الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام) وحرصهم على مصلحة الأمة والوحدة الإسلامية
الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام) وحرصهم على مصلحة الأمة والوحدة الإسلامية
شهاب الدين الحسيني
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدّمة:
المصلحة الإسلامية هي الوضع الأفضل للإسلام لمفاهيه وقيمه، باعتباره دعوة ومبدأ وقاعدة للدولة، والوضع الأفضل للمسلمين بوصفهم أمةً لها مقوماتها الرسالية ومقوماتها المدنية، وعلى هذا الأساس فالمصلحة الإسلامية هي كل ما يساهم في ايجاد الوضع الأفضل للإسلام وللمسلمين ليكون الإسلام هو الحاكم على أفكار وعواطف وممارسات الإنسانية جمعاء والمصلحة الإسلامية هي المحور الذي ينبغي ايجاده في حركة المسلمين وحركة الشعوب التاريخية، وعلى هذا الأساس تكون الوحدة الإسلامية من أهم مقومات الحفاظ على هذه المصلحة وادامتها في الواقع، والوحدة ضرورة عقلية وشرعية قد اثبت التاريخ ضرورتها في تتبعه لسير الحضارات التي نمت وترعرعت وازدهرت بالوحدة، وتدهورت واضمحلت حينما بدأت الفرقة تدب في سيرها.
والوحدة الإسلامية ممكنة التحقيق ما دامت الأمة الإسلامية تجتمع في محاور مشتركة، حيث تجتمع حول عقيدة واحدة، ومصالح واحدة، ومصير واحد، وممارسات واخلاق واحدة، وتواجه عدواً واحداً وحدّ صفوفه وإمكاناته من أجل ايقاف المسيرة الإسلامية وعرقلة حركتها التاريخية للقضاء عليها عقيدة وقيادة ووجوداً، وقد تحققت الوحدة في جانبها العملي الواقعي في الصدر الأول للإسلام، وقد جسد أهل البيت (عليهم السلام) مفاهيم وقيم الوحدة في منهجهم وسيرتهم وترجموها إلى أعمال وممارسات وعلاقات متجسدة في الواقع، فقد جعلوا المصلحة الإسلامية العليا قاعدة الانطلاق في سكناتهم وحركاتهم، وحافظوا على وحدة الدولة والامة متوجّهين نحو الآفاق العليا المشتركة ونحو الهدف الكبير وهو تقرير مفاهيم الإسلام وقيمه في واقع الحياة، وكانوا يوجهون المسلمين عموماً واتباعهم خصوصاً نحو المصلحة الإسلامية الكبرى وفي بحثنا هذا نسلط الأضواء على المواقف والممارسات التي انطلق منها أهل البيت (عليهم السلام) في حركتهم التاريخية، وفي مواقفهم الوحدوية وانطلاقاتهم نحو المصلحة الإسلامية العليا.
ولتكن هذه السيرة نبراساً للمسلمين في توحيد مواقفهم العملية تجاه التعقيدات والتحديات التي تواجههم في زمن تكالبت عليهم جميع القوى الاستكبارية والصهيونية للحيلولة دون عودة الإسلام إلى موقعه الريادي بين الامم، ولنقتدي برواد النهضة والوحدة الإسلامية في القرن الاخير وعلى رأسهم الإمام الخميني والإمام محسن الحكيم والإمام حسن البنا الذين انطلقوا نحو الافاق العليا التي تجمع الجميع بلا فواصل ولا حواجز.
ونقسم البحث إلى فصلين:
الفصل الأول: المصلحة الإسلامية ووحدة المسلمين في منهج الإمام علي (عليه السلام).
الفصل الثاني: المصلحة الإسلامية ووحدة المسلمين في منهج ائمة أهل البيت (عليهم السلام).
الفصل الأول
المصلحة الإسلامية ووحدة المسلمين
في منهج الإمام علي (عليه السلام)
من الحكمة للباحث أن يتجاوز نظراته المسبقة في تحليل وتفسير الأحداث والمواقف، وان لا يحكم على الأمور من منطلقات مذهبية; ولهذا سأتطرق إلى دراسة سيرة الإمام (عليه السلام) من خلال الأحكام والتفسيرات المشتركة والمتفق عليها بين أطياف ومذاهب المسلمين لكي تكون محوراً مشتركاً في الاقتداء والسير على ضوئها.
الاعتراض السلمي على نتائج السقيفة:
اجتمع جمع من الانصار وجمع من المهاجرين في سقيفة بني ساعدة وبعد مناقشات صاخبة تخللتها مواقف متشنجة سارع المهاجرون وهم ثلاثة أو أربعة إلى بيعة أبي بكر ومعهم بعض الأنصار واعلن عن البيعة، وبدأ بعض المهاجرين يدعون اليها ويطالبون المسلمين بتوكيدها، وتخلف عن البيعة قوم من المهاجرين والانصار ومالوا مع علي بن أبي طالب([1]).
واعترض الإمام (عليه السلام) على البيعة ورفض الاستجابة للمطالبين له بالبيعة، وكانت معارضته سلمية حيث بيّن فيها وجهة نظره طبقاً للموازين والمعايير المساعدة لهذا الاعتراض وهي مقبولة عرفاً، وكان من اعتراضه على الخليفة أنّه قال: «انا احق بهذا الأمر منكم لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي; أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبى (صلى الله عليه وآله) وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً، وأنا احتج عليكم بمثل مااحتججتم به على الانصار...»([2]).
وفي هذه الاجواء وجّه انظار المهاجرين إلى خصائص وصفات من هو أهلاً لخلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله) طبقاً للثوابت الشرعية والعقلية، حيث يقول: «والله يا معشر المهاجرين، لنحن أحقّ بهذا الأمر منكم ما كان فينا إلّا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بسنّة رسول الله، المضطلع بأمر الرعية، المدافع عنهم الأمور السيئة، القاسم بينهم بالسوية، والله أنّه لفينا...) ([3]).
وكان اعتراضه حقاً طبيعياً طبقاً للظروف الموضوعية واستناداً للمبرّرات التي تمنحه الحق في الاعتراض والدعوة إلى نفسه، واذا غضضنا النظر عن نقاط الاختلاف في هذه المبررات من حيث التأويل والتفسير، وتمسكنا بالنقاط المشتركة التي لا يختلف فيها الصحابة نجد ان اعتراضه على الشورى أو نتائجها لا يخرج عن المألوف من موازين ومعايير ثابتة لدى الجميع، ومن اهمها غياب الكثير من الصحابة وبني هاشم عن اجتماع السقيفة فلم يشاركوا في الشورى، وقد أشار الإمام (عليه السلام) إلى ذلك([4]).
فان كنت بالشورى ملكت أمورهم فكيف بهذا والمشيرون غيّب
وفي جميع موارد ومواقع الاعتراض كان (عليه السلام) محافظاً على القواعد والأسس الشرعية في أدب الاعتراض والحوار والنقاش، وكان موقفه سلمياً لا يتعدى تبيان حقّه بالخلافة، ومما جاء في ذلك قوله لابي بكر: «كنّا نرى انّ لنا في هذا الأمر حقاً، فاستبددتم به علينا» ثم ذكر قرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحقهم على المسلمين، فلم يزل يتكلم في ذلك حتّى بكى ابو بكر([5]).
وبقي الإمام (عليه السلام) معارضاً للبيعة ولم يبايع إلّا بعد رحيل فاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حيث قدّر المصلحة الإسلامية العليا في جميع مراحل حركته، حينما كان رافضاً للبيعة وحينما بايع، فالمصلحة هي الحاكمة على جميع مواقفه.
اختلف الرواة والمؤرخون في قضية بيعة الإمام (عليه السلام) لأبي بكر، من حيث وقتها وظروفها وأسلوبها، ومن حيث أسبابها ودوافعها إلّا ان القدر المشترك والمتفق عليه هو الحفاظ على وحدة الدولة الإسلامية ووحدة الأمة الإسلامية، وحاجة الدولة الفتية إلى دوره في انجاح الفعاليات والنشاطات وفي انجاح المسيرة الإسلامية، فلو تبنينا رواية تهديده بالقتل ان لم يبايع، فانّ الأمر لا يعدوالحفاظ على المصلحة الإسلامية ووحدة المسلمين; لأنّ قتله سيكون مقدمة لسفك الدماء والاقتتال الداخلي بين أنصاره وبني هاشم من جهة وبين الخليفة وانصاره من جهة أُخرى، وهذا القتال لا ينتهي إلّا بانتهاء الدولة الفتية في اجواء تربص المشركين والمنافقين بها.
واذا تبنينا الروايات الايجابية التي دفعته للبيعة، فهي واقعة في طريق الوحدة الإسلامية وفي اطار المصلحة الإسلامية الكبرى ومن هذه الروايات:
انّ عثمان بن عفّان قال له: يا ابن العم! أنّه لا يخرج أحد إلى قتال هذا العدووأنت لم تبايع، ولم يزل به حتّى مشى إلى أبي بكر، فسرّ المسلمون بذلك وجدّ الناس في القتال ([6]).
وهذه الرواية قد ذكرت في كتب الشيعة، وعلى صحتها تكون البيعة دفعاً لحركة الجهاد نحو الإمام تجاه المتربصين والحاقدين والمرتدين، وهي واقعة ضمن توجهات الإمام في تحقيق المصلحة الإسلامية ومقدماتها في الوحدة والاتحاد.
وهنالك روايات تنص على أنّه صرّح بموقفه الوحدوي وأعلن عن أسباب ودوافع البيعة قائلاً: «انّ الله لما قبض نبيّه استأثرت علينا قريش بالاّمر، ودفعتنا عن حقّ نحن أحقّ به من الناس كافة، فرأيت أنّ الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين، وسفك دمائهم، والناس حديثو عهد بالإسلام، والدين يمخض مخض الوطب، يفسده أدنى وهن، ويعكسه أقل خلف» ([7]).
وكان توحيد الصف أهم من حقّه بالخلافة، وقد راعى المصلحة الإسلامية الكبرى في هذا الموقف.
وقال في موقف آخر: «... فما راعني إلّا انثيال الناس على أبي بكر، وإجفالهم إليه ليبايعوه، فأمسكت يدي، ورأيت أنّي أحقّ بمقام محمّد (صلى الله عليه وآله) في الناس ممّن تولّى الأمر من بعده، فلبثت بذاك ما شاء الله حتّى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام; يدعون إلى محق دين الله وملة محمّد (صلى الله عليه وآله) ، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً وهدماً يكون المصاب بهما عليَّ أعظم من فوات ولاية أموركم... فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته، ونهضت في تلك الأحداث حتّى زاغ الباطل وزهق، وكانت كلمةً الله هي العليا» ([8]).
وفي موقف آخر كان الإمام (عليه السلام) اكثر تصريحاً في تأكيده على الوحدة الإسلامية وعلى المصلحة الإسلامية الكبرى حيث يقول: «وايم الله لو لا مخافة الفرقة بين المسلمين وأن يعود الكفر ويبور الدين، لكنّا على غير ما كنّا لهم عليه» ([9]).
ومن خلال هذا النص نرى انّ الإمام (عليه السلام) قد ترك الكثير من المواقف والخيارات، فلم يتخذ أىّ موقف من شأنه تمزيق المسلمين واضعاف دولتهم الفتية، فاختار البيعة على غيرها حفاظاً على وحدة المسلمين ووحدة الدولة الإسلامية.
موقفه من المحرّضين ضد الخليفة:
في المرحلة التي سبقت البيعة أو تلتها رفض الإمام (عليه السلام) جميع المواقف والممارسات المتشنجة والداعية إلى التباغض والعداء، والمشجعة على التمرد والعصيان، ومنها: موقفه من عتبة بن أبي لهب حينما قال:
ما كنت أحسب أنّ الأمر منصرف عن هاشم ثم منها عن أبي حسن
أليس أولّ من صلّى لقبلتكم وأعلم الناس بالقرآن والسنن
وأقرب الناس عهداً بالنبي ومن جبريل عون له في الغسل والكفن
فبعث إليه الإمام (عليه السلام) وأمره إلّا يعود، وقال له كلمته المشهورة: «سلامة الدين أحبّ الينا من غيره» ([10]).
وسلامة الدين هي المقدّمة على كل شيء، وسلامة الدين هي المصلحة الإسلامية والأوضاع الافضل للمسلمين، وهي فوق جميع الرغبات الضيقة والمصالح الذاتية، بل هي أفضل من الخلافة ومن حق الإمام (عليه السلام) بها، ولذا ترك المطالبة بهذا الحق، ولم يكتف بترك المطالبة بل نهى عن كل قول أو ممارسة تساهم في إحداث خلخلة واضطراب داخل الصف الإسلامي ولذا أمر المحرّض ان لا يعود إلى مثل هذا التحريض.
وحينما قدم ابو سفيان المدينة قال: «إني لأرى عجاجةً لا يطفئها الادم، يا آل عبد مناف فيم ابو بكر من أموركم أين الاذلان علي والعبّاس؟ ما بال هذا الأمر في أقلّ حي من قريش ؟».
ثم قال لعلىّ (عليه السلام): «ابسط يدك ابايعك، فو الله لئن شِئتَ لأملأنّها عليه خيلاً ورجلا».
فأبى عليه وزجره وقال له: «والله أنّك ما أردت بهذا إلّا الفتنة، وانك والله طالما بغيت للإسلام شراً لا حاجة لنا في نصيحتك» ([11]).
رفض الإمام (عليه السلام) هذا الموقف التحريضي المنطلق من نظرة قبلية ومن روح عنصرية وعصبية لا تنسجم مع مفاهيم الإسلام وقيمه، ولا تنسجم مع أهداف الإمام (عليه السلام) في الحفاظ على الكيان والوجود الإسلامي، لأنّ الهدف من الخلافة هو تقرير مبادئ الإسلام في واقع الحياة وجعلها حاكمة على الافكار والعواطف والممارسات، ولا يتحقق هذا الهدف بتصديع الجبهة الداخلية وإشغالها بالمعارك الجانبية، إذ لا قيمة للخلافة أمام تلك الأهداف السامية.
وما قاله ابو سفيان قد يساهم في تنصيب الإمام خليفة على المسلمين وازاحة أبي بكر، وخصوصاً ان الكثير من الأنصار رفضوا البيعة، وكما صرّح بذلك الخليفة الثاني حيث يقول: «إنّ علياً والزبير ومن معهما تخلّفوا عنّا في بيت فاطمة، وتخلفت عنّا الأنصار بأسرها» ([12]).
وفي رواية: انّ الانصار لام بعضهم بعضاً وذكروا علياً وهتفوا باسمه ([13]).
وعلى الرغم من انّ الأمور قد تسير في صالح الإمام (عليه السلام) وانّه سيصل إلى الخلافة إلّا أنّه قدّم المصلحة الإسلامية العليا ووحدة المسلمين على هذا الحق، وهو وسيلة للحفاظ على المنهج الالهي وعلى تماسك الوجود الإسلامي، ولا أهمية للخلافة أمام سلامة الدين.
اخماد الفتنة بين المهاجرين والأنصار:
لم ينعزل الإمام (عليه السلام) عن الأحداث في عهد أبي بكر وفي عهد بقية الخلفاء، فهو وان لم ينصب في منصب اداري أو قضائي أو عسكري إلّا أنّه كان يتفاعل مع الأحداث ليؤدي دوره في الاصلاح والتغيير وفي ترشيد المسيرة وتسديد الأعمال والممارسات، وقد ادّى ما عليه من مسؤولية تجاه الدولة وتجاه الأمة، وكانت المصلحة الإسلامية العليا هي الهم الاكبر في توجهاته ومواقفه، وكان له دور ملموس في وحدة الدولة والأمة وازالة عوامل التوتر والتشنج في علاقات المسلمين وخصوصاً علاقات المهاجرين والأنصار.
ففي أوائل خلافة أبي بكر اعتزل بعض الأنصار عنه ولم يبايعوه أو يساندوه، فغضب بعض المهاجرين من هذا الموقف وتشنجت العلاقات بين المهاجرين والأنصار وتطور الأمر حيث هجا عمروبن العاص الأنصار وحرّض ابو سفيان عليهم، وردّ الفضل بن العباس على بعض القرشيين وأنشد شعراً في هذا الرد ثم توجه إلى عليّ (عليه السلام) فأخبره، فخرج عليّ مغضباً حتّى دخل المسجد، فذكر الأنصار بخير، وردّ على عمروبن العاص قوله، فلما علمت الأنصار بذلك سرّها وقالت: «ما نبالي بقول من قال مع حسن قول علىّ» ([14]).
واستطاع (عليه السلام) اخماد الفتنة التي كادت أن تقع لقرب المهاجرين والأنصار من عصر الجاهلية، ولفقد انهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي كان له تأثير في التوجيه والارشاد اشبه بالتأثير السحري على العقول والقلوب وعلى الارادات المحددة للمواقف وللممارسات العملية، وبفقده (صلى الله عليه وآله) ضعفت قوة التأثير عليهم فعادت بعض رواسب الجاهلية إلى بعضهم لتتحكم في مقوّمات شخصياتهم، ولو لا الإمام علي (عليه السلام) لتطورت الأمور إلى قتال ملموس يتجذر في تأثيراته ونتائجه بمرور الايام ليقضي على الدولة وعلى الكيان الإسلامي في ظروف تربص الأعداء وتكالبهم على هذه الدولة الفتية، فقد استجاب الأنصار لنداء الوحدة فلم يكترثوا لتلك المواقف ما دام أحد رؤوس المهاجرين وهو عليّ معهم مسانداً ومدافعاً، ومعترفاً بحقّ الانصار على المهاجرين، فقد كان لحكمته الدور الأكبر في تجاوز الأزمة وسكون الفتنة.
وعلى الرغم من وجود اختلاف فكري وسياسي بين عليّ (عليه السلام) وقادة الدولة الإسلامية في النظرة إلى الامامة والخلافة وفي النظرة إلى المواقف والاحداث المختلفة إلّا أنّه (عليه السلام) تعامل مع هذا الاختلاف في حدوده الجزئية، فلم يتعامل معه وكأنّه فواصل كليّة تعزله عنهم، بل تحرك بخطاه وممارساته ومواقفه نحو الاهداف المشتركة الكبرى، وكان تعامله ينطلق من المصلحة الإسلامية العيا، في ظروف تكالبت فيها قوى الكفر والشرك للقضاء على هذه الدولة، وكان أعداء الدولة والأمّة الإسلامية لا يفرّقون في عدائهم بين الإمام على (عليه السلام) والخلفاء، وكانوا يتصيدون كلّ حجّة وكلّ فرصة وكل ثغرة لينفذوا منها إلى الطعن في صحّة الرسالة، والى بلبلة الافكار واشاعة الاضطراب في العقول والقلوب وخلق الفتن في صفوف الكيان الإسلامي.
وفي هذه الظروف والأجواء دافع الإمام (عليه السلام) عن الدولة وساندها كما لو كان هو الخليفة الفعلى، فالاهم هو الحفاظ على الكيان والدولة بغض النظر عن شخص الخليفة ورأي الإمام به.
فحينما جاءت وفود أسد وغطفان وهوازن إلى الخليفة أبي بكر وطالبوه باعفائهم من الزكاة رفض هذا الطلب، ولهذا فقد اعدوا العدة للعدوان على المدينة وأخبروا عشائرهم بقلة أهل المدينة وأطمعوهم فيها، فاستعان الخليفة بالامام علي (عليه السلام) وطلب منه أن ينصب كميناً على أطرف المدينة فاستجاب للطلب ونصب كميناً على الأماكن التي يمكن التسلل والعبور منها، وحينما جاء المهاجمون لم يستطيعوا الهجوم وتراجعوا لأنّهم وجدوا أن المدينة محروسة ([15]).
فقد ساند الإمام علي الخليفة ودافع عن الدولة الإسلامية ولم يفكر بانّ هذه المهمة العسكرية لا تليق بشأنه، ولم يتردد في اىّ ممارسة أو موقف يخدم المصلحة الإسلامية العليا.
وردّ الإمام (عليه السلام) هجوم قبيلتي عبس وذبيان وبعض القبائل التي اغتنمت فرصة انتقال الجيش بإطفاء نار الارتداد([16]).
وكان حريصاً على سلامة القياة السياسية والعسكرية المتمثّلة بأبي بكر لأنّ مقتله سيشجّع الطامعين على الاسراع في مخططاتهم الرامية لتقويض الكيان الإسلامي، فحينما أراد ابو بكر الخروج بنفسه لقتال المرتدين منعه الإمام وقال له: «... لا تفجعنا بنفسك» ([17]).
وهذا الموقف يدل على التجرد الكامل من الذات والذوبان الكامل في المصلحة الإسلامية، وهذا درس عظيم لجميع السياسيين في الايثار ونكران الذات ينبغي اشاعة مفاهيمه وقيمه في الممارسات والمواقف السياسية، فالسياسي الذي يرغب في استلام الحكم لا ينصح من ينافسه مثل هذه النصيحة، ولكنّ الإمام (عليه السلام) قد مارسها في سيرته العملية ونصح الخليفة بعدم الذهاب بنفسه للقتال.
إسناد الدولة وحل المسائل المستعصية:
كان الإمام (عليه السلام) مسانداً للدولة وللخليفة وكان لا يبخل بأيّ ممارسة ونشاط يقع في أجواء المصلحة الإسلامية العليا، وكان لا يبخل بمشورة تخدم القضايا المصيرية للدولة والأمة، والأمثلة على ذلك عديدة.
ومن ذلك انّ أبابكر أراد غزو الروم، فاستشار الصحابة فقدّموا وأخّروا، ولم يقطعوا برأي، فاستشار علياً، فشجعه على غزو الروم، فقال: «ان فعلت ظفرت» فقال: « بشّرت بخير» ([18]).
وهذا التشجيع من الإمام الذي له مكانة مرموقة بين المسلمين اضافة إلى خبرته العسكرية دفع الخليفة للانطلاق في هذ الاتجاه، وكان رأيه بشارة وانطلاقاً واسراعاً في الجهاد، وبالفعل كان الفتح حليفاً للمسلمين.
وكان الخليفة يلتجأ إليه في المسائل المستعصية، فلا يبخل الإمام برأيه ومعونته الفكرية والعلمية، سأله اليهود فأجابهم عن مسائلهم، وحينما سألوه عن خصوصيات رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال ابو بكر: «ولكنّ الحديث عنه شديد وهذا علىّ بن أبي طالب» فارسلهم إلى الإمام (عليه السلام) فأجابهم ([19]).
وسأله ملك الروم عن مسائل فأخبر بذلك علياً فأجابه،"وأراد ان يقيم الحدّ على شارب خمر، فقال الرجل: انّي شربتها ولا علم لي بتحريمها، فارسل ابو بكر إلى الإمام يسأله عن هذه المسألة المستعصية، فقال: مرّ نقيبين من رجال المسلمين يطوفان به على المهاجرين والانصار وينشدانهم: هل فيهم أحد تلا عليه آية التحريم؟ ففعل، ثمّ خلّى سبيله ولم يحدّه ([20]).
وفي مقام اسناد الدولة كان الإمام (عليه السلام) لا يتدخل في الأمور الجزئية التي لا ضرر فيها على المصلحة الإسلامية العليا، أو ليست من الأمور الاساسية، فلم يحدثنا التاريخ أنّه اعترض على تعيين بعض الولاة أو بعض قادة الجيش، وخصوصاً الذين لا يراهم أهلاً للمسؤولية، ولم يتدخل في تبديلهم أو عزلهم، ولم يقترح تعيين البعض دون البعض الآخر، ولم يعترض على بعض الأخطاء التي ارتكبت، كالتي حدثت في حروب الردّة أو قتال مانعي الزكاة لانّه وجد أنّ غيره قد اعترض عليها.
وفي مقابل ذلك كان الخليفة ابو بكر يحترم مكانة الإمام علي (عليه السلام) العلمية والفكرية، وكان يشيد به ويعترف بحقّه وفضله، وكان يمدحه في كثير من المواقف ومن أقواله في حقه: «من سرّه أن ينظر إلى أعظم الناس منزلة من رسول الله (صلى الله عليه وآله)وأقربه قرابة، وأفضله دالّةً، وأعظمه غناءً عن نبيّه فلينظر إلى هذا» ([21]).
استخلافه على المدينة في عهد الخليفة الثاني:
أصبَحَ عمر بن الخطاب خليفةً بعهد من أبي بكر، وكما هو مشهور في كتب التاريخ، وفي هذا العهد لم يستشر ابو بكر علياً في الأمر ولا بقية الكبار من الصحابة، ومع ذلك فانّ الإمام (عليه السلام) لم يعترض على هذا العهد وهذا الاستخلاف بل توجه إلى الافاق العليا وانطلق مع الخليفة الجديد لبناء الدولة والأمة، ولم يتخلف عن مختلف الأعمال والنشاطات والممارسات الميدانية التي تحتاج إلى رأيه وجهده، وكان ينفذ ما يطلب منه ما دام منسجماً مع أسس وقواعد الشريعة الإسلامية.
وعلى الرغم من اختلاف وجهات النظر في كثير من القضايا إلّا أنّ ذلك لم يمنع من التعاون والتازر تحت ظلّ الافاق العليا للمنهج الإسلامي والمشتركات الثابتة، واذا تتبعنا سيرة الخليفة الثاني نجده لم يعهد إلى الإمام (عليه السلام) منصباً في ولاية ولا إمرة جيش أو في أي مجال آخر، وكان هذا شأنه مع الكثير من المهاجرين حيث ابقاهم للاستعانة بهم، وكان يستخلف علياً (عليه السلام) على المدينة في حال غيابه عنها، وخصوصاً في الوقائع التي يشترك فيها الخليفة أو المتوقفة على اشتراكه، فقد استخلفه على المدينة في سنة 14 هـ، وفي سنة 15 هـ، وفي سنة 18 هـ ([22]).
وكان الإمام (عليه السلام) لا يمانع من أن يكون خليفة لعمر على المدينة، ولا يرى انّ ذلك يقلل من شأنه أو لا يليق بحاله، فهو يستجيب لكل عمل وموقف يقع في طريق تحقيق المصلحة الإسلامية، ومن جهة ثانية فإنَّ استخلافه على المدينة يعبّر عن ثقة الخليفة به، وشهادة له بالاخلاص للإسلام والدولة الإسلامية، وايماناً منه بتقدير المصلحة الإسلامية العليا، والعمل الدؤوب من أجل تحقيق وحدة الدولة والامة.
الاخلاص في النصيحة والمشورة:
كان الخليفة الثاني يستعين باصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) حينما يريد اتخاذ موقف معين، وكان اختصاصه بالامام علي (عليه السلام) اكثر من غيره لايمانه بانّه مخلص في النصيحة والمشورة وانّه لا يفكر باي مصلحة غير المصلحة العامة، وكان الإمام (عليه السلام) مخلصاً في النصيحة ما دامت مصلحة الإسلام هي العليا، وقد اثبتت الوقائع هذا الاخلاص وهذا التفاني من أجل المصلحة الإسلامية من خلال المجالات التالية:
المجال العسكري:
شاور الخليفة الثاني الإمام علياً (عليه السلام) في الخروج إلى غزو الروم، فنصحه بعدم الخروج بنفسه وقال له: «إنك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك فتلقهم فتنكب لا يكن للمسلمين كهف دون أقصى بلادهم، ليس بعدك مرجع يرجعون إليه، فابعث اليهم رجلاً محربا واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهر الله فذاك ما تحب وان تكن الأُخرى، كنت ردءاً للناس ومثابة للمسلمين» ([23]).
وحينما أراد غزو نهاوند نصحه الإمام (عليه السلام) بالبقاء في المدينة، وقال له: «أما بعد يا أميرالمؤمنين، فانّك ان اشخصت أهل الشام من شأمهم سارت الروم إلى ذراريهم، وان اشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة إلى ذراريهم، وانّك ان شخصت من هذه الأرض انتفضت عليك الأرض من أطرافها واقطارها ... اقرر هؤلاء في امصارهم، واكتب إلى أهل البصرة فليتفرقوا فيها ثلاث فرق... ولتسر فرقة إلى اخوانهم بالكوفة مدداً لهم، انّ الاعاجم إن ينظروا اليك غداً قالوا: هذا أمير العرب وأصل العرب، فكان ذلك أشدّ لكلبهم والبتهم على نفسك» ([24]).
فقد راعى الإمام المصلحة الإسلامية العليا في هذا الرأي، ولم يفكر بالتخلص من الخليفة بتشجيعه على الذهاب بنفسه للمعركة وللقتال كما يفعل الطامعون بالسلطة، فالمصلحة مقدمة على جميع المصالح الخاصة والذاتية والمحدودة.
وفي واقعة أُخرى اشار عليه بالخروج بنفسه، فحينما تخصن المشركون ببيت المقدس أجابوا إلى الصلح بشرط قدوم الخليفة عليهم، فاستشار الإمام بذلك فاشار عليه بالمسير اليهم «ليكون أخفّ وطأة على المسلمين في حصارهم بينهم» ([25]).
وقال له: «إنّ القوم قد سألوك المنزلة التي لهم فيها الذلّ والصغار ونزولهم على حكمك عزّ لك وفتح للمسلمين... حتّى تقدم على أصحابك وجنودك، فإذا قدمت عليهم كان الأمر والعافية والصلح والفتح ان شاء الله» فأخذ عمر بمشورته ([26]).
المجال القضائي:
كان الخليفة الثاني يستعين برأي الإمام ويقدّمه على جميع الصحابة، وكان الإمام (عليه السلام) يسانده ويؤازره في اختيار الحكم أو الموقف الأصوب، وكان يتدخل ابتداءً لتغيير حكم أو تنفيذه، فالمصلحة هي الحاكمة على جميع مواقفه وممارساته، وكان الخليفة يمتدحه بعد نجاح الموقف ويرى أنّه السبب في انقاذه من المواقف الحرجة في القضاء والحكم بين الناس.
استشاره في عقوبة شارب الخمر فأشار عليه أن يجلده ثمانين فأخذ بمشورته وجلد في الخمر ثمانين ([27]).
وارتاعت امرأة من عمر وسقط جنينها فاشار عليه ان يضمن الدية، فقال عمر: صدّقتني ([28]).
وذكر الطبري بعض الروايات في الاستعانة بالإمام في القضاء، وكان يتدخّل أحياناً دون استشارة ليغيّر الحكم، فيمضي الخليفة حكمه وان كان مخالفاً لرأي الخليفة ومن ذلك:
ـ تدخله في منع رجم امرأة حامل.
ـ خلّى سبيل امرأة اضطرها رجل للفاحشة.
ـ أراد عمر رجم امرأة ولدت لستة أشهر فمنعه الإمام فرجع عن قراره.
ـ لم يرجم امرأة محصنة باشرها غلام لم يبلغ اعتماداً على مشورة علي (عليه السلام) أو تدخلاً منه.
ـ قام بتأديب رجل دون علم الخليفة ودون أمره، وكان جوابه للامام أحسنت يا أبا الحسن ([29]).
ولا يجد الخليفة بأساً في توجيه أنظار الناس إلى كفاءة عليّ والى اعلميته، سأله رجل حول حلّية زوجته التي طلقها مرة وهو مشرك ومرّتين وهو مسلم، فقال الخليفة عمر: كما أنت حتّى يجيء عليّ، فاتى عليّ فقال: «هدم الإسلام ما كان قبله» واعتبرها تطليقتين، وقد أخذ برأي عليّ (عليه السلام).
مجال الثروة:
بذل الإمام ما يمكن بذله من إبداء النصح والتوجيه في مسألة تداول الثروة ليكون اسلوب التداول منسجماً مع أساسيات الشريعة الإسلامية ومع المصلحة العامة للدولة وللامة وللاسلام.
وأول بادرة للاستشارة حينما أراد الخليفة معرفة حقّه في بيت المال، قال له الإمام: «ما أصلحك وأصلح عيالك بالمعروف، ليس لك من هذا المال غيره» فقال الصحابة: القول قول ابن أبي طالب ([30]).
وشاور الصحابة في سواد الكوفة، فقالوا له: نقسمها بيننا، فشاور علياً (عليه السلام)فقال: « ان قسمتها اليوم لم يكن لمن يجيء ناشيء بعد، ولكن تقرّها في أيديهم يعملونها، فتكون لنا ولمن بعدنا»، فقال عمر: «وفقك الله هذا الرأي» ([31]).
وكان متردداً في خزائن بيت الله وما فيها من أموال وسلاح، أيتركها أم يوزعها، فقال له الإمام (عليه السلام): «...لست بصاحبه انّما صاحبه منّا شاب من قريش يقسمه في سبيل الله في آخر الزمان» ([32]).
وحينما وضع الدواوين وفرّق بين المسلمين بالعطاء على أساس السبق في الايمان والهجرة لم يعترض الإمام (عليه السلام) على طريقة التوزيع، وان كان قد ساوى في العطاء في وقت خلافته كما يذكر جميع المؤرّخين، فقد يكون مراعياً للظروف الموضوعية في ذلك، أو عدم رغبته في مخالفة الخليفة أو الصحابة، أو انّ اسلوب التداول والعطاء من صلاحيات الخليفة في حدود المصلحة العامة، ولا محذور شرعي فيه، وعلى العموم فانّ الإمام لم يعترض على طريقة التوزيع، ولم يخالف رأي الخليفة في حينه، ولم تذكر المصادر ذلك.
ترشيد سيرة الدولة والاخلاص في المشورة:
كان الخليفة الثاني يستعين برأي الإمام (عليه السلام) في جميع جوانب الحياة وفي جميع المرافق التي تحتاج إلى مشورة والى تسديد وتوجيه، وكان الإمام (عليه السلام)يبدي توجيهاته ونصائحه لترشيد سيرة الدولة بما ينسجم مع المصلحة الإسلامية العليا.
في مسألة كتابة التاريخ كان رأي بعض الصحابة ان يكتب من تاريخ وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان رأي عمران يكتبه من تاريخ المبعث، وكان رأي الإمام (عليه السلام)أن يكتب من يوم الهجرة إلى المدينة، واستقرّ الأمر على رأي الإمام، كما هو مشهور في التاريخ ([33]).
وأراد الخليفة بيع أهل السواد فقال الإمام (عليه السلام): «دعهم شوكة للمسلمين» فتركهم على أنّهم عبيد ([34]).
وبلغه أنّ أحد عمّاله باع ما يحرم بيعه وجعل الثمن في بيت المال فاستشار الإمام (عليه السلام) فقال: «امّا ان تعزله وإمّا ان تكتب إليه أن لا يعود» ([35]).
وهنالك وقائع عديدة عمل بما الإمام (عليه السلام) لترشيد سيرة الدولة والاخلاص في النصيحة والمشورة، لا يسع البحث ذكرها.
التعاون الميداني:
لم يتخلف أنصار الإمام علي (عليه السلام) عن جميع النشاطات والفعاليات الميدانية، فقد تعاونوا مع الدولة وان لم يكن علىّ (عليه السلام) على رأسها وشاركوا في الغزوات والفتوحات التي قادها الخليفة أو من نصّبه قائداً عسكرياً تبعاً لإمامهم الذي رباهم على تحكيم المصلحة الإسلامية العليا على جميع المصالح، وتقديم الوحدة الإسلامية على جميع الانتماءات والولاءات، فاشترك ابناء عمّه العباس فيها، واشترك ابناء اخيه جعفر فيها، وقد استشهد محمّد بن جعفر في تستر، واشترك عمّار بن ياسر وسلمان الفارسي وحذيفة بن اليمان وجابر بن عبدالله في اغلب الغزوات والفتوحات ([36]).
وقد اطاعوا الخليفة وامراءه وقادة جيشه كما لو كان الإمام هو الخليفة الفعليّ، وقد اخلصوا لهذه الدولة متعالين على جميع الفواصل الجزئية مادام المنهج الإسلامي هو المحور المشترك للجميع، وما دامت المصلحة الإسلامية ووحدة الدولة والامة هي النتيجة النهائية لهذا التفاوت الميداني.
واستعان الخليفة الثاني بانصار الإمام (عليه السلام) في اعماله، ايماناً منه باخلاص إمامهم واخلاصهم وسعيهم للوحدة والاتحاد، فعيّن سلمان والياً على المدائن، وعمّار على الكوفة، واسند بعض المناصب الحساسة لانصاره الآخرين; فكان بعضهم حلقة الوصل بين الخليفة وقادة الجند ([37]).
وقد اخلصوا في أعمالهم كما اخلص الإمام في مشورته متوجهين نحو الافاق العليا والمصالح المشتركة.
وقد عبر الخليفة عن مواقف الإمام وسعيه الميداني للحفاظ على الوحدة وعلى تحقيق المصلحة العليا، ومن ذلك اقواله المتواترة بحقه ومنها «لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن» و«أعوذ بالله أن أعيش في يوم لست فيه يا أبا الحسن» و«لو لا علي لهلك عمر» ([38]).
مراعاة الوحدة في الموقف من الشورى:
حينما طعن الخليفة الثاني جعل أمر الخلافة بيد ستّة من الصحابة يختارون أحدهم خليفة للمسلمين، وكان الإمام يتوقع النتائج طبقاً للظروف وللشروط الموضوعة، ومع علمه بالنتائج إلّا انه قبل الاجتماع واشترك فيه حفاظاً على وحدة المسلمين ومراعاة لها وللمصلحة الإسلامية العليا، وقد صرّح برفضه للخلاف حينما قال له عمّه العباس : لا تدخل معهم، فكان جوابه «انّي اكره الخلاف» ([39]).
وحينما تمخضت النتائج بترشيح عثمان بن عفان خليفة من قبل عبدالرحمن بن عوف اكتفى الإمام (عليه السلام) بالقول: «ليس هذا أوّل يوم تظاهر تم فيه علينا»، «فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون» ([40]).
فقد عبّر عن رأيه بلا موقف سلبي، وقال لعبد الله بن عباس: «إنّي رأيت الجميع راضين به فلم أحبّ مخالفة المسلمين حتّى لا تكون فتنة بين الأمة ([41]).
ووضع ميزاناً ثابتاً في التعامل مع الخلافة والخليفة فقدم مصلحة الإسلام العليا على غيرها، وقدّم الوحدة الإسلامية على جميع المغانم والمكاسب الآنية والذاتية فخاطب أهل الشورى قائلاً: «لقد علمتم أنّي أحقّ بها من غيري، ووالله لأسلمنَّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلّا عليّ خاصة، التماساً لأجر ذلك وفضله، وزهداً فيها تنافستموه من زخرفه وزبرجه» ([42]).
وكان يقول: «فنظرت في أمري، فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي، وإذا ميثاقي قد أخذ لغيري، فبايعت عثمان فأديت له حقه» ([43]).
التعاون الميداني:
وقف الإمام بجانب الخليفة الجديد وتعاون معه لتحقيق الهدف الاكبر وهو تقرير مبادئ الإسلام في واقع الحياة، وممّا نسب إليه في هذا الأمر قوله: «لو سيّرني عثمان عنه إلى صرار لسمعته وأطعت الأمر» ([44]). ومرار موقع على بعد عّدة أميال من المدينة.
واشترك أنصار الإمام في الغزوات والفتوحات، فقد اشترك ابو ايوب الانصاري وابو ذر الغفاري في بعض الغزوات، واشترك عبدالله بن عباس في فتح افريقية، وقد وردت عدة روايات تنص على اشتراك الحسن والحسين وعبدالله بن عباس وغيرهم في غزو طبرستان بامرة سعيد بن العاص ([45]).
وهذه المشاركة تدلّ دلالة واضحة على تأييد واسناد الإمام للغزوات والفتوحات; لأنّها بالنتيجة تقع في طريق المصلحة الإسلامية العليا متمثلة بالدعوة إلى الإسلام وإلى توسيع رقعة الدولة الإسلامية وفرض سلطانها على أرجاء الأرض.
وإيماناً من الخليفة الثالث باخلاص الإمام علي (عليه السلام) للإسلام وجهاده من أجل المصلحة العليا ووحدة المسلمين كان يستعين برأيه لترشيد وتسديد المسيرة، وكان الإمام يتدخل أحياناً لتغيير بعض قرارات الحكم وان لم يستشار بها.
فقد تدخل لمنع اجراء الحدّ على امرأة بعد ثبوت براءتها بالادلة الحية ([46]).
وقد وردت روايات عديدة تنص على أنّ عثمان إذا جاءه الخصمان قال لأحدهما: اذهب ادع علياً ([47]).
واتفق رأيهما في جمع المصاحف على قراءة واحدة ([48]).
وكان يستشيره في اختيار الموقف المناسب من المعارضين لسياسته، فيشير عليه باصلاح الأوضاع وتغيير بعض الولاة ([49]).
وكان الخليفة يترك له حرية الرأي وحرية اتخاذ الموقف وان كان مخالفاً لرأيه ([50]).
مراعاة المصلحة الإسلامية والوحدة في أجواء الفتنة:
راعى الإمام (عليه السلام) المصلحة الإسلامية العليا والوحدة الإسلامية في موقفه من الفتنة بين الخليفة والمعارضين، فقد خلق هذا الخلاف جواً من الاضطراب والتخلخل في تماسك ووحدة الكيان الإسلامي، وفي ظل هذه الاجواء المضطرية لم ينعزل الإمام عن الاحداث وعن الميدان، وانّما قام بواجبه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حفاظاً على تماسك الكيان الإسلامي وعلى سلامة تطبيق المنهج الإسلامي من قبل الخليفة والولاة والامة، وكان يحاول تهدئة الأوضاع والعلاقات المتشنجة لكي لا تحدث الفتنة وتتوسع ولكي لا يتمزق الكيان الإسلامي.
وقد حذّر الإمام الخليفة من بعض الولاة الذين سببوا إثارة المعارضين لانهم يدّعون أنّ مواقفهم واعمالهم كانت بأمر من الخليفة ([51]).
وكان ينصح الخليفة للحيلولة دون تفاقم الاوضاع وكان يرشده إلى اتخاذ الموقف الأصوب ويقول له: «أمّا الفرقة فمعاذ الله أن أفتح لها باباً واسهّل اليها سبيلاً، ولكنّي أنهاك عمّا ينهاك الله ورسوله عنه، وأهديك إلى رشدك، ألا تنهي سفهاء بنى أميّة عن أعراض المسلمين وأبشارهم وأموالهم، والله لو ظلم عامل من عمّالك حيث تغرب الشمس لكان إثمه مشتركاً بينه وبينك» ([52]).
وكان يحذره من مروان بن الحكم ومن الأخذ برأيه لكي لا تتأزم الاوضاع اكثر فأكثر([53]).
وكان الوسيط بين الخليفة والمعارضين، وكان الخليفة يدعوه أحياناً للتدخّل من أجل تهدئة الأوضاع، قال له في أحد المواقف: «... أرددهم عنّي فانّي أعطيهم ما يريدون من الحقّ من نفسي ومن غيري».
فقال له الإمام (عليه السلام): «انّ الناس إلى عدلك أحوج منهم إلى قتلك وانّهم لا يرضون إلّا بالرضا، وقد كنت أعطيتهم من قبل عهداً فلم تف به، فلا تغرر في هذه المرة، فانّي معطيهم عنك الحق».
قال: اعطهم فوالله لأفينّ لهم.
فخرج الإمام (عليه السلام) إلى المعارضين فقال: «إنّكم انّما تطلبون الحقّ وقد اعطيتموه وإنّه منصفكم من نفسه».
وكتب الخليفة كتاباً للمعارضين على ردّ كلّ مظلمة، وعزل كلّ عامل كرهوه، فكفّوا عنه([54]).
وتازمت الاوضاع ثانية حينما خطب مروان في المعارضين وقبّحهم دون علم الخليفة، فتدخل الإمام مرّة ثانية فأرجع المعارضين ثم حذره من مروان ([55]).
مراعاة المصلحة والوحدة في أجواء الحصار:
فشلت جميع محاولات الإمام للمصالحة بين عثمان والمعارضين، لأنهم أصرّوا على تسليم مروان وأصرّ هو على عدم تسليمه، وبدأ الحصار ليستمر أربعين يوماً، وفي فترة الحصار حاول الإمام تهدئة الأوضاع إلّا أنّ الظروف لم تساعده ومع ذلك استمر على نهجه في اخماد الفتنة والحفاظ على وحدة الدولة والأمة.
وقد وردت الاخبار انّ الخليفة اشتكى من موقف طلحة، فتوجه الإمام إليه، ونصحه بعدم المساهمة في تأزيم الاوضاع، إلّا انه لم يستجب للإمام.
فانصرف الإمام حتّى أتى بيت المال، فقال: افتحوه، فلم يجدوا المفاتيح، فكسر الباب ووزع أمواله على المجتمعين فتفرقوا عن طلحة حتّى بقي وحده.
وحينما سمع الخليفة بهذا الموقف سرّه ذلك ([56]).
وحينما اشتدّ الحصار نصح الإمام المعارضين بعدم قطع الماء عنه، فلم يستجيبوا له، فبعث إليه ثلاث قرب مملوءة بالماء ([57]).
وبعث إليه الخليفة فأتاه، فتعلق المعارضون به ومنعوه، فحلّ عمامة سوداء على رأسه ورماها داخل بيته ليعلمه وقال: «اللهم لا أرضى قتله... والله لا أرضى قتله» ([58]).
وحينما أصبح الحصار اشدّ وطأة خرج الإمام ومعه الحسن والحسين (عليه السلام)فحملوا على المعارضين وفرّقوهم ثم دخلوا على الخليفة فأعفاهم من الدفاع عنه فخرج الإمام وهو يقول: «اللهم انّك تعلم أنّا قد بذلنا المجهود» ([59]).
وفي رواية أرسل الإمام (عليه السلام) أولاده في الدفاع عنه فمنعوا المعارضين من الدخول إلى منزله، وقد أصابت الحسن (عليه السلام) عدّة جراحات في الدفاع عنه([60]).
الحفاظ على وحدة الخلافة:
في فترة الحصار توجه عدد كبير من المسلمين إلى الإمام (عليه السلام) ليصلّي بهم جماعة لعدم قدرة الخليفة على اقامتها، ولكنّ الإمام علي (عليه السلام) رفض هذا الطلب وأجابهم: «لا اصلي بكم والإمام محصور ولكن اصلّي وحدي» ([61]).
فقد رفض الإمام أن يصلي بالمسلمين وان وجد المبرّر لذلك، من اجل المحافظة على وحدة الصف الإسلامي ووحدة الخلافة، وليحافظ على حرمة وقدسية الخلافة، وللحيلولة دون حدوث تصدّع في الجبهة الداخلية ودون حدوث خلل واضطراب في العلاقات بين الصحابة وبين المسلمين عموماً، فقد كان منقاداً للمصلحة الإسلامية العليا، ولوحدة الكيان الإسلامي.
وبقي الإمام (عليه السلام) على موقفه في تهدئة الأوضاع واصلاحها إلّا انّ الظروف لم تسمح له بذلك وتأزمت اكثر فاكثر وادت إلى مقتل الخليفة والى حدوث الفتنة الكبرى.
مراعاة المصلحة والوحدة الإسلامية في حرب الجمل:
جميع مواقف وقرارات الإمام (عليه السلام) لا تخرج عن مراعاة المصلحة الإسلامية العليا، ووحدة الدولة والامامة، فهي الحاكمة على كل شيء، فقد راعاهما معاً في سلمه وحربه وكان حريصاً على عدم اراقة دماء المسلمين إلّا انّ المصلحة اقتضت ذلك.
والإمام (عليه السلام) لم يقاتل معارضيه لمجرد رفض البيعة لأنّها أمر اختياري وانّما قاتلهم حينما بدأوا يخططون لتمزيق الأمة والدولة بتحويل هذا المخطط إلى واقع عملي، فحينما نكث طلحة والزبير البيعة وارادوا تفريق المسلمين تهيأ الإمام (عليه السلام)لاعادتهم إلى الطاعة وللحيلولة دون تمزق الدولة والامامة، وممّا قاله في ذلك: «انهضوا إلى هؤلاء القوم الذين يريدون تفريق جماعتكم، لعلّ الله يصلح بكم ما أفسد أهل الآفاق... الا وانّ صلحة والزبير وأم المؤمنين قد تمالأوا على سخط امارتي، وسأصبر ما لم أخف على جماعتكم» ([62]).
وقد حاول مرات عديدة للحيولة دون وقوع الحرب إلّا انّ الاوضاع لم تساعد على ذلك، فقد حاور الزبير وذكّره بحديث لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فانصرف الزبير وانسحب من المعركة ([63]).
ولم يدخل في حرب معهم إلّا بعد قيامهم بممارسات مخالفة لوحدة المسلمين حيث قتلوا سبعين رجلاً من اتباع عثمان بن حنيف والي البصرة من قبل الإمام (عليه السلام)، واستمروا على التمرد، ولم يستجيبوا لنداءات الصلح فقد بعث الإمام لهم شاباً ومعه مصحف يدعوهم للتحاكم إليه إلّا انهم قتلوه، فقال الإمام: «الآن حلّ قتالهم» ([64]).
ولم يستمر في ملاحقتهم بعد هزيمتهم وحقن دمائهم، لانّ هدفه الاساسي هو الحفاظ على وحدة المسلمين ووحدة الدولة الإسلامية وقد قاتلهم بعد ان وجد الطريق مغلقاً فليس امامه إلّا القتال وهو الوسيلة الوحيدة لا خماد التمرد الذي يهدد وحدة الدولة الإسلامية.
مراعاة المصلحة والوحدة الإسلامية في حرب صفين والنهروان:
وجه الإمام (عليه السلام) جرير بن عبدالله البجلي إلى معاوية يدعوه إلى الطاعة ويدعوه إلى حقن الدماء، ثم وجّه جماعة اخرين إلّا انّ معاوية لم يستجب لذلك وقال لهم: «انصرفوا من عندي فليس بيني وبينكم إلّا السيف» ([65]).
وكتب إلى معاوية: «إنّما انت رجل من بني أمية، وبنو عثمان أولى بمطالبة دمه، فان زعمت انّك أقوى على ذلك، فادخل فيما دخل فيه المسلمون، ثم حاكم القوم اليّ ([66]).
فقد اراد الإمام (عليه السلام) معالجة الموقف معالجة هادئة سلمية إلّا انّ معاوية أبى إلّا التمرد على الخليفة وعلى الدولة الإسلامية، وقد شق وحدة المسلمين بتمرده هذا، فقاتله الإمام دفاعاً عن وحدة المسلمين وحفاظاً على المصلحة الإسلامية العليا، وحينما وجد انّ الإمام انتصر عليه التجأ إلى رفع المصاحف والتحاكم اليها وقد انطلت هذه اللعبة على عدد كبير من جيش الإمام (عليه السلام) فأجبروه على التحكيم فتحاكم مع معاوية.
وبعد التحكيم رفض جماعته التحكيم نفسه ثم تمردوا على الإمام وعلى دولته وبدأوا يقطعون الطريق ويقتلون كل من وجدوه مؤيداً للامام (عليه السلام)، وقد بعث الإمام اليهم من يكلمهم ليعودوا إلى الصف الإسلامي فعاد اكثر من نصفهم وبقي الآخرون على تمردهم فبعث اليهم الحارث العيدي يدعوهم للرجوع فقتلوه، ثم أجابوا الإمام: «نحن مستحلون دماءهم ودماءكم» ([67]).
وكانت توصيات الإمام (عليه السلام) لجماعته: «كفّوا عنهم حتّى يبدؤوكم» ([68])، فكان حريصاً على عدم اراقة الدماء إلّا انهم أبوا إلّا الاستمرار في التمرد وتمزيق أواصر الوحدة فقاتلهم الإمام (عليه السلام) من أجل وحدة الدولة والامة.
ومن توصياته عدم مقاتلة الخوارج لمجرد انهم ينتمون إلى هذه الفئة لانّ ملاك القتال هو التمرد على السلطة المركزية العادلة وخلخلة الاوضاع الداخلية المؤدية التى تمزيق الصف الإسلامي، وليس الملاك مجرد الانتماء أو تبيان وجهة النظر المخالفة، وقد تواترت الروايات أنّه (عليه السلام) لم يمنع الخوارج من الاجتماعات داخل المسجد ولم يمنعهم من العطاء ما داموا غير متمردين عسكرياً، وكانت آخر وصاياه: «لا تقاتلوا الخوارج بعدي، فليس من طلب الحقّ فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه»([69]).
الفصل الثاني
المصلحة الإسلامية ووحدة المسلمين
في منهج ائمة أهل البيت(عليهم السلام)
موقف الإمام الحسن (عليه السلام) من معاوية:
من نقاط الاشتراك بين السنة والشيعة وبقية المذاهب انّ الحسن (عليه السلام) اختير خليفة من قبل خيار الصحابة والتابعين، وبهذا الاختيار وجبت طاعته من قبل جميع المسلمين وفي جميع الامصار، وكل من رفض طاعته يعتبر عاصياً شاقاً لوحدة المسلمين، ويجب على المسلمين اعادته للطاعة، وقد تمرد معاوية على خلافة الإمام فجهز الإمام جيشاً لاعادته للطاعة وللحفاظ على وحدة الدولة لكي لا تتمزق إلى دولتين: الاولى في العراق والثانية في الشام، ولكنّ الظروف لم تساعد على اخماد التمرد وقد تبدلت لتكون في صالح معاوية أو على الأقل استمرار القتال دون حسم لصالح القضية الإسلامية الكبرى، وقد وجد الإمام الحسن (عليه السلام)في ايقاف القتال والقبول بالصلح مصلحة عليا للإسلام وللمسلمين ووحدة الدولة والامة الإسلامية فآثر الصلح لانّه المنسجم مع المصلحة العليا والوحدة الإسلامية.
وأهم مصاديق المصلحة العليا:
أولاً: وحدة الدولة والامة
قال الإمام الحسن (عليه السلام): «الا وانّ ما تكرهون في الجماعة خير لكم ممّا تحبون في الفرقة».
فالقتال وحسب الظروف لم يكن في صالح الدولة التي يقودها الإمام لانّ استمراره سيؤدي إلى اراقة الدماء دون حسم أو تراق ولكنّ المستفيد هو القوة المتمردة التي ستستولي على الدولة دون قيود وشروط، أو يؤدي القتال إلى ضعف القوتين وبالتالي تحرك الدول الكافرة لحسم الموقف لصالحها، أو قيام دولتين ضعيفتين، وفي جميع الأحوال فانّ الأمر يؤدي إلى ضعف الدولة والوجود الإسلامي وكلاهما خسارة فادحة.
ثانياً: حقن الدماء
قال الإمام (عليه السلام): « وقد رأيت انّ حقن الدماء خير من سفكها، ولم أرد بذلك إلّا اصلاحكم وبقاءكم» ([70]).
وقال أيضاً: « انّ معاوية نازعني حقاً هو لي فتركته لصلاح الأمة وحقن دمائها... ورأيت انّ حقن الدماء خير من سفكها، واردت صلاحكم وان يكون ما صنعت حجة على من كان يتمنى هذا الأمر» ([71]).
وقد كانت شروط الصلح مصداقاً من مصاديق المصلحة الإسلامية العليا حيث جاء فيها «انّ الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم وتهامهم وحجازهم، وعلى انّ اصحاب علي وشيعته امنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم» ([72]).
والصلح مقدمة للحفاظ على الصفوة الخيرة من المصلحين والمغيرين وعلى الحفاظ على حياة الداعين إلى الدين والرسالة، وهذا هو الظاهر من كلام الإمام (عليه السلام) حيث يقول: « انّي خشيت أن يجتث المسلمون عن وجه الأرض، فأردت ان يكون للدين ناعي» ([73]).
وقال لحجر بن عدي: «ليس كل الناس يحبّ ما تحبّ ولا رأيه كرأيك وما فعلت إلّا ابقاءً عليك» ([74]).
ومن يتابع الأحداث يجد انّ اوضاع المسلمين الداخلية قد هدأت وانّ المسلمين قد كانوا أحراراً اكثر من عشر سنين وقد كان معاوية يستجيب لمطالب الإمام الحسن (عليه السلام) في الاعفاء عن هذا الشخص أو ذاك، وهو الظاهر من الوقائع التاريخية([75]).
ولم يقدم نظام معاوية على قتل أحد إلّا بعد رحيل الإمام الحسن إلى الملأ الأعلى، امّا في حياته فلم يتجرأ على قتل أو سجن أحد من المعارضين وخصوصاً من الشيعة انصار الإمام.
ورفض الإمام الاستجابة لطلب معاوية في قتال الخوارج موضحاً سياسته في التعامل مع الوجودات الإسلامية المخالفة له، ومبيّناً المصلحة وراء صلحه، ومما قاله: «لو آثرت أن أقاتل أحداً من أهل القبلة لبدأت بقتالك، فانّي تركتك لصلاح الأمة وحقن دمائها» ([76]).
وفي رواية أُخرى: «والله لقد كففت عنك لحقن دماء المسلمين»، وما أحسب ذلك يسعني، فكيف أن اقاتل قوماً أنت أولى بالقتال منهم» ([77]).
وفي جميع الأحوال والظروف فانّ الصلح قد تم على شروط وضعت على أساس خدمة الإسلام وأهدافه العليا الآنية والبعيدة، وخصوصاً اذا تحولت إلى واقع ملموس وطبقت من قبل النظام الحاكم وتم الوفاء بها.
موقف الإمام الحسين (عليه السلام) من معاوية:
تابع الإمام الحسين (عليه السلام) أخاه الإمام الحسن (عليه السلام) في صلحه مع معاوية وطبقاً للشروط الموضوعة وقد هدأت الاوضاع الداخلية، وبقي الإمام الحسين (عليه السلام) على عهده لم يعارض معاوية إلّا معارضة سلمية، ورفض جميع المطالب التي تدعوه إلى الخروج العسكري على حكومة معاوية، وكتب إلى من دعاه للثورة: «اني لأرجو ان يكون رأي اخي رحمه الله في الموادعة ورأيي في جهاد الظلمة رشداً وسداداً، فالصقوا بالأرض واخفوا الشخص واكتموا الهوى واحترسوا من الأظاء ما دام ابن هند حياً، فان يحدث به حدث وأنا حي يأتكم رأيي ان شاء الله» ([78]).
وكتب إلى معاوية كتاباً جاء فيه: «وما اردت لك محاربة، ولا عليك خلافاً».
وفي رواية أُخرى: «أما بعد فقد جاءني كتابك تذكر فيه أنه انتهت اليك عنّي امور، لم تكن تظنني بها، رغبة بي عنها، وانّ الحسنات لا يهدي لها، ولا يسدّد اليها إلّا الله تعالى، وأما ما ذكرت أنّه رقى إليك عنّي، فإنّما رقاه الملاقون المشاءون بالنميمة، المفرقون بين الجمع، وكذب الغاوون المارقون، ما أردت حرياً ولا خلافاً...» ([79]).
لم يتخذ الإمام أيّ موقف مسلح لأنّه يخالف المصلحة الإسلامية العليا لانّ الموقف المسلح سيؤدي إلى قتله أو تأسيره وستفقد الأمة علماً من أعلام الدين بحاجة إليه في تلك الظروف الحساسة، وسيسيطر معاوية على الحكم بدون مراقب ومعارض يوقف الانحرافات أو يصلح الأمور نحو الوضع الأفضل، فبقتله يخسر المسلمون القدوة الصالحة ولهذا فليس من الصالح خروجه بالسيف ولا مصلحة في ذلك، ولهذا رفض الخروج المسلح وان وجد قاعدة مستعدة له، ورفض الثورة للمصلحة لا يعني السكوت أمام الانحراف، فقد استمر الإمام بمعارضته للنظام معارضة حقيقية ضاغطة أوقفت كثيراً من الممارسات السلبية والانحرافات الواضحة المعالم سواء كانت صادرة من رأس النظام أو من أجهزته التنفيذية، وقد عاش الإمام هدنة حقيقية أراح فيها الأمة من الحرب الداخلية التي لا تحقق نصراً على المدى القريب أو البعيد، واوقف اراقة الدماء التي لا مصلحة في اراقتها في تلك المرحلة الزمنية التي حكمها معاوية.
نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) والمصلحة الإسلامية:
من ثوابت الشريعة والمنهج السياسى الإسلامي ان يكون الإمام أو الخليفة أو الحاكم الإسلامي فقيهاً عادلاً كفوءاً في تدبير الأمور ([80])، وهذا الأمر محل اتفاق علماء الشيعة والسنة، وبالذات العدالة فانّها شرط أساسى وخصوصاً اذا كانت الأمة قادرة على الاعتراض وابداء الرأي، وعلى هذا الأساس فانّ تولّي الفاسق وتسلطه على رقاب المسلمين خلاف للمصلحة الإسلامية، لانّه لا يسعى لتقرير المفاهيم والقيم الصالحة في الواقع ولا يكون المتولي حريصاً على مصلحة الإسلام العليا، ومن هنا ينبغي عدم الركون لمثل هذا الحاكم وتبديله بغيره، والتبديل محل اتفاق جميع المسلمين ولكنّهم اختلفوا في اساليب التبديل والعزل من حيث تأثيراتها على الاوضاع العامة وخصوصاً في مسألة اراقة الدماء.
والإمام الحسين (عليه السلام) حينما قاد نهضته المباركة أراد تغيير المفاهيم والقيم الجاهلية التي سادت في عصره، وتغيير الحاكم الذي تولّى الحكم عن طريق الارهاب، وأعلن عن انحرافه عن الإسلام عقيدة وعن الإسلام سلوكاً، وقد أعلن عن كفره صراحة حينما تمثل ببعض الابيات ونفى فيها الوحي والتنزيل كما ورد في جملة من المصادر ([81]).
وقد صرّح الإمام بانّه نهض من أجل اصلاح الاوضاع والسير على نهج جدّه وأبيه، وانّ نهضته فتح: «أمّا بعد فانّه من لحق بي منكم استشهد ومن تخلف لم يبلغ مبلغ الفتح»([82]).
وكان لدم الإمام الدور الاكبر في ايقاف انحراف الحاكم أو تحجيمه، حيث لم يستطع الاستمرار في تآمره على المنهج الإسلامي، وقد يصح القول انّ الحاكم لم يمنح الإمام اي فرصة لاتخاذ موقف آخر، فقد خيره بين البيعة وبين القتل.
ومع هذا الموقف إلّا انّ المتتبع لحركة التاريخ يجد انّ اعداداً كبيرة من الموالين إلى الإمام الحسين (عليه السلام) كانوا في مقدمة الجيش دفاعاً عن الدولة وعن ثغور المسلمين.
من سيرة الإمام علي بن الحسين (عليه السلام):
على الرغم من اشتراك الجيش الاموي في قتل أبيه إلّا انّ هذه الواقعة لم تمنع الإمام من الانطلاق في آفاق المصلحة الإسلامية العليا فقد عرف عنه أنّه كان يدعو للجيش المرابط بالثغور بالنصر والظفر، لانّ انتصاره سيكون انتصاراً للإسلام لا لشخص الحاكم وسيكون انتصاراً للمفاهيم والقيم الإسلامية بتقريرها في واقع الشعوب المنضوية تحت لوائه.
وقد اشتهر عنه أنّه انقذ عبد الملك بن مروان من تهديدات ملك الروم الذي استغل حاجة المسلمين إلى النقد لاذلالهم، فاقترح عليه خطة جديدة للنقد انقذت المسلمين من التبعية الاقتصادية ([83]).
ومن مصاديق الانطلاق في آفاق المصلحة والوحدة الإسلامية انّ الإمام لم يفكر باللجوء إلى دولة كافرة هروباً أو خلاصاً من ظلم واضطهاد الامويين.
وفي علاقاته داخل المدينة كان لا ينقطع عن الاعمال والمشاريع العامة كصلاة الجماعة وصلاة الجمعة وصلاة العيدين ([84])، فهو يتحرك في إطار المشتركات بينه وبين الآخرين ويسعى لتوحيد الصفوف ولو ظاهراً من خلال المشاريع أو العبادات التي تؤدى جماعة.
من سيرة الإمام محمّد الباقر (عليه السلام):
كان الإمام يوجه اتباعه وانصاره إلى اقامة العلاقات مع المخالفين من اتباع السلطان أو من اتباع المذاهب الأُخرى ومسايرتهم في نقاط الاختلاف لكي تكون المظاهر واحدة لا توحي بالتمزق والتشتت، وكما يقول: «خالطوهم بالبرانية» ([85]).
وكان يدخل في حوار هادىء مع الفقهاء من مختلف المذاهب والاتجاهات للوصول إلى نقاط الاشتراك والتوجه منها إلى العمل المشترك من أجل المصلحة الإسلامية العليا، وكانت له علاقات وثيقة معهم كعبدالله بن الأزرق وقتادة بن دعامة البصري وعبدالله بن معمر الليثي ([86]).
ومن اجل الحفاظ على سلامة العقيدة وسلامة العلاقات الاجتماعية والمذهبية ومن أجل غلق الثغرات أمام المتربصين كان يحارب الغلاة الذين لا يحتمل هدايتهم ومنهم المغيرة بن سعيد العجلى([87]).
وحينما شددت السلطات الاموية على حركة الإمام بملاحقة ومتابعة زائريه والداخلين عليه، كان ينيه بعضهم من الدخول عليه حفاظاً عليهم وان كانوا يخالفونه في الرأي والفتوى ومنهم الإمام «أبو حنيفة» وهو الذي يقول: « اتيته فسلمت عليه، فقعدت إليه فقال: «لا تقعد الينا يا أخا العراق فانكم قد نهيتم عن القعود الينا»([88]).
وكان يسدّد الحاكم نحو الصلاح ويبدي نصائحه وتوجيهاته القيّمة لكي تكون افكاره وممارساته منسجمة مع الخط العام والأسس العامة للرسالة الإسلامية، وكان عمر بن عبدالعزيز محط نظر الإمام لاستجابته للنصائح والارشادات المنطلقة من الإمام ومن نصائحه قوله: «واتق الله عز وجلّ يا عمر، وافتح الأبواب وسهل الحجاب وانصر المظلوم ورد المظالم... ثلاث من كن فيه استكمل الايمان بالله، «فجثا عمر على ركبتيه ثم قال: ايه يا أهل بيت النبوة» فقال: يا عمر: من اذا رضي لم يدخله رضاه في الباطل، واذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق، ومن اذا قدر لم يتناول ما ليس له»([89]).
وإيماناً من عمر باخلاص الإمام وتقديمه للمصلحة العليا على غيره كان يبعث عليه ليستشيره في بعض أموره ([90]).
من سيرة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام):
كان الإمام الصادق (عليه السلام) يحث أنصاره واتباعه على المشاركة في صلاة الجماعة والجمعة التي تقام من قبل الولاة حفاظاً على الالفة والاخوة وتحقيقاً للوحدة في أحد مجالاتها وهي ممارسة العبادة جماعة فيقول: «من صلّى معهم في الصف الأول كان كمن صلّى خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الصف الأول»([91]).
وقال أيضاً: «ما من عبد يصلّي في الوقت ويفرغ، ثم يأتيهم ويصلّي معهم وهو على وضوء إلّا كتب الله له خمساً وعشرين درجة»([92]).
وكان يدعوهم إلى تعميق العلاقات مع المخالفين ومشاركتهم في آمالهم والامهم حيث يقول: «كونوا لمن انقطعتم إليه زيناً ولا تكونوا عليه شيناً، صلّوا في عشائرهم وعودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم ولا بسبقونكم إلى شيء من الخير فأنتم أولى به منهم»([93]).
وقال: «اوصيكم بتقوى الله عزّ وجلّ والورع في دينكم والاجتهاد لله وصدق الحديث واداء الامانة... صلوا عشائركم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم، وأدّوا حقوقهم، فانّ الرجل منكم اذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدّى الأمانة وحسن خلقه مع الناس، قيل: هذا جعفري فيفرّحني ذلك ويدخل عليّ منه السرور وقيل هذا ادب جعفر».
وكانت علاقاته مع ائمة المذاهب قائمة على المحبة والمودة والاحترام المتبادل، وفي ذلك قال مالك بن أنس: «كنت ادخل إلى الصادق جعفر بن محمّد، فيقدّم لى مخدّة، ويعرف لي قدراً، ويقول: يا مالك انّي احبّك، فكنت اسرُّ بذلك وأحمد الله عليه»([94]).
وعلاقاته مع أبي حنيفة وسفيان الثوري علاقات متينة قائمة على اساس التعاون والتآزر من أجل تحقيق الأهداف المشتركة العليا، ولم يحدث تنافر ولا تباعد بين اتباعهما، وكانوا جميعاً متوجهين نحو الافاق العليا تتقدم خطاهم نحو مصلحة الإسلام.
ومن اجل انهاء مظاهر الاضطراب الفكري والبلبلة العقائدية وقف الإمام موقفاً حازماً تجاه الغلاة فحاربهم ولعنهم([95]).
وكان ينهى أنصاره عن توسيع دائرة الخروج المسلح على النظام ويجعله محصوراً بفئة معينة لادامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يقاف انحراف الحكام بهذه الحدود وضمن المصلحة الإسلامية العليا، ولا يدعو إلى تكثيف الجهاد المسلح لانّه قد يخرج عن حدود المصالح العليا.
قال (عليه السلام): «كفّوا ألسنتكم والزموا بيوتكم، فانّه لا يصيبكم أمر تخصّون به أبداً ولا تزال الزيدية لكم وقاءً أبداً»([96]).
وكان ينصح الحكام بما هو صالح لخدمة المصلحة العامة وكان لا ينظر إلى شخص الحاكم فليس المهم ان يحكم فلان أو فلان أو الإمام، ولكنّ المهم تطبيق المفاهيم والقيم الإسلامية في الواقع، فكان يقول للحاكم العباسي المنصور: «نحن لك أنصار وأعوان ولملكك دعائم وأركان ما أمرت بالمعروف والاحسان وأمضيت في الرعية أحكام القرآن، وارغمت بطاعتك أنف الشيطان»([97]).
ومن حرص الإمام على سلامة ارواح المسلمين وان كانوا مخالفين للامام أو معادين له، سأله محمّد بن قيس: عن الفئتين من أهل الباطل أبيعهما السلاح، فقال: بعهما ما يكنهما: الدرع والخفتان والبيضة ونحو ذلك»([98]).
من سيرة الامامين: موسى الكاظم وعلي الرضا (عليهما السلام):
على الرغم من ظروف الارهاب التي احاطت بالامام موسى الكاظم (عليه السلام)من ملاحقة ومضايقة وسجن وتهديد بالقتل إلّا انّ الإمام كان ينطلق على ضوء المصلحة الإسلامية فلم ينقطع عن الأحداث وعن المواقف الوحدوية كالعبادات التي تؤدى جماعة، فكان يتهيأ للمشاركة في صلاة الجمعة منذ يوم الخميس، وفي رواية كان يقول لأصحابه: «انّكم تتسابقون إلى الجنة على قدر سبقكم إلى الجمعة»([99]).
وكان الإمام علي الرضا (عليه السلام) كثير النصح للحاكم العباسي المأمون بما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، فقد صدرت منه توجيهات قيمة في كيفية ادارة البلدان المفتوحة([100])، وبما ينسجم مع المصلحة الإسلامية العليا وللحيلولة دون حدوث تصدع في الجبهة الداخلية.
ومما قاله للمأمون: «اتق الله فى امة محمّد، وما ولاّك من هذا الأمر ونصبك به ، فانك قد ضيعت أمور المسلمين، وفوضت ذلك إلى غيرك»([101]).
ومن أجل المحافظة على وحدة الدولة الإسلامية ومنعها من التفكك والتصدع بفتن داخلية نابعة من حب التسلط وحب الزعامة كان ينصح المأمون ويرشده إلى اتخاذ الموقف المناسب تجاه الاحداث والاشخاص، فقد اخبره بانّ هنالك مؤامرة لقتله تدبر له في الخفاء بعد ان اطلع الإمام على تفاصيلها.
وكان التعاون بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم، والدعوة إلى جعل المصلحة الإسلامية العليا ووحدة المسلمين هي الحاكمة على الافكار والعواطف والممارسات، وكانوا يوجهون انصارهم نحو الافاق العليا المشتركة والتعالي على الاطر الضيقة والتعامل مع الفواصل في حدودها الجزئية التي لا تمنع من اللقاء والاجتماع، وقد شهد لهم القاصي والداني بالاخلاص والنصيحة للدين وللدولة وللمسلمين.
الفهرست
المقدّمة
الفصل الاول:
المصلحة الإسلامية ووحدة المسلمين في منهج الإمام علي
الاعتراض السلمي على نتائج السقيفة
البيعة والوحدة الإسلامية
موقفه من المحّرضين ضد الخليفة
اخماد الفتنة بين المهاجرين والأنصار
الدفاع عن الدولة الإسلامية
اسناد الدولة وحل المسائل المستعصية
استخلافه على المدينة في عهد الخليفة الثاني
الاخلاص في النصيحة والمشورة
المجال العسكري
المجال القضائي
مجال الثروة
ترشيد سيرة الدولة والاخلاص في المشورة
التعاون الميداني
مراعاة الوحدة في الموقف من الشورى
التعاون الميداني
مراعاة المصلحة الإسلامية والوحدة في أجواء الفتنة
مراعاة المصلحة والوحدة في أجواء الحصار
الحفاظ على وحدة الخلافة
مراعاة المصلحة والوحدة الإسلامية في حرب الجمل
مراعاة المصلحة والوحدة الإسلامية في حرب صفين والنهروان
الفصل الثاني:
المصلحة الإسلامية ووحدة المسلمين في منهج أئمة أهل البيت
موقف الإمام الحسن (عليه السلام) من معاوية
موقف الإمام الحسين (عليه السلام) من معاوية
نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) والمصلحة الإسلامية
من سيرة الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)
من سيرة الإمام محمّد الباقر (عليه السلام)
من سيرة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)
من سيرة الامامين: موسى الكاظم وعلي الرضا (عليهما السلام)
([1]). تاريخ اليعقوبي 2 : 124.
([2]). الامامة والسياسة 1 : 11.
([3]). الامامة والسياسة 1 : 12.
([4]). نهج البلاغة : 503.
([5]). تاريخ الطبري 2 : 236.
([6]). بحار الانوار 28 : 310، محمّد باقر المجلسي ـ مؤسسة الوفاء ـ بيروت ـ 1403 هـ.
([7]). شرح نهج البلاغة 1 : 308.
([8]). شرح نهج البلاغة 6 : 95.
([9]). شرح نهج البلاغة 1 : 307.
([10]). الاخبار الموفقيات : 581.
([11]). الكامل في التاريخ 2 : 326.
([12]). تاريخ الطبري 3 : 205.
([13]). الأخبار الموفقيات : 583.
([14]). تاريخ اليعقوبي 2 : 128.
([15]). المنتظم في تاريخ الامم والملوك 4 : 75.
([16]). لا سنة ولا شيعة : 21 ـ د. محمّد علي الزعبي ـ دار التراث الإسلامي ـ 1394 هـ.
([17]). تاريخ الخلفاء : 57 ـ عبدالرحمن السيوطي ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت 1408 هـ.
([18]). تاريخ اليعقوبي 2 : 123.
([19]). ذخائر العقبى : 80 ـ محمّد بن جرير الطبري ـ مؤسسة الوفاء ـ بيروت ـ 1401 هـ.
([20]). مناقب آل أپ ي طالب 2 : 397 ـ اين شهر ح شوب ـ دار الأضواء ـ بيروت ـ 1412 هـ.
([21]). مختصر تاريخ دمشق 17 : 320 ـ ابن عساكر ـ دار الفكر ـ دمشق ـ 1988 م.
([22]). الكامل في التاريخ 2 : 450 ، 500.
([23]). شرح نهج البلاغة 8 : 296.
([24]). تاريخ الطبري 2 : 524، المنتظم 4 : 273.
([25]). البداية والنهاية 7 : 55 ـ ابن كثير ـ دار الفكر ـ بيروت.
([26]). الفتوح 1 : 225.
([27]). تاريخ المدينة المنوّرة 2 : 732 ـ ابن شيّةً النميري ـ مكة المكرمة ـ 1399 هـ.
([28]). انساب الاشراف 2 : 178.
([29]). ذخائر العقبى : 81 ، 82.
([30]). تاريخ الطبري 2 : 453، المنتظم 4 : 197.
([31]). تاريخ اليعقوبي 2 : 151 ، 152.
([32]). كنز العمّال 14 : 591.
([33]). الكامل في التاريخ 2 : 526، تاريخ المدينة المنورة 2 : 758.
([34]). مناقب آل أبي طالب 2 : 407.
([35]). أنساب الاشراف 2 : 78.
([36]). الكامل في التاريخ 2 : 512 ، 3 : 9.
([37]). الكامل في التاريخ 2 : 512، 548 و3 : 9 ، 18.
([38]). ذخائر العقبى : 82، تاريخ الخلفاء : 171، الطبقات الكبرى 3 : 339.
([39]). الكامل في التاريخ 3 : 66.
([40]). الكامل في التاريخ 3 : 71، سورة يوسف : 18.
([41]). الفتوح 1 : 235.
([42]). شرح نهج البلاغة 6 : 166.
([43]). تاريخ الخلفاء : 141.
([44]). تاريخ المدينة المنورة 4 : 1201.
([45]). الكامل في التاريخ 3 : 77، 89، 109.
([46]). مناقب آل أبي طالب 2 : 413.
([47]). السنن الكبرى 10 : 112.
([48]). الكامل في التاريخ 3 : 112.
([49]). البداية والنهاية 7 : 171.
([50]). مسند أحمد 1 : 153، دار احياء التراث ـ 1414 هـ ـ ط 2.
([51]). تاريخ الطبري ـ حوادث سنة 34 هـ.
([52]). شرح نهج البلاغة 9 : 15.
([53]). م . ن 9 : 262.
([54]). م . ن 3 : 151.
([55]). تاريخ الطبري ـ حوادث سنة 35 هـ.
([56]). الكامل في التاريخ 3 : 167.
([57]). تاريخ الخميس 2 : 262 ـ حسين الديار بكري ـ مؤسسة شعبان ـ بيروت ـ بدون تاريخ.
([58]). الطبقات الكبرى 3 : 68 ـ ابن سعد ـ دار صادر ـ بيروت ـ 1405 هـ.
([59]). تاريخ الخميس 2 : 263.
([60]). البداية والنهاية 7 : 181.
([61]). تاريخ الخميس 2 : 263.
([62]). المنتظم : 5 : 78.
([63]). مختصر تاريخ دمشق 18 : 48.
([64]). الكامل في التاريخ 3 : 217 ـ 262.
([65]). الامامة والسياسة 1 : 98، مروج الذهب 2 : 377.
([66]). الكامل للميرد 1 : 428.
([67]). البداية والنهاية 7 : 287، مروج الذهب 2 : 404.
([68]). البداية والنهاية 7 : 288.
([69]). شرح نهج البلاغة 5 : 78.
([70]). كشف الغمة : 170.
([71]). انساب الاشراف 3 : 43.
([72]). الفتوح 4 : 293.
([73]). بحارالانوار 10 : 101.
([74]). شرح نهج البلاغة 16 : 15
([75]). شرح نهج البلاغة 16 : 195.
([76]). الكامل في التاريخ 3 : 409.
([77]). العقد الفريد 1 : 181.
([78]). انساب الاشراف 3 : 152.
([79]). مختصر تاريخ دمشق 7 : 137.
([80]). الاحكام السلطانية : 6، روضة الطالبين 7 : 262، مآثر الاناقة في معالم الخلافة 1 : 39. مفني المحتاج 4 : 130، نظرية الإسلام وهديه : 57، الإسلام وأوضاعنا السياسية : 146.
([81]). المنتظم 5 : 343، البداية والنهاية 8 : 192، شذرات الذهب 1 : 69.
([82]). بحارالانوار 44 : 330.
([83]). مختصر تاريخ دمشق 17 : 230.
([84]). سير اعلام النبلاء 4 : 397.
([85]). الكافي 2 : 234.
([86]). اعيان الشيعة 1 : 653.
([87]). شرح نهج البلاغة 8 : 121.
([88]). مختصر تاريخ دمشق 23 : 83.
([89]). الخصال 1 : 104.
([90]). مختصر تاريخ دمشق 23 : 77.
([91]). الهداية : 10.
([92]). المحجة البيضاء 1 : 343.
([93]). الكافي 2 : 219.
([94]). بحار الانوار 47 : 16.
([95]). مناقب آل أبي طالب 4 : 239.
([96]). الكافي 2 : 225.
([97]). بحار الانوار 10 : 218.
([98]). تحف العقول : 279.
([99]). الشافي 2 : 19.
([100]). عيون اخبار الرضا 2 : 160.
([101]). بحار الانوار 49 : 84.