الفكر الاستشراقي في دنيا المسلمين البداية.. الدوافع.. وسائل مواجهته
الفكر الاستشراقي في دنيا المسلمين البداية.. الدوافع.. وسائل مواجهته
الدكتور مهدي الكبيسي
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: (. ودَّ الذين كفروا لو تغفلون عن أسلِحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم مَّيلة واحدة..)([1]).
يكاد لا يخفى على أحد من أنّ الأُمة الإسلاميّة ومنذ نشوئها بعد نزول الوحي على سيّد البشر(صلى الله عليه وآله) كانت مستهدفة من أكثر من جهة، نظراً لما وهبها اللّه سبحانه من النعِمَ في أرضها وموقعها وتاريخها وحضارتها العريقة.
لكن اكثر ما آذاها وأوجد الخطورة الدائمة على وجودها وحضارتها هو الاستشراق والمستشرقون.
فمن هؤلاء؟ وكيف كانت بدايتهم؟ وماهي أغراضهم الحقيقيّة؟ وكيف مرّت علاقتهم بالمسلمين؟ وكيف يمكن مواجهتهم؟ وهل لمؤتمرات الوحدة الإسلاميّة دور في المواجهة؟
وذلك ما نسعى للإجابة عليه في هذا المقال: ونسأله تعالى السداد.
مقدمة
اختلفت وجهات النظر وتباينت حول طبيعة الإستشراق وبدايته وحقيقة وظيفته وأغراضه، وقد تعّددت الآراء والأقوال بخصوص ذلك مابين مادح من الباحثين والكتّاب وقادح، حتّى آل الأمر أن اختلفوا في تعريفه اصطلاحاً ولم يحظ باتفاقهم البتة.
تعريفه:
لكن أيّاً كانت التعريفات فإن «الإستشراق» لفظة مستحدثة الاستعمال في اللغة العربية، وبالتحديد في القرن التاسع عشر، حيث اتخذها اللبنانيون للدلالة على «علم جديد» أقبل عليه الغربيّون بدراستهم الشعوب الشرقية، وسمّوا أربابه بـ «المستشرقين». وأمّا صيغة «الاستشراق» فهي استفعال من الشرق، وهي إشارة الى مايقوم به هؤلاء من طلب معرفة الشرق في مختلف شؤونه وأحواله ([2]).
ولعلّ الباحث الإسلامي الاستاذ مالك بن نبي خير من حدّد هؤلاء بتعريف واضح حيث قال: إنّنا نعني بالمستشرقين: الكتّاب الغربّيين الذين يكتبون عن الفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية ([3]).
وأمّا من وجهة نظر الغربيّين فقد تطرّق الباحث الفرنسي «مكسيم رودنسون» الى ناحية أخرى تتعلّق بمولد الاستشراق، وظهور لفظة «الاستشراق» فقال: وقد ظهرت كلمة "orientalism"وتعني الاستشراق في قاموس الأكاديمية الفرنسية عام 1838م ([4]).
بدايته:
إنّ ظهور كلمة «الاستشراق» و«المستشرق» في انكلترا وفرنسا ومن ثم أدرجت في قاموس الأكاديمية الفرنسية لا يعني أنّ الاستشراق لم يكن موجوداً من قبل، ولم يكتسب أهميةً إلا من بعد أن أدرجت لفظته في القاموس الاكاديمي، بل العكس هو الصحيح، إذ لو لم تكن هذه الظاهرة موجودة من قبل لما أخذت تسميتها ومكانتها هذه.
لكل الحال هنا أنّه لم يعرف بالضبط تاريخ محدّد لبداية الاستشراق، ولا أول غربيّ قام بدراسة الشرق أو عنى به، لكن من المؤكّد المتّفق عليه أنّ بعض الرهبان الغربيّين قصدوا الأندلس ابّان مجدها وانضمّوا في مدارسها وتثقّفوا في جامعاتها، وتتلمذوا على علماء المسلمين في مختلف العلوم والمعارف، ثم قاموا من بعد ذلك بترجمة القرآن الكريم وبعض الكتب العربية الى لغاتهم، ومن هؤلاء الراهب الفرنسي «جربرت» الذي انتخب باباً لكنيسة روما عام 999م بعد عودته الى بلاده، والراهب «بطرس المبجّل» الذي توفي عام 1156م ، والراهب «جيرار دي كريمون» المتوفّى سنة 1187م ([5]).
ثم بدأ التحرك الاستشراقي يأخذ صفة الجدّية في نشاطاته في هذا الصعيد، ففي عام 1219م أرسل «فرانسوا الأسيزي» ستّة من الرهبان الى المغرب فسلكوا الطريق عبر اسبانيا وهم متنكّرين بثياب التجّار ([6]).
وفي عام 1311م حثَّ «ريموندليل» المجلس العالي في فيينا على تأسيس مدارس للعربية ولغات شرقية أخرى لغرض العمل التبشيري بين المسلمين، والذي باشره بنفسه بإخلاص وتفان كبيرين ([7]).
وعلى صعيد الاستشراق الانكليزي فقد كان أمثال هؤلاء مثل «وليام بدويل» و«آموند كاستيل» و«جون غريفز» و«ادوارد بوكوك» منهمكين مع آخرين من أضرابهم في تأسيس دراسات عربية في جامعتي «اكسفورد» و«كمبردج» ([8]).
وهذا الأخير ساهم في اداء أدوار خطيرة أنيطت به من قبل حكومته، وقد نفّذها على أحسن وجه! فقد أُرسل الى حلب عام 1630م بعد عام من تنصيبه قسيساً، فأقام فيها خمس سنين أتقن بها العربية على يد أحد علماء المسلمين آنذاك وهو الشيخ فتح الله ([9]).
وما يعنينا هنا هو أنّ «بوكوك» هذا قد جمع في أثناء السنوات الخمس التي عاشها في حلب مجموعة نفيسة ونادرة من المخطوطات العربية، ونقلها الى استاذه «وليم بدويل» ليضمّها الى مكتبته، والتي أصبحت فيما بعد من أثمن محتويات المكتبة البودلية - نسبة إليه - والذي أهداها بعد وفاته الى جامعة «اكسفورد» لتزيد من قيمتها ومكانتها من بين مكتبات الجامعات الأخرى، وقيل: انّ هذه المخطوطات النادرة كانت تزيد على الألف مخطوط! وفي رواية: انّها قاربت الألفين وكان قد ابتاعها عن طريق الحيلة والمكر بأثمان بخسة للغاية ([10]).
ومن جانب آخر فهناك مسألة مثيرة أخرى تتعلّق بمهمّة هذا الرجل، يقول المستشرق ب.م. هولت في مقال له: إن المهمّة التي أسندت الى «بوكوك» كانت ترتبط بشركة تدعى «ليفانت» إذ أرادت هذه الشركة أن تعيّن كاهناً لها يكون مقرّه حلب ليخدم الجالية الانكليزية المقيمة هناك، فوقع الاختيار على «بوكوك» نظراً لما يتمتع من كفاءة عالية! فعيِّن كاهناً للشركة يقيم في حلب مدة أربعة أعوام ([11]).
ولعلّ مايبدّد الاستغراب من سلوك هذه الشركة وإرسالها الرجل الى حلب اذا علمنا أنّ «حلب» كانت في تلك الفترة طريق تجارة الشرق إلى الغرب وبالعكس، حيث كانت ملتقى الطريق بين آسيا والشام في الجزيرة والعراق، وظلّت محتفظة بهذا المركز الى قبيل اكتشاف طريق الرجاء الصالح وقبل افتتاح السويس. وقد دلّت بعض المصادر على أنّ الانكليز كانوا من أوائل الغربيّين الذين أسّسوا في حلب وكالة تجارية، وقد كانت الوكالة تتألّف من قنصل وعشرة تجّار ووكيل قنصل وحاجب وقسيس، لذا فقد جاز أن نفترض افتراضاً أنّ الرجل جاء الى حلب بصفة قسيس للقنصلية الانكليزية، حسب تعبير الاستاذ سامي الكيالي([12]).
وبالجملة: فقد كان المؤرّخون يجمعون على أنّ الاستشراق انتشر في أوربا بصفة الجدّية انّما كان بعد فترة عهد الاصلاح الديني كما يشهد بذلك التاريخ في هولندا والدانمارك وغيرها ([13]).
دوافعه:
تعدّدت الدوافع التي دعت بالأوربيّين الى الاستشراق والخوض في مضماره، وأهمّها:
1- الدافع الديني: فانّ الحرب الصليبيّة الطويلة الخاسرة والتي دامت نحو قرنين من الزمان (489 - 690هـ) قد تركت آثاراً عميقة ومُرَّة في نفوس الأوربيّين، ممّا استدعى الى إعادة النظر في شروح كتبهم الدينيّة، ومحاولة تفهّمها على اساس التطورات الجديدة التي تمخّضت عنها حركة الاصلاح الديني الذي قام بها المسيحيّون: بروتستانت وكاثوليك، فكانت الحاجة ضاغطة وشديدة - بطبيعة الحال - لاعادة النظر في مراجعهم الدينيّة وكتبهم المعتمدة لديهم.
ومن هنا اتّجهوا الى الدراسات العربيّة فالإسلامية، لأنّ الأُولى كانت ضرورية لفهم الثانية، لأنّ الإسلام بمجموعه يُعتبر الدين المنافس الوحيد للمسيحيّة، إضافة الى دافع الفضول المتّجه نحو معرفة سر انتصاراته الساحقة المتتالية على المسيحيّة في الحروب الصليبيّة المذكورة. وبمرور الزمن اتّسع نطاق الدراسات الشرقية حتّى شملت أدياناً ولغات وثقافات غير إسلامية.
ومن جانب آخر فانّه وأمام سلسلة الهزائم والانهيارات العقائدية لدى المسيحيّين قطعوا بعدم جدوى الحرب ضد المسلمين، وأنّه هم الخاسرون بكلّ الأحوال، فأمام هذه الانهيارات المعنويّة سعوا الى وضع حدٍّ لها، والحيلولة دون هبوطها نحو الأسوأ، فعمدوا من خلال «الاستشراق» حماية الانسان المسيحي من أن يرى النور الإسلامي أو أن يشمّ ريحه العطرة، وعلى الخصوص المسيحيّون القاطنين في الشام ومصر والشمال الافريقي واسبانيا التي دخل الإسلام هذه الأصقاع ودخل أهلها في دين اللّه أفواجاً، بل وصاروا من دعاة هذا الدين وحماته.
وبعبارة أخرى: كان دافع الاستشراق هو محاولة «تبشيع» صورة الإسلام وأهله عند المسيحيّين حتّى لا يتتابع من بقي من رعايا الكنيسة على الدخول في الإسلام أو ملاقاة أهله والتحدّث إليهم.
ويمكننا ملاحظة ذلك فيما صاغته ريشة مستشرق حول ملامح الشرق المسلم، وهو الفرنسي «لويس برتران» في كتابه المعنون بـ «السراب الشرقي» الذي أصدره عام 1910م والذي يعتبر ثمرة رحلته الى الشرق، يقول:... في الفرن شاهدت ولداً ينام عرياناً على الخبز بينما الذباب يأكل وجهه ويلتصق على حنايا جفونه الوسخة! ثم رأيت حماراً أرعن يسرق رغيفاً كان يشكل وسادة للولد ويفرّ بعدها على وجه السرعة... إنّه الشرق! إنّكم لا تعلمون حقيقته! إنّه القذارة! والسرقة والانحطاط والاحتيال والقساوة والتعصّب والحماقة! نعم أنا أكره الشرق، إنّي أكره الشرقيّين! أكره اولئك المعتمرين بالطرابيش والمتلهّين بالسبحات ([14]).
2- الدافع السياسي: فإنّ بعد انتهاء الحروب الصليبية المقهورة، والتي فشلت أن تحاول اختراق دار الإسلام رغم كلّ العدد والعُدد التي حشّدت لذلك، ورغم والمناوشات المستمرة والاحتكاكات على الثغور والأطراف، كانت تحسم دائماً لصالح المسلمين، أيقنت الدوائر الغربية أنّه لاجدوى من الحروب واستخدام القوة ضدّ هذه الأمة فعدلت الى أسلوب آخر يمكن بموجبه الاستفادة من بعض الوسائل التي لها الاستطاعة في تضعيف الطرف الآخر وزرع الوهن في أعضائه وأوصاله، وكان الاستشراق هو السلاح الأخطر في مخططهم هذا.
وقد أُعتبر المستشرق الهولندي «أدريان ريلانت» من الأوائل الذين أخذوا يتشدّقون باستخدام «الأساليب العلمية» و«الدراسات الفكرية» و«الإبحار المدروس» وفق منهجيّة مجدّدة في أعمالهم، فقد كتب يقول: لكي نأخذ الحيطة - نحن المسيحيّين - وأن نتناول خلافاتنا معهم بطريقة عقلانية بحذر ولباقة، وأن نحاربهم من الآن فصاعداً بمزيد من الوضوح والعمق، وليس بعدد الاتهامات والإنكار ([15]).
وهاهو الأب «ماراتشي» يخطب في جمع من الرهبان والقساوسة: من الضروري إذا ألاّ نحارب الإسلام دون أن نعرفه تماماً، وفرصة هذا الصراع الحكيم تتزايد يوماً بعد يوم بسبب العلاقات المتزايدة بين الأوربيّين ومسلمي تركيا وافريقيا وفارس والهند الهولندية، حيث نرى للأسف الكثير من المسيحيّين يلطخّون المسيحيّة بالعار، ولاشكّ في أنّ فرصة انضواء المسلمين الى الايمان الحقيقي هي أن نظهر لهم العطف والتفاهم في المناقشات الدينيّة معهم بدلاً من أن نسبّهم ونكيل الغريات بكلّ سذاجة ([16]).
ومن هنا استطاع الغرب المسيحي أن يتبنّى خيارات أوسع من المواقف المتاحة لديه ويسمح بتيارات مختلفة بما فيها التيار الحضاري والتبشيري في مواقفه الموجّهة ضد الإسلام وأهله. وهذا ما حاول الاستفادة منه الاسقف «فيدانتيوس دوبادو» الذي أقام مدّة طويلة في الشرق، وانتخب اسقفاً للفرانسيسكان الموجودين في فلسطين وسوريا وغيرهما ([17]).
فانطلاقاً من عدّة دلائل كإقامته بين ظهراني الجيش الإسلامي، ومكثه الطويل في بلاد الشام يؤكّد أنّه كان مضطلعاً بمهامه وبمنتهى الدقّة .
ولم يكتف خبراء الاختراق بالتنظير لذلك بل ساهم بعضهم في أداء أدوار خطيرة أنيطت بهم من قبل الدوائر المسيحيّة التبشيرية، ولعلّ المستشرق الانكليزي «ادوارد بوكوك» المارّ ذكره مثال على ذلك.
وما ينطبق على «بوكوك» ينطبق أيضاً على «وليم جونز» الذي كان له الدور البارز في عمليات الاختراق الموجّهة الى الشرق الإسلامي، و«جونز» هذا كان متعدّد المواهب والثقافات، فبالاضافة الى أنه كان قانونياً متمرّساً وعالماً متقناً للعربيّة والعبريّة والفارسيّة كان أيضاً شاعراً كلاسيكياً وباحثاً أديباً، ولذلك سرعان ما أُسند إليه منصب «المشرف العام» والمرجع في جزيرة الهند الشرقية، وفور وصوله لتسلّم مهام منصبه مع شركة الهند الشرقية بدأ بمسار الدراسة العلميّة والتي كان لها بعد ذلك الدور الرئيسي في ضمّ الشرق وتحويله الى اقليم من أقاليم «المعرفة الأوربية». فكان من أهمّ المواد التي تناولها في دراسته العلميّة واستقصائه: «قوانين الهندوسيّين والمحمدييّن» و«السياسة والجغرافيا الحديثين للهند» و«أفضل السبل لحكم البنغال» و«التجارة في الهند».. وما إلى ذلك ([18]).
وبطبيعة الحال فإنّ صفته كأول رئيس لجمعية البنغال الآسيوية، وصفته قاضياً وأديباً - كما قيل إنّه ترجم المعلّقات السبع الى الانكليزية - بالاضافة الى عمله الرسمي كقانوني مقتدر - وهي المهنة ذات الدلالة الرمزية بالنسبة الى تاريخ الاستشراق - كلّ ذلك أكسبت «جونز» المعرفة الكاملة بالشرق والشرقيّين، والتي كان لها الدور الفاعل فيما بعد أن تجعل منه المؤسّس غير المنازع للاستشراق الانكليزي بتعبير أي .جي. آربري ([19]).
والواقع أنّ اهتماماته تلك لم تكن حبّاً بالشرقيّين ولا بالشرق، وإنّما تنبع من غايات نفعية لا تخفى تصبّ في عمق التوجّهات التبشيرية المشبوهة.
وعلى أية حال فانّ كلاً من «بوكوك» و«جونز» الانكليزيّين، و«فولني» الفرنسي وعشرات أمثالهم ليسوا سوى نماذج شاخصة لأولئك الذين بذلوا جهوداً مضنيّة في هذا المضمار، وبالتالي كان لهم الدور الخطير في تحويل الشرق المسلم من فضاء «أخضر» الى فضاء تملؤه الانفاس الأجنبيّة، وكان لهم - كذلك - الفضل الكبير في الاختراق الذي أحدثوه في جدار الديار الإسلاميّة التي فشلت في اختراقها أوربا مع ما أوتيت من قوة ورجال وعلى مدى سنين طويلة.
ومن هنا فيمكن القول بأن أقل نظرة فاحصة يلقيها الباحث على فصول اللعبة وافرازاتها الخطيرة تقوده الى حقيقة على غاية من الوضوح والأهمية، وهي أنّ تلك اللعبة التي جرت فصولها على مسارح المسلمين لم تكن وليدة نزعة فردية أو نزوة عابرة منبعثة من روح المغامرة وحبّ الاستطلاع، بل انّ هؤلاء المستشرقين من انكليز وفرنسيّين وألمان ونمساويّين وهولنديّين وروس وغيرهم انّما جاءوا الى سوريا ولبنان والعراق وفلسطين والجزيرة العربية ليقوم كل منهم بدوره المرسوم بدقّة لهم.
وليس أدلّ على مانقوله أنّ اللعبة لم تكن مقتصرة على هؤلاء فحسب، بل انخرط في سياقها حتّى كبار الساسة الأوربيّين كنابليون بونابرت الذي قام بمهمة اختراق الشرق الإسلامي وفق المنهج المدروس القائم على طريقة «حصان طروادة» حينما حاول أن يجعل الائمة والقضاة ورجال الافتاء والعلماء يؤوّلون آيات القرآن الكريم بما يخدم مصلحة جيشه وأغراضه.
فقد قام بدعوة أساتذة الأزهر العلماء الستّين الى مجلسه فاستقبلهم استقبالاً عسكرياً رسمياً، وبدأ بالاطراء والمديح بالإسلام وبالنبيّ محمد(صلى الله عليه وآله) وباجلال القرآن! وقد بدا وكأنّه على أُلفة كاملة به! وقد نجحت خطّته هذه، فإنّه سرعان ما بدا سكّان القاهرة وكأنّهم فقدوا ريبتهم بالمحتلّين([20]).
ونفس الشيء فعله «ولهلم الثاني» امبراطور المانيا وملك بروسيا حينما وقف في مأدبة عشاء في سراي دمشق أقامها الوالي التركي على شرفه، فقام خطيباً في وجهاء المدينة الذين لبّوا دعوة الوالي قائلاً لهم: قولوا لثلاثمائة مليون مسلم: إنني صديق لهم! فصفّق الحاضرون كثيراً لامبراطور المانيا الذي جاء الى دمشق عن طريق القدس مروراً بوادي عجلان ليعلن صداقته للمسلمين!
ثم إنّه في اليوم التالي ذهب الى الجامع الأموي ووقف أمام قبر صلاح الدين فوضع اكليلاً من الزهور كتب عليه: «من ولهلم الثاني امبراطور المانيا وملك بروسيا الى ذكرى البطل صلاح الدين الأيوبي!» وهلّل العرب المسلمون لذلك تهليلاً كبيراً ولقبّوه بـ «الحجّي»!!
هذا في الوقت الذي يعلن فيه «لفنجستون» وهو أحد كبار المرسلين والمكتشفين ويقول عن الشعوب الشرقية المنهوبة وعن مهمّتهم أمام الملأ عام 1850م: نأتي إليها لكوننا أعضاء في عرق متفوّق! وخدمة لحكومة ترغب في تنشئة الأطراف الاكثر انحطاطاً في العائلة الانسانية! نحن أصحاب دين مقدّس ومسالم، ونستطيع بفضل سلوكنا المحدّد ومساعينا الحكيمة أن نصبح روّاد السلام لجنس لايزال هائجاً ومسحوقاً([21]).
وهكذا يدّعي م. روى: بأنّ استعمار الجزائر انّما هو بسط القانون ومنافع المدنيّة على السكّان الهمجيّين! وأقرب أسلوب عقلي لهذا هو أن يتمّ عن طريق الاستعمار المسيحي والمدنيّة الدينيّة([22]).
فاذن كان المستشرقون جند المسيحيّة الشمالية الذين وهبوا أنفسهم للجهاد الاكبر، ورضوا لأنفسهم أن يظلّوا مغمورين في حياة تموج بالحركة والصيت الذائع بينما حبسوا أنفسهم بين الجدران وراء أكداس الكتب المكتوبة بغير لسانهم، ويحاولون أن يجمعوا كلّ ماله صلة بالشرق المسلم قديماً وحديثاً من علوم ومعارف وعادات وتقاليد وطرائق تفكير وخصائص الأقاليم والبلدان.. الى غير ذلك، فجمعوا كلّ ذلك وعكفوا عليه وتأملوه ودرسوه ونظّموه ورتّبوه بعناية فائقة من أجل ارتياد دار الإسلام والتعريف بها حتّى يضمن للزحف الصليبي الجديد أن يسير على بصيرة من أمره فينتصر في النهاية كما هو مخطط له.
وهذه الحقائق التي كانت مطموسة بالأمس فقد ظهرت عند العامة والخاصّة من أوساط المسلمين، بل حتى المنصفون من غيرهم أخذوا يعترفون بها ويقرّونها.
فهذا الباحث المرموق «ادوارد سعيد» يقولها بقوة وشجاعة: لم أستطع أن اكتشف أية حقبة في التاريخ الأوربي أو الاميركي منذ العصور الوسطى تمَّ أبّانها بحث الإسلام أو التفكير فيه بصورة عامة خارج إطار ابتدعته العواطف والأهواء والانحياز والمصالح السياسيّة، وقد لايبدو هذا الاكتشاف مذهلاً ولكنّه يتضمّن كلّ مايتصل بجميع الفروع العلميّة والبحثيّة التي عرفت منذ مطلع القرن التاسع عشر أو التي حاولت أن تدرس الشرق دراسة منهجيّة ([23]).
وأهمية هذه الشهادة لا تكمن في كونها صادرة عن أحد أبرز المطلعين على ثقافة الغرب، ولا لكونه صاحب أطروحات مثيرة للجدل الواسع في الأوساط الغربيّة السياسيّة والاعلاميّة، ولا باعتباره أحد المفكرين المسيحيّين فحسب، وانّما تنبع قيمة شهادته من كونه صاحب اختصاص معمّق يشار إليه بالبنان في هذا الاتجاه. فهو يعمل أستاذاً للأدب الانكليزي في جامعة كولومبيا بنيويورك، وصاحب المؤلّفات القيمّة، والذي وصفته إحدى المجلات المتخصّصة في هذا المجال بـ «الرجل غير العادي الذي يكتب كتباً غير عادية»، ويكفي أن نذكر أنّ كتابه «الاستشراق» الذي صدر بالانكليزية قد ترجم الى تسع لغات في أقلّ من ثلاث سنين ([24]).
الإستشراق وعلاقته بالاستعمار:
وعلى العموم فانّ مايمكن تسجيله هنا هو أنّ الاستشراق لم يكن حركة نزيهة منذ البداية، إذ كان الهدف الرئيسي منه هو تنفيذ مشروع يرمي الى إدخال المسلمين في النصرانية باعتراف «روجيه غارودي» نفسه قبل إسلامه ([25]).
فرغم كل المحاولات المستميتة في الدفاع عن المستشرقين وكونهم «خَـدَمة» التراث، فان هؤلاء أمسوا في حرج من أمرهم بعد ظهور دراسات جادة أثبتت خطأ نظرتهم، واكّدت في الوقت نفسه تورّط المستشرقين بالتجسّس والعمالة لغايات سياسية واستعمارية ([26]).
كتب عالم الاجتماع الاميركي الشهير «ارنولد جرين» يقول: إذا كانت حكومة الولايات المتحدة ترغب في إقامة روابط سياسية واقتصادية وثيقة مع بلدان شعوب العالم بأسره، فانّ علينا أن نعرف أكثر ما نعرفه عن هذه البلدان وعن شعوبها: ما هي ثقافتهم، وماهي اتجاهاتهم السائدة نحو الولايات المتحدة ونحو النموّ التكنولوجي، وماهي معتقداتهم وانحيازاتهم التي يمكن التعرّف عليها، والافادة منها لجذبهم الى فلك نفوذنا! وماهي الأبنية الاجتماعية الطبقية السائدة ومراكز القيادة، ومن هم هؤلاء الذين نحتاج تعاونهم أشدّ الاحتياج قبل الشروع في تنفيذ مختلف البرامج، وبعد البدء في هذه البرامج، فانّ علينا أن نواصل جمع الاجابات على هذه الاسئلة جميعها بحرص والتأكّد منها ([27]).
إنّ الاهتمام الأوربي ثم الاميركي بالشرق المسلم كان سياسياً تبعاً لبعض المصادر التاريخية للمنطقة، لكن الثقافة الاستشراقية كانت هي العامل الرئيسي الذي خلق ذلك الاهتمام، والتي فعلت بحيويّة جنباً الى جنب مع الشؤون الاقتصادية من أجل أن تجعل من الشرق المكان المنوّع والمطلوب احتوائه.
ومن هنا فانّ الاستشراق ليس مجرد موضوع أو ميدان سياسي يتمّ فيه انعكاس صور الثقافة والتمدّن لدى الشعوب، كما أنّه ليس مجموعة كبيرة من النصوص المختلفة حول الشرق وأحواله فحسب، بل هو موسوعة ضخمة تضمّ بين دفتيها مجموعة هائلة من البحوث الاقتصاديّة والاجتماعية والسياسيّة والتاريخيّة والفقهية واللغوية، ومطالب كبيرة وواسعة تتعلّق بالشؤون الجغرافيّة السياسيّة كاملة، تلبّي حاجات كلّ من يهمّ بتنفيذ ما يناسب سياسته ومصالحه.
وهذا لا يقوم دون تبنّي وسائل مختلفة تساعد على الوصول الى الأهداف المرسومة: كالاكتشاف البحثي، والتحليل النفسي، والوصف الطبيعي والاجتماعي والاقتصادي.. وما الى ذلك.
وبايجاز: فانّ الاستشراق انّما هو نظام المعرفة الغربية بالشرق والشرقيّين. وهذا يعني أنّ الاستشراق هو إحدى وسائل السيطرة الأوربية على الشرق.
وبهذا الصدد يقول الباحث «ادوارد سعيد»: انّ وجود علاقة وثيقة بين السياسة والاستشراق، أو لنضع الأمر بشكل أكثر احتراساً: انّ الاحتمال الكبير لإمكانية استخدام الأفكار المستنبطة حول الشرق من الاستشراق لأغراض سياسية هو حقيقة هامة لكنّها حقيقة حسّاسة جداً ([28]).
ولذا فلم يعدّ سرّاً تلك العلاقة الوطيدة بين الاستشراق والاستعمار، بل يمكن القول انّ الاستشراق أصبح الطريق العلمي الذي من شأنه تهيئة الأجواء المناسبة لاحتلال البلدان الإسلاميّة، وأصبح المستشرقون بوجه عام موظّفين في دوائر الاستخبارات في وزارتي الخارجية والمستعمرات، بل وأصبحوا مستشارين لدولهم فيما يتعلّق بمواقفها السياسيّة والحربيّة من الدول الإسلاميّة، حتّى أنّه قام بعضهم بأدوار التجسّس تحت ستار مزيّف من الإسلام أو البحث الاكاديمي أو طلب العلم في المدارس والجامعات الإسلاميّة، بل انّ منهم من أصبح عضواً في المجامع العلمية([29]).
يقول الدكتور الدسوقي بصدد ذلك: وقد دأب هؤلاء على ديدنهم في الطعن بالإسلام وتعاليمه، ومّما ساعدهم على نشر مايريدون أمران: الأول: تظاهر بعضهم بالإسلام والثاني: ما تمتعّوا به في الحكم الإسلامي من حريّة علميّة([30]).
وبذلك يظهر أنّ العلوم ووسائله المتطوّرة قد خرجت عن حيادها العلمي وأصبحت أداة طيّعة بيد المؤسسات العسكرية، فتحالفت الأكاديميات العلميّة مع الجيش فباتت بمثابة مراكز التعبئة والإسناد «العلمي» لوزارات الدفاع والمخابرات والخارجية، وربّما كانت وظيفتها أهمّ من هذه الوزارات في تنفيذ مهامها الموكولة إليها والمتعلّقة في اجهاض الثورات وتفتيت حركات المقاومة في البلدان المستعمرة.
وعلى حدّ تعبير الباحثة الاميركيّة «مالدين جرافيتس»: أنّه يمكن أن نلخّص السياسة الاميركية الخارجية في جملة وردت في إحدى المقابلات لـ «ج. دبيرمان» يقول فيها: لقد كان الحلّ السابق لمنع الثورة هو عشرة عساكر لكلّ محارب مغوار، أمّا اليوم فالحلّ هو عشرة انژوبولوجيّين لكلّ محارب ثائر([31]).
لذا فانّ الجامعات والمدارس الأكاديميّة كانت مجال التجنيد التقليدي لأجهزة الاستخبارات في معظم الدول الأوربية، وكانت أيضاً توفّر أعلى درجة ممكنة من الغطاء العلمي والستار الأكاديمي للأنشطة المختلفة التي تمارسها تلك الأجهزة المشبوهة.
كتب الدكتور أبو الوفا التفتازاني يقول: وكان من بين العوامل التي أدّت الى عدم إنصاف الشيعة أيضاً أن الاستعمار الغربي أراد في عصرنا هذا أن يوسّع هوّة الخلاف بين السنّة والشيعة، وبذلك تصاب الأمة الإسلامية بداء الفرقة والانقسام، فأوحى الى بعض المستشرقين من رجاله بتوخّي هذا الفنّ باسم البحث الأكاديمي الحرّ. وممّا يؤسف له أشدّ الأسف أن بعض الباحثين من المسلمين في العصر الحاضر تابع أولئك المستشرقين في آرائهم دون أن يفطن الى حقيقة مراميهم([32]).
3- الدافع التجاري: فانّ بعد قيام الثورة الصناعيّة في أوربا، وبعد حصول «الانفجار» التكنولوجي في عالم الصناعة الغربي برزت أمام المستثمرين من أرباب الشركات التجاريّة - الصنّاعية، وأصحاب رؤوس الأموال ثلاثة حواجز مانعة من نفوذ برامجهم التي خطّطوا لها:
1- أنّهم أمام هذا الكمّ الهائل من الانتاج والذي بلغ حدّاً أن امتلأت مخازنهم منها، فكان الواجب البحث عن السوق التجاريّة لتسويق بضائعهم وصرف منتوجاتهم فيها، خاصّة بعدما امتلأت أسواقهم المحليّة وفاضت من هذه البضائع فأضحت كاسدة، فكان الحال أن انخفضت قيمتها بمرور الوقت وذلك مالايحمد عقباه.
2- ولأجل ضمان ادامة منتجاتهم الصناعيّة فلابدّ من إيجاد الثروات الطبيعيّة والمواد الأوليّة اللازمة في عملياتهم الصناعيّة، وبالتالي لضمان درّ الأرباح الخياليّة عليهم.
3- انّهم مابين هذين المطلبين المهمّين فلابدّ من ضمان ممرّات ومواقع استراتيجيّة مهمّة لتجارتهم بمثابة تأمين دائمي لارتباطاتهم بتلك الاسواق والمنابع الطبيعيّة الواقعة في أطراف الدنيا المختلفة.
وبعد الاستقصاء لم يجدوا غير الشرق وأهله موضع حاجتهم، فهو سوق هائل لمنتجاتهم، نظراً لما يتمتّع من صفات خاصّة تجعله موضع عناية أرباب هذه الشركات وأصحاب رؤوس الأموال الطائلة، ولما يحوي من منابع طبيعيّة قد منحها اللّه له أثارت شهيّة هؤلاء الأرباب وسال عليهم لعابهم.
وهنا برزت الحاجة الشديدة لدراسات المستشرقين وبحوثهم لتبنى على أثرها المخطّطات والبرامج التسويقيّة الحديثة ليتسنّى من خلالها معرفة أقاليم الشرق وبلدانه، ومياهه، وطقسه، وجباله، وسهوله، وزروعه وثماره.. والأهمّ من ذلك معرفة أهله وعقائدهم ورجاله وعلمائه وتقاليده.. وما الى ذلك من أمور لكي يعرف كيف يمكن الوصول إليه وبالتحديد الى «المواقع» المطلوبة دون أيّة حواجز أو موانع من أحد.
وهكذا لعب الاستشراق مرّة أخرى دوره باتقان كبير هنا، فحاول الاجابة على جميع التساؤلات، وقدّمها على طبق من ذهب أمام أرباب الشركات الصناعية الكبرى وأصحاب الوكالات التجارية الضخمة.
أمثلة من التاريخ:
فمن قبل كانت مدينة حلب هي طريق تجارة الشرق الى الغرب وبالعكس، وكانت ملتقى الطريق بين آسيا والشام في الجزيرة والعراق، وأنّها ظلّت محتفظة بهذا المركز التجاري المهمّ الى قبيل اكتشاف طريق الرجاء الصالح وقبل افتتاح قناة السويس. وقد دلّت بعض المصادر على أنّ الانكليز - كما تقدّم ذكره - كانوا من أوائل الاجانب الغربيّين الذين أسّسوا في حلب وكالة تجارية وقد عرفنا الدور الذي لعبه المستشرق «ادوارد بوكوك» في تأسيس الوكالة وضمان دوام عملها; طبقاً لعقد العمل الذي وقّعه مع الوكالة، وأنّ الأساس أنّ المهمّة التي أسندت الى «بوكوك» كانت ترتبط بشركة «ليفانت» الانكليزية التي أرادت أن تعيّن كاهناً لها يدير اعمالها المنوطة إليه، ويكون مقرّه حلب تحت عنوان: «ليخدم الجالية الانكليزية المقيمة هناك» وكان قد وقع الاختيار عليه نظراً لكفاءته العالية ومعرفته الفائقة للمبادئ الاساسيّة للعربية، وهو الجامعي المتخصّص بالدراسات الشرقية في جامعة «اكسفورد» فنزع عندها ثوبه الجامعي وارتدى اللباس الكهنوتي لكي يتمّ انجاز المهمّة على أكمل وجه!
ومن بعد «حلب» كانت «مصر» التي كانت حلماً يشغل «لويس الرابع عشر» ملك فرنسا بعد أن لفت نظره الفيلسوف «ليبنتز» عام 1672م نحو غزو مصر بدلاً من هولندا، لأن مصر حسب قول الفيلسوف: «ماهي إلا هولندا الشرق!» وفي حال أصبحت فرنسا سيدة هذه البلاد ستسيطر على البحر الأبيض المتوسط، وستستولي على طريق الهند الشرقية، فتأمن بذلك الممرّ التجاري العالمي لشركاتها ومراكزها التجارية، وبعبارة أوضح: ستسيطر على تجارة العالم([33]).
لقد ظلّ هذا المشروع قيد التداول في أوساط الدبلوماسيّين والمبشّرين والتجّار فترة طويلة الى أن خرج الى النورقبيل الثورة الفرنسيّة عام 1789م ليصبح في متناول الرأي العام الفرنسي، وكان للمستشرقين «سفاري» و«فولني» دور كبير في تبيان منافع هذا المشروع لمصالح فرنسا السياسيّة والتجاريّة.
وقد كتب «فولني» بهذا الصدد كلاماً طويلاً، وهو يعتبر ثمرة بحثه ودراسته لموقع مصر الاستراتيجي وما تضمّ من ثروات طبيعيّة هائلة، لا بأس أن نقتطف منه شيئاً، يقول:
«إنّ مصر تساوي في اتساعها خمس فرنسا، وفي غنى أرضها تكاد تضاهيهاكما أنّ بمقدورها أن تسدّ حاجات أوربا وآسيا من المحاصيل كالقمح والأرز والقطن ونسيج الكتّان وشجرة النيلة والسكّر..، ولاعواقب من حيازتنا فقط لمصر حتّى لو اضطرّنا الأمر خسارة كل مستعمراتنا، وهذا لأنّها على مقربة من فرنسا، إذ تكفينا عشرة أيام فقط لتقودنا أساطيلنا من طولون الى الاسكندرية، ثغورها الدفاعيّة ضعيفة ومن السهل فتحها والاحتفاظ بها، ثم بامتلاكنا لها تصبح هذه المنافع إضافات لا تقلّ أهمية عن غيرها، بواسطة مصر نصل الى الهند، ونحوّل بالتالي كل التجارة نحو البحر الأحمر، ونعيد الحياة للمرور القديم عن طريق السويس، ونتخلّى عن طريق الرجاء الصالح، وبواسطة قوافل اثيوبيا سنجذب إلينا كل ثروات افريقيا الداخليّة، ثم بتسهيلنا الحجّ الى مكّة بكلّ تجارة البربر حتّى السنغال، وستصبح فرنسا بالذات - بمستعمرتنا هذه - مرفأ للتصدير لأوربا والعالم»([34]).
4- الدافع الشخصي: فإنّ هناك دوافع أخرى عند بعض الغربيّين ليست سياسيّة ولا تجارية تولّدت نتيجة ظروف خاصّة قامت على أساس تلبية رغبة ملحّة للسفر أو الاستطلاع على العالم الآخر، أو اشباع حاجة نفسانيّة تتعلّق بخصوص حبّ الاطلاع على الثقافات القديمة أو على تقاليد وعادات شعوب العالم القديم.
كتب الدكتور محمد البهيّ يقول في هذا الصدد: وكانت بجانب هذا وذاك أسباب شخصية (لنشأة الاستشراق) عند بعض الناس الذين تهيأ لهم المال والفراغ، واتخذوا الاستشراق وسيلة لإشباع رغباتهم الخاصّة في السفر أو في الاطلاع على ثقافات العالم القديم، ويبدو أنّ فريقاً من الناس دخلوا ميدان الاستشراق من باب البحث عن الرزق عندما ضاقت بهم سبل العيش العادية، أو دخلوه هاربين عندما قعدت بهم امكانياتهم الفكريّة عن الوصول الى مستوى العلماء في العلوم الأخرى، أو دخلوه تخلّصاً من مسؤولياتهم الدينيّة المباشرة في مجتمعاتهم المسيحيّة([35]).
علاقة الاستشراق بالمسلمين:
ذكرنا أنّ دار الإسلام ظلّت مرهوبة مخوفة، لم تستطع الصليبيّة المقهورة أن تحاول - مجرّد محاولة - اختراقها لعدّة قرون، وكانت المناوشات والصدامات على الثغور والأطراف تحسم دائماً لصالح المسلمين، ولمّا أجمعت الصليبيّة بجحافلها الغاشمة فحاولت اختراق الديار الإسلاميّة في مطلع القرن السادس الهجري بقيادة بريطانيا وفرنسا والمانيا، فواجهت صلابة وصمود منقطعي النظير، فرجعت بعد نحو قرنين من الزمان مقهورة أيضاً، بل أضافت الى قهرها دفعها للجزية للمسلمين هذه المرّة، فزادها ذلاً واستكانة.
لذا فقد عزمت الصليبيّة الحاقدة على تغيير أسلوب عملها بالاعتماد على سياسة جديدة تتأخذ من الالتفاف بلطف حول الديار الإسلامية واختراقها برفق ثم العمل على زعزعة أهل هذه الديار وتحطيم معنوياتهم أساساً لها.
ومن هنا ظهرت الحاجة الملحّة الى روّاد يرتادون لها الطريق ويعتمدون على برنامج واستراتيجية توضع في هذا الاتجاه. ولم تجد غير «الاستشراق» أداة مفضّلة في تلبية مطالبها وتنفيذ مخطّطاتها، وهكذا اصبح «المستشرقون» جند الصليبيّة الأمناء وطلائعهم الذين يرتادون لهم الطريق نحو قلب الديار المسلمة، فكان عملهم يتلخّص في:
أولا: ارتياد دار الإسلام بلا ضجيج، متنكّرين بثياب تجّار أو طلبة علوم دينيّة وتحت ستار معيّن، مع رصد ميزانيّة مفتوحة تغطي هذه الرحلات.
كتب الدكتور جبور الدويهي يقول: في الفترة الممتدة من 1665 - 1745م طبع في فرنسا وحدها ما يزيد عن مائة وخمسين رحلة، منها على الأقلّ مائة رحلة جديدة، قسم منها كبير الى الشرق. وممّا يساعد في زيادة الاهتمام بالشرق (الإسلامي) تشجيع الوزير الأول الفرنسي «كولبير» للمسافرين عبر مدّهم بالمال واحتياجات الرحلة، وخلق أكاديمية النقوش والآداب، وأنشأ مدرسة «شبان اللغات» الذين كانوا يُرسلون على حساب الملك الى الشرق لدراسة اللغات الشرقية هناك([36]).
ثانياً: معرفة هذه الديار وأهلها وطبائعهم وتقاليدهم وعقائدهم.. وكلّ ماهو له صلة بحيثيات حياتهم وعلاقاتهم مع بعضهم أو غيرهم.
ولقد أبدع ببراعة الاستاذ حسن السعيد في تصوير هذه المهام، فقال: وهكذا انطلق صوب «طروادة» الشرق أكثر من حصان، ولكنّها لم تحمل هذه المرّة فرساناً مدجّجين بالسلاح، انّما كانوا جمعاً حاشداً من نوع آخر يتزاحم فرسانه عل بوابات العالم الإسلامي وحواضره، في مقدّمتهم رجال مسالمون، حملوا في صدورهم شارة الصليب، وعلماء آثار يرحلون الى عمق التاريخ، ينقبون في اطلاله الدارسة، ويستنطقون معالم الحضارات القديمة، وتجّار يجوبون ببضاعتهم الآفاق، وأطبّاء ترافقهم أكياس الأدوية، وجوار حسناوات يتطلعن الى حريم السلطان، وجواسيس تظاهروا بالإسلام وأطلقوا على أنفسهم الأسماء الإسلاميّة.. وفي هذا السياق انطلق المخطّط الجديد، وبدأ التنفيذ حينما شرع هؤلاء بالتقاطر على المنطقة وتحت واجهات عديدة من باب توزيع الأدوار([37]).
ثالثاً: التعريف بكلّ ذلك لأربابهم والدوائر التي أرسلتهم لتصبح بمثابة الإسناد «العلمي» لحملاتهم على المواقع التي حدّدوها لهم. فالحملة على مصر - مثلاً - لم تكن ثمرة مشروع عرضي تولّدت من عبقرية نابليون الاسطورية أو من بنات فكره الوقّاد هكذا دفعة واحدة، وانّما جاءت نتيجة توليف لكل المشاريع السابقة التي كانت متداولة لدى «الروّاد» الأوائل، وتحقيقه المتأخّر ماهو إلا الأداة المنفذة التي استعانت بما وفّرتها لها الظروف من تطوّر تقني وغير ذلك.
ومن هنا فيمكن القول بأنّ نابليون لم يرى الشرق المسلم في البدء في النصوص الكلاسيكيّة كما هو المشهور، بل من قبل الخبراء الاستشراقيّين الفرنسيّين الذين سخّروا علومهم وتجاربهم وامكانياتهم البارعة لخدمة هذا الاتجاه، ولعلّ من أبرزهم المستشرق الداهية «الكونت دوفونتي» الذي كان المؤثّر البارز في طريقة تفكير نابليون المبتنية على أساس الغزو العسكري المغلّف بغلاف إسلامي، أو بأقلّ تقدير «صديق المسلمين»، فقد أشار صراحة الى صوابية «فولني» في تأملاته حول الحملة الفرنسية على مصر وسوريا المدوّنة في كتابه «رحلة الى مصر وسوريا» المنشور في مجلّدين عام 1798م، فأملاها فيما بعد على الجنرال «برتران» في جزيرة القديسة «هيلانة» فقال: إنّ فولني رأى أن ثمة ثلاثة حواجز في وجه السيطرة الفرنسية في الشرق، وأنّ على فرنسا أن تحارب لذلك ثلاثة حروب: الأولى ضدّ انكلترا، والثانية ضدّ الباب العالي العثماني، والثالثة وهي أكثرها صعوبة ضدّ المسلمين([38]).
ولقد فهم نابليون «نصائح» فولني فهماً دقيقاً، وشرع في تنفيذه بمجرّد مالاح الظهور الأول للجيش الفرنسي في الأفق المصري. فقد بذل «نابليون» مافي وسعه من جهد لإقناع المسلمين المصريّين بـ «انّنا نحن المسلمون الحقيقيون!» و«انّنا جئنا لكي نحارب من أجل الإسلام» وقد ترجم كلّ ماقاله الى عربيّة قرآنيّة فصيحة تماماً، كما أوصى قوّاد جيشه بأن يحثّوا جنودهم على تذكر الحساسيّة الإسلاميّة دائماً، عملاً لنصيحة «فولني» وارشاده([39]).
وعلى العموم فإنّ الفكر الاستشراقي قدمرّ بمرحلتين في علاقته بالمسلمين:
المرحلة الأولى:
وهي التي كان فيها هذا الفكر موجّهاً الى الانسان الأوربي خاصّة، وقد بدأت هذه المرحلة منذ بداية الاستشراق والى عصر الهيمنة الاستعمارية.
إذ انّه دأب في هذه المرحلة الطويلة على تقديم الإسلام في صورة منفّرة بشعة تثير الاشمئزاز منه والرغبة في القضاء عليه قضاءً مبرماً، وتصوير أهله على أنّهم ارهابيّين قتلة.. شهوانيّين.. شرهين.. راكبي جمال رعاع.. ليست لهم رغبة في التحضّر مطلقاً، وبالتالي فان وجودهم يعتبر إهانة حقيقيّة للحضارة والتحضّر الانسانيّين!! وقد عمّموا هذه النظرات عبر قنوات الصحافة والكتب على الرأي العام الغربي، وذلك خوفاً من أن ينتشر هذا الدين بين الأوربيين كما حصل للمسيحيّين القاطنين في البلاد الإسلامية.
والمسلمون - بوجه عام - في تلك المرحلة لم تكن لهم دراية بالفكر الاستشراقي ولا بأغراضه الخبيثة، فضلاً عن أنّهم لم يكن لهم اهتمام كاف بما يجري حولهم من نشاط فكري وتحرك ثقافي شرس، وكلّ ماكان يعرفونه أنّ «هؤلاء» انّما جاءوا ليستنيروا بنور العلم والايمان، ويحملوا ما يستطيعوا أن يحملوه من التراث الإسلامي ويعودوا الى أوطانهم. أي أنّهم كانوا في نظر جمهور المسلمين مجرّد طلاب علم، ومن ثم عوملوا أكرم معاملة.
المرحلة الثانية:
وتبدأ هذه المرحلة عندما غزت أوربا العالم الإسلامي وبدأت جحافلها تطأ بلاد الإسلام، وتعمل على بسط نفوذها عليها، وبدأ - حينئذ - الفكر الاستشراقي أنّه لم يعد موجّهاً للأوربيّن وحدهم، وانّما أصبح موجّهاً كذلك الى المسلمين.
فقد سعى هذا الفكر الى رسم سياسة الاحتلال والهيمنة، وتوجيه قنواته البغيضة بين المسلمين في مجالات التعليم والثقافة والاجتماع فضلاً على الاقتصاد.
وفي مستهلّ هذه المرحلة انقدح وعي المسلمين بما يجري حولهم، وبرزت اهتماماتهم اتجاه مايحدث في بلادهم، ومّما ساعد على ذلك أصوات طائفة منهم التي علت بالدعوة الى حثّ عوام المسلمين بالحذر ممّا يكيد بهم الأعداء الغاصبون من مخطّطات رامية الى احتلال بلادهم ونهب خيراتهم بوساطة أعداء اللّه والشعوب: المستشرقين وأضرابهم.
كتب الدكتور الدسوقي بصدد ذلك يقول: في مستهلّ هذه المرحلة نشب الصراع الفكري بين طائفة من المسلمين وبعض المستشرقين، وقد ظهرت كتابات منذ نحو قرن تحذّر ممّا يخطّطه الاحتلال بوساطة الاستشراق والتبشير، وإن جاءت في صورة ردود على هؤلاء المستشرقين الذين حاولوا النيل من الإسلام وثقافته وصلاحيته للتطبيق الدائم. ولكن هذا الصراع - وإن نبّه الى الخطر - لم يحل دون بلوغ الغاية التي في ميادين التربيّة والثقافة، فقد تخرّجت أجيال في ظلّ نظام تربوي له فلسفته الماديّة التي لا تلتقي مع فلسفة التربيّة الإسلاميّة، ونجم عن هذا ظهور مايسمّى بالثنائية الفكريّة، وما تمخّض عنها من تمزّق ثقافي أتاح الفرصة لكلّ الاتجاهات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعية الوافدة والداخلية أن تجد لها أنصاراً يؤمنون بها ويدافعون عنها ممّا ضاعف من حدّة الصراع بين التيارات المتناقضة في المجتمع الإسلامي، وتبديد طاقاته فيما لا يعود عليه إلا بمزيد من الضعف والتخلّف والتبعيّة([40]).
إذن لم يقتصر الفكر الاستشراقي على مخاطبة العقل الأوربي فقط، كما لم تقتصر كتابات المستشرقين ودراساتهم المتعدّدة على حماية المسيحي الأوربي من اعتناق الدين الإسلامي الحنيف وإن كان هذا هو الهدف الأول، وانّما تجاوزت الى «محاولة إلغاء النسق الفكري الإسلامي، ومحاولة تشكيل العقل المسلم لممارسة هذا الدور، والتقدّم باتجاه الجامعات والمعاهد ومراكز الدراسات والاعلام والتربيّة في العالم الإسلامي، لجعل الفكر الغربي والنسق الغربي هو المنهج والمرجع والمصدر والكتاب والمدرّس في كثير من الأحيان»([41]).
الإجراءات اللازمة لمواجهة الاستشراق والتبشير:
ولكن الإسلام - وعلى مدى صراعه مع الغرب بكل وسائله وإمكانياته - تترَّس بعوامل المقاومة الذاتيّة التاريخيّة التي يملكها من أسباب عقائديّة وحضاريّة سامية جعلته يكتسب نوعاً من «المناعة» الذاتية التي كانت لها الأثر الكبير في تحطيم موجات التدمير والابادة الحضاريّة الآتية من الغرب المسيحي، وفي كلّ مرّة تتحرّر بعض القدرات «الكامنة» في المجتمعات الإسلاميّة لتفاجئ الغرب ووسائله التقنية المتطوّرة بعوامل جديدة في المقاومة والانتفاضة والتصدّي. كما حدث في إيران من ثورة عارمة هزّت كيان الغرب بشدّة وزعزعت عروش أربابه بقيادة رجل الإسلام الخميني العظيم v.
ومّما لا ينكر أنّ هذه «القدرات الكامنة» هي إحدى الألطاف الربانيّة التي أفاضها اللّه سبحانه على المسلمين بفضل دعوات الرسول الأمين (صلى الله عليه وآله) لأمته من بعده.
لكن هذا لايعني الجلوس في بيوتا «الزجاجيّة» وندع القدر يأخذ مسيره فينا من دون أن نحاول اتّخاذ وسائل الدفاع وتبنّي مواقع المقاومة ضدّ هذه الهجمات الشرسة التي تحاول محو ديننا وابادة عقائده وقيمه التي أنزلها اللّه تعالى لخدمة الانسان ومجتمعه على هذه البسيطة.
ذلك لانّنا نلاحظ أن هناك خطط ومؤامرات خبيثة تحاك بأحدث الطرق والوسائل المتطوّرة وبتقنية عالية وفقاً لآخر المنهجيات التي أفرزتها عقول همّها تدمير الشرق المسلم وأهله من خلال احتواء عقائده ومبادئه وقيمه واستبدالها بأخرى وضعيّة مغلّفة بشتّى الأغلفة البرّاقة، وتحت شعارات مختلفة ودعوات متعدّدة لأجل بلوغ غاياتها المرسومة لها.
ومن هنا فلابد من العمل في اتّخاذ بعض الوسائل لمواجهة هذه الموجات الشرسة ومحاولة استئصالها.
1- بثّ الوعي:
فإن توعية الناس تعدّ من أبرز مهام المثقفين الغيورين من أبناء هذه الأمة من خلال بثّ الثقافة الإسلاميّة الأصيلة، وإشاعة القيم الحقيقيّة التي يتبنّاها الإسلام، والسعي المتواصل في إثارة وعي الأمة حول القضايا الراهنة والمصيريّة.
وهنا ينبغي الإشارة الى ضرورة كون التوعية بدرجة تمكّن الفرد المسلم من التمييز بين الثقافة الإسلامية الأصيلة والثقافة الدخيلة، وبين ماهو خرافة وانحراف وماهو حقيقة دينيّة رفيعة، إذ بدون هذا الوعي تنطلي مؤامرات التزوير على الواقع والتاريخ والحقيقة الاصيلة التي يمثّلها الإسلام الحنيف.
وهل هناك أدلّ مثال في تاريخنا المعاصر على مؤامرات التزوير على الدين والتاريخ والحقيقة الأصيلة التي تمارسها جماعة تطلق على نفسها «حركة الطالبان» التي تعشعش في كهوف وجبال بلاد افغانستان المسلمة؟؟ تدّعي الإسلام وهي تقتل وتذبح أهله وتشوّه صورته الناصعة الأصيلة!!
إذن فالوعي الكامل لدى أفراد الأمة يعتبر الأساس في نجاح المشروع الإسلامي الذي يتبنّى مقاومة الهجمات التبشيريّة والاختراقات الاستشراقيّة، والتزام «مواقع» التصدّي لحملات الهيمنة الاستعمارية والصهيونية العالمية، ولولا وعي الأمة لم تؤتي أية محاولة تبنّي مشروع المقاومة ثمارها المرجوّة، ولا يكتب لها النجاح إلا إذا عمَّ هذا الوعي الذي فيه يتميّز الأصيل من الدخيل.
إضافة الى ذلك فانّ بثّ الوعي يعتبر من أبرز مهام المثقف الرسالي الذي ينهض بهذا الدور انطلاقاً من مسؤوليته التي عهدها اللّه سبحانه له، والمتمثلة في «تنسيق» عقل الأمة على أساس الشرع الإسلامي المتكامل و«تجديد» هويتها الثقافيّة الوضعيّة الى هوية ثقافيّة ربانيّة محضة.
وهذا الدور يتطلّب من المثقف الرسالي:
* التسلّح الذاتي بعوامل «المناعة» الثقافية المستمدّة من معاني الفكر الإسلامي السامي.
* الاطلاع الواسع على الأحداث الجارية في الأمة ومحاولة ربط خيوطها مع بعضها.
* توطين النفس على الاخلاق الكريمة التي دعا إليها الإسلام من الصبر والجلد والثبات وسعة الصدر و... و...
* الكفاءة العالية وبدافع رسالي يتحدّى الصعوبات المستجدّة.
* التوافر على آليات قادرة على تعزيز القدرة على ممارسة المهام.
ولا تقف التوعية عند حدود معيّنة، بل ينبغي تنمية وعي الأمة الى المستوى المطلوب الذي يؤهلها للقيام بدورها الحضاري، ويصبح الوعي السياسي في دائرة اهتمامها، وتكريس المعنى في ذهنيتها وهو أنّه لايوجد انفصال بين الثقافة والسياسة، بل الثقافة هي التي ترشد السياسة.
2- توسيع دائرة التوعية العامة لجميع أفراد المجتمع الإسلامي: لتشمل حتّى الطبقات الاجتماعية الفقيرة، فإنّ التبشير كان قد اتخذ الطبقات الاجتماعية الفقيرة هدفاً له ومنحه الأولوية في ذلك، ذلك لأنّه يصعب عليه الاصطياد غالباً في المياه العكرة لكنّه يستطيع ذلك بسهولة في المياه السلسلة والمتمثّلة في الطبقات الاجتماعية الفقيرة في المجتمع المسلم بعد أن يمنحها من العطايا ما يمكنها تعتقد أنّ جماعات التبشير انّماهم «رسل الرحمة» و«النعمة» في زمن القحط والمسكنة.
وأوضح مثال فيما نذهب اليه مايحدث في المناطق المسلمة في شمال العراق وبعض مناطق جنوبه من نشاطات المبشّرين المبشوهة التي تغدق على أهالي تلك المناطق من العطايا و«النِعَم» مقرونة بكتاب «الانجيل المصوّر» تحت عنوان «المساعدات الانسانية للمناطق المنكوبة».
وليس أقلّ منه ممّا يحصل لمسلمي كوسوفو المضطهدين وماتقوم به الكنيسة الآن من نشاطات جمّة تصبّ في «مساعدة المنكوبين» و«حماية المضطهدين من سكان اقليم كوسوفو».
ومن هنا كان الواجب على علماء هذه الأمة ومثقفيها الرساليّين من توجيه اهتماماتهم باتجاه هذ الطبقات وكسب محبّتهم وبثّ الوعي فيهم ليخلقوا فيهم بعض «المناعة» اللازمة لمقاومة هذه «الاطراف» الدخيلة.
فغياب الثلّة المثقفة المخلصة في «المجتمعات» الفقيرة، وعدم تحمّل همومهم تعتبر ظاهرة سلبيّة تساهم بشكل أو بآخر في تعقيد الأزمات الثقاقية والاجتماعية، وبالتالي انّما يكون إعانة غير مباشرة للحركات الاستشراقية، فكأنّه يعمل على بسط الطرق وتبليطها امام عجلات زحفهم الهائلة.
فالحقّ انّ هذا الدور انّما يعتبر الحقل التطبيقي للمثقف الرسالي، ودائرة مصداقيته وسط الأمة.
3- اعتماد المنهج الإسلامي للحركة التربوية: وذلك من خلال ممارستها في صفوف جيل اليافعين: في المدرسة والبيت والشارع، وهذا لا يتمّ إلا من خلال استبدال المناهج الوضعية التي خصّها الغرب وسعى الى أن توضع في مناهج مدارس المسلمين وجامعاتهم العلمية الى مناهج تستمد وحيها من القرآن الكريم الذي يعتبر المرجع الأول للفكر الإسلامي الرفيع، ومن الأحاديث الصحيحة عن الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين(عليهم السلام) وصحابته المنتجبين(رض).
إن ممارسة التوعية «الصحيحة» في صفوف الجيل الصاعد انّما هو ضمان لمستقبل الأمة ومسيرتها الدائمة، فالجيل اليافع النابض بالشباب والحياة اذا تسلّح بالثقافة الإسلاميّة الرفيعة، وتبنّى المنهج القرآني كطريق حياتي لهم فسوف يمكن القول انّه لاخوف على مستقبل هذه الأمة ولا على رسالتها السمحاء.
4- توسيع نطاق التعاون بين البلدان الإسلاميّة: في مجال تبادل الخبرات اللازمة باتجاه التصدّي لهجمات الاستشراقيّين، ومنع اختراقهم الديار الإسلامية الحصينة، وذلك لأجل تعزيز:
* التكامل في البرامج العملية المقرّرة عند هذه البلدان المسلمة من خلال تنوّع الآراء والخبرات والطرق الأفضل للمواجهة.
* زيادة الامكانيات اللازمة في عملية المواجهة باتخاذ أحدث الصناعات التقنيّة في هذا المجال.
* منح مساحة واسعة من «مواقع» المواجهة والتصدّي المشتركة بين البلدان الإسلامية المعنيّة.
* كسب وتعزيز «الجماعية» في العمل والحركة الذي يضفي صفة الشعور بالقوة والنصر المؤزّر لدى المتصدّين في هذا الاتجاه.
* الاثارة اللازمة للرأي العام وتوجيه اهتمامه باتجاه هذه النشاطات الخطيرة التي يقوم بها الأعداء.
إنّ توسيع نطاق التعاون في هذا المجال لايمكن أن تتمّ أوجهه بدون تبنّي الحكومات الإسلاميّة تنفيذ هذا المشروع من خلال تنظيم وترتيب برامج العمل، وتهيئة الظروف المساعدة له، وخلق المناخ المناسب له نظراً لما تتمتّع به هذه الحكومات من إمكانيات هائلة ووسائل مختلفة يمكنها أن تسد حاجة العاملين والمتصدّين الماسّة.
لكن إناطة هذه الأدوار بالحكومات الإسلامية لا تعني إلغاءً لدور غيرها من المؤسسات الفكرية والمراكز الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، ومن الشخصيات الاجتماعية والعلمائية ممّن تقع عليهم مهام أخرى تختلف عن هذه المسؤولية.
فعندما تمارس الحكومات دورها في هذا المجال لا يحجم دور المفكر والفقيه والكاتب والصحفي والأديب والشاعر والمعلم وربما الرياضي في ذلك.
ذلك لأنّ المجتمع الإسلامي - بطبيعة حاله - غزير بالمواقع المهنيّة والاجتماعية المتعدّدة - لتعدّد الطبقات الاجتماعية والثقافية فيه - التي تتنوّع فيها الأفكار والمستويات العلمية فتكثر الميادين التي يمكن أن يتخذها الاعداء كمواقع متحركة لنشاطاته، ومن هنا تبرز أهمية التكاتف بين شرائح المجتمع الإسلامي في مواجهة هذه «المواقع» المتحركة، وتكثيف المساعي في هذا الصعيد مع مشاركة الناس في هذا الهدف المقدس.
فصفة القدسية لايمكن تُضفى على هذه النشاطات اذا لم تر الناس «الفقيه» و«المجتهد» و«المعلم» و«القاضي» و«التاجر» و«المفكر» سائرين مع الركبان باتجاه واحد، فتشتعل الرغبة لدى الناس لاشعورياً بالمشاركة والتحرك وفق ما تمليه عليهم مشاعرهم الدينيّة التي فُطروا عليها .
وبعبارة أخرى: انّ الثقافات المختلفة والأفكار المتعدّدة لابدّ أن تتحوّل الى ثقافة شعبية عامة وفاعلة، تصبّ كلّها في الوجدان الشعبي العام لأجل «تسليحه» ضدّ كلّ ماهو غريب عن ذهنيّة وفطرة الرأي العام المسلم. وهذا مايستدعي التكاتف والتعاون فيما بين المفكّرين والفقهاء والأدباء والشعراء والعلماء والصحفيّين والمعلمين والجامعيّين... وغيرهم النزول الى الشارع العام ومخالطة الناس: صغيرهم وكبيرهم، غنيّهم وفقيرهم، والاشتراك في الحديث معهم عبر الاشتراك في الممارسات العبادية على مستوى صلاة الجمعة والجماعة على سبيل المثال، أو في المعاملات على صعيد الواقع القانوني والشرعي، أو في العلاقات على صعيد الندوات الشعبيّة والملتقيات الاجتماعيّة.. وما الى ذلك.
5- تطوير وسائل التبليغ والتوعية العامة: لتشمل:
* الاذاعة والتلفزة المصوّرة عبر القنوات المحلية والمحطّات الفضائيّة.
* السينما التربويّة الهادفة.
* الصحف والمجلات بجميع اختصاصاتها المتنوّعة.
* الكتب والمنشورات الدورية والموجّهة.
* الندوات العلمية والتثقيفية العامة المنعقدة في محضر شعبي واسع.
* صلاة الجمعة والجماعة.
* المدارس والجامعات وحلقات الدرس.
* المؤتمرات السنوية المخصّصة للبحث على هذا الصعيد.
ويكاد لايخفى مالإقامة هذه المؤتمرات من دور حيوي على صعيد برمجت العمل وتنظيمه، بالاضافة الى ماتلعبه من فسح المجال أمام «الآخرين» من المشاركة في وضع خطّة عمل أو تقديم اقتراح يخصّ هذا المجال، إضافة الى هذا وذاك ما تمارسه من دور فعّال في توجيه اهتمام الأمة توجيهاً حيوياً ليشمل كلّ أفراد الناس على اختلاف ثقافتهم وطبقاتهم الاجتماعية، ممّا يساعد - الى حدّ كبير - على تصوير المشكلة تصويراً وافياً وواضحاً فيزيد الاندفاع الشعبي العام باتجاه كسر الحواجز النفسيّة والاجتماعيّة المانعة الى حدّما من «الاشتراك» في هذه المواجهة المصيرية.
وممّا يزيد أهمية هذه النقطة عندما نلاحظ أنّ هناك خطّة عمل مقابلة مدروسة للاستكبار العالمي لغرض المزيد من التعقيدات في علاقات المسلمين - باختلاف طبقاتهم وبلدانهم - ببعهضم البعض، وما يبذله من جهد في سبيل إبعاد المواقف المشتركة عن واقعهم السياسي والفكري والأمني والاجتماعي والثقافي، وتكريس الخلاف والتفرقة بينهم لأجل ضمان المناخ المناسب لتمرير مخطّطاته الخبيثة عبره.
فالوحدة الإسلاميّة من الممنوعات السياسيّة لدى الاستكبار العالمي، والتقارب بين المسلمين يمثّل خطّـاً أحمر في السياسة الدولية الغربيّة القائمة على معادلات تؤكّد إسقاط مصالح المسلمين لحساب مصالح الدول الغربيّة الكبرى، الأمر الذي يجعل «الوحدة» بين الجماهير المسلمة في مختلف البلدان عنواناً كبيراً في ساحة الصراع السياسي في مواجهة العالم الاستكباري البغيض.
مؤتمر الوحدة الإسلاميّة ودوره في المواجهة:
يكاد لا يخفى على أحد مالحركة التقريب بين المذاهب الإسلاميّة من «تطوّر» على مستوى الممارسة العملية لتواكب تطور الفكر الإسلامي في معالجة التحديات الجديدة التي تواجه الأمة الإسلاميّة، من خلال تعزيز الوحدة الواقعيّة المبنيّة على أساس المحبّة والتفاهم بين أطراف المسلمين، والذي يمثّل التحدّي الحادّ والحاسم للواقع الإسلامي كلّه المقابل للواقع الاستكباري، الذي يُراد منه السقوط تحت تأثير الضغوط القاسية التي تمارسها بشدّة الدوائر الاستكبارية الغربيّة.
فانّ الحرب الجديدة ضدّ الإسلام وأهله التي أشعلها الغرب المسيحي المستكبر تحت وصاية المستشرقين ونصائحهم قد تحوّلت اليوم الى حرب متعدّدة الأبعاد والمواقع والأغراض والأهداف، ودخلت فيها التقنية المتطوّرة من أجهزة التنصّت الالكترونيّة والأسلحة الحديثة ذات الدمار الشامل الموجّه من الأقمار الصناعية تحت عناية العقول الكمبيوترية المتطوّرة.
وأدلّ دليل على ما نذهب اليه مايحدث الآن في فلسطين ولبنان والعراق وافغانستان والسودان وأرتيريا ومورو وتركيا والصين والبوسنة والهرسك وفي البلقان من مجازر وحشية ومذابح جماعية وتهجير وقسوة منقطعي النظير.
ومن هنا كان الأمر الذي يفرض على الجميع من أفراد هذه الأمة الاستعداد والتكاتف بكلّ السبل والامكانيات المتاحة عند المسلمين لمواجهة هذه الحرب المتعدّدة الأغراض والأهداف.
لذا كان من الضروري للعاملين في التقريب أن يتحرّكوا باتجاه ايجاد واقع وحدوي على الصعيد الشعبي العام من أجل ضمان سلامة المواقع الداخلية وتوجيه كافة الاستعدادات والامكانيات والقدرات المختلفة لمواجهة الحرب المتعدّدة الأغراض والأهداف، والتصدّي - من خلال تكريس الواقع الوحدوي - لكلّ المؤامرات التي تحيكها الدوائر الغربيّة بمعيّة رجال الاستشراق القديرين، وأخرى التي ترسمها دوائر الصهيونيّة العالميّة في دهاليز وكالاتهم الاستخباراتيّة، وذلك - كخطوة أولى - عن طريق إقامة المؤتمرات السنوية، ودعوة الثلّة الغيورة من كافة شرائح المجتمع الإسلامي الكبير: الفقيه والمفكّر والأديب والكاتب والصحفي والجامعي وربّما المتصدّي، والذي يُراد منها:
* تحديد الأزمات والمشكلات المستجدّة في واقع الأمة الإسلاميّة، وتشخيص خطوطها العامة ليتمّ التعرّف على عمق هذه المشكلات ومدى خطورتها.
* الانفتاح على وجهات النظر المختلفة بين أطراف المسلمين فكرة ومنهاجاً ودليلاً، وصبّها في بوتقة واحدة لأجل صياغتها باتجاه المواجهة.
* توجيه الخطاب السياسي والاجتماعي والعلمي والثقافي والفكري من خلاله بحيث تنطلق مفرداته الصحيحة في«تحريك» العناوين المشتركة بين المسلمين، سواء في العبادات والمعاملات والعلاقات، كلّها في مواجهة حالات الاختراق الغربي والصهيوني.
* فتح الحوار السياسي المتحرك في التحديات الكبرى التي يواجهها المسلمون قاطبة في خط الصراع والمواجهة مع دوائر الاستكبار والصهيونيّة العالميَّين، وتعزيز دور المسلمين الفاعل في تقرير مصيرهم بالطريقة التي تتناسب ومصالحهم لا مصالح الغرب الضاغطة دوماً على مصالح المسلمين.
وبذلك فقد لعبت هذه المؤتمرات السنوية الدور الحركي الفاعل في ساحة الواقع الإسلامي على صعيدين:
الأول: توجيه اهتمامات الأمة الإسلاميّة الكبيرة نحو أهمّ المشكلات العاصفة بها، وتهييج الرأي العام حولها.
الثاني: إيجاد التفاعل الحركي في ساحة الواقع بدلاً من كونها مجرّد حالة ثقافيّة طارئة تنتهي بانتهائها.
ومن هنا فيمكن القول بأنّ إقامة هذه المؤتمرات سنوياً تعتبر إحدى الوسائل العمليّة في تنشيط «القوة الكامنة» في الإسلام باتجاه المواجهة والتصدّي.
وهذا ما نلمسه بوضوح في ردود الفعل الكثيرة على صفحات الصحف والمجلات العالمية والعربية الإسلامية وعبر شبكات الاذاعة والتلفزة المصوّرة في كل مرّة ينهي المؤتمر السنوي أعماله، وهو ما لايخفى على أحد.
الهوامش:
([1]). النساء / 102 .
([2]). أنظر «الإسلام والاستشراق» د. صالح زهر الدين: ص 83 ط بيروت.
([3]). القضايا الكبرى: ص 167 ط بيروت.
([4]). نقلاً عن كتاب «الإسلام والاستشراق» د. صالح زهر الدين: ص 85 .
([5]). الاستشراق والمستشرقون: مالهم وما عليهم، د. مصطفى السباعي: ص 13 ط 3 بيروت.
([6]). الفرنسيسكان واللغات اليونانية والشرقية في القرن الثالث عشر، د. مارتينيا نورونكاليا، ترجمة د. أسعد ذبيان: ص 18 ط بيروت.
([7]). المصدر السابق: ص 19 .
([8]). صورة العرب في الصحافة البريطانية د. حلمي خضر ساري: ص 30 ط بيروت.
([9]). عن فترة تلمذة «بوكوك» على استاذه الشيخ في حلب يراجع مقال «الشيخ فتح اللّه» والمستشرق «بوكوك» لسامي الكيالي، نشرته مجلة «العربي» الكويتية العدد (52) آذار 1963م: ص 60 .
([10]). المرجع السابق: ص 63 .
([11]). من روّاد الدراسات العربية في انكلترا: ادوارد بوكوك، بقلم ب. م. هولت، ترجمة د. يوئيل يوسف عزيز، نشرته دورية «الاستشراق» البغدادية العدد(2) شباط 1987م: ص 24 .
([12]). في مقال تحت عنوان «الشيخ فتح اللّه والمستشرق بوكوك» نشرته مجلة «العربي» الكويتية العدد (52) آذار 1962م: ص 63 .
([13]). الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي د. محمد البهيّ: ص 532 ط بيروت.
([14]). نقلاً عن مقال «المشرق في أدب الرحّالة الفرنسيّين بين حربي 1914 و1939م» نشرته مجلة الفكر العربي السنة (5) العدد (32) 1983م: ص 71 .
([15]). دين محمد: ج 2 ص 139 نقلاً عن كتاب «محاصرة وإبادة: موقف الغرب من الإسلام» د. زينب عبد العزيز: ص 35 ط بيروت.
([16]). نقلاً عن كتاب «محاصرة وإبادة: موقف الغرب من الإسلام»: ص 36 - 37 .
([17]). الفرنيسيسكان واللغات اليونانية والشرقية في القرن الثالث عشر د. مارتينيا نورونكاليا، ترجمة د. أسعد ذبيان: ص 161. بيروت.
([18]). الاستشراق: المعرفة، السلطة، الانشاء. ادوارد سعيد، ترجمة كمال أبو ديب: ص 105 بيروت .
([19]). المصدر السابق: ص 105 .
([20]). الاستشراق: المعرفة، السلطة، الانشاء لادوارد سعيد: ص 109 .
([21]). بعض مقدّمات الاستتباع: المرسلون وشعوب ماوراء البحار د. غريغوار مرشو: ص 89 نقلاً عن مجلّة «رسالة الجهاد» العدد (70) السنة السابعة 1988: ص 89 .
([22]). صور من تاريخ الجزائر. م. روى: ص 237 نقلاً عنه كتاب «نقد البعثة الفرنسية الى الجزائر» د. مروان بحيري: ص 85 .
([23]). تغطية الإسلام، ترجمة سميرة نعيم خوري: ص 54 ط بيروت.
([24]). انظر مراجعة الكتاب والتعريف بمؤلّفه في مجلّة «الفكر العربي» البيروتية العدد (32) نيسان - حزيران 1983م: ص 152 .
([25]). نقلاً عنه «المنهج في كتابات الغربّيين عن التاريخ الإسلامي» سلسلة كتاب الأمة، قطر 1411هـ: ص 38 .
([26]). للمزيد من الاطلاع في هذا الموضع يراجع كتاب «الدراسات العربيّة والإسلامية في أوربا» د. ميشال حجا ط بيروت 1981م.
([27]). نقلاً عنه «قضايا علم الاجتماع، دراسة نقدية لعلم الاجتماع الرأسمالي» ج. أوسيبوف، ترجمة سمير نعيم وأحمد فرج: ص 62 ط القاهرة.
([28]). الاستشراق: المعرفة، السلطة، الانشاء ترجمة كمال أبو ديب: ص 121 ط 2 بيروت.
([29]). أنظر الفكر الاستشراقي د. محمد الدسوقي: ص 51 ومابعده.
([30]). المرجع السابق: ص 46 .
([31]). منهج البحث الاجتماعي بين الوضعية والمعياريّة د. محمد محمد أمزيان: ص 143 - 144 ط بيروت.
([32]). ضمن مقالات مطبوعة في كتاب تحت عنوان «في سبيل الوحدة»: ص 110 .
([33]). أضواء المقدّمات التأسيسية للتحديث في الوطن الإسلامي. لغريغوار مرشو، مجلّة «منبر الحوار» البيروتية العدد (10) السنة الثالثة 1998م.
([34]). أضواء على المقدّمات التأسيسية للتحديث في الوطن الإسلامي لغريغوار مشرو، مجلّة «منبر الحوار» البيروتية العدد (10): ص 60 .
([35]). الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي د. محمد البهيّ: ص 532 ط 5 بيروت.
([36]). في مقال مطبوع تحت عنوان «الرحلة وكتب الرحلات الأوربية الى المشرق حتّى نهاية القرن الثامن عشر» في مجلّة الفكر العربي العدد (32): ص 58 .
([37]). نواطير الغرب. صفحات من ملف علاقة اللعبة الدولية مع البعث العراقي 1948 - 1968م: ص 18 ط بيروت.
([38]). الاستشراق: المعرفة، السلطة، الإنشاء لادوارد سعيد: ص 106 - 107 .
([39]). المرجع السابق: ص 107 .
([40]). الفكر الاستشراقي: تاريخه وتقديمه د. محمد الدسوقي: ص 173 ومابعده، ضمن سلسلة كتاب التوحيد العدد (5).
([41]). المنهج في كتابات الغربيّين عن التاريخ الإسلامي د. عبد العظيم محمود الديب: ص 16 ضمن سلسلة كتاب الأمّة، قطر 1411هـ .