العالمية والخاتمية والخلود
العالمية والخاتمية والخلود
أ.د. وهبة الزحيلي
رئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه
بجامعة دمشق ـ كلية الشريعة
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
تميز الإسلام بخصائص ثلاث: هي العالمية، والخاتمية، والخلود، جعلته فريدا في نوعه، ومهيمنا على كل الأديان والشرائع الأخرى، الإلهية منها والوضعية للبشرية، ليظل أنموذجا مستقلا، ومنبرا عاليا يحقق مفهوم الوحي الإلهي المنظم لشؤون الحياة، والمعبر عن حقيقة الاعتقاد الخالص النقي من جميع الشوائب والأخلاط، والمبين العبادة الصحيحة التي يرتضيها إلا لـه المشروع، رب الكون والناس أجمعين.
وتبلورت هذه الخصائص منذ ظهور الدعوة الإسلامية، التي جسدها القرآن الكريم، وبأنتها السنة والسيرة النبوية المباركة، وتأكدت مصداقية هذه الخواص
ـ(96)ـ
مع مرور الزمان وفي عصرنا الحاضر بالذات، حيث اختلطت المفاهيم، وكثرت الفتن والنحل والمذاهب، وانتشرت الأديان، وابتلاها الناس، وعرفوا حقائقها بكل دقة، فاما الخرافة والوثنية والأساطير، واما الحقد والكراهية والعنصرية والتعصب الديني الذي لا حدود لـه، واما التجاوز والانحسار عن الحياة، ومجراها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، والاقتصار على آداب ومواعظ جانبية، لا تروي ظمأ الإنسان، ولا تنسجم مع العقل والفكر الإنساني.
وصمد الإسلام بشموخه، ومتانة تشريعاته، وانسجامه مع الحياة، والواقع، والعقل، والحضارة والمدنية، على الرغم من مختلف التحديات والمؤامرات والمخططات الرهيبة ضده، تحقيقا لقول الله تبارك وتعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾(فصلت: 53).
وأظهرت الدراسات العالمية المقارنة بين الأديان والكتب السماوية الحالية أهمية الثقافة والحلول الإسلامية، كما فعل المفكر المنصف موريس بوكاي في كتابه المعروف بعنوان «دراسة في الكتب المقدسة ـ القرآن والتوراة والإنجيل ـ والعلم الحديث» وكما ذكر المفكر الحر الأستاذ روجيه غرودي في كتابه: «الإسلام دين المستقبل »، وكما أعلن غيرهما من عباقرة الفلاسفة والحكماء عن عظمة وواقعية الإسلام ونبي الإسلام، في شهاداتهم الكثيرة واعترافاتهم المتكررة مثل برنارد شو وغيره، بأن الإسلام يملك الحل، وانه المنهج الذي يملك ان يتقدم لتخليص البشرية من بربرية الحضارة الصناعية، كما يقول الدكتور كاريل، وفيه محور إزالة الخلاف في هذا العالم، تصديقا لقولـه تعالى: ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾(ص: 88)
اما عالمية الإسلام: فيقصد بها نزعته العامة وحرصه على الانتشار في جميع
ـ(97)ـ
إنحاء العالم، ولمختلف أجناس البشر، لتحقيق السعادة الأبدية، والشاملة لعز الدنيا، والنجاة في الآخرة، عملا بقول الله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾(الفرقان: 1).
واما خاتمية الإسلام: فواضحة من النصوص والواقع، ويراد بها انه لن يأتي وحي الهي لا حق بعده، ولا شرع رباني آخر يحل محله، وانه لا نبي ولا رسول بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، تصديقاً لقول الله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾(المائدة: 48)، وقوله سبحانه: ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾(الأحزاب: 40).
وقال الله عز وجل:﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾(المائدة: 3).
واخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة: ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ان مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتنا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون لـه، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة، وأنا خاتم النبيين).
قال الأستاذ أبو الحسن الندوي: ختم النبوة نتيجة حتمية لوضع هذا الدين الكامل. ولو لم يقم دليل نقلي على اختتام النبوة على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لعرفنا بحكم العقل ان النبوة الجديدة التي يمتحن بها البشر بعد النبوة المحمدية إرهاق للبشرية، فيما لا لزوم لـه، وجهاد في غير جهاد، ومخالف لما
ـ(98)ـ
عرفناه من سنن الله في خلقه وفي هذا العالم(1).
واما الخلود لشريعة الإسلام: فيراد به الاستمرار والديمومة والبقاء إلى نهاية الدنيا، وقيام القيامة، وانتهاء حياة العالم، إقرارا بقوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾(البقرة: 2) وقوله سبحانه: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ﴾(الأنعام: 19).
وادراكاً لصريح الحديث النبوي المتواتر، وهو قولـه عليه الصلاة والسلام:
«لا تزال طائفة من امتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله، وهم كذلك»(2).
ان هذه الخصائص الثلاث يلازم بعضها بعضا، وتهدف إلى تحقيق غرض واحد، وهو بقاء الإسلام وحفظ كتابه الكريم وهو القرآن المجيد، بحفظ الله تعالى، عملا بالآية الشريفة: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لـه لَحَافِظُونَ﴾(الحجر 9).
خطة البحث:
أ ـ مظاهرها:
ـ وحدة الدولة.
ـ وحدة القانون.
ـ وحدة العبادات.
ـ نفي أنماط التفرقة(اللغوية، والجغرافية، واللونية، والقومية، والمنهجية،
_____________________________________
1 ـ النبوة والأنبياء في ضوء القرآن للندوي: ص 234 ـ 235.
2 ـ أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود عن ثوبان، وأخرجه آخرون عن غيره (جامع الأصول لابن الأثير 10: 130، رقم الحديث 6774 ـ 6779).
ـ(99)ـ
والجنسية.. الخ).
ـ استيعاب الثقافات والتقاليد.
ب ـ نفي الشبهات والأخطاء:
ـ إقليمية الإسلام.
ـ تعدد الولايات والدول.
ـ الاتجاهات القومية الإسلامية.
ـ الجمود الثقافي.
أ ـ مظاهر العالمية والخاتمية والخلود:
لقد هيّأ الإسلام لهذه الخواص المناخ المناسب على مستوى الدولة، والفكر، والنظام التشريعي، وكانت نظرته إلى المستقبل وطموحاته للأبد نظرة راسخة وحصيفة، لأن عالميته في انحاء العالم، وكونه خاتم الرسالات والنبوات الإلهية، وخلود شريعته ونظامه، تتطلب منبتاً خصباً، وبيئة طيبة. ولا تتحقق هذه التطلعات إلا بوحدة الدولة، ووحدة القانون أو التشريع، ووحدة العبادة، واستئصال كل أنماط الفرقة في الجنس والعنصر واللون والقومية والمكان الضيق أو الموقع الجغرافي المحدود، واستيعاب مختلف ألوان الثقافة وروافد المعرفة، والتقاليد الموروثة، كما يتبين فيما يلي:
ـ وحدة الدولة:
من المبادئ الأساسية المعروفة في الإسلام: ان المسلمين أمة واحدة، وشعب واحد هو قاعدة وجودهم الدولي، تنفيذا لقول الله تعالى ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾(الأنبياء: 92) ﴿ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا
ـ(100)ـ
رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾(المؤمنون: 52)
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾(الحجرات: 13) وجاء حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع: «كلكم لآدم، وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتفوى»(1).
وقاعدة هذه الأمة الواحدة ونسيج رابطتها: الاخوة الإيمانية، تحقيقا لقول تعالى ﴿إنّما الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾(الحجرات: 10).
وتم تحقيق نواة الدولة الأولى النموذجية في العهد النبوي وما بعده، وأوجب العلماء كون الدولة واحدة، غير متعددة، قال الماوردي وأبو يعلى: لا يجوز عقد الإمامة لإمامين في بلدين في حالة واحدة، فان عقد لاثنين، لم تنعقد إمامتهما، لأنه لا يجوز ان يكون للأمة إمامان في وقت واحد. وشذ قوم فجوزوه، والصحيح الذي عليه الفقهاء المحققون ان الإمامة لا سبقهما بيعة وعقدا، قياسا على الوليين في تزويج المرأة إذا زوجاها باثنين، كان الزواج لا سبقهما عقدا(2).
وكذلك الشيعة الذين يأخذون بمبدأ الإمام المنصوص، في مقابل أهل السنة الذين يعتقدون بالإمام الواحد الذي يقتدى به(3).
وفي التاريخ الإسلامي بدأ انقسام الدولة في العهد الأموي حيث وجدت الخلافة الأموية في الأندلس، ثم آل الأمر في العهد العباسي إلى وجود ثلاثة
_____________________________________
1 ـ رواه مسلم والترمذي والبزار وغيرهم.
2 ـ الأحكام السلطانية للماوردي: ص 7، ولأبي يعلى: ص 9.
3 ـ المختصر النافع في فقه الإمامية: ص ف من تقديم العلامة محمد تقي القمي...، يوجبون وحدة الإمامة أو الدولة من باب أولى.
ـ(101)ـ
خلافات: الخلافة العباسية في المشرق(بغداد) والخلافة الفاطمية في مصر، والخلافة الأموية في الأندلس.
وفي عصرنا بعد زوال الخلافة الإسلامية على يد أتاتورك مصطفى كمال عام 1924، وبعد التخلص من الاستعمار ظهر على المسرح الدولي الحاضر 55 دولة إسلامية اقليمية، تأثرا بظهور الدول الإقليمية، ومساعي الدول الغربية الاستعمارية، اتباعا لقاعدة «فرق تسد».
ولكن مع الأسف الشديد، أدركت الدول المعاصرة ان قوتها بالاتحاد، فأميركا تشمل أكثر من خمسين ولاية، والدول الأوروبية تتجه للوحدة، بدءا من نظام السوق الأوروبية المشتركة إلى نطاق وحدة العملة الأوروبية «اليورو» في عام 1999، حيث قبله الآن إحدى عشر دولة، وينتظر انضمام حوالي أكثر من سبع دول أخرى إليه.
وأما المسلمون فيتجهون إلى تجسيد التفرقة، وسياسة التباعد، وتعميق الخلافات، وبدا بصيص أمل مشرق ومريح في مؤتمر القمة الإسلامي الذي انعقد في طهران في نوفمبر(تشرين الثاني) عام 1997، حيث تحقق الحد الأدنى من التضامن الإسلامي، في بداية طريق أو منهج الإسلام الوحدوي، المأموربه في قول الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾(آل عمران: 103).
وآل أمر الانقسام إلى ضعف المسلمين وتخلفهم، وتخلفهم، وتباينهم في المواقف، وتصادمهم في حل المشكلات المصيرية التي تهددهم جميعا، كقضية فلسطين وغيرها، ووجود ظاهرة الحقد والكراهية، وضعف الثقة أو انعدامها، وخدمة مصالح المستعمرين، ولا سيما الدول الكبرى.
ـ(102)ـ
وليس هناك أمة مثل الأمة الإسلامية لديها من الروابط الوثيقة، كوحدة الدين والعقيدة، ووحدة المبادئ الخلقية، والعبادات، ففي كل يوم يشعر المؤمن بالوحدة الإسلامية أدى العبادات اليومية على وجهها، فالرب واحد، والقبلة واحدة، والشعائر واحدة(1)، بل انه بعد سقوط الشيوعية عام 1989، وتتابع تصريحات كبار المسؤوليين الغربيين بأنه لم يبق أمامهم إلا الإسلام، يصبح من الضروري جعل مصير المسلمين واحدا، أما الخطر الواحد، والعاقبة الواحدة، ولكنهم لا يشعرون بهذا، ولا يلتفتون لمخاطر المخططات التي تدبر لهم في الخفاء.
كل هذا يدعو المسلمين أكثر من غيرهم، بالحاج شديد، إلى ضرورة توحيد الصف والتجمع الواحد، أو الجماعة الإسلامية الواحدة، ان لم يعد ممكنا وجود حكم واحد أو إمامة واحدة، عملا بالتوجيه القرآني الكريم:﴿ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾(المائدة:2).
ولا يهم شكل التجمع الموحد، سواء أكان على النمط الأول في صدر الإسلام، ام على نمط جديد من اتحاد فيدرالي أو كونفدرالي أو غيره، لأن المهم تحقيق الجوهر والمضمون، لا الشكل والمظهر.
وان المطالبة بتوحيد المسلمين وتحقيق جامعة إسلامية لإيراد منه المساس بكراسي ومناصب الحكام القائمين، ولا بأشكال الحكم في البلاد الإسلامية أو العربية، فلكل بلد نظام حكمه، وإنّما المراد تحقيق منهج التجمع الموحد أو الاتحاد المجمع في مظلة واحدة: هي أحكام الإسلام وشعائره، وعباداته
_____________________________________
1 ـ الوحدة الإسلامية لأستاذنا الشيخ المرحوم محمد أبو زهرة: ص 25.
ـ(103)ـ
وعقائده، ومقاصده وأهدافه، لإيجاد وجود إسلامي قوي ومتميز، لـه قراره المستقل وشخصيته المستقلة، النابعة من الحفاظ على المصالح الإسلامية الكبرى.
ان هذا التجمع الوحدوي بأي شكل من اشكاله القديمة أو الحديثة يتطلب أمورا ثلاثة(1):
أولها ـ أحياء مفهوم الاخوة الإسلامية المتعالية عن الجنسية والعنصرية، وان تتحدد مشاعرنا في الإحساس بقوة ومتانة وأبعاد هذه الاخوة.
ثانيها ـ تحقيق الوحدة الثقافية واللغوية والاجتماعية التي تجمع المشاعر والأحاسيس، التي تلتقي وتصب في معين واحد، هو العمل بمبادئ القرآن أو الإسلام الصحيح، الذي يحقق اعزاز المسلمين وقهر الأعداء.
ثالثا ـ وحدة المسلم والحرب والاقتصاد والدفاع: فالمسلمون مسلمون فيما بينهم، لا تقوم بينهم حرب مطلقاً، واقتصادهم واحد، سواء في الإنتاج والتوزيع، أو التصدير والاستيراد، وسوقهم الاقتصادية مشتركة، وعملتهم واحدة، ويعتمدون على مبدأ الاستقلال الاقتصادي، والاكتفاء الذاتي إلا في حدود الضرورات، من اجل علاج شيء مؤقت، والانتقال إلى ما هو أفضل ز فإذا حدث نزاع، عولج بالصلح، وإذا نكب إقليم عاونه الآخرون، لأن المسلم يكون في حاجة أخيه المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه ولا يكذبه، ويتعاون معه، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
وأمامنا أمثلة كثيرة من اتحاد الولايات الواقع فعلا، سواء في أميركا، أو أوروبا، أو الاتحاد السوفياتي سابقا.
_____________________________________
1 ـ المرجع السابق: ص 29 ـ 30.
ـ(104)ـ
وليكن مطمح كل مسلم وكل دولة إسلامية معاصرة: هو التوصل إلى وحدة الدولة الإسلامية، مهما تناءت الديار أو الولايات المحلية، أو إلى اتحاد يجمع المسلمين، وينأى بهم عن التفرق والتباعد، والى محو كل أشكال أو أسباب الفرقة الإقليمية أو الجغرافية، أو العنصرية أو المذهبية أو العرقية، فان هذه الأمراض هي التي فرقتنا في الماضي، والتي يجب تجاوزها وعلاجها في عصرنا، من أجل تحقيق الخير للجميع، وأبعاد الشر وشبح الخطر عن الجميع، فنحن في حالة من التردي، والتشتت، والضياع، والمذلة والهوان، مالا نغبط عليه، بل هو أدعى للسخرية والتهكم.
وإذا ظل المسلمون في القرن الحادي والعشرين القادم على هذا النحو من التباعد والتفرق فانهم سيتعرضون لمحن وويلات أشد، وستكون الخسارة والدمار أكثر مما نتصور، وليت ساعة مندم.
ومن الغريب حقا ان أمة تنتمي إلى القرآن الكريم عقيدة ودستورا وعبادة ونظاما، تكون على هذا النحو من التشرذم والتفرق.
ولا ينتظر المسلمون من أعدائهم انهم يقدمون لهم الخير على أطباق من ذهب، ان لم يتحركوا هم بأنفسهم نحو بناء عالم وحدوي جديد، لـه مفاهيم محددة، واستراتيجية موحدة، ومطالب محدودة، رضي الآخرون والأعداء بها آنيا أم غضبوا، فانهم بعد بناء الوحدة الدولية الإسلامية القوية، سيخضع لهم الجميع، فالعيب اذن في تفرقنا، وبعدنا عن وحدة الدولة أو اتحاد بسبب العلمانية ونحوها، فإنها في النهاية ستخضع للمنهج الوحدوي الصائب، وستقلع عن مبادئها وأنظمتها المتبادعة عن مظلة وحدة حاكمية القرآن، إذا حسن تسويسها
ـ(105)ـ
وكسبها بالمفاوضات والتفاهم والأساليب الدبلوماسية، من وساطة حميدة، أو تطويق سياسي، أو عزل محكم الكماشة أو القبضة أو القطيعة للمعارضين أو المناوئين لهذا الاتجاه.
ان دعوتنا إلى وحدة الدولة أو اتحاد الدولة الإسلامية ليست ناشئة من فراغ، فتاريخنا استمرت فيه هذه الوحدة إلى عام 1924، وكانت الدول الإسلامية المتعاقبة، على الرغم مما أصابها من أخطاء ومظالم وهنات (خصلات شر) وعورات ونكسات، تحقق الهدف الإسلامي الأساسي من وجود الدولة القوية المرهوبة الجانب، ويحترمها الأعداء على الدوام.
ونحن اليوم على الرغم من إدراكنا لهذه الحقيقة وغيرها من حقائق ومنافع الوحدة أو الاتحاد، ما زلنا في أسوأ حال، لا نحقق الحد الأدنى ولا الأوسط ولا الأقصى من الوجود الإسلامي السليم.
وإذا حكمنا على تاريخنا بالجنوح أحيانا أو الرفض النسبي، فبماذا يحكم من يأتي بعدنا على وجودنا وأوضاعنا السياسية والثقافية والاقتصادية ؟ انه لاشك حكم بالرفض المطلق، وربما بالتبرؤ والتمرد على كل شيء فعايشه الآن.
ـ وحدة القانون:
ان أهم ما يحقق ويتفاعل مع عالمية الإسلام وخاتميته وخلوده: هو وحدة النظام أو القانون، أي وحدة ا؛كام الشريعة الإسلامية، المنزلة من عند الله تعالى رب الكون كله، وهذا كفيل ببقاء مقومات العالمية والخاتمية والخلود، لأنه إذا تعددت الأنظمة أو القوانين الوضعية المتأثرة باليسار أو اليمن، أو الاشتراكية والرأسمالية، أو الملكية والديمقراطية أو الإقطاعية والجماهيرية، فانه يصعب في العادة توحيد المحكومين بهذه الأنظمة، لتأثرها بالأهواء والشهوات، والمصالح
ـ(106)ـ
الذاتية، والعقول المتفاوتة.
اما شريعة الله تعالى فهي موضوعية محددة، تلتزم معايير الحق والعدل المطلق، ورعاية المصالح العامة للناس جميعا، على اختلاف أحوالهم وفئاتهم وأعراقهم وتوجهاتهم، وتأخذ بهم إلى غد مشرق، ومستقبل زاه، ووضع افضل، لأنها من لدن رب العالمين، الذي يعلم من خلق، ويعلم مصالحهم، وهو الحكم العدل، وهو العليم الخبير، فلا يقصر حكمه لصالح فرد أو فئة معينة دون أخرى، ولا ينحاز لجانب على حساب آخر.
لذا وجب تطبيق أحكام هذه الشريعة، ولا سيما ثوابتها، في كل زمان ومكان، اما تطبيق غير شرع الله فهو عودة لحكم الطاغوت والشيطان، والجاهلية الوثنية، قال الله تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾(المائدة 50).
وإذا كان الناس يحرصون على تقدمهم وسعادتهم، فعليهم رفض أي بديل عن شرع الله، قال الله سبحانه: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾(آل عمران: 83).
هذا الإيجاب الدائم الثابت في تطبيق الشريعة يؤدي لوحدة التشريع المطبق في الأمة، من غير أي عناء أو تعثر، أو تجاف مع الواقع، أو تباين مع التعددية العرقية، أو القومية، أو تباعد الديار، واختلاف الطبائع.
ومن المعلوم ان وحدة التشريع: هو ما تسعى إليه الدول الحديثة، ولو مع اختلاف القوميات والأجناس والأعراف المتباينة.
وإذا انقسم المسلمون إلى دول إقليمية وحكومات متعددة، بسبب بعد المسافة بين البلاد، أو لصعوبة حكم تلك البلاد بسلطة واحدة، أو لنفور بعض الحكام من حكام آخرين، فان هذا لكه لا يسوغ العدول عن تطبيق أحكام الشريعة
ـ(107)ـ
الإلهية، أو الأخذ ببعض أحكامها بدون بعض، أو هجرها برمتها لأيديولوجيات وفلسفات أخرى، لأن شريعة الله واجبة التطبيق في كل حال ومكان وزمان، لقولـه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ﴾(النساء: 59).
ووحدة الحكم الإلهي يستتبع وحدة الدولة، ووحدة الأمة، ووحدة النظام، وقد حذر القرآن الكريم من تنازع الأمة في القضايا الأساسية العامة، حتى لا تضعف أو تتخاذل أو تذلك وتهان أمام أعدائها، فقال الله تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾(الأنفال: 46)(1).
وقال سبحانه: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا﴾(النساء 105)(2).
وأسباب الدعوة إلى وحدة النظام التشريعي أو القانوني بين المسلمين كثيرة، أهمهما ما يلي:
1 ـ المسلمون أمة واحدة: لقد حقق المسلمون عزة لا تطال، وهيمنة وتفرقا عظيما بالغ الشأن، حينما أدركوا انهم أمة واحدة، واخوة في العقيدة الواحدة، وصف واحد متضامن امام الأعداء، متكافلون فيما بينهم في السراء والضراء، متعاونون على البر والتقوى.
ان وحدتهم في الداخل والخارج جعلتهم خير الأمم، وبوأتهم ليكونوا كذلك، عملا بقول الله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أهل الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾(آل عمران: 110) وذلك لأنهم أيضاً الأمة
_____________________________________
1 ـ أي قوتكم ومجدكم.
2 ـ أي وكيلا مخاصما عنهم.
ـ(108)ـ
الوسط الخيار العدول بين الأمم، كما وجههم القرآن الكريم في قولـه سبحانه: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾(البقرة 143).
ومنشأ هذه الوحدة: هي اخوة الإيمان والعقيدة التي هي أقوى واخلد وأدوم من اخوة النسب، ثم تآزر الاخوة وتعاونهم، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا»(1).
وقال أيضاً: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى لـه سائر الجسد بالسهر والحمى»(2).
2 ـ وحدة العقيدة: المسلمون أمة ذات عقيدة واحدة، وإيمانهم واحد معروف، فهم يؤمنون بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر وبالقضاء والقدر خيره وشره. والإيمان بالكتب كلها وبخاتمتها القرآن الكريم يستدعي الالتزام بمضمون القرآن، ويوجب تطبيق شرعه وإحكامه وحلاله وحرامه وأخلاقه وآدابه وكل ما جاء فيه. ووحدة هذا الكتاب الإلهي من أقوى الأسباب المؤدية إلى وحدة المسلمين، وكونهم صفا واحدا فيما بينهم وفي مواجهة أعدائهم.
3 ـ وحدة العبادة: العبادة تصدر عن حب وإيمان، ووحدة العبادة الإسلامية من أهم عوامل الوحدة في الأنظمة والمعاملات، فإذا ما اتحد المسلمون في المسجد أو في الصوم أو في الحج أو في الزكاة، اتحدوا في المجتمع والسوق والإدارة والشركة كل أنماط السلوك والحياة الاجتماعية، لان المسلم الواعي والمخلص: هو الذي لا يصدر عنه ما يناقض عقيدته أو عبادته، وتكون ممارساته
_____________________________________
1 ـ رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي موسى الاشعري.
2 ـ رواه الإمام احمد ومسلم عن النعمان بن بشير.
ـ(109)ـ
لشؤون المعاملات والتصرفات منسجمة مع مقتضيات العقيدة والعبادة، وإلا لم يكن مسلما في ميزان أحد صادق الاعتقاد والتعبد، والاتجاه نحو رب واحد.
4 ـ وحدة اللغة: ان عبادة المسلم لا تصح إلا بلغة القرآن العربية، فكل مسلم يعرف اللغة العربية، ويأنس بمدلولاتها، ويتذوق أساليبها. واللغة عامل قوي في توحيد الشعوب والأمم، ويتقوى هذا العامل ويتنامى مفعوله إذا ارتبط بالدين والاعتقاد والتشريع، فالعقيدة أساس، واللغة العربية تعبير عن مكنون العقيدة، فتتوحد الطباع، ويتحد الكلام، وتتفق العواطف والمشاعر، وتكون اللغة العربية هي لغة الخطاب والكتابة، ويسهل حينئذ توحيد العمل، وتدوين الاسرار، وبعث المراسلات، وعقد المعاهدات بين المسلمين وغيرهم، ويتجه المسلمون حينئذ إلى توحيد جهودهم وطاقاتهم، وتحقيق وحدتهم السياسية والاجتماعية، والاجتهاد في ضوء مفاهيم لغة العرب، واستنباط الأحكام المناسبة، كما نبه إليه القرآن الكريم في قولـه سبحانه: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾(يوسف: 2).
﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾(فصلت: 3).
5 ـ وحدة الثقافة: الثقافة: هي المقومات المتصلة بالسلوك الإنساني، وهي تشمل من الناحية النظرية: العقيدة والنفس والاجتماع، والأخلاق والتربية، والآداب والفن، والتاريخ، وفلسفة الاقتصاد والمال وهي من الوجهة العملية: ممارسة وسلوك، وهي غاية، والعلم وسيلة.
وبما ان الثقافة الإسلامية هي التي يمكن وصفها بأنها إنسانية، لشمولها وتوازنها، ومجيئها موافقة للفطرة أو الطبيعة الذاتية، وتجاوزها كل عيوب العنصرية والقومية الضيقة والتعصب الديني، فهي من أقوى دواعي توحيد الفكر والسلوك، وصهر الأمة في ممارسة واحدة، والسعي لغايات واحدة ن والعيش في
ـ(110)ـ
ظل تشريع واحد.
ان وحدة الثقافة تدفع المثقفين بها إلى الانضمام تحت لواء راية واحدة، هي راية التشريع الذي يحدد معالم الثقافة الإسلامية الفريدة في منزعها وغايتها. وغير المسلمين الذين يتعايشون مع المسلمين في ظل دولة واحدة، يلتقون مع المسلمين في أصول الإيمان بالله واليوم الآخر والكتاب الإلهي، وينضمون إليه في دائرة الانتماء التاريخي والثقافي، فتتوحد الأمة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وتشريعيا.
6 ـ وحدة المصالح والتاريخ والمصير: ان المسلمين مع من يعيش في بلادهم لهم مصالح متحدة وآمال وآلام واحدة ومصير مشترك، وتاريخ واحد، وهذا يوجب تكوينهم وحدة دولية وقانونية، وما الدولة والقانون إلا للأكثرية، ولكن في إطار الحق والعدل والمساواة التي نظمها وفرضها القرآن الكريم وإذا أتحدث الأمة عز جانبها، وهابها أعداؤها وتقدمت في مختلف وسائل الحياة، ولاسيما إيجاد نهضة صناعية قوية.
7 ـ وحدة المصدر التشريعي: تتعدد القوانين الوضعية وتتغاير أحكامها، بتعدد وتغاير عقول واضعيها، وبمقدار تأثرهم بفلسفة معينة، ونظرية محددة. أما التشريع الإسلامي فمصدره واحد، وهو الله تعالى، بما انزل من أوامر ونواه، والاجتهاد كاشف مظهر لحكم الله تعالى، لا منشئ ولا مبدع للأحكام الشرعية.
ووحدة المصدر التشريعي الإسلامي تجعل التشريع واحدا بالنسبة لجميع المسلمين في العالم. وغير المسلمين المقيمين في دار الإسلام ملزمون بأحكام هذا التشريع، بحكم سيادة الشريعة في دار الإسلام، بمقتضى المعاهدة التي تمت بين المسلمين وغيرهم للإقامة في دار الإسلام على الدوام، ومن بنود هذه
ـ(111)ـ
المعاهدة الالتزام بأحكام الشريعة.
وإذا تعددت الاجتهادات الفرعية التي مجالها في الفروع لا في الأصول، فان القانون الموحد الذي يختار بعض الاجتهادات، يؤدي إلى وحدة تشريعية أيضاً، لان الاختيار لرأي ما نابع من مراعاة المصلحة العامة، والتجارب مع مقتضيات العصر والزمان.
والمطلوب من رعايا الدولة الإسلامية الواحدة، مهما تناءت بهم الديار أن يكون ديدنهم الإخلاص لرب العالمين، ولإمام المسلمين الذي لا يأمر إلا بالحق والخير والمعروف، فيسهل تقبلهم نظام الوحدة أو الاتحاد، من أجل الحفاظ على وجودهم واستقلالهم، والتخلص من أي تبعة لدولة أخرى شرقية أو غربية، لا تبغي من تدخلها في شؤون المسلمين إلا استنزاف خيراتهم، وإبعادهم عن شريعة ربهم، وإبقاءهم أذلة تابعين مهانين، يسيرون في فلك مصالح المستعمرين ومخططاتهم الرهيبة، وينطبق عليهم حينئذ المثل العربي:(انك لاتجني من الشوك العنب).
والخلاصة: ان الإسلام يسّر على إتباعه وجود النظام أو القانون الموحد، واختصر عليهم الخوض في تجارب متعددة، ونلاحظ الآن ان العالم يتجه عبر النظام القانوني الوضعي إلى تحقيق مطمح وحدة القانون التي تؤدي إلى وحدة الشعوب وتقاربها وتفاعلها، وممارسة معاملاتها على منهج واحد، وقاعدة واحدة، ويكون الخير بذلك الاتحاد للجميع.
ـ وحدة العبادات:
لا تقتصر العبادات على الفروض الأربعة المفروضة وهي الصلاة والصيام والحج والعمرة والزكاة، وإنّما تشمل مقدماتها وهي الطهارة من النجاسات
ـ(112)ـ
والقاذورات، فانها واجبة حفاظا على صحة الإنسان، وإبعاده عن كل ما يلوث البدن والثياب والمكان، وذلك بالماء المطهر ووسائل التنظيف الأخرى. وتشمل العبادة أيضاً كل ما فيه تعظيم الله تعالى من أمور الحظر والإباحة والإيمان والنذور والكفارات، والأضاحي والعقيقة والذبائح والصيد ونحوها.
وبما ان هذه العبادات والشعائر كصلاة الجمعة والجماعة والاذان مرتبطة ارتباطا وثيقا بالله عز وجل، ويقصد بها الإخلاص لوجه الله تعالى، وذكر الله وطاعته وإرضاؤه، فإنها واحدة في حقيقتها ومظهرها، ومبناها ومقاصدها، وجعلها وسيلة لتهذيب النفس الإنسانية، ونقاء المجتمع، والتعديد على فعل الخير وترك الشر والفواحش والمنكرات، وإطلاق حرية العبادة لا لاتباع الإسلام وحدهم، وإنّما لأصحاب الديانات المختلفة، لتظهر مزية الإسلام، وقد اذن الإسلام لاتباعه ان يدافعوا عن هذا الحق للجميع، ومن اجل ضمان حرية العبادة لجميع المتدينين، فيتحقق بهاذ نظام عالمي حر، يستطيع الكل ان يعيشوا في ظله آمنين، متمتعين بحريتهم الدينية على قدم المساواة مع المسلمين(1).
ويدرك كل إنسان هذه الوحدة الإسلامية الكبرى، اني اتجه في المشارق والمغارب، فالمسلم يعرف المسلم بمناسك العبادة ووسائلها أو مقدماتها من طهارة واذان وإقامة، وكيفية الأداء، والذكر والاستغفار والدعاء باللغة العربية في كل مكان.
ـ ان الصلاة سواء أديت منفردة أو بجماعة تعبير حي واقعي ناطق عن وحدة المسلمين، ايا كان مذهب المصلي من مذاهب أهل السنة والشيعة أو الاباضية أو
_____________________________________
1 ـ نحو مجتمع إسلامي للأستاذ الكبير المرحوم سيد قطب: ص 106.
ـ(113)ـ
غيرهم. وتنظيم صفوف الصلاة كالملائكة دليل على مساواة المصلين.
والصوم في غضون شهر كامل مظهر ميداني رائع لوحدة المسلمين في كل مكان، سواء في النهار أو الليل، تعلوهم البهجة ويغمرهم الفرح، ويشعرهم بالاخوة الإيمانية تملأ قلوبهم، وتفيض مشاعرهم حمدا لله وشكرا على نعمة الإسلام.
والحج سبيل التعارف الإسلامي، وذلك المؤتمر الأكبر الذي يلتقي فيه المسلمون على صعيد واحد، ويطوفون حول بيت الله الحرام ويصلون، لرب البيت ن وتكون الكعبة المشرفة رمز وحدتهم في صلاتهم وحجهم وأذكارهم، لا انهم يعظمون الحجارة أو الجدران، وإنّما يقاومون مختلف أشكال الوثنية، فهل بعد هذا يأتي تفكير سطحي لبعض الأعداء، يتهمون في الإسلام بالوثنية ؟ حيث ينظرون إلى الظاهر، ويتعامون عن الحقيقة والإيمان العميق في نفس كل مسلم، ولو كان اميا عاميا أنه يتجه بطوافه وصلاته نحو رب البيت، وإنّما البيت الحرام رمز لوحدة الصف، وجمع المسلمين، كما يجتمع المتحدثون حول مركز معين أو نقطة معينة، أو طاولة مستديرة أو مستطيلة أو مربعة مثلا، فهل هؤلاء الجالسون المتفاوضون يقدسون تلك الطاولة أو يعبدونها ؟؟
والزكاة سبيل التكافل الاجتماعي، وان تعلقت بعباد الله لاغنائهم، وسد حاجتهم وإنقاذهم من وحدة الفقر، إنّما يبذلها المسلم بسخاء بقصد إرضاء الله تعالى وطاعته، ولتطهير ماله من شوائب الشبهات والحرام، بل ولتحقيق التقريب بين الأغنياء والفقراء أو توحيدهم في سبل المعاش.
والخلاصة: ان وحدة الدين والعقيدة والعبادة من أهم الروابط القائمة بين أفراد الأمة الإسلامية، لتحقيق الوحدة الاندماجية، فان تعثرت لفترة زمنية ما،
ـ(114)ـ
فلابد على الأقل من توحيد الاتجاهات والقرارات العامة، والوقوف صفا واحدا ضد كل الأعداء، فلا يعتدي عليهم مستكبر متعال، ولا يطمع فيهم أو في ثرواتهم طامع جشع، ولا يخترق جبهتهم أو صفهم ماكر خبيث أو مارد مستميت. في تقويض صرح الإسلام.
ـ نفي أنماط المتفرقة:
لقد كان الإسلام حكيما؛ لأنه من وحي الله وشرعه، وقويا حازما؛ لأنه يخطط لأبعاد المستقبل، حين قضى على أشكال الفرقة، وتخلص من القبلية والعصبية الجاهلية، وحول المسلمين ليكونوا أمة واحدة من مجتمع التنازع والتخاصم القبلي الضيق، إلى المجتمع العالمي الذي يتجاوز الأعراق والعنصريات واللغات والألوان والقوميات الضيقة والمنهجيات أو الأيديولوجيات، والجنسيات المنتمية لقوم معينين أو دولة إقليمية معينة.
ثم صهر الإسلام العداوات والأحقاد السابقة، كعداوة الاوس والخزرج في يشرب، والقحطانية والعدنانية في الجزيرة العربية، وجعلهم جبهة واحدة ضد العدو الخارجي من الفرس والرومان، وآخى الإسلام بعد الهجرة إخاء عقديا لفترة زمنية محددة بين المهاجرين والأنصار، فصاروا أخواناً في الدين والوطن، ويدا واحدة للجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الله، فكان المهاجري يرث الأنصاري وعلى العكس، ثم زالت المؤاخاة في الميزان لزوال مقتضياتها، وأصبح الإرث برابطة الرحم أو القرابة النسبية، وصارت الاخوة الإيمانية هي الرابطة بين المسلمين، وزالت رابطة القبيلة والعشيرة والعصبية الجاهلية بالنص التشريعي وفي الواقع العملي، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ليس منا من دعا إلى
ـ(115)ـ
عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية»(1).
وأضحت من الناحية الواقعية العناصر المشتركة بين المسلمين في كل أنحاء الأرض قائمة على وحدة الدين، واللغة، والمشاعر، والأماني والآمال والآلام، ووحدة التاريخ بما فيه من محن ومشكلات أو أزمات، ووحدة المستقبل والمصير، وما يبشر به من خير وقوة. وهذه المعاني لم تكن معروفة في العصر الجاهلي بين سكان الجزيرة العربية، لأن النزعة القبلية كانت هي الغالبة عليهم، فكانت معجزة الإسلام في القضاء على تلك النزعة الضيقة، وإحلال النزعة الإنسانية والعالمية محلها، ليمتد الإسلام وينتشر في كل مكان، وقد تحقق ذلك في الماضي، وامتد إلى الحاضر، وسيبقى علما شامخا بمشيئة الله في المستقبل لإحقاق الحق، وإبطال الباطل. وتتابعت أحداث التاريخ وامتداد الرقعة الإسلامية من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق، ووحدت دول غير عربية حمت الإسلام ضد التحديات والتيارات المعادية، فالمماليك مثلا ـ وهم ليسوا من العرب ـ حموا بلاد الشام والعراق ومصر من هجمات المغول والتتار على يد الظاهر بيبرس والمظفر سيف الدين قطز، والملك الناصر ـ والقائد صلاح. وهو من الأكراد لا العرب ـ حمى فلسطين والعروبة واللغة العربية والمذاهب الإسلامية من الاندثار والضياع بانتصاره على جيوش الفرنجة وصده غارات الصليبيين. والبربر هم الذين ساعدوا مساعدة كبرى طارق بن زياد في فتح الأندلس، وهم مع العرب كافحوا في الجزائر مئة وخمسين عاما، حتى انتزعوا النصر والاستقلال، وقدموا مليون
_____________________________________
1 ـ حديث حسن أخرجه أبو داود عن جبير بن مطعم.
ـ(116)ـ
شهيد، وكان انتصارهم بالإسلام، كما انتصر الإسلام في بقية بلدان شمال المغرب في تونس ومراكش، وفي ليبيا، وفي السودان، وفي كل مكان دنسه المستعمرون، فكانت انتفاضة الإسلام قوية عارمة حطمت كل محاولات هيمنة الاستعمار ووسائله الخبيئة ومكائده الشيطانية(1).
وكان للإسلام فضل بقاء مبادئه وشعائره وعقائده في إيران وأفغانستان والهند وماليزيا وإندونيسيا و الباكستان وغيرها من بلاد العالم، لتتأكد عالمية الإسلام وواقعيته وخلوده.
ان أبعاد المجتمع الإسلامي عن كل أسباب التفرقة: اللغوية، والجغرافية، واللونية، والقومية، والمنهجية، والجنسية أو الانتماء لسلطة معينة، يقصد به إزالة كل أسباب التباعد بين الناس، واستئصال بواعث الحقد، والتعصب، والكراهية، والانغلاق، وتحقيق الانفتاح والتسامح والتقارب بين الأمم والشعوب، من أجل إشاعة المحبة، وغرس جذور الاخوة، وتحقيق الاقبال على التعاون والتضامن، وذلك خير عظيم. وكل تلك الأسباب المفرقة هي شر ووبال.
والتزام هذا المنهج يحقق الوحدة الإنسانية، ويوفر مقومات العالمية المنصوص عليها صراحة في مباديء الإسلام، مثل قولـه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ
_____________________________________
1 ـ المستقبل لهذا الدين للأستاذ سيد قطب: ص 110 ـ 113 بتصرف.
ـ(117)ـ
عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾(الحجرات: 13)(1).
ذكر المفسرون ان هذه الآية في سورة الحجرات مسوقة لنفي التفاخر بالأنساب، وعليه فالمراد بقولـه: ﴿مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى﴾ آدم وحواء والمعنى: انا خلقناكم من آب وأم تشتركون جميعا فيهما، من غير فوق بين الأبيض والأسود، والعربي والعجمي، وجعلناكم شعوبا وقبائل مختلفة لا لكرامة لبعضكم على بعض، بل لان تتعارفوا فيعرف بعضكم بعضا، ويتم بذلك أمر اجتماعكم، فتستقيم مواصلاتكم ومعاملاتكم ن فلو فرض ارتفاع المعرفة من بين أفراد المجتمع، انفصم عقد الاجتماع، وبادت الإنسانية، فهذا هو الغرض من جعل الشعوب والقبائل، لا ان تتفاخروا بالانتساب، وتتباهوا بالآباء والأمهات.
وقيل: المراد بالذكر والأنثى: مطلق الرجل والمرأة، والآية مسوقة لإلغاء مطلق التفاضل بالطبقات كالأبيض والأسود، والعرب والعجم، والغني والفقير، والمولى والعبد، والرجل والمرأة.
والحق: ان قولـه: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ﴾ ان كان ظاهرا في ذم التفاخر بالأنساب، فأول الوجهين أوجه، وإلا فالثاني لكونه أعم واشمل(2).
وأيد الالوسي الوجه الأول: وهو ان المراد من الذكر والأنثى: آدم وحواء عليهما السلام، فكل الناس سواء في ذلك، فلا وجه للتفاخر بالأنساب. ثم قال الالوسي: وجوّز ان يكون المراد هنا أنا خلقنا كل واحد منكم من آب وأم، ويبعده عدم ظهور ترتب ذم التفاخر بالنسب عليه، والكلام مساق لـه، كما ينبئ عنه ما
_____________________________________
1 ـ قال الالوسي في تفسيره 62: 162: سميت الشعوب، لأن القبائل تشعبت منها، وهذا هو الذي عليه أكثر أهل النسب واللغة والشعوب: هم الجمع المنتسبون إلى أصل واحد، وهو يجمع القبائل.
2 ـ الميزان في تفسير القرآن للعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي 18: 326.
ـ(118)ـ
بعد(1).
وكذلك الرازي ذكر الوجهين، واتجه في بيانه إلى الوجه الأول،(2) وهو الذي رجحته في التفسير المنير(3)، ويكون المعنى كما ذكرت: أيها البشر، انا خلقناكم جميعا من اصل واحد، ويجمعكم آب واحد وام واحدة، فلا موضع للتفاخر بالأنساب، فالكل سواء. وإذا كان القصد نفي التفاخر بالأنساب، لأنه أصل المشكلة، فيكون التفاصل أو التفرقة في المعاني الأخرى كاللون والقوم والمنهج والعرق أو العنصر منفيا من باب أولى.
وانه بالموازنة بين تكوين الأمم بالعنصرية ونحوها، وتكوينها بالدين، يتبين ان السير بالإنسانية في مدارج الرقي، وقيام العلاقة البشرية على أسس من لامودة والفضيلة، إنّما يكون تحت ظل الدين، لا ظل العنصرية، لأن العنصرية تفرض دائما تفضيل عنصر على عنصر، وهذا أمر بغيض يؤدي إلى التناحر، ولا يتفق مع الواقع، ولا مع الإنسانية، ولا مع المصالح العامة. والأمم أو الدول التي تعامل الشعوب على أساس ألوانها، وتفرق بين الأسود والأبيض، ما هي إلا صورة من صور تحكم العنصرية(4).
والإسلام الذي يدعو إلى النظرة العالمية يأبى قبول أي شكل من أشكال العنصرية أو المفاضلة بين البشر، فهم سواء كأسنان المشط.
_____________________________________
1 ـ تفسير الألوسي 26: 161 ـ 162.
2 ـ تفسير الرازي 28: 137.
3 ـ انظر 26: 259.
4 ـ الوحدة الإسلامية للعلامة الشيخ محمد أبو زهرة: ص 26.
ـ(119)ـ
ـ استيعاب الثقافات والتقاليد:
من مزايا الإسلام الحساسة والكريمة: انه بانفتاحه على العالم، وموضوعيته وتجرده، وعالميته وواقعيته، استوعب في محتواه أنواع الثقافات المختلفة وأنماط التقاليد الموروثة السائدة، كما فعل في المجتمع الجاهلي، حيث أقر ما يتفق مع نظام الإسلام العقدي والأخلاقي والاجتماعي والإنساني، كالحنيفية التوحيدية ملة إبراهيم الخليل عليه السلام، والأخلاق الكريمة كالغيرة على العرض، والشجاعة من غير تهور ولا إسراف أو طيش، لقولـه صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّما بعثت لاتمم مكارم الأخلاق»(1).
وإبطال كل أنواع الزواج التي تشبه السفاح أو الزنا أو هي زنا بالفعل، وأبقى الزواج الشرعي بالعقد المعروف شرعا في حديث: «لا نكاح إلا بولي وشاهد عدل»(2). وابطل عادة الأخذ بالثار التي هي بمثابة شرارة تدمر مجموعة من الناس بسبب قتيل، وشرع القصاص بأن يقتل القاتل عمدا نفسه دون أحد سواه من أقاربه أو عشيرته، وأبقى الإسلام نظام العاقلة(العصبة) في تحمل دية القتل الخطأ، أخذا بمبدأ التعاون الإنساني، وان كان الأصل في الإسلام هو المسؤولية الشخصية، المقرر في آية: ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾(الأنعام 164)
وأقر التقاليد والعادات الكريمة أو الحميدة، مثل أهازيج العرس والضرب بالدفوف في الشارع ونحوه، ومنع ما يؤدي إلى الفساد والضياع كالاختلاط المشبوه الذي لا ضرورة ولا حاجة إليه، وأباح الاختلاط الذي لا ينم عن خبث أو سوء قصد، كالتعامل والشهادة والقضاء والتعليم والعلاج، بمقدار الحاجة. ومنها
_____________________________________
1 ـ أخرجه البخاري في الأدب والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة.
2 ـ أخرجه الطبراني عن أبي موسى، وهو حسن.
ـ(120)ـ
الضيافة العابرة، وخدمات الجهاد ونحوها، لأنه يحقق مصلحة، وتغيب عند حسن النية والمشاغل الجادة نظرات السوء غالبا. وشعار المرأة في هذا الاختاط العف البريء: الحزم والتماسك، والبعد عن مفاتن الأنوثة الخاص، تصديقا لقول الله تعالى: ﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾(الأحزاب: 32).
والخلاصة: ان ما قرره الإسلام من أحكام يظل واجب التطبيق، ولا يصح وصفه ـ كما يحلو لبعض الكتاب المعاصرين أو الجهلة ـ بالتقاليد الإسلامية، لان التقاليد ناشئة عن أعراف وعادات متوارثة أو شائعة، وهذه الأعراف قد تكون صحيحة، أي تتفق مع الشريعة، فهي مقبولة، وقد تكون فاسدة، أي قبيحة تصادم أحكام الشرع، فتكون مرفوضة أي محرمة. وعلى هذا، تكون هذه التقاليد خاضعة للحكم الشرعي، فيترك منها الحسن، ويلغى القبيح، بإجراء عملية اصطفاء واختيار، ويكون دور الإسلام دور استيعاب للتقاليد والثقافات، أي أنماط السلوك والمعارف، لأن الدور الإسلامي دور تصحيح وتنقيح، وإبقاء ما هو خير، وإنهاء ما هو شر، وهذا معيار عالمي موضوعي، لأن الحكمة أو الفلسفة تلتقي في النهاية مع شرع الله، ولا تتعارض مع ما ينسجم مع معطيات العقول السليمة.
والتاريخ الإسلامي يؤكد هذه الحقيقة، فقد انتشر الإسلام بين أقوام وشعوب مختلفة، لهم عاداتهم وتقاليدهم وثقافاتهم القديمة، سواء بين العرب، أو غير العرب في القارات الثلاث: الآسيوية والأفريقية والأوروبية، وتخلى عن التقاليد الموروثة هؤلاء الأقوام كالأكراد والشراكس والأتراك والإيرانيين، والشيشان، والأفغان، والبخاريين وما جاورهم، والماليزيين والإندونيسيين، والهنود والباكستانيين والقبائل الأفريقية، والأوروبيين والأميران، ولقد شاهدت
ـ(121)ـ
بنفسي نماذج من هؤلاء جميعا، فوجدتهم قد تخلوا فعلا عما يألفون، وانصهروا في بوتقة الإسلام، وبخاصة إذا دخلوا في الإسلام عن طريق التصوف المعتدل الملتزم بشرع الله ودينه.
ب ـ نفي الشبهات والأخطاء:
ان عالمية الإسلام وخلوده وخاتميته تتجاوز في اتساعها وامتدادها الزمان والمكان، ومن البدهي قد تثور شبهات تتصادم معها، أو قد تقع أخطاء تعكر مسيرتها، فهل تتوقف هذه الخواص، أو تتعثر أو بطرأ عليها التغيير ؟ الواقع ان كل نظام قد تعترضه مشكلات، فإذا كان هذا النظام متينا قويا، فلا يتعكر أو يتعثر أمام المد الذي يتصف بالموضوعية، والعقلية، والانسجام مع دواعي الفطرة، وهكذا الإسلام يقف كالجبل الأشم أمام كل التحديات أو النكسات، كما قال القائل:
كناطح صخرة يوما ليوهنها ___ فلم يضرها وأوهي قرنه الوعل
وسأتعرض لبعض الشبهات:
ـ إقليمية الإسلام:
عالج الأستاذ عبد القادر عودة هذه الشبهة، فقال:(1)
الأصل في الشريعة الإسلامية ـ كما تقدم ـ انها شريعة عالمية أو ذات نزعة عالمية، لا مكانية، جاءت للعالم كله، لا لجزء منه، وللناس جميعا لا لبعضهم، كما قال الله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾(الفرقان: 1) وقال سبحانه آمرا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بإعلان
_____________________________________
1 ـ التشريع الجنائي الإسلامي 1: 274 ـ 275 بتصرف.
ـ(122)ـ
مبدأ العالمية: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لـه مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾(الأعراف 158).
فهي شريعة الكافة لا يختص بها قوم دون قوم، ولا جنس دون جنس، ولا قارة دون قارة، وهي شريعة العالم كله، يخاطب بها المسلم وغير المسلم، وساكن ديار الإسلام وغيره.
لكن لما تعذر إيمان الناس جميعا بالإسلام، لظروف معينة، من التأثر بالمورثات السائدة والعادات الشائعة، والفلسفات أو الأديان القائمة، ولا يمكن إكراه الناس على الإسلام، أو فرضه عليهم فرضا، فقد قضت ظروف الإمكان أو الواقع العملي القائم إلا تطبق الشريعة إلا على البلاد التي تخضع لسلطان المسلمين، دون غيرها من البلاد، فأضحى تطبيق الشريعة الإسلامية مرتبطا بدولة الإسلام وقوة المسلمين، فكلما اتسعت الأقاليم التي تكون تحت ولاية المسلمين وسلطانهم، اتسع نطاق تطبيق الشريعة، وكلما انكمش سلطانهم، انكمشت الحود التي تطبق فيها الشريعة، أي فيطبق الإسلام مع رقعة انتشاره قبضا وبسطاً.
فالظروف والضرورة هي التي جعلت من الشريعة الإسلامية شريعة إقليمية، أي تطبق على مسلمي دار الإسلام ومنى عايشهم من المعاهدين، وان كانت الشريعة في أساسها شريعة عالمية.
ويمكن القول: ان الشريعة الإسلامية في أساسها شريعة عالمية، إذا نظرنا إليها من الوجهة العلمية، ولكنها في تطبيقها شريعة إقليمية إذا نظرنا إليها من الوجهة العلمية.
والمعول في الأحكام التشريعية علي الأصول العلمية أو المبدأ، اما الواقع فقد يتفق مع هذه الأصول أو الأسس، وقد يقصر عنها لظروف وأوضاع معينة، مؤقتة أو دائمة.
ـ(123)ـ
وحينئذ لا تكون شبهة الإقليمية الواقعية حائلا دون تقرير العالمية وما يتبعها من الخضوع لأحكام الشريعة وهيمنتها.
ـ تعدد الولايات والدول:
الواقع الإسلامي المجزأ في عصرنا نكبة من نكبات أو محن الاستعمار وآثامه ورزاياه، وتمر السنون وحال المسلمين يزداد تفرقا وتباعدا، ساعد عليه تعدد الأقاليم واستقلال الدول الإسلامية، بعضها عن بعض، حتى صار عددها الآن في منظمة الأمم المتحدة 55 دولة.
ومما زاد من التباعد بين الدول الإسلامية: تباينها في الولاء لبعض الدول الكبرى كأميركا وأوروبا الآن، والاتحاد السوفياتي في الماضي القريب. وكذلك تفاوتها في الغنى والفقر، وتعرض بعضها لمشكلات اقتصادية، تجعل الآخرين يتخوفون من التقارب معها، وتضعف الثقة أو تنعدم بين كل دولة وأخرى، فتخشى الدولة الغنية أطماع الدولة الفقيرة.
وتتأزم أحيانا العلاقات بين الدول الإسلامية، والعربية، بسبب اختلاف وجهات النظر السياسية، فيتشدد جانب، ويلين آخر، ويبادر بعضهم أو يهرول للارتماء في أحضان العدو الغاصب أو المحتل الدخيل.
وتبلغ حدة التباعد والكراهية أقصاها حين تتدخل دولة مسلمة أو عربية في شؤون دولة أخرى، أو تعتدى على حدودها، أو تحتل بعض أراضيها، بذرائع وإطماع متنوعة.
ومما يزيد الفرقة: تباعد الدول أو الأقاليم الإسلامية في المكان، فيكون بعضها في أقصى المشرق كإندونيسيا وماليزيا، وبعضها في أقصى المغرب كدولة المغرب العربية على حدود المحيط الأطلسي.
ـ(124)ـ
وعلى الرغم من كل هذه الظواهر، فانه يمكن تحقيق تقارب أو اتحاد بين الدول الإسلامية. أو وحدتها في المسائل الأساسية، والقرارات الدولية، إذا توحدت في السياسة والاقتصاد والاجتماع والقانون أو النظام: بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وفي مجال الفكر والثقافة بتوحيد مناهج التعليم الأصلية في المدارس والمعاهد والجامعات، على أساس من الوحي الإلهي في القرآن والسنة النبوية وإجماع الأمة الإسلامية، وليس هذا بالأمر الصعب، وإنّما هو سهل، لأن الدين واحد، والمسلمون اخوة. اما اختلاف المذاهب السنية أو الشيعية فلا بع عائقا، لان الخلاف في الفروع والجزئيات لا في المعتقدات والأصول، ولأنه إذا توافرت النوايا والبواعث الحسنة، وصدق كل جانب في معتقده وإيمانه، سهل اللقاء، وضاقت شقة الخلاف، وهذا ليس عسيرا ولا ممتنعاً.
مناهج تحقيق العالمية في الفكر والثقافة والواقع:
تتحقق العالمية الإسلامية أولا بين دول الإسلام وشعوبه وأنظمته وحكامه، ثم مع الدول الأخرى في الدعوى إلى الله بالحكمة الموعظة الحسنة، وبالعقل والفكر النير إلى حقيقة الإسلام ومبادئه على صعيد من السلم ونشر المحبة، وتحسين العلاقات، والمباراة في بيان أهداف الإسلام ومقاصد الشريعة بلغة العصر وأساليبه، وتجنب التطرف ونبذ الإرهاب، والتعصب، وإبداء منهج التسامح الإسلامي بين المسلمين وغيرهم، وإعلان مبادىء الحق والعدل والحرية وتقرير المصير، دون إكراه ولا إجبار.
وبنود تحقيق العالمية في الوسط الإسلامي تتجلى أولا في الفكر
ـ(125)ـ
والثقافة والواقع في المجالات الثلاثة الآتية:(1)
أولا ـ وصل ماضي الأمة بحاضرها، والتخلي عن أحقاد التاريخ السابق، وترك استمرار عقدة الخلاف في صفوف الجماعة، وإطفاء نيران الخلاف، والبعد عن إشاعتها أو تلقينها للناشئة، ولأن كل خطوة نحو الوحدة والتقارب، والتقدم، والوقوف صفا واحدا أمام تحديات الأعداء والمخاطر المشتركة، إنّما تبدأ من واقع الحاضر، لا من أخطاء وموروثات الماضي، فكل إنسان أو فئة يسأل أو يحاكم على ما قدم من خير أو شر، بل لنكن واقعيين، فانه لا فائدة على الإطلاق من احياء خلافات الماضي.
ثانياً ـ الاينحاز العالم الإسلامي بجميع شعوبه وحكامه في جانب من جوانب السياسة والاقتصاد والاجتماع ونحو ذلك نحو اتجاه معين يغاير اتجاه الإسلام وشرعه ومنطلقاته، ويتنافى مع المصلحة الإسلامية العليا، ويعد خرق هذا الاتجاه اما خيانة لله والرسول، ولمصالح الأمة جمعاء، واما عصبية مذهبية أو طائفية بغيضة تلتقي مع العصبية الجاهلية في نتائجها وثمراتها، وان خالفتها في دوافعها وأسبابها.
ثالثا ـ ان تتقارب الطوائف الإسلامية، بحيث تدرس بتجرد وموضوعية وإنصاف ما لدى الطائفة الأخرى، لأن الإسلام كل لا يتجزأ، ولان إزالة النعرفة غير الطبيعية التي خلفتها أحداث التاريخ ضرورة حتمية. وإذا تعذر الوفاق على بعض الجزئيات، فتترك لكل جانب أو طائفة، على ألا تعكر صفو العلاقات الأخوية الإسلامية الصافية، يغر المتأثرة بحزازات الماضي وآلامه ومآسيه، أي ان الخطأ
_____________________________________
1 ـ الوحدة الإسلامية للأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة: ص 45 بتصرف.
ـ(126)ـ
يجب إلا يستمر، ألا يعوق تحقيق اللقاء المشترك أو الاتحاد أو الوحدة، ولأن محو الفروق الطائفة يجب ان يكون غاية مقصودة في ذاتها، لأن أسباب الخلاف قد زالت، ومن الخطأ التمسك بالاختلاف الطائفي مع زوال أسبابه وعدم الجدوى في إثارته.
ـ الاتجاهات القومية الإسلامية:
ان الأمة الإسلامية قد جربت بعد استقلالها وزوال كابوس الاستعمار عن كيانها كل المبادئ الغربية أو الشرقية، من اشتراكية، ورأسمالية، وعلمانية، ووطنية، وقومية، اما عربية أو كردية، أو بربرية، أو تركية ونحوها، فلم تحقق منها جدوى أو غاية نفعية أو صحيحة، وظلت تترنح وتهتز في متاهات التخلف والضعف والتفرق، حتى هانت على الأعداء والدول الكبرى، ولم يعد لها حسبان في موازين السياسة العالمية.
وقد آن الاوان في ظل الصحوة الإسلامية المعتدلة والرشيدة الحالية ان تعود هذه الأمة لرشدها والحفاظ على عزتها ووجودها وكيانها، وتتجاوز محن الماضي ومآسيه على مدى نصف قرن من اغتصاب فلسطين، والاعتداء على حقوقها في كشمير وغيرها من البلاد الإسلامية.
ان القومية من مخلفات الغرب في القرن التاسع عشر، وقد تركتها الدول الغربية، واتجهت نحو الوحدة أو الاتحاد.
وإذا اقتضت الظروف السياسية الاحتفاظ بشعار القومية العربية اليوم في مواجهة العدو الصهيوني، لتجميع وتضامن المسلمين والعرب، فانه ثبت لدى دعاة هذه القومية انها تلتقي في المصير مع الاتجاه الإسلامي بكل مراميه وأبعاده وطموحاته.
ـ(127)ـ
وكذلك الشأن في كل قضية تهم المسلمين قاطبة ينبغي تجاوز الأفق القومي الضيق، والانصهار في بوتقة العالمية الإسلامية الخيرة، والتي تحقق على المدى القريب والبعيد مصالح جميع المسلمين، لأن العدو الغربي تكرر منه الإعلان عن مواجهة العالم الإسلامي بعد سقوط الشيوعية بدون ثمن عام 1989 م، ولا تفرقة في أذهان هؤلاء الأعداء بين أي واحد من الأقطار الإسلامية، من أهل السنة، أو الشيعة أو غير ذلك من بواعث التفرقة.
ان العقلاء يقرون ان الاتحاد في مواجهة الخطر المشترك ضرورة حتمية، لا محيص عنها ولا مهرب، وان وجود هذا الاتحاد آت لابد منه بمشيئة الله تعالى، إذا صدقت النوايا، وشحذت العزائم، وخفت أصوات الأطماع المادية الطاغية، والإغراق في النعم لدى البعض، وحرمان البعض الآخرين من أبسط وأدنى الحياة المعاشية الاقتصادية.
الجمود الثقافي:
الثقافة ـ كما جاء في معجم العلوم الاجتماعية وقاموس علم الاجتماع ـ:
هي استجابة الإنسان لإشباع حاجاته المادية والروحية. أو إنها تشمل نماذج الحياة الاجتماعية بأسرها: العائلية والاقتصادية والدينية والأخلاقية والتربوية والجمالية والسياسية واللغوية والعلمية.
ومعيار الثقافة: هو الدين، ويرفض القول بأن(الفن للفن) لأنه لابد من ان يكون الفن اخلاقيا، والدين أصل الأخلاق، ويجب احترام القيم الدينية في مجال الفن وغيره. وبإيجاز: الثقافة تشمل المعرفة والسلوك.
ويلاحظ ان مجتمعنا المعاصر محدود الثقافة أو جامد الثقافة، فالناس إلى الآن حريصون على المادة وتوفير سبل المعيشة، والكثيرون أو القليلون يمارسون
ـ(128)ـ
العبادات في الظاهر، من غير معرفة صحيحة بها وبأهدافها، وتبتعد في الغالب ثقافاتهم عن مقاصد العبادة، والخلاق الدين، وتراهم يعنون بالقشور والمظاهر، وربما تعرض لهم أجهزة الاعلام المكتوبة من صحافة وقصص شعبية مثلا، والمسموعة والمرئية، من أخبار سياسية، ومسلسلات تعالج بعض عيوب المجتمع والافراد، دون ان تعنى بالتوجيه والتثقيف فيما هو حساس وضروري، لحياة الأسرة والافراد والتجار والصناع والزراع، ودون ان تحقق النفع لهم، وتدرأ الشر عنهم، سواء في حاضرهم أو في مستقبلهم القريب أو البعيد، هذا فضلا عن عدم وضوح الرؤية المستقبلية والآفاق العالمية، وغياب الاستراتيجية والخطط التنموية والتربوية والاقتصادية وغيرها من ضروريات الحياة الاجتماعية. وذها يؤدي إلى الفقر وضعف الحسن العام أو انعدامه أو جموده.
لقد أصبح التثقيف آليافي ملء أو حشد معلومات معينة، ولكنها غير موجهة ن ولا موصولة بالسوك الرشيد.
وذا ظلت الحال على هذا النحو من الجمود الثقافي: المعرفي والسلوكي، ظل الناس في حيرة ومتاهة، وتخلف وغيبوبة عن تحقيق أو أدراك مفهوم الذات وتطلعات الأمة لغد مشرق، وحاضر كريم.
والحمد لله رب العالمين