيرها، ولعل علم الأجتماع السياسي كفيل بتوضيح ذلك.
هذه المشاكل وغيرها جعل الغرب يتعالى وجعل الشرق يحس بعقدة الدونية والصغار. وإن حدثت ثورة هنا وثورة هناك ولكن السلوك البشري والتوجه بقي يتجه نحو الغرب. وأن الشباب أصبح تواقاً للقصد نحو الغرب فأصبحت العلاقة بين الغرب والشرق علاقة غير متكافئة وحتى تبقى هذه العلاقة غير المتكافئة والتابعة للغرب فقد عمد الغرب إلى وسائل غير انسانية ومتعددة منها:
1 - الغزو الثقافي.. من أجل أفراغ الأمة من ثوابتها واسقاط حضارتها وثقافتها وجعلها تحس بالدونية والاستصغار أما الثقافة الغربية.. حتى التقسيمات الجغرافية فقد قسمت إلى الدول المتقدمة والدول المتخلفة وبعدها أسعفت إلى تسمتيها بالدول النامية. أو دول الشمال ودول الجنوب والدول الصناعية والدول المتخلفة والرجعية.
وتعدى هذا الغزو الاعتداء والتجاوز على العقيدة الإسلامية واتهام الاسلام بمختلف الاتهامات والعمل على فصل الحياة الإنسانية والنشاط السياسي والاجتماعي عن الدين. وبث الفرقة والعداوات والكراهية بين الأمة الواحدة.
2- هذه الأعمال التي ينفذها الاستكبار هو من أجل المصالح التجارية والسياسية وأحكام السيطرة. وتختلف مختلف الأعذار والذرائع الكاذبة التي تكشف بسرعة.
3- العمل بكل ما يمكن لبث الفرقة ومنع اتحاد الأمة وتحقيق الوحدة الإسلامية والحج صورة لذلك.
4- اعلان العقوبات الاقتصادية والمقاطعة والحصار كل من لا يتماشى وسياسة امريكا.
5- العمل على اختلاق العوائق وقتل الحجاج واهانتهم والتصدي على حرمات الله في ايام الحج وفرض الضرائب.
خلاصة البحث
إن البحث الذي بين ايدينا هو محاولة ونداء إلى أبناء الحضارة الإسلامية المتوقفة رغم حيوتها وجدارتها بسبب العراقيل والموانع التي وصفت في طريقها أولاً. ثم أنشغال أصحابها في أمور بعيدة عنها.. فمن الموانع هو وجود الحكام الظلمة والطواغيت الذين نصبوا من قبل الاستكبار العالمي ليسرقوا ثروات هذه الأمة. والأمة مكبلة لا حول لها ولا قوة. وهؤلاء الأعداء العملاء هم اعانوا العدو الرئيس للحضارة الإسلامية على أجراء وتطبيق برامجه في هدم الثقافة الإسلامية وحضارتها المشينة.. ولكن كما قال المولى جل شأنه «ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين» اذ لا زال في الأمة من ينبض عرقه لأعادة الأمة إلى نصابها ورجوع الحضارة الإسلامية كما كانت لتأخذ بأيدي المسلمين إلى شاطئ الأمان.
أيها الأعزة لقد تبلور الموضوع في مقدمة تناولت ميزات الحضارة الإسلامية والتي أهمها أنها حضارة الهية وضع أسسها الوحي المقدس وبين طرق مسيرها. ثم قام ببنائها العلماء والصلحاء وعلى رأسهم نبي الرحمة الرسول الأعظم محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن بعده حماة الرسالة من الأئمة الأطهار حيث ترك النبي (ص) ثقلين في الأمة هما ركني هذه الحضارة الإنسانية الرائدة.
بعدها تناولت في ثلاثة مباحث ذكرت فيها جسم هذه الحضارة وفرقها من الحضارات الأخرى. وسر حيوتها وقوتها، وقوامها الدقيق الصادق الواقعي الذي يتناسب مع الفطرة الإنسانية وأيضا تطرقت إلى عمود الموضوع وهي القوة الناعمة التي تعبث لهدم الحضارة الإسلامية وتسويفها ومسخرتها وأنها لا تواكب اليوم وغداً والعمل على أخراج أصحابها منها خصوصا رعيل الشباب.. والطرق التي سلكه أعداء الحضارة الإسلامية حيث وضحت ذلك بالدلائل والامثلة والاحصاءات. ومنها الجامعات الغربية وعلى رأسها الجامعة الأمريكية المنتشرة في بقاع كثيرة. وتحدث عن الجامعة الأمريكية كنموذج لذلك وتآمرها في نشر العلمانية والعمل على تلميع وجه أمريكا في العالم. كذلك الحرب الناعمة في موارد الثقافة وتأزيمها والتدخل في مسائل العبادة وشعائر الاسلام كالحج.
ولكن لابد هنا من وضع حلول لهذه الحالة والحرب الناعمة بتأسيس مركز يتحمل مسؤولية دراسة أساليب القوة الناعمة والحرب الناعمة التي تعبث بكل مقدراتنا وأن مجمع التقريب بين المذاهب أهل لتحمل هذه المسؤولة في أنشاء وتأسيس هذا المركز والله الموفق لكل خير والنصر للأسلام والموت لاعدائه أينما وجدوا والحمد لله رب العالمين.