تأملات في بقاء وتطورالإسلام في الصين

تأملات في بقاء وتطورالإسلام في الصين

 

 

تأملات في بقاء وتطورالإسلام في الصين

 

نعمان ماشيان

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد للّه والصلاة والسلام على سيدنا محمّد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

وفي يوم مولد نبينا الكريم سيدنا محمّد(صلى الله عليه وآله) نجتمع في عاصمة الجمهورية الإسلامية لعقد المؤتمر الدولي الثاني عشر للوحدة الإسلامية لدراسة موضوع الإسلام ووحدة وتنمية الأمة الإسلامية في القرن القادم، وإنه لمؤتمر في غاية الأهمية، آملاً لهذا المؤتمر أن يخرج بالنتائج المثمرة وله كل التوفيق والنجاح. وأنتهز هذه الفرصة لكي أعبّر عن شكري العميق لفضيلة الاستاذ محمّد واعظ زاده الخراساني الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية على دعوته الكريمة فوجدت منها فرصة للتعارف وتبادل الآراء مع المتخصصين والعلماء والمفكرين الإسلاميين الذين أتوا من الدول المختلفة لايجاد وسيلة ناجعه في تعميق وحدة المسلمين في العالم وعملية مواجهة التحديات المختلفة. على الرغم من أنني أول مرة أحضر مؤتمراً بهذا النوع ولكني من مجلة «رسالة التقريب» التي إستلمتها علمت بأن كثيراً من الحاضرين للمؤتمرات السابقة نشروا مقالات لها قيمتها وفكرتها العلمية، وإني على ثقة بأن هذا المؤتمر سينجز بالنتائج المثمرة البارزة.

وإنّي جئت من بلد الصين ذات الحضارة التاريخية العريقة والكثافة السكانية الكبيرة، والإسلام في الصين له تاريخ منذ 14 قرن ونصف، وبعد تطور وتنمية الحياة الاجتماعية في الصين وصل عدد المسلمين الآن إلى 20 مليون (5ر1 في المائة من سكان الصين) وعدد المساجد فيه يصل الى 35 ألف مسجد، ولكن بسبب قلة إتصالنا مع الدول الإسلامية، وعدم وجود معرفة تامة للعالم الخارجي لدينا، دائما ما ألاقي أسئلة كهذه من إخواننا المسلمين في الخارج: الإسلام دخل الى الصين منذ أكثر من ألف سنة، فما هو السبب الرئيسي وراء بقاء الإسلام في دولة كبيرة كالصين ذات الحضارة المؤثرة والمتطورة، وفي وقت نفسه يحصل تطور إلى حد ما؟ هنا أحب أن أعرف ببعض الاحوال المتعلقة بهذا الموضوع للحاضرين. وأعتقد بأن بقاء وتطور الإسلام في الصين يرجع الى العوامل الثلاثة التالية:

أولاً: ترجع الى إلهية الإسلام، ان الإسلام دين اللّه وهو نور اللّه، أينما نولي فثم نور اللّه كما قال اللّه تعالى: (يريدون ليطفئوا نور اللّه بأفواههم واللّه متم نوره ولو كره الكافرون) ([1]). ان الدين الإسلامي دين الفطرة. أتى للانسانية بالايمان العالي والانظمة الاخلاقية والسلوك الحياتية الحميدة والانظمة الاجتماعية، وبمبادئه التعبدية في الخضوع لأوامر اللّه والنظافة والطهارة وبنظريته الحياتية في طلب سعادة الدارين وحب الوطن والتشاور بين الناس والطاعة لأولي الأمر والتسامح والاوسطية، وحب الناس كما أتى في نظريته إلى المعرفة المتوسمة في تشجيع العلم والنظر الى الكون لتسخير ما خلق اللّه للانسان وكل هذه الخصائص والمميزات موافقة لكل العصور والمجتمعات والمناطق والقوميات، وكل هذه قدمت لنا أسساً فكرية متينة. وعندما دخل الإسلام الى الاراضي الصينية التي كانت لها إنتاج من حضارة غنية، تقارب مع ثقافة موطن الصين فوراً وأشرق بحكمته نورا. وأضاف بعوامل ثقافية جديدة للمجتمع الصيني الذي فيه ثقافات عديدة. وقوبل بالتصديق من قبل شعب هذا البلد.

ثانياً: ترجع الى سماحة البيئة إلاجتماعية والسياسة الصينية، على رغم من أن الثقافة الكونفوشية تحتل المركز الاساسي في التاريخ الصيني التي هي تتضمن الفكرة الفلسفية والنظام السياسي والتربوي والنظريات الاخلاقية ولكن الامة الصينية التي تحتل فيها قومية خان نسبة رئيسية فيها، منذ التاريخ لها صدر واسع تتخذ السياسة التسامحية في قبول إضافي للثقافات الاجنبية بما فيها الثقافة الإسلامية. والدين البوذي بعد دخوله الى الصين إقترب بمبادرة الى الثقافة الصينية التقليدية، ومن شكليته صارت صينية، لذا إمتزجت الى المجرى الاساسي للثقافة الصينية ومما نال بتنمية كبيرة. وهذا مثال بارز لما ذكر أعلاه. ومن دخول الثقافات الفكرية والدينية متتالية الى الصين في فترة ما بعد ذلك قوبلت أيضا من قبل الشعب الصيني. فان الصين لا يشبه الدول العربية ولا الدول الإسلامية، لم يؤسس فيه السلطة الدينية ولم تكن الدولة ذات سيطرة دينية، ومن آلاف السنين من سيطرة إقطاعية أيضا لم تحصل أي حرب من حروب دينية، لذا كان كل دين أجنبي بعد دخوله الى الصين مادام إلتزم الى القوانين الامبراطورية الصينية وجد مكانا للبقاء. والإسلام أيضا بنفس الوجه. وعلى الرغم من أن بعض الاقطاعية الامبراطورية في فترة من التاريخ أحدثت أحوالا من الاضطهاد وتفرقة المسلمين ولكن السلطات الصينية في عصور مختلفة في مجراها الاساسي من سياستها نحو الإسلام برزت بتسامح وإحترام حتى ظهرت بالتأييد والثناء من قبل بعض السلطات في عهد الازدهار والرخاء.

إن الدين الإسلامي بناء على ميزة بيئة المجتمع الصيني، إستفاد بكل جد من خصائص الإسلام في السلام والاطاعة والتسامح ليواكب ويوافق مع المجرى الاساسي للثقافة الاصيلة والنظم السياسية والقانونية، والمسلمون في حد ذاتهم وفي بيئة هذا المجتمع التسامحي شاركوا بحماس في بناء البلد وقدموا إسهامات في المجالات العلمية والثقافية والادبية والبحرية، حتى استطاعوا نيل تأييد وتقدير الجهات الحكومية، وبذلك صار الإسلام دين له موقعه في المجتمع الذي فيه أديان بوذية وكونفوشية، ولذا تنمية المسلمين في الصين متعلقة مع سعة الصدر للثقافة الصينية التقليدية وتسامح السلطة السياسية عبر التاريخ.

ثالثاً: ترجع الى خصوصيات ذاتية للمسلمين الصينيين، وهذه الخصوصيات تظهر في إهتمامهم بالوحدة والتعاون المتبادلة. ومنذ دخول الإسلام الى الصين ظهرت مظاهر الوحدة والاعتصام بين قلوب المسلمين، حافظوا على عقيدتهم وتقاليدهم على الرغم من خطر إغراق الثقافة الصينية لهم، وكونوا المناطق للمسلمين أينما ذهبوا، وبنوا مساجد، متركزا بمساجد شكلوا الجماعات الصغيرة للمسلمين. وإن المساجد لعبت دورا مهما في حفظ وتنمية الإسلام. ومن ثم أسسوا أجهزة تعليمية ليتوارث الاجيال القادمة للعقيدة الإسلامية. وفي نفس الوقت، قاموا بتربية دعاة الإسلام جيل بعد جيل كالأئمة في المساجد وعلماء الإسلام. هؤلاء مع ظروف بعدهم عن مركز العالم الإسلامي، صابرا من سوء ظروف ومشقة وفقر في معيشة حاولوا في إيجاد وسيلة لنشر الثقافة الإسلامية، وذلك بتربية أولادهم متمسكين بروح الإسلام لنشره جيل بعد جيل. وأيضا بتعلمهم بكل جد لخبرة إنتاج والثقافة التقليدية خان الصينية طوروا إقتصادهم وشاركوا في نشاطات إقتصادية وثقافية وسياسية في المناطق التي يقطنونها. متمثلا في أعمالهم بعدم إغلاق أنفسهم في الداخل وعدم ضياع خصائصهم الدينية في نفس الوقت. وبمقدمة حفظهم لمبادئ الإسلام ينسقون أنفسهم باستمرار طلبا للبقاء والتنمية.

ومن الوقائع التاريخية في بقاء وتنمية الإسلام في الصين نفهم، إذا نريد إستمرار حفظ الإسلام في ظروف تاريخية جديدة وإندماجه كنوع من النظام الثقافي الى تشكيلة جديدة من الثقافات المتعددة وتنميته من جديد فنحتاج هنا الى بذل جهود أكبر ولكي لا يميل طريقنا فلابد من الاهتمام بتلخيص التجارب. فإن التجارب التالية تحتاج الى الاهتمام المستمر:

1- ضرورة مبادرة روح تسامحي للاسلام، ومن توجيهات الإسلام: إختلاف الناس في عقائد وتمييز بينهم بشعوب وديانة وكل هذا أنظمة خلقه اللّه سبحانه وتعالى. والانسان لا يقدر أن يغيره وبالواقع لا يغير. قال اللّه تعالى في كتابه الكريم: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين. إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) ([2]).

ولذا عندما يكون المسلمون أقلية فلابد أن يلتزموا أوامر اللّه وأن يحسنوا علاقاتهم مع غير المسلمين. (ان تبروهم وتقسطوا إليهم) ([3])، وأن يصبروا ويحترموا عقائد الاخرين وتقاليدهم وأفكارهم وشعورهم وعلى المسلمين أن يبادروا أنفسهم في تنسيق العلاقة مع ثقافتهم المحلية إكتسابا لتأييد وتفاهم المجتمع والسلطة الحاكمة للمسلمين وطلبا لبيئة واسعة للحياة. ولا يستحسن أن يتخذ السلوك الضيقة والأفعال المتطرفة، فاذا حدث تعارضا مع ثقافة المجرى الاساسي وأصيب بـإزاحة من قبل السلطة الحاكمة المحلية فاننا سوف نخسر بكثير، فان العبرة من التاريخ القديم والحديث عنها لكثير.

2- ومن داخلنا فلابد من أن نخفف من النظرة الطائفية، وعلى رغم من أن المسلمين الصينيين أساساً كلهم من أهل السنة ولكن بسبب التأثر من فكرة دينية خارجة ظهرت بعض المذاهب الصغيرة أيضاً، ولديهم بعض الإختلافات في المسائل الفقهية والعقائدية، وهذه إختلافات لها سببها في حدوثها، وبطريقة نقدية او تخاصمية فلايمكن أن يزال، والحل الوحيد لها هو أن نعاملهم معاملة صحيحة، أكثرية مسلمي الصين ورجالهم في الدين يعتقدون، إذا كان لا ينتهك المبادئ الأساسية للعقيدة الإسلامية فيسمح لتواجد هذه الطوائف الصغيرة. فلا يستحق التخاصم معهم بسبب هذه الإختلافات وذلك حرصا لعدم حدوث تناقض وحماية وحدة المسلمين. وما علينا إلاّ ان نتمسك بمبدأ «الإحترام المتبادل وعدم التدخل في أمور الاخرين وتوجه كل طرف في طريقه وأعمال كل طرف جزاءها من اللّه». وذلك طلبا لظهور الإسلام في الصين بالوحدة والتضامن وحماية لمنافع عامة المسلمين.

3- التعايش في وفاق مع ايديولوجيات الاخرين، من أجل بناء بيئة سلمية كبيرة، فان الصين تلتزم مبدأ فصل الدين عن السياسة، الحكومة أعلى من أي دين والاديان من كبيرة الى صغيرة كلها متساوية. لذا كل الاديان في الصين شعبية، وكل يمارس دعوة دينية في دائرة دينهم، وذلك حفظا لعدم حدوث تناقض مع ايديولوجية الاخرين. وفي الصين إضافة الى الذين يعتقدون بأديان بوذية وتاوية ومسيحية وكاثولوكية هناك أيضاً أعداد أكبر من الناس من اللادينية، حل جيد في علاقة مع هذه الايديولوجية لها أهميتها كبيرة لتنمية وجود الدين الإسلامي، ونحن منذ البداية نلتزم مبدأ الاحترام المتبادل في مجال العقائد والوحدة والتعاون في السياسة والاقتصاد وتحسين العلاقة بحماس وإيجاد بيئة إجتماعية سلمية ووفاقية. والإسلام في الصين كالاديان الاخرى له منظمته ومطبوعاته، لكي لا يحدث تعارض أو تناقض، كل ديانة لا يتدخل في دين آخر عند دعوة لدينهم. ولا يسمح أن يكون هناك كلمات جارحة للوحدة، لذا فليس هناك مسائل تثير القلق من حدوث تهديدات من ديانة أخرى.

فاني أرى، تمكن الإسلام من التطور والبقاء في حالة كهذه حتى يومنا هذا ليس من أمثلة خاصة لتاريخ الإسلام في العالم وإنما هو نموذج من نماذج في طريق دعوة وتطور الإسلام. وهدف كلماتي السابقة ليست بيانا لاقتباس عبرة عن الإسلام في الصين وإنما لأبيّن بعض تأملاتي الأساسية عن كيفية مواجهة المشاكل والتحديات في المرحلة لتطوير المسلمين الصينيين بصفتهم أقلّية. وكل دولة لها أحوالها الخاصة وأقلية المسلمين في كل دولة لها أسلوبها وطريقتها المختلفة في سبيل بقاء وتنمية وحل المشاكل، ولكن وحدة المسلمين الشرط من شروط الأساسية للتنمية والتغلب على المشاكل المختلفة.

قال اللّه تعالى: (وأعتصموا بحبل اللّه جميعا ولا تفرقوا) ([4])، (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) ([5]).

لكن إذا نراجع التاريخ الإسلامي فإننا نرى بكل ألم، إننا لم نلتزم تماما بأوامر اللّه سبحانه وتعالى في أعمالنا. وبالاضافة الى القوى السلطوية التي تنتهز كل فرصة لضرب ومحاولة لتضعيف الإسلام ونحن بأنفسنا أيضا من أجل منافع دنيوية واختلاف في أشياء غير مهمة نتخاصم مع بعضنا بعضا حتى حدثت صدامات دموية مما تسبب في خسائر كبيرة. ويقلقنا أكثر بأن هذه النوع من المأساة التاريخية مازالت مستمرة في بعض المناطق، والمسلمون يشهرون السلاح على إخوانهم، وبعض الباحثين الغربيين الذين لهم أغراض خفية يقولون بأن القرن القادم سيكون فيه الإسلام والحضارة الكونفوشية منافسين شديدين للغرب، وهي كلمات تضاد الحقائق وتحدث النزاع وتشوه الإسلام. لذا نأمل من المسلمين في العالم أن نسعى الى وحدتين لمواجهة التحديات الخارجية، أولها وحدة الامة الإسلامية وثانيها وحدة الدولة الإسلامية، والوحدة الثانية لها أهمية أكبر، لأنها جوهر وأساس لوحدة الامة، ومن أجل الوحدة الإسلامية يجب على كل مسلم وخاصة علماء ودعاة الإسلام أن يضعوا الاختلافات وأن يطلبوا الاراء الموحدة الكبيرة وترك الاختلافات الصغيرة، وأن نأخذ الإسلام كلية لا جزئية لندفعه الى الإمام. وإن القرن الحادي والعشرين عصر ممتلأ بالفرص، وعلينا أن نستفيد من التكنولوجيا والأساليب الحديثة لنشر الإسلام والدعوة الإسلامية ليدخل الإسلام الى مرحلة سلمية متطورة جديدة. ونسأل اللّه سبحانه وتعالى أن يعيننا وبتوجيهات من كتاب اللّه وسنة رسوله(صلى الله عليه وآله)وبجهودنا الشخصية سيشرق الإسلام بنوره غدا أنوارا لا مثيل له. (إن ينصركم اللّه فلا غالب لكم) ([6]).

«الإسلام يعلو ولا يعلى  عليه» وخير الكلام كلام اللّه وسنة رسول (صلى الله عليه وآله).

الهوامش:

([1]). الانفال  / 61 .

([2]). هود/ 118 - 119 .

([3]). الممتحنة / 8 .

([4]). آل عمران / 103 .

([5]). الانفال / 46 .

([6]). آل عمران / 160 .