الأزمات والتحديات في العالم الإسلامي اليوم وحلول مواجهتها
الأزمات والتحديات
في العالم الإسلامي اليوم وحلول مواجهتها
أيوب· مامينگ ليانگ
سيادة الرئيس ، السادة المحترمون، العلماء الأحباء:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته!
يشرّفني كثيرا وكذلك يسرّني جدا أن أشارك العلماء من أنحاء العالم في مناقشة القضايا التي تهمنا جميعا، أقدّم أوّلا جزيل الشكر لجهة الدعوة من أعماق قلبي.
وبعد:
إن الله جل جلاله قد أنعم على الأمة الأسلامية_بكل أنواع النعم، فإن العالم الإسلامي الذي يتكوّن من سبع وخمسين دولة إسلامية في العالم حاليا هو يملك العدد الكبير من السكّان والمساحة الشاسعة، وهو يتمتع بكل أنواع الموارد بما فيها النفط والغاز بالدرجة الأولى الذين يتعلق بمصير التطور العالمي كشريان اقتصاده، وبالإضافة إلى ذلك يقع العالم الإسلامي في موقع مهم للتجارة والمواصلات الدوليّة متمتّعا بمكانة استراتيجية خطيرة وإمكانية تسويقية كبيرة.
ولكن مع ذلك لا تزال البلاد الإسلامية عموما في ركب الدول المتخلفة اقتصاديا بالعالم فمعظم الدول الإسلامية مُهَمَّشَة فعلا أمام تيّار الإقتصاد العولمي، ومردّ ذلك كله إلى سوء نظام العالم الاقتصادي والسياسي أولا، ثم إلى العوامل الداخلية ثانيا.
يرغب المسلمون في السلام والبركة والعدالة والإنصاف، ولكنّ العالم يعمّه الظلم الذي جاء به الغربيون.
يتطوّر العالم الإسلامي بصفة غير متوازنة، حسب الإحصاء المتقدم ذكره، احتلّ إجمالي الدخل القومي لدول المنطقة العشر الكبرى من المملكة السعودية وتركيا واندونسيا وماليزيا وإيران ونيجريا وباكستان والعراق ومصر والجزائر احتلّ خمسة وسبعين بالمائة من إجمالي دخل العالم الإسلامي، بينما كل الأموال للدول السبع والأربعين الأخرى أقل من أموال مجموعة سيتي بنك بأمريكا، وإجمالي الدخل القومي لها لا يزيد على الشركة العامة للكهرباء والغاز بأمريكا، وإن هذه الدول يغمرها الدين المزمن الذي لا تقدر على سدها فصار حملا ثقيلا عليها في طريق التقدم.
إن الفجوة الكبيرة بين الدولة الغنية والدولة الفقيرة في العالم الإسلامي أصبحت عاملا من عوامل الصراع والتفرّق وإعادة التشكيل بين الدول. فإن معدّل الدخل الفردي لدول مجلس الخليج الست وبروناي قد تقدم على بعض الدول المتقدمة، معدّل الدخل الفردي لدولة قطر مثلا قد زادعن ثلاثين ألف دولار فهي من بين أغنى دول العالم، بينما نجد أن اثنتين وعشرين دولة إسلامية من بين الدول التسع والأربعين التي صنّفتها الأمم المتحدة من الدول الأقل تنمية.
إن ظروف الحياة وبنية التطور للعالم الإسلامي تتهاوي وتتأزم يوميا، فتتقلّص الرقعة الخضراء والمساحة الزراعية بشكل سريع وتزداد مساحة التصحر باستمرار، وينقص مورد الماء، وتتلوّث معظم الأنهار والبحيرات. إن ثلثي الدول الإسلامية ليست قادرة على اعتماد ذاتي في توفير الأغذية، وكذلك يصعب عليها أن تحل المشاكل الاجتماعية من التوظيف، والتربية والتعليم، وعلاج الأمراض، والسكن، والتأمين، وغيرها. وأغلب الدول الإسلامية يواجهها ويحيّرها النزاع الحدودي والقبائلي، والصراع الدائم للموارد والخلاف الديني، والمشاكل الأخرى من الأوبئة والحروب والإرهاب والتطرّف وتدخّل الأجانب في شؤونها وغيرها، إن هذه المشاكل المتعقدة قد ولّدت ملايين لاجئ حتى قد فقد بعض المسلمين الثقة بوطنهم الأمّ وبالعالم الإسلامي فتركوا مواطنهم العزيزة وهاجروا إلى بلاد أخرى عن طريق مشروعة أو غير مشروعة مستوطنين أو عالقين فيها، وخاصة إن الحرب الداخلي في سوريا قد أدّت إلى ظهور عدد كبير من اللاجئين الذين أُضطُرّوا إلى ترك مسقط رؤوسهم متوجهين إلى أوربا أو بلاد أخرى للعيش وللقمة من الطعام. وبعد الحرب الأفغانية والحرب بين الإيران والعراق، وضعت أمريكا العالم الإسلامي على قائمة إعادة التشكيل، وهي تواصل مكافهة الإرهاب عن طريق عسكرية للمحافظة على وجود قواتها في العراق والخليج من جهة ومن جهة أخرى تحاول تسويق الديمقراطية في السياسة، والحرية في الاقتصاد،والعلمانية في المجتمع عن طريق إقامة العلاقات الثنائية، وتقديم المساعدات المالية، وتأسيس مناطق الاقتصاد الحرة، وتوسيع التبادلات الثقافية، وبثّ البرامج الفضائية، ودفع التربية والتعليم، والدعوة إلى تحرير المرأة، وغيرها من البرامج. بالإضافة إلى ذلك تطمع في استئصال جذور الدينية والاجتماعية لتوليد الإرهاب والتيارات التطرفية، فتوجّه سلاحه مباشرة إلى دين الإسلام قاصدة إلى إزالة تأثيرات دين الإسلام في المسلمين، وهي لا تتكلم عن هذا علنا، ولكن هذا ما تنفذه فعلا. فإن حقيقة التعارض بين أمريكا والعالم الإسلامي هي الاعتداء ومقاومة الاعتداء، والظلم ومقاومة الظلم، الاغتصاب ومقاومة الاغتصاب، والاستغلال ومقاومة الإستغلال.
إن الفوضى والتفرّق وإعادة التشكيل هي ظاهرة أساسية للعالم الإ سلامي، فأما الفوضي والاضطراب فتتجسّد في جوانب كثيرة بما فيها الأزمات الاقتصادية، والانقلابات العسكرية، والحروب، والصراعات بين القبائل والفرق الدينية، وانتشار الإرهاب وغيره.
فكبري قضِيّة تمثل بين يدي الأمة الإسلامية هي كيف يواجه العالم الإسلامي كل هذه الأزمات والتحديات، علينا أن نمعن أنظارنا فيها، وأرى شخصيا أن نعمل على حلول تالية:
أولا: على الأمة الإسلامية عامة والعلماء منهم خاصة أن يفهموا ويبيّنوا روح دين الإسلامي من كل جوانبه بكل دقة وصحّة، حتى تكون المبادئ الإسلامية هي المنهج لنهوض الأمة الإسلامية وعمله.
ثانيا: على الأمة الإسلامية والعالم الإسلامي أن يعزّزوا الوحدة والتعاون تحت راية الإسلام متجاوزين عن المصالح المذهبية، والقبلية والحزبية والعائلية حتى يشاركوا في مواجهة التحديات من الداخل والخارج.
ثالثا: على الدول الإسلامية أن يسرعوا خطوات التقدم مستمرة في تقوية قدرات الدولة العامة من الاقتصاد، والعلوم والتكنولوجيا، والقوات العسكرية وإلى غير ذلك، حتى تدافع بالعدل والقوة عن كرامة نفسه وسلام العالم.