التسريبات الأخيرة وآثارها على وحدة المسلمين
التسريبات الأخيرة وآثارها على وحدة المسلمين
صباح زنكنه
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة :
ظهرت تسريبات ويكيايكس إلى العلن عبر اهم واشهر الصحف العالمية باللغات الانكليزية والفرنسية والاسبانية والالمانية في آن واحد لتحدث ضجة كبري وتداعيات لا تزال مستمرة لم يتوقعها احد ولم تخطر على بال بشر..
وادت هذه التسريبات إلى طرح اسئلة كثيرة واوجدت الكثير من التساولات وفقدان الاتزان في التحاليل والقراءات .
فمن متسائل عن طريقة وصول الوثائق الامريكية إلى ويكيليكس وآخر يتسائل عن صحتها ومصداقيتها وهل انها مفبركة ام حقيقية ؟
وثالث يقف امام اسباب نشرها وتسريبها وهل انها جزء من مصاديق نظرية الموامرة التي تعطي امريكا واسرائيل القدرة الفائقة والمطلقة للعب بالعالم كله وباشكال وصور مختلفة ومدهشة ؟
ام انها فلتة اعلامية! او معلوماتية ؟ لم تنتبه لها القوة العظمي ؟
وربما يطرح آخرون انها صراع بين الاجنحة الحاكمة في الولايات المتحدة كما حصل في قضية " واتر غيت " ابان حكم الرئيس نيكسون وغيرها من النماذج؟
وسنحاول دراسة الاحتمالات وتقييمها ومن ثم استشفاف آثارها على مجمل التيارات في العالم وخاصة العالم الاسلامي.
كيف وصلت الوثائق ؟
يقول موقع ويكيليكس عن قصة وصول الوثائق :
في وقت سابق من العام الجاري وصل جهاز للذاكرة الصلبة لا يتجاوز حجمه حجم الاصبع إلى احد مراسلي الغارديان.
كان الجهاز صغيرا جدا بحيث يمكن تعليقه بحاملة المفاتيح ولكن محتواه ضخم .
سعة الجهاز التخزينية كانت 1.6 غيغا بايت واحتوي على ملايين الكلمات هي محتوي اكثر من ربع ميليون وثيقة من وثائق وزارة الخارجية الامريكية ارسلت من وإلى السفارات الامريكية في شتي انحاء العالم.
ما ظهر وسيظهر هو كشف غير مسبوق للديبلوماسية السرية للقوة العظمي الوحيدة في العالم وطريقة تعاملها مع حلفائها واعدائها وكيف تفاوضهم وتضغط عليهم في بعض الاحيان ويصل الامر إلى نعت الزعماء بابغض النعوت وكل ذلك خلف الكواليس ومن خلال قنوات خلفية وتصنيات سرية ظن الدبلوماسيين انها عالمهم السري الخاص الذي لن يطلع عليه احد غير الامريكي في يوم من الايام.
الجيش الامريكي يعتقد ان المسئول عن التسريبات هو الجندي برادلي ماتنغ البالغ من العمر 22 عاما والذي يحتجز في زنزانة انفرادية منذ عدة اشهر وينتظر محاكمة عسكرية .
هذا المحلل السابق في جهاز المخابرات متهم بتنزيل وثائق مصنفة على انها سرية بدون تخويل رسمي عندما كان يخدم قاعدة عسكرية قرب بغداد.
ماتنغ مشتبه على انه قام بتصوير نسخ من ارشيف وزارة الخارجية وكذلك تسريب ملف فيديو يحتوي على تصوير لطائرة مروحية امريكية تقتل مدنيين عراقيين بالاضافة إلى الاف الوثائق المتعلقة بالحرب في اقغانستان والعراق.
وقد مرر ماتنغ تلك المعلومات إلى موقع ويكيليكس الناشط في حرية تداول المعلومات .
و يظهر ان اسانج ومجموعته قرروا تمرير المعلومات إلى النشر لتضخيم الصدمة السياسية كما قالوا .
خسائر جانبية :
في ابريل عام 2010 اعلنوا في موتمر صحفي في واشنطن اطلاق تصوير مروحية الاباتشي الاميريكية الذي اطلقوا عليه عنوان " القتل كخسائر جانبية " .
واتفق نيك ديفيز احد افراد طاقم الغارديان مع آسانج على تسليمه نموذجين من الوثائق العسكرية عن العمليات الميدانية في حربي العراق وافغانستان ليحللها المتخصصين.
وتسببت التسريبات في غضب البنتاغون واليمين المتطرف الذي تعالت اصوات للقبض على آسانج او حتي اغتياله.
واصدرت السويد مذكرة اعتقال دولية بحق آسانج.
وسيستمر نسر الوثائق القادمة حسب توقعات الغارديان بصورة مستقلة وبالتزامن مع نيويورك تايمز ودير شبيغل ولوموند والباييس .
نماذج من الوثائق :
لانريد الاستغراق في شرح الوثائق ولكننا سنشير إلى نمادج منها لدراستها واستخراج البانوراما التي تعرضها هذه المجموعة .
1- وثائق تطرح جرائم الحرب الامريكية ضد الشعب العراقي والافغاني
2- وثائق تشرح التآمر السياسي الامريكي ضد الدول الحليفة لامريكا
3- وثائق تظهر التآمر ضد دول الممانعة والبعيدة عن الفلك الامريكي
4- وثائق تشير إلى تدخلات امريكا في القارات الخمس
5- وثائق تظهر الدعم الامريكي للبرامج والنشاط الاسرائيلي
6- وثائق تكشف محاولات التعبئة الاقليمية ضد الجمهورية الاسلامية وتصريحات مسئولي بعض الدول
7- وثائق حول رموز وشبكات التجسس الامريكية
8- وثائق حول الحكومات الخليجية حيث يذكر انها اقامت علاقات سرية مع اسرائيل لاعتقادها ان اسرائيل تستطيع ان تاتي بافعال سحرية
9- وفي وثيقة اخرى تذكر ان الولايات المتحدة والمانيا تطوران بشكل سري اقمار تجسس عالية التقنية
10- وتطرح اسرار اللقاء الذي جمع بين صدام والسفيرة الامريكية غلاسبي قبل اجتياح العراق للكويت
11- وفي وثائق اخرى تذكر ان دبلوماسيين امريكان تحولوا إلى مندوبي مبيعات لاقناع حكومات بشراء طائرات بوينغ
12- وتدكر في قسم آخر ان اسرائيل كانت تستعد لحرب كبري عام 2009
13- وثم تطرح ان اسطنبول اصبحت وكرا للتجسس على ايران
14- وفي وثيقة اخرى تطرح ادعاء ان الرئيس الايراني تعرض لصفعة من قائد الحرس الثوري
15- وتقول ان واشنطن سعت لتركيز مهام الجيش المصري على مكافحة الارهاب والقرصنة ومراقبة الحدود
16- وفي مكان آخر تذكر ان اسبانيا تخشي تحول موريتانيا إلى صومال آخر لايبعد عن حدودها سوي 300 كيلومتر
17- وان وفد وزارة الخزانة الامريكية ناقش فرض عقوبات على بعض اركان النظام السوري
18- وان بطاقات ائتمان قتلة المبحوح صادرة عن ولاية آيوا الامريكية
19- وان سفارة امريكا في ابو ظبي ابرقت لوزارة الخارجية الامريكية عن عملية اغتيال المبحوح
20- وفي مجال آخر تذكر ان شيعة العراق يريدون حكم كامل العراق وليس فقط المناطق الشيعية
21- وتذكر في موقع آخر ان الحكومة السورية وراء الهجوم على السفارات الاسكندنافية في قضية الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
22- وتذكر في وثيقة اخرى ان مسئولين امريكيين وبريطانيين تواطئوا لاخفاء كميات من القنابل العنقودية
23- وحول اسبانيا تذكر انها عرقلت انشاء مصنع لحمض النتريك في ليبيا
24- وعن ساركوزي تقول انه امتعض من تذوق الاطعمة العربية التي قدمت له وانه اثار غضب السعوديين
25- وتذهب في وثيقة اخرى إلى ان السعودية اظهرت مخاوف من اطلاق صواريخ سكود ايرانية على مرافق النفط في المنطقة الشرقية
26- وفي مجال آخر تقول ان اسرائيل شعرت بالقلق على مستقبل برويز مشرف وتعتقد ان دول الخليج لاتجيد التعامل مع التجهيزات العسكرية التي بحوزتها
27- وعن مبارك تقول انه نصح اسرائيل بعدم توجيه ضربة إلى ايران وان نتنياهو اقترح تعاون السعودية مع اسرائيل ضد ايران
28- وتذكر اعتراف رايس بتورط اسرائيل في تدمير مفاعل سوري عام 2007
29- وفي موقع آخر تبين ان العرب لن يستطيعوا الانضمام إلى الولايات المتحدة في تحالف ضد ايران خوفا من انتقامها
30- وتتوقع ان الرئيس الجديد لمصر سيتبني خطابا معاديا للامريكيين حتي يثبت وطنيته للشارع المصري
31- ومن جهة اخرى تقول ان مصر لديها خلايا نائمة في ايران وسوف تستمر في تجنيد العملاء الذين يفعلون كل ما يطلب منهم
وهنالك الالاف من الوثائق الاخري التي تطرحها مجموعة الويكيليكس من شتي البلدان.
التحليل والاستنتاجات:
لا شك ان العالم الاسلامي يعاني من الكثير من الفرقة والتشتت وخاصة على مستوى الحكومات.
الف) : اما لابد من تقييم لمدي صحة وامكانية اختراق شبكة الاتصالات لوزارة الخارجية الامريكية ؟
ونقول ان اضفاءطابع الكيان الذي لايقهر على الولايات المتحدة او اسرائيل لا ينطبق على الواقع ؛
حيث تشير التجارب إلى العديد من الاختراقات التي حصلت ومنها اختراق شبكات البنوك والمصارف من قبل شباب مهووسون بالبرامج المعلوماتية, حتي في حالة المصارف التي تستعين بالعديد من الاغطية الامنية التي تصل ربما إلى خمس .
وهنالك الانتهاك لشبكة الاتصالات اللبنانية من قبل اسرائيل ؛
وهنالك الاختراق لشبكة الرادار والقوة الجوية الاسرائيلية من طرف المقاومة اللبنانية ؛
اذ ان الاساس هو المعرفة التقنية المعلوماتية بالذبذبات ومايحيطها من رموز ودهاليز وصمامات امان وشفرات سرية.
اذا, امكانية الاختراق ومعرفة اسرار الرسائل امر لايعد من المحالات.
ب) : السئوال الاخر هو : مدي صحة انتساب هذه المجموعة إلى ارشيف وزارة الخارجية الامريكية ؟
يظهر ان ردود الفعل الامريكية العجولة والغاضبة لم تكن آتية من الفراغ ؛ حتي لو افترضنا ان اسانج كان عميلا للسي آي ايه ؛فان التضييقات عليه والضغط على دول اخرى لمحاصرته واسناد تهم اخلاقية ومالية تذكرنا بالاساليب الفجة التي تستعملها الدول المختلفة لتشويه صورة معارضيها.
و ما تقديم الاعتذار الرسمي الذي صدر عن هيلاري كلينتون, إلى رئيس الوزراء البريطاني, الادليل آخر على امكانية ان تكون بعض التسريبات صحيحة .
ج) : ومن المناسب الاشارة إلى ان الكثير من التسريبات, لم تكن بعيدة عن اذهان الناس ؛ اذ كانت وسائل الاعلام, في مناسبات عديدة, تذكر بعضا من التسريبات اثناء الزيارات التي كان المسئواون الامريكان يقومون بها إلى دول المنطقة, مثلا, او التصريحات التي كانت تصدر عنهم, والتصريحات المقابلة من دول المنطقة .
فان المحلل المتابع, بامكانه استنتاج مادار في تلك اللقاءات والزيارات.
و الظريف في الامر ان تلك الاستنتاجات, تنطبق كثيرا على هذه التسريبات .!!
د ) : ولكن كيف نفسر الكم الهائل من الوثائق التي تدور في او حول دول الشرق الاوسط وقلب العالم الاسلامي ؟ ؟
ان من البديهي ان تكون منطقة الشرق الاوسط , تعج بالاحداث والوقائع والازمات ؛ وبالنتيجة ان تحفل بالمراسلات والوثائق.
وربما لاحظنا وفرة الوثائق حول الجمهورية الاسلامية, من شتي الحكومات, علما ان الجمهورية الاسلامية, ليس لديها سفارة امريكية ؛ وهذا مايفسر ان منشأ هذه الرسائل ياتي من دول مجاورة !!!
وهذا ربما, يفسر عدم دقتها وتخبطها !!
و لاننسي ان عددا كبيرا من الوثائق, يتحدث عن مؤامرات ومخططات امريكا في بقاع اخرى من العالم.
ونتسائل : لماذا لاتتحدث الوثائق عن جرائم اسرائيل ؟ يمكن الاجابة ان التخطيط الاسرائيلي لايتم بعيدا عن امريكا؛ لكن يظهر ان الاسرائيليين يرغبون بجر امريكا إلى اعماق الوحل والصراع الذي سببته اسرائيل, وتريد الحصول على امتيازات اكثر من امريكا ومن دول المنطقة .
هـ ) : من الملاحظ ان الضجة التي اوجدتها التسريبات, توضح لنا ان تغييرا هائلا في وسائل واساليب الديبلوماسية فرضت نفسها الاجواء التقليدية .
اذ اصبحت المعلومات السرية, والمفاوضات, والحوارات, تنشر كما ينشر الغسيل في الشمس !!
و هذا سينعكس على الحكومات التي كانت تظن ان شكواها ومطارحاتها وتعاونها سيبقي قيد الكتمان !!! واذا به ينشر على الملا العام !!
ومن الان فصاعدا, عليها ان تختار بين مصارحة شعوبها, والصدق في سلوكها ؛ او التخلي عن التنسيق مع المسؤلين الاجانب ! واما ان ترتمي بالكامل في احضان الغرب وتنسي علاقتها بشعبها ؛ وهذا نحسب انها لاترضاه .
و) : ما هي ردود الفعل لدي الدول التي خططت امريكا واسرائيل ضدها ؟؟
هل سترد ان هده الوثائق ملفقة ولاتعبأ بها ؟
ام انها سترد بكل حنق وغضب ؟
ام انها ستتحين الفرص للانتقام والمقابلة بالمثل ؟؟
و هل انها ستدرس الامور بتروي وعقلانية ؟
ز ) : وماهو دور الدول التي ذاع اسمها باعتبارها وشت بدول اسلامية اخري، وطلبت من امريكا او اسرائيل ان تقطع راس الافعي ( كما دكرت الوثائق ) ؟
هل ستقدم ايضاحات ؟
ام انها ستسير كما تقول الاية الكريمة : اخذته العزة بالاثم ؟
الخاتمة :
نحسب ان الفرصة مؤاتية جدا للحوار والمصارحة بين الدول الاسلامية، وتفويت الفرصة على اعداء الامة المتربصين بها، وعدم الثقة بالغرب، والشروع ببناء الثفة فيما بينهم.
والله الموفق للصواب .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
طهران – 20 محرم الحرام 1432هجري