التحديات الثقافية التي تواجه الأمّة الإسلامية في عصر العولمة الجديد
التحديات الثقافية التي تواجه الأمّة الإسلامية في عصر العولمة الجديد
د. الشيخ محمد علي الشيخ منصور الستري
عضو مجلس الشورى، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية،
عضو مجلس الأوقاف - دولة البحرين
بسم الله الرحمن الرحيم
تتشكل العلاقات المتشابكة التي يطرحها عنوان هذه الورقة، من خلال التفاعل بين متغيرات ثلاثة: الأول هو التحديات الثقافية، والثاني هو الأمة الإسلامية، والثالث هو عصر العولمة الجديد. ويحسن بنا قبل الدخول في بحث القضايا التي يطرحها هذا العنوان، أن نحدد المقصود من هذه المتغيرات الثلاثة في هذه الورقة.
1 ـ التحديات الثقافية:
التحدي هو ذلك الوضع، الذي يمثل وجوده، أو عدم وجوده، تهديداً، أو إضعافاً، أو تشويهاً، كليا أو جزئيا، دائما كان أو مؤقتا، لوجود وضع آخر، يراد له الثبات والقوة والاستمرار. واذا نظر الى التحدي باعتباره ثقافيا، فانه يمثل تهديدا أو خطرا أو إضعافا أو تشويها، لوضع أو منظومة ثقافية معينة، فيصح أن يطلق عليه لهذا السبب «التحدي الثقافي».
أما الثقافة، فهي في اللغة العربية تعني الإجادة والحذق والضبط وسرعة التعلم (انظر ابن منظور، مادة ثقف، 9: 19 ـ 20)، ولكنها في علم الاجتماع والحضارة تعني مجموعة الأوضاع والأنماط الفكرية والتطبيقية والسلوكية والحياتية، التي تميز فرداً ما، أو جماعة ما، أو أمة ما، في فترة زمانية معينة، وموقع مكاني معين، وهو المعنى المقصود في هذه الورقة. «فالتحديات الثقافية» في هذا العنوان على هذا، تعني مجموعة الأوضاع والأنماط الفكرية والتطبيقية والسلوكية والحياتية، التي تهدد مثيلاتها في الأمة الإسلامية.
2 ـ الأمة الإسلامية:
«الأمة» في اللغة العربية، تعني الشرعة والدين والطريقة، كما تعني القوم والجماعة، قال ابن منظور في لسان العرب (12: 23 ـ 28، مادة: أمم): «والأمة والإمة: الشرعة والدين. وفي التنزيل العزيز إنا وجدنا آباءنا على أمة... قال ابن اسحاق في قوله تعالى: كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، أي كانوا على دين واحد... والأمة: الطريقة والدين... والإمة لغة في الأمة... والأمة القرن من الناس، يقال: قد مضت أمم، أي قرون، وامة كل نبي: من أرسل اليهم من كافر ومؤمن... وقيل: أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، كل من ارسل اليه ممن آمن به أو كفر...وأمة الرجل قومه، والأمة الجماعة، قال الأخفش: هو في اللفظ واحد، وفي المعنى جمع، وقوله في الحديث: إن يهود بني عوف أمة من المؤمنين، يريد أنهم بالصلح الذي وقع بينهم وبين المؤمنين كجماعة منهم: كلمتهم وأيديهم واحدة».
وإذا تأملنا في هذه المعاني اللغوية لمفردة الأمة، وجمعنا بينها، نجد أن «الأمة» لفظ يطلق على الجماعة التي يجمعها دين واحد، أو شرعة واحدة، أو طريقة واحدة، أو رابطة واحدة، يلتزم بها أفراد الجماعة. وفي موضوعنا: يطلق مصطلح الأمة الإسلامية.، على الجماعة التي يوحد بينها الدين الإسلامي.
وفي علم الإجتماع السياسي، يطلق مصطلح الأمة، على الشعب الذي يتكلم لغة واحدة، أو يدين بدين واحد، أو يرجع إلى أصول عرقية واحدة. فالمرجعية التي تتشكل على أساسها الأمة إذن قد تكون قومية ـ كالأمة العربية والفارسية ـ وقد تكون عرقية جنسية، كالأمة الآرية، والسامية، وقد تكون دينية، كالأمة الإسلامية والأمة اليهودية والأمة المسيحية. وحينما تعتمد مرجعية من هذه المرجعيات التي تتشكل الأمم على أساسها، لفترة طويلة نسبيا، تنسى المرجعيات الأخرى، أو تسقط من الحساب عادة. فإذا تشكلت الأمة على أساس قومي، تلاشت المرجعيات الأخرى في تشكيل الأمة، فلا يهم بعد ذلك أن يكون منها أفراد أو جماعات من أديان مختلفة، أو قوميات مختلفة أخرى، المهم أن تنتمي جميعها الى لغة واحدة، هي لغة القوم الذين شكلوا فيما بينهم أمة. كما لايهم أن يخرج منها أقوام، يحيون مع الأمة القومية على الأرض نفسها، ولكنهم يعاملون على أنهم خارجون عن تشكيل الأمة القومي. واذا كان المرجع في تشكل الأمة هو الدين الذي تشكلت عليه وبه الأمة. فالأمة الإسلامية يدخل فيها كل المسلمين، بغض النظر عن لغاتهم وأعراقهم ومواقعهم الجغرافية، وحدودهم السياسية. وعلى ذلك تكون الجماعات الأخرى غير المسلمة، التي تعيش مع الأمة الإسلامية على الأرض نفسها، ليست من الأمة الإسلامية، وان تكلمت باللغة نفسها، أو انحدرت من ذات الأعراق الجنسية. فالأمة الإسلامية ـ في عنوان البحث ـ تشمل إذن جميع المسلمين، سواء كانوا موجودين كدول وأنظمة، أو موجودين كأفراد، وسواء كانوا أقلية أو أكثرية، حينما يكونون كذلك في بعض بلاد العالم، ولا تكون لهم سلطة الدولة.
3 ـ عصر العولمة الجديد:
أما العولمة فلا يوجد لها استخدام قديم في اللغة العربية، والموجود هو لفظ «العالم»، و«العالمي». بيد أن مبدأ الاشتقاق في اللغة العربية يسمح باشتقاق لفظ «عولم»، ويعني جعل الشيء عالمياً. والعولمة في اللغة الانجليزية تعني إكتساب الشيء صفة العالمية، أو جعل تطبيقه عالميا. فيكون المعنى اللغوي للكلمة في اللغتين واحداً. غير أن كلمة العولمة، كما تستخدم الآن في السياسة والتجارة والاقتصاد، تركز على عالمية المكان دون الزمان على ما يبدو، مع أن المفردة تتسع لعالمية الزمان أيضا. ومن هنا فإن العولمة وان تحركت في المكان العالمي، فإنها تفعل ذلك من خلال زمان عالمي أيضا، قد يقصر وقد يطول، وليس هذا هو المهم. المهم في الأمر أن يكون النمط الحياتي، أو الإجتماعي، أو السياسي، أو الإقتصادي، أو الثقافي بصفة عامة، والذي يراد له أن يكون موضوعا للعولمة، يستتبع، بل يستبطن إزالة جميع الحواجز، التي تعيق العولمة للشيء المعني. فعولمة الاقتصاد ـ على سبيل المثال ـ تعني جعل النظام الإقتصادي واحدا في العالم كله، وإزالة الأنظـمة الإقتصادية الأخرى، وهذا يستتبع ـ بطبيعة الحال ـ توحيد الشروط والأنظمة الاقتصادية، وإزالة العوائق، عن حركة رؤوس الأموال والاستثمارات، وتوجيه الأسواق في جميع الدول، لتعمل وفق نظام عالمي واحد. وهكذا الشأن في عولمة الثقافة، بما للثقافة من معنى اجتماعي أنثربولوجي وحضاري واسع، بيناه في فقرة سابقة.
أما العصر الجديد للعولمة فنعني به العصر الذي ابتدأ بسيطرة قطب سياسي كبير واحد، على العالم، وهو القطب الأميركي بصفة خاصة. وهو العصر الذي تميز ـ بالإضافة إلى ذلك ـ بشيوع استعمال الاقمار الاصطناعية، والانفجار المعرفي، وثورة المعلومات والاتصالات، بدءاً بتقليص المسافات بين مناطق العالم، وانتهاء باستخدام تقنية الانترنت، وشيوع القنوات والمحطات الفضائية. هذا العصر الجديد يطرح العولمة بشكل قوي وسريع، إلى الدرجة التي لا تتمكن الدول والأمم من تجاهله، أو التخلف عنه.
4 ـ الأسئلة التي تطرحها الورقة:
والسؤال الذي نطرحه هنا هو: ماذا تصنع الأمة الاسلامية حيال العولمة الثقافية، التي تصاحب العولمة الاقتصادية والتجارية والسياسية، وتقوم في الوقت ذاته على أصول ثقافية مختلفة، بل ومتعارضة في كثير من الأحيان، مع أصول الثقافة الاسلامية؟ هذا هو السؤال الكبير الذي تحاول هذه الورقة أن تقدم أجابة متواضعة عنه. ومن أجل أن نتوصل لتصور متكامل عن هذه المشكلة، نطرح ـ بالإضافة لذلك ـ التساؤلات المكملة التالية:
ما هي طبيعة التحديات التي يثيرها عصر العولمة الجديد للثقافة الإسلامية؟
وما هي الصلة بين العولمة والأمركة أو بين العولمة والنظام العالمي الجديد؟
هل تمثل العولمة المطروحة حاليا وضعا نافيا للثقافة الإسلامية؟
وهل يمكن التعامل مع الوضع الجديد للعالم بفعل العولمة، على أنه وضع موات لعولمة إسلامية، تقوم على أساس الثقافة الإسلامية والنظم الإسلامية؟
هل الإعلام الإسلامي بوضعه الراهن يخدم الثقافة الإسلامية والعولمة الإسلامية؟
أو أنه بوضعه الحالي يقوم بدور الفعل المعاكس؟
وأخيرا كيف نتحول من استراتيجية رد الفعل إلى استراتيجية الفعل، فيما يتعلق بالتحديات الثقافية، التي تواجه الأمة الإسلامية، في عصر عالمي جديد، يقوم على اسقاط الحواجز بين الثقافات، شئنا ذلك أم أبيناه؟.
سنحاول إلقاء بعض الأضواء على هذه التساؤلات، في حدود المساحة الممكنة، والزمن المتاح.
أولاً ـ التحديات الثقافية العالمية للثقافة الإسلامية:
من المعلوم أن الثقافة غير الإسلامية، السائدة في العصر الحاضر، في المجتمعات المشاركة في صنع النظام العالمي الجديد، ونعني بها المجتمعات الغربية بصفة خاصة، تقوم على أصول تختلف، بل تتعارض مع أصول الثقافة الإسلامية. فإذا كانت الثقافة الإسلامية تقوم في المقام الأول على التوحيد الخالص لله، انطلاقا من مثل قوله: «فتعالى الله الملك الحق لا اله إلاّ هو»(المؤمنون: 116)، فان الثقافة غير الإسلامية في المجتمعات الغربية، أو في غيرها اليوم: إما أنها تقوم على الشرك، وهو ما عبر عنه القرآن في مثل قوله تعالى: «وجعلوا لله شركاء، قل سموهم) (الرعد: 33)، وأما أنها تقوم على الكفر والالحاد، كما عبر عنه القرآن، بمثل قوله تعالى: «وقال الذين كفروا: لن نؤمن بهذا القرآن، ولا بالذي بين يديه» (سبأ: 33).
وحتى لو رجعت المجتمعات غير الإسلامية الى دين، كالدين المسيحي أو اليهودي، فان هذا الدين ليس مصدرا لثقافة هذه المجتمعات، في جميع المجالات التي توجد خارج الكنيسة أو الدير، بخلاف ما هو عليه الحال في الدين الإسلامي، فإنه دين يقوم، بالإضافة إلى توحيد الله توحيدا خالصا من الشرك، على شريعة من عند الله تضع أحكاما لجميع مجالات حركة البشر في الحياة. ومعنى ذلك أن لكل مجال ثقافي إسلامي أحكامه التي تربطه بالشريعة وبالدين وبالتوحيد. ونتيجة لهذين المنطلقين المختلفين، سمحت المجتمعات الغربية مثلا لهيئاتها التشريعية، باصدار التشريعات لجوانب الحياة المختلفة، بعيدا عن الدين الذي ترجع اليه. وهذا بطبيعة الحال ليس ممكناً في الأمة الإسلامية، لأن القرآن الكريم والسنة المطهرة هما مصدرا التشريع، ولا يحق لأية هيئة أن تشرع للأمة الإسلامية تشريعا، أو تسن قانونا، يتعارض مع أصل أو حكم في هذين المصدرين: «ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم» (الأحزاب: 36).
ومن جهة أخرى، ونتيجة لاختلاف المنطلقين بين الأمم غير الإسلامية والأمة الإسلامية، أو قل إن شئت بين الثقافة الجاهلية والثقافة الإسلامية، قالت الأمم الأخرى بنسبة الحقائق والأخلاق، ومن ثم فقد سمحت المجتمعات غير الإسلامية، في الغرب أو الشرق، لمؤسساتها أن تتبنى حقائق وأعرافا أخلاقية متطورة، في علاقات الأفراد بصفة عامة، وعلاقات الرجل والمرأة بصفة خاصة، وغير ذلك من العلاقات، بطريقة لا يحدها، ولا يوقفها، إلاّ قبول الأفراد في المجتمعات غير الإسلامية لها. فهي حقائق وأخلاق صحيحة ـ عندهم ـ إذا رضي عنها الأفراد أو المجتمع، وهي غير صحيحة اذا لم يرض عنها أحد. بينما يعتمد الإسلام على حقائق وأخلاق ثابتة، يعبر عنها القرآن بمثل قوله تعالى: «ما آتكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» (الحشر: 7)، وتعبر عنه السنة المطهرة بما ثبت فيها من أن: «حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام الى يوم القيامة». ولا ريب في أن الثقافة التي تعتمد على أصول متغيرة، كالثقافة الغربية، تختلف عن الثقافة الإسلامية التي تعتمد على أصول تشريعية ثابتة. فسيبقى تعاطي الخمر أو المسكر ـ على سبيل المثال ـ مرفوضا في الثقافة الإسلامية، بينما تغير الموقف بالنسبة لهما في الثقافة الغربية خصوصا، وفي الثقافات غير الإسلامية عموما، من عصر لآخر، ومن مجتمع لآخر، وسيبقى كشف جسد المرأة مرفوضا في الثقافة الإسلامية، بينما كان هذا الأمر في الثقافة الغربية أو الجاهلية عرضة للتغيير، واستقر الآن على عدم الفرق بين جسد الرجل وجسد المرأة. وسيبقى الربا والقمار مرفوضا في الثقافة الإسلامية، بينما هو عصب الاقتصاد في الثقافة الغربية أو الجاهلية. هذه الطبيعة للثقافة غير الإسلامية تمثل تهديدا للثقافة الإسلامية، إذا كانت تقف وراء العولمة، وتصاحب تطبيقاتها، في مجال السياسة والتجارة والإقتصاد والمعرفة، التي يتبناها النظام العالمي الجديد. وأخيرا فإن الثقافة الإسلامية تقوم على عدم الفصل بين الدين والدولة، بينما تقوم الثقافة الغربية الحديثة، على أن الدين من جملة القضايا الشخصية، أو هو رابطة خاصة، تقوم على الفصل بين الدولة والدين، وإحلال روابط أخرى محل الرابطة الدينية، تتمحور حولها الشعوب الغربية، كالوطن والجنس والعقائد السياسية والقومية والوطنية (أنظر الشبيبي: 45).
ثانياً ـ العولمة الثقافية والنظام العالمي الجديد:
ليس خافيا على أحد اليوم، أن النظام العالمي الجديد أو القديم هو من صنع الدول الأقوى في العالم. فالنظام العالمي الجديد ظهر بشكله الواضح في بداية العقد الماضي، وبالذات بعد انتهاء الحرب الباردة، بين المعسكرين الغربي والشرقي. وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية وحليفاتها الغربيات هي الدول الأقوى في عالم اليوم، فإنها بطبيعة الحال تتبنى العولمة الثقافية التي تراها مناسبة لسيادة نظامها العالمي الجديد، وفرض هيمنته على الأنظـمة والقوى الأخرى، بما فيها النظام الإسلامي. ويعتمد هذا النظام الجديد على شبكة واسعة وقوية، من القوى والتفاعلات السياسية والإجتماعية، والاقتصادية والتجارية، والعلمية والتقنية والمعلوماتية، لتجاوز هويات الأمم والشعوب الأخرى، ومحو خصوصياتها الثقافية والحضارية، (أنظر التويجري: 128)، من أجل أن يمهد الطريق لنشر هويته وثقافته النسبية القائمة على عدم ثبات الثقافة، بما فيها الدين والأخلاق، نشرها في المجتمعات الأخرى، ومنها المجتمعات الإسلامية.
إن عولمة الثقافة الخاصة بالنظام العالمي الجديد، تترادف عند بعض مع «الأمركة» للعالم، باعتبار الدور الكبير الذي تلعبه أمريكا في إدارة هذا النظام، والمساحة المعنوية والمادية التي تغطيها فيه. وهم محقون إلى حد بعيد، لأن السيادة الأمريكية على العالم تستتبع سيادة الثقافة الأمريكية الرأسمالية، والليبرالية البرجماتية، التي تحكم كل شيء في أمريكا، بداءاً بالتعليم والتربية، ومرورا بالفلسفة والأداب والعلوم والإقتصاد، وانتهاء بالادارة والسياسة. ولذلك لا يستطيع أحد أن يفهم النظام العالمي الجديد، ولا أن يحيط بأهداف العولمة غير المعلنة، إلا إذا فهم الفلسفة التي تقوم عليه، وأحاط علما بوسائلها: وهي ـ بإختصار ـ الحرية الفردية والنسبية والبرجماتية، والقوة الاقتصادية والعلمية والعسكرية.
ويعتمد النظام العالمي الجديد، في سعيه لعولمة ثقافته، على عدد من الوسائل، تستهوي كثيرين من أبناء الأمة الإسلامية، نوجزها فيما يلي:
1 ـ ثقافة «الديموقراطية» باعتبارها ـ عندهم ـ أفضل طريقة للحكم، بما في ذلك ثقافة المشاركة في صنع القرارات السياسية بصفة خاصة، والقرارات الأخرى بصفة عامة.
2 ـ ثقافة عدم الفصل والتفريق بين جنس الرجل وجنس المرأة، حتى في الظهور الجسدي، والعلاقات المفتوحة بين الجنسين.
3 ـ ثقافة فن الرقص والغناء والموسيقى، واعتماد المفاتن البشرية ـ الأنثوية منها خاصة ـ عناصر جمالية يجب إبرازها، وتوظيفها لخدمة ثقافة النظام العالمي الجديد وأهدافه.
4 ـ عولمة التجارة والاقتصاد القائمين على الفائدة، التي هي مصطلح النظام للتعبير عن الربا، وعلى القمار الذي اتخذ أشكالا متعددة.
5 ـ الفصل بين الدين وأنظمة الحياة المختلفة، لئلا يشكل الدين عائقاً أمام التغيير والتطوير للأنظمة والأعراف في المجتمعات.
6 ـ الإبهار العلمي والتقني، واتخاذ التطور في هذين المجالين، دليلاً على صحة التوجه في مجال العلاقات السياسية والانسانية والاقتصادية والإدارية وغيرها.
7 ـ القوة المكشوفة وغير المكشوفة، لفرض ما لم يتحقق بغيرها.
هذه هي أهم وسائل النظام العالمي الجديد في تسويق أو فرض العولمة التي يريدها. وهي كما يتضح ناشئة من جهات نقص وضعف في الأمور التي تتناولها، في البلدان والمجتمعات المستهدفة بها.
وبالنسبة للأمة والأقطار الإسلامية، فإن غياب الثقافة الإسلامية الصحيحة والشاملة، وتغييب أحكام الشريعة الإسلامية عن مجالات التطبيق الصادق، قد دفع الكثيرين من المسلمين للبحث عن البدائل، التي يرونها مناسبة في الثقافات والأنظمة الأخرى، وخاصة في النظام العالمي الجديد، وإن كانت ضارة.
والتحدي الكبير الذي يواجه الأمة الإسلامية اليوم ـ رعاة ورعايا ـ هو كيف تجعل من ثقافتها، ومن أنظمتها عوامل جذب، بدلا من أن تكون عوامل دفع أو طرد للمنتمين اليها، فضلا عن المتطلعين إلى ذلك من خارجها.
ثالثاً ـ المواقف المختلفة من أخطار عولمة الثقافة على الأمة الإسلامية:
تختلف ردود الأفعال، بل تتباين، من التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية، نتيجة لعولمة الثقافة الغربية. ومع غض النظر عن التفاصيل، نشير هنا إلى موقفين كبيرين متنافرين:
الموقف الأول يبتني على أن العولمة شر خطير، يداهم الأمة الإسلامية، ويهدد وحدتها وكيانها وإستمرارها، فعلينا أن نغلق دونها الأبواب، ونحصن مجتمعاتنا بالدعوة إلى الرجوع إلى أصول هذه الأمة الثقافية، ومنها بصفة خاصة الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح، والعمل على ابعاد الشباب، عن التعرض لوسائل العولمة الثقافية الغازية، من صحف وتلفاز ومحطات فضائية، بل وحتى سفر إلى البلاد الغربية، أو دراسة في جامعاتها.
والموقف الثاني يبتني على أن نهضة المسلمين لا تتحقق إلاّ من حيث تحققت نهضة الغرب، وأن الثقافة تراث بشري، ليس خاصا بقوم دون قوم، أو منطقة دون أخرى، أو جهة دون جهة، فعلينا أن نفتح الأبواب على مصاريعها للثقافات الوافدة، من أجل أن يلحق المسلمون بالركب العالمي، ومن أجل أن تتلاقح الثقافات، ويتوحد العالم حول ثقافة واحدة، وهذا أدعى لتحقيق السلام، والتقدم العالمي. وهناك مواقف أخرى تقترب أو تبتعد عن هذين الموقفين.
والحق أن المسألة تصل إلى حد الإشكالية الصعبة، فلا الانغلاق ـ في عصر العولمة الجديد ـ عما يجري في العالم ممكن ومتاح لو أردناه، وليس هو صحيحا كل الصحة لو كان ممكنا. ولا الانفتاح التام بلا ضوابط على العولمة المعاصرة صحيح أيضا. بل إن الأخطار الناجمة عن هذا التوجه لا تقل خطرا ـ إن لم تزد ـ عن التوجه الآخر بالانغلاق.
وسيظل القلق يساور علماء ومفكري الأمة الإسلامية، إزاء الموقف الصحيح من عولمة الثقافة، إذا استمر الحال على ما هو عليه في الدول الإسلامية، التي تعتبر ـ بمجموعها ـ أقل مما تمثله الأمة الإسلامية، وذلك لوجود أعداد كبيرة من المسلمين خارج نطاق هذه الدول. ويمكن تلخيص الحال القائمة في الدول الإسلامية فيما يخص الجانب الخاص بالثقافة في الآتي:
1 ـ غياب التصور الكامل لأصول ومفردات الثقافة الإسلامية، والاختلاف حول بعضها.
2 ـ عدم توظيف جميع مفردات هذه الثقافة في مجالات التعليم والتربية والإعلام والتثقيف العام.
3 ـ غياب كثير من مفردات هذه الثقافة عن المجالات الحياتية في الأمة كمجال التجارة والاقتصاد والادارة والسياسة.
4 ـ عدم وجود أجهزة ثقافية وإعلامية كافية ومؤهلة، تقدم البديل المنافس للثقافات الأخرى التي تتعارض مع الثقافة الإسلامية.
5 ـ تضارب الأجهزة الثقافية والإعلامية في الدول الإسلامية، وتقدم الثقافة الإسلامية بصورة مشوهة في أغلب الأحيان.
هذه هي خصائص الوضع الراهن لمؤسسات وأجهزة الثقافة الإسلامية في البلاد الإسلامية. وإذا ما أردنا مواجهة عولمة الثقافات الأخرى مع ثقافاتنا في بلداننا، لابد للدول الإسلامية من معالجة هذا الوضع، وإيجاد وضع بديل قوي، يتلافى النقائص الموجودة، ويهيىء الدول الإسلامية ليس فقط لمواجهة العولمة الوافدة، بل لإحداث عولمة إسلامية معاصرة لثقافتنا، كما احدث المسلمون في القرون الإسلامية الأولى عولمة للإسلام، وصلت إلى مختلف مناطق العالم.
رابعاً ـ عولمة الثقافة الإسلامية:
تمتلك الأمة الإسلامية ثقافة قوية تؤهلها للمشاركة في عولمة الثقافة من دون خوف أو تردد، إذا ما هيئت حكومات هذه الدول الإستعدادات العلمية والفنية والبشرية لإحداث العولمة المطلوبة. وفي هذا السياق نضع بين يدي المهتمين عدداً من الأمور الأساسية، التي تكفل انتقال الأمة الإسلامية من حال المتلقي فقط للعولمة الوافدة أو الغازية ـ كما يحلو لبعض تسميتها ـ إلى حال المرسل المشارك في عولمة الثقافة، بهدف المنافسة والتغلب على الثقافات الأخرى، ايمانا من الأمة بأن ثقافتها هي ثقافة الإسلام، وأن دينها هو خاتم الأديان، الذي ارتضاه الله تعالى للبشر، تصديقا لقوله عز من قائل: «اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا» (المائدة: 3).
إن عولمة الثقافة الإسلامية في عصر العولمة الجديد، لا يدخل في دائرة المباح أو المستحب فحسب، بل يدخل ـ في نظرنا ـ في دائرة الواجب الشرعي، انطلاقا من واجب نشر الإسلام، وإيصاله الى جميع مناطق العالم، الداخل في مضمون قوله تعالى: «قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني» (يوسف: 108)، وقوله تعالى: «كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر» (آل عمران: 110).
والحق أنه لا خيار لنا لا من الناحية الشرعية، ولا من الناحية الواقعية، أن لا نخطط لعولمة ثقافتنا، ولكن هذه العولمة تتطلب إصلاح الوضع على مستوى الداخل، لتكون الدول الإسلامية، ومن ثم الأمة الإسلامية مؤهلة لمخاطبة الخارج. فعلى المستوى الداخلي لابد من الاهتمام بتحقيق الآتي:
1 ـ صياغة دقيقة لأطر الثقافة الإسلامية العامة، بالرجوع إلى الكتاب الكريم والسنة المطهرة، والسيرة العطرة للرسول(ص) والأئمة(ع) والصحابة(ر)، الذين يمثلون الثقافة الإسلامية خير تمثيل، وتحقيق اتفاق اسلامي عليها.
2 ـ إعادة بناء الهياكل التنظيمية والإدارية في الدول الإسلامية وفقا لهذه الأطر الثقافية، لتكون ثقافة هذه الهياكل ثقافة إسلامية.
3 ـ إعادة بناء مناهج التربية والتعليم في الروضات والمدارس والمعاهد والجامعات، وغيرها من مؤسسات التعليم وفقا لهذه الأطر الثقافية، لتكون مخرجات هذه المؤسسات مؤهلة لممارسة الثقافة الإسلامية على أرضها، وقادرة على المشاركة في عولمة هذه الثقافة في خارجها.
4 ـ إعادة بناء السياسات الإعلامية، على جميع الأصعدة والوسائل، لتمثل الثقافة الإسلامية أصدق تمثيل، ولتكون قادرة على خدمة هذه الثقافة وعولمتها.
5 ـ إعادة بناء الهياكل السياسية والإدارية والإقتصادية والتجارية في الدول الإسلامية، وفقا للثقافة الإسلامية، وإزالة جميع المتناقض معها، أو الدخيل عليها في هذه الهياكل.
6 ـ خلق قواعد متينة للبحوث العلمية والمعلومات، والمشاركة الفعالة في تطوير التقنية، الى المستوى الذي يجعل الأمة الإسلامية مشاركاً حقيقيا في هذه المجالات، بدلا من أن تلعب دور المتلقي فحسب.
7 ـ إشراك جميع القادرين من الأمة في عملية صنع القرار، على جميع الأصعدة والمستويات، وفقا للنظام الإسلامي.
إن الباحث يدرك مدى شدة الصعوبات، التي تقف حائلا دون تحقيق هذه التطلعات، غير أنه يرى أنها ليست مستحيلة، إذا ما توافرت العزيمة لدى أصحاب القرار في الأمة الإسلامية على تحقيقها، والتنسيق الفعال بشأنها. وكما ذكرنا، فإنه لاخيار للأمة اليوم في تجاهل عولمة الثقافة، إذا أرادت أن يكون لها شأن في عصر العولمة الحالي، أو عصور العولمة التي تليه.
وبالرغم من أهمية جميع المجالات التي أشرنا اليها، فإن الإعلام يبقى المجال الأهم فيما يتعلق بعولمة الثقافة، لأنه الجانب الأول الملاحظ والمرئي من قبل الآخرين، وهم ينظرون إلى الثقافة الإسلامية، سواء بالسلب أو بالإيجاب، بالإستهانة أو بالإعجاب، فهل الإعلام الحالي في الدول الإسلامية قادر على خدمة عولمة الثقافة الإسلامية، ونقلها من حالة الضعف المستهدفة، الى حالة القوة الهادفة؟. لسنا في حاجة إلى انتظار وبحث، لكي نجيب على هذا السؤال بالنفي.
خامساً ـ القصور في الإعلام الإسلامي عن خدمة عولمة الثقافة الإسلامية:
المشكلة التي تمثلها معظم أجهزة الإعلام في الدول الإسلامية، أنها أجهزة لا تنتمي إلى الأرض التي وجدت عليها، ولا إلى ثقافة الأمة التي تخدمها. فأغلبها يدار بسياسات علمانية، تتناقض مع أصول الثقافة الإسلامية، فهي بدلا من أن تنشر هذه الثقافة في مجتمعاتنا، وتنقلها الى المجتمعات الأخرى، تعمل هذه الأجهزة وكأنها وكالات إعلامية وثقافية، أقيمت في البلاد الإسلامية، لخدمة الثقافات المتناقضة مع الثقافة الإسلامية. فبرامجها مبنية على أصول مادية للحياة، وعلى أن الدين الإسلامي ليس مرجعا تشريعيا للنظام وعلى أن الحقائق والأخلاق، ليست مطلقة، بل نسبية، وعلى أن الدين لا شأن له بالحياة. ولذلك فإن هذه الأجهزة تخصص للدين فقرات قصيرة في برامجها، لا علاقة لها بمشاكل المجتمع وشؤونه. بل وحتى المحطات المخصصة للبرامج الدينية، كمحطات القرآن الكريم، لاتقدم برامجها بالطريقة والمضمون، الذي يخدم الثقافة الإسلامية، لا في مجتمعاتنا، ولا في المجتمعات الأخرى بنحو أولى.
وغني عن البرهان أن الإعلام الإسلامي لا يزال غير مقنع. فعلاوة على أنه لا يمثل الثقافة الإسلامية تمثيلا صادقا وشاملا، فإنه فيما يمثل هذه الثقافة لا يقدم شيئا مقنعا يتسم بالعمق، ويحظى بالقبول والتقدير.
هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فإن المضادات الثقافية للثقافة الإسلامية تملأ مساحة كبيرة من الإعلام الإسلامي، وخاصة في القنوات الفضائية، التي تتبارى في عرض ما يدعم الثقافة الجاهلية، والفلسفة العلمانية، والحضارة المادية. ومن جهة ثالثة، فإن كثيرا من العاملين في مجال الإعلام، لا يمتلكون الرؤى الثقافية الإسلامية، وإن كانوا يمتلكون المهارات الإعلامية. كما أن كثيرا من أولئك الذين يمتلكون الثقافة الإسلامية يفتقدون المهارات الإعلامية اللازمة لعصر الفضائيات. وعلاوة على ذلك، فإن الإعلام الإسلامي، بل وحتى العمل الثقافي الإسلامي، لازال يعتمد على الإنشاء والخطابة، والعبارات العامة الغامضة، بينما يعتمد الإعلام الحديث على الوقائع والأرقام والتحليل والمتابعة، وحسن الإخراج.
نحن ـ في حقيقة الأمر ـ لا نخشى على أصول الثقافة الإسلامية من غزو الثقافات الأخرى، ولكن الذي نخشاه هو أننا مازلنا غير قادرين على ابراز أصول ثقافتنا، واظهار تطبيقاتها. والأدهى من كل ذلك أن عددا كبيرا من دولنا لازال غير راغب في ذلك.
لقد اتضح مما سبق إذن أن الإعلام الإسلامي يعاني من القصور في الشكل وفي المضمون، ويعاني من فقدان الهوية الإسلامية، بصورة كبيرة وواضحة، الأمر الذي يتطلب تدخلا عاجلا من قبل المسؤولين عنه، لتصحيح مساره، وإعطائه الهوية الإسلامية، وإكتسابه الأساليب والتقنيات الحديثة المتطورة. عند ذلك فقط نستطيع القول بأنه مهيء لعصر عولمة الثقافة بوجه عام، وعولمة الثقافة الإسلامية بوجه خاص. أما وهو على وضعه الراهن، فهو في خدمة التحديات الخطيرة على الثقافة الإسلامية.
سادساً ـ استراتيجية الفعل في مقابل رد الفعل: نحو استراتيجية شاملة لتفعيل العولمة الثقافية الإسلامية:
لعل من أهم ما يميز أجهزة الثقافة والإعلام في الدول الإسلامية، أنها تتصرف حيال القضايا التي تواجهها وفق استراتيجيات رد الفعل. وذلك حينما يتناهى إلى أسماعها أن فيلما سينمائيا أو مسلسلا تلفزيونيا، أو رواية ما، أو إعلانا ما، في مكان ما من العالم، قد أساء إلى الإسلام، أو إلى أحد شخصياته ورموزه. عندها تهب الدوائر الثقافية والإعلامية في البلدان الإسلامية، وبعد فوات الأوان، للرد على هذه الإساءة والتصدي لها، عبر ما هو متاح لهذه الدول من وسائل واتصالات دبلوماسية وغير دبلوماسية. هذا الدور وفق استراتيجية رد الفعل، غير مجد في عصر العولمة الجديد. إن الوضع العالمي الجديد يتطلب التحول السريع إلى استراتيجية الفعل، وفق خطط وبرامج مسبقة ومدروسة، لاستشراف مستقبل العالم، وتحديد المواقع التي يحتمل أن ينطلق منها الخطر على الثقافة الإسلامية، والقيام بالتحصينات اللازمة، بل والتخطيط للهجوم، قبل تلقي الضربات الثقافية التي توجه إلينا.
إن الأمة الإسلامية اليوم على مفترق طريقين لا ثالث لهما: إما أن تذوب في الثقافات الأخرى، وتستسلم للثقافات الغازية أو الوافدة، أو أن تصمد بأصولها وثوابتها، وتنافس على المواقع الأولى بين ثقافات العالم. وإذا اختارت الطريق الثاني، فإن عليها أن تهيىء الأسباب، وأن تحشد الطاقات، لكي تضمن موقعا متقدما لها بين ثقافات العالم، في حاضر سريع التغير، ومستقبل قريب الوقوع.
سابعاً ـ آفاق المستقبل:
لقد اتضح من سياق النقاط التي عرضتها هذه الورقة، أن الثقافة الإسلامية ـ في عصر العولمة الجديد ـ أمام تحديين كبيرين:
الأول: هو التحدي المتمثل في الحفاظ على الهوية في الشكل والمضمون، والتصدي لكل ما هو خطير عليها.
والثاني: هو الاستعداد لعولمة الثقافة الإسلامية في عصر لا يعترف بالضعف، ولا يحترم الثقافات التي يتخلى عنها أهلها. فكيف نحافظ على هويتنا الثقافية؟ وكيف نحميها، وكيف ـ من بعد ذلك ـ نعولمها؟.
ينبغي على أصحاب القرار في الأمة الاسلامية أن يدركوا أن الحفاظ على الهوية وحمايتها، لا يتأتى عبر حضر الأقمار الاصطناعية، واطباق الاستقبال للمحطات الفضائية، التي تبث برامجها من مختلف دول العالم، ولا يتأتى عبر حضر الصحف المعارضة والمجلات والمطبوعات المناهضة لثقافتنا، كما لا يتأتى ذلك عبر حضر أجهزة الإتصال المتقدمة، ورفض خدمة الإنترنت. إن كل ذلك أصبح اليوم عبثا لا طائل من ورائه.
إن استراتيجية الحفاظ على الثقافة الإسلامية، لا يتأتى إلا عبر استراتيجية لعولمة هذه الثقافة على النحو الذي بيناه في فقرة سابقة. وهذا يتطلب في الوقت العاجل ـ على الأقل ـ تفعيل وتنفيذ قرارات منظمة المؤتمر الإسلامي، فيما يتعلق بالإستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامي، التي انطلقت من مؤتمر القمة الثالث، وتم التأكيد عليها في مؤتمر القمة الخامس، وصادق على مشروعها مؤتمر القمة السادس، كما صادق على قرار تنفيذها مؤتمر القمة السابع، بمطالبة الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي إدخال هذه الإستراتيجية في سياساتها الوطنية الثقافية والتعليمية والتربوية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن كثيراً من المهتمين يلاحظون أن هذه الاستراتيجية، لازالت في شكل مشروع نظري، ينتظر الصياغة العملية التنفيذية (أنظر التسخيري: 57 ـ 58). وبالرغم من وجود منظمة إسلامية متخصصة، تعنى بالتربية والعلوم والثقافة (الأسيسكو)، والتي عقدت اجتماعها التأسيسي عام 1992م، إلا أن وضع استراتيجية للثقافة الإسلامية موضع التنفيذ لازال يصطدم بعقبات كبيرة. هذا بالرغم من شعور المسلمين العام بأن الثقافة الإسلامية التي تجمعهم تمثل أحد المداخل الرئيسية لوحدتهم، بل هي في نظرنا أهم المداخل والعناصر الأساسية للوحدة الشاملة. نحن مع الشيخ محمد تقي القمي، أحد رواد الوحدة الإسلامية، في منتصف القرن الماضي، في قوله: «..... إن ثقافة إسلامية موحدة ـ إذا التف حولها المسلمون ـ كفيلة بتوحيد صفوفهم...» (انظر القمي: 39).
إن آفاق واسعة أمام أقطار الأمة الإسلامية ـ في عصر العولمة الجديد ـ لكي تتوحد حول ثقافتها، وتوظف الإمكانيات العلمية والتقنية الحديثة في مجال المعلومات والاتصالات، لخدمة الثقافة والوحدة الإسلامية كمقدمة أساسية وضرورية، وذلك لتهيئة الثقافة الإسلامية، لخوض معركة العولمة، باقتدار وأصالة، واستيعاب للمتغيرات الجديدة، التي تحدث في العالم. وهي متغيرات لا يمكن للثقافة الإسلامية ـ كما قلنا ـ أن تكون بمعزل عنها.
ويحسن بنا أن نشير في نهاية هذه الورقة، إلى أن آفاق المستقبل ستكون ضيقة جدا أمام الثقافة الإسلامية، لو أغفل المسلمون العوامل التي أوجزتها هذه الورقة، وستكون ثقافتهم أول الضحايا في معركة العولمة الجديدة، التي لا تعترف بالضعف ـ كما ألمحنا من قبل ـ ولا تقيم وزنا إلاّ بالقوة.
والحمد لله أولا وآخرا
المراجع حسب تسلسل ورودها في الورقة:
1 ـ القرآن الكريم.
2 ـ ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم، «لسان العرب»، نشر أدب الحوزة، 1405.
3 ـ الشبيبي، محمد رضا، «إلى الدين من جديد»، رسالة الإسلام، السنة الأولى، ربيع الأول 1368 هجرية ـ يناير 1949م، العدد الأول، ص: 45 ـ 47.
4 ـ التويجري، عبد العزيز بن عثمان، «الهوية والعولمة من منظور حق التنوع الثقافي»، رسالة التقريب، الدورة السادسة، محرم ـ ربيع الأول 1420 هجرية ـ 1999م، العدد الثالث والعشرون، ص 123 ـ 138.
5 ـ التسخيري، محمد علي، «الدور الحضاري المستقبلي للأمة وموقع منظمة المؤتمر الإسلامي»، رسالة التقريب، الدورة السادسة، ربيع الثاني ـ جمادى الثانية، 1420 هجرية ـ 1999م، العدد الرابع والعشرون، ص: 45 ـ 65.
6 ـ القمي، محمد تقي، «وحدة المسلمين حول الثقافة الإسلامية»، رسالة الإسلام، السنة الأولى ربيع الأول 1368 هجرية ـ يناير 1949م، العدد الأول، ص: 36 ـ 39.